-->

رواية جديدة بين دروب قسو ته لندا حسن - الفصل 11 - 2

قراءة رواية بين دروب قسو ته كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية بين دروب قسو ته

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ندا حسن 



الفصل الحادي عشر

الجزء الثاني

❈-❈-❈


العودة للصفحة السابقة

جلست "سلمى" في غرفتها بعد صعود زو جة عمها وابنتها إلى غرفهم، ذهبت هي الأخرى إلى غرفتها وجلست بها، تفكر فيما فعله "هشام" وما فعله عمها وتلك الأحداث التي أتت خلف بعضها هكذا دون سابق إنذار وقبل أن تخطط لأي شيء..


ربما ما فعله "هشام" كان مناسب لجعلها تتفهم ما الذي تريده هي، لقد كانت موافقة عليه وتود الإرتباط به على الرغم من أنها تحب "عامر" وتريده هو لكن ما بقيٰ منها يرفض ذلك فتركض بخبية أمل ناحية الآخر لتكمل ما بقيٰ من حياتها معه على أمل أن 

تحبه يومًا ما..


ولكن حضور "هشام" المفاجئ إليهم ليتقدم لخطبتها جعلها تستفيق مما كانت به وأشعرها بالرهبة والخوف مما تفعله ومما هي قادمة عليه، كيف لها أن تكون بهذه الحـ ـقارة؟ تعشق رجـ ـل وتريد الزو'اج من آخر؟ وما ذنبه هو ليتحمل إمرأة خائـ ـنة القلب مثلها؟ ما ذنبه ليبقى معتقدًا أنا تحبه وتهواه من قلبها وذلك القلب الخـ ـائن من الأساس مع رجـ ـل آخر!.. 


لا تريد ذلك، لا تريد الزو'اج منه، هي لا تحبه، لا تريد تكملة دربها المفقود معه، قلبها إلى اليوم لم يجد أحد آخر غير الخـ ـائن حبيبها السابق ليكمل معه ذلك الدرب ومنذ الفراق وهو مفقود..


ما توصلت إليه اليوم وكان من أهم الأشياء التي حدثت أنها لا تريد الزو'اج من "هشام" تراجعت عن ذلك ولن تفعلها حتى لا تظلم نفسها وتظلمه هو من قبلها بزو'اجه من خائـ ـنة..


بينما ما فعله عمها لا تدري ما الغرض منه، ولما رفضه بهذه الطريقة؟، ولما الآن فقط وأمامه أقترب من "عامر"؟ تساؤلات كثيرة داخل عقلها ليست حاصلة على أي إجابة وربما لن تحصل ولكنها تريد أن تفهم لما قد يحدث كل هذا!.. 


قبل أن تكمل تفكيرها دق باب الغرفة، تقدمت ثم فتحته فطل من خلفه عمها، فتحت الباب إلى آخره وأشارت إليه بيـ ـدها ليدلف إلى الداخل ففعل وتوجه ليجلس على الفـ ـراش فبقيت هي واقفة على قدميها تنتظر منه الحديث..


لكنه أشار إليها لتأتي وتجلس جواره، تقدمت ببطء وفعلت كما طلب منها ثم نظر إليها وأردف بصوت هادئ حنون:


-سلمى يا حبيبتي أنتي عارفه إني عمري ما ازعلك ولا أاذيكي.. أنا بس عايز مصلحتك وأنا شايف أن مصلحتك مش مع ده 


أردفت بجدية ويقين أنه يفعل ذلك لأجل الحفاظ عليها ولكن في تلك اللحظة داهم عقلها سؤال ألقته عليه:


-وأنت عارف إن عمري ما أكسرلك كلمة لأني عارفة ومتأكدة إن اللي بتعمله لمصلحتي.. لكن سؤالي هنا عايز تجـ ـوزني لعامر؟


رد رافضًا ما قالته بقوة داعمًا موقفها مهما كان:


-لأ طبعًا طول ما أنتي رافضة عامر أنا رافضة ومش موافق على جـ ـوازك منه


رفعت حاجبيها للأعلى وتسائلت باستغراب بعد تفهمها أنه مازال رافضًا زوا'جها من ابنه:


-طب أنا عايزة افهم ليه رفضت هشام؟ وايه اللي خلاك تقرب من عامر بالطريقة دي فجأة كده؟


أجابها بما صرح به لابنه بالأسفل وأكمل حديثه مُتسائلًا باستفهام:


-هشام ده مش سالك وأنا مش مرتاح ليه نهائي، تعرفي إن ده أكبر منافس لينا؟


تذكرت أن "عامر" كان قد قال لها هذا الحديث سابقًا ولكن ما دخلها بكل ذلك:


-عامر كان قالي قبل كده، بس أنا ماليش علاقة بأي حاجه بتحصل 


استغرب كيف لها أن تقول هكذا، أنها هنا تمتلك مال وبيت وأسهم في الشركة كما الجميع، أوضح لها قائلًا:


-مالكيش إزاي يا سلمى.. أنا خايف عليكي صدقيني الناس دول لو وصلت معاهم للقـ ـتل علشان مصلحتهم يعملوها 


اتسعت عينيها أكثر عن وضعها الطبيعي وتسائلت برهبة:


-يعني ايه؟ 


وضع يـ ـده فوق كف يـ ـدها الموضوع على ركبتها وقال بجدية مُحاولًا معها إلى أن تتفهم حديثه وتقتنع به:


-يعني اللي سمعتيه يا سلمى، هما مش زينا وعمرهم ما هيكونوا زينا، أنتي فكرك أنا ساكت عن إيناس ليه وأنا عارف إن عامر معاه حق؟


أكمل بجدية وهي تنظر إليه تستفهم من حديثه أي شيء:


-إيناس مهما راحت ولا جت مش هتعرف تعمل معاكي أي حاجه ولا توديكي في طريق غلط لأن أنا عارف تربيتنا عاملة إزاي.. لكن دلوقتي أنا ملاحظ إنك بداتي تتخلي عن مبادئك


أنكرت ما قاله بشدة ودافعت عن صديقتها وابن عمها أمامه ولم تكن تعلم أنها بلهاء تدافع عن من يريدون إلحاق الأذى بها:


-لأ يا عمي أنا متخلتش عن مبادئ اللي حصل كان غلطة وإيناس بنت كويسه حتى هشام مشوفتش منه حاجه وحشه 


أردف بصوت جاد وبه بحه من الرجاء الخالص لها:


-سلمى أبعدي عنه الولد ده وخلي علاقتك بايناس محدودة.. علشان خاطر عمك يا سلمى أنا خايف عليكي 


وقفت على قدميها تنظر إليه وعقلها لم يستوعب أي كلمة مما قالها، هتفت بجدية شديدة وهي تتسائل بضيق وانزعاج لما يحدث وهي لا تفهم شيء:


-خايف عليا من ايه أنا مش فاهمه حاجه.. عمي أنت كلامك من الشرق والغرب وبجد مش فاهمه فيه ايه


رد عليها بتفهم وجدية واضحة مؤكدة حديثه السابق مرة أخرى: 


-اللي قولته واضح يا سلمى، ناس مش كويسه يمكن طمعان فيكي يمكن ليه غرض تاني المهم أنهم مش كويسين أنا عارفهم يابنتي..


أكمل بهدوء لكي تقتنع أنه لا يغصب عليها في شيء وأن لها حرية الإختيار:


-أنا لسه عند رأي اللي أنتي عايزاه هيحصل ولو مش عايزة عامر يبقى لأ وليكي حرية الإختيار لكن ده لأ يا سلمى لأ


وقفت أمامه ونظرت إليه للحظات، ترى صورة والدها به، إنه يحبها ويستحيل أن يلحق الأذى بها ويعرف ما الذي يتحدث عنه، لو كان والدها لسارت خلف حديثه وهي مغمضة العينين ولأنه شقيقه ستفعل ذلك:


-على الرغم من أني مش مقتنعة بالكلام ده لكن كلامك هيمشي


وقف على قدميه وأقترب منها مُحتضن إياها وهو يحمد الله داخله أنها اقتنعت بحديثه لكي تبتعد عن ذلك الشاب الذي يشعر أن الخراب سيأتي من أسفل رأسه:


-هي دي بنتي 


بقيت للحظات ساكنة في أحضانه ولكن عقلها لم يهدأ أبدًا...


بعد خروج عمها من الغرفة استمعت إلى صوت رنين هاتفها، تقدمت منه لتراه هو "هشام" يهاتفها..


أخذت الهاتف وقامت بالايجاب عليه ثم رفعته على أذنها ولم تتحدث بحرف واحد إلا وكانت تستمع لصوته الغاضب عبر الهاتف:


-ايه اللي عملتيه ده.. بعد ما أعملك مفاجأة علشان افرحك وأجي اخطبك ترفضيني عادي كده علشان خاطر عمك وابنه 


أجابت على حديثه بجدية وعينيها تدور في المكان من حولها قائلة بقوة وتأكيد:


-أنا مرفضتش أنا وافقت على كلام عمي لأني مقدرش أكسر كلامه.. عمي هنا يبقى مكان بابا وهو ولي أمري


صرخ بعـ ـنف وهو يهتف بقوة عبر الهاتف وكانت شرارات الغضب تقطر منه من كل جانب بسبب فشل مخططه:


-يعني ايه ولي أمرك هو أنتي عيله أنتي عندك ستة وعشرين سنة بلاش شغل عيال صغيرة


ضغطت على حديثها الجاد حرف خلفه الآخر كي يلزم حده معها: 


-كلمني بأسلوب كويس ووطي صوتك


مرة أخرى يهتف بنبرة حادة وفي نهاية حديثه يتسائل باستغراب وقوة: 


-أنتي خليتي فيها كويس.. أنا مش متخيل إزاي قدرتي توافقي كده بسهولة معقولة أنتي بتحبيني.. معقولة!


صمتت للحظة كانت بها لا تعرف ما الرد المناسب على حديثه الحقيقي، تقول أنها لا تحبه حقًا؟ أم تكمل في الكذب وتقول أن هذه رغبة عمها: 


-هشام الموضوع مش كده 


استمعت إلى صوته الحادة الذي تسائل بقوة وغل استشعرته به:


-لأ كده وأبو كده.. ولا تكونيش لسه بتحبي عامر 


ضغطت على نفسها لتكمل ذلك الحديث الكاذب، فهي لن تستطيع أن تعترف بما فعلته ستكون خائـ ـنة وهي تعرف جيدًا معاناتها كيف تكون:


-أنا لو بحب عامر مكنتش هوافق على جـ ـوازنا 


صرخ مرة أخرى بصوته الحاد على ذكر ابن عمها وقال بقوة واستغراب حقيقي لأنه كان متوقع أن توافق عليه دون تفكير:


-واديكي رفضتي وابن عمك عامل نفسه كبير عليكي وبيرفض بقلب جامد وأنتي ساكتة.. إزاي مش عارف


جلست على الفـ ـراش بضعف ثم أجابته بقلة حيلة وضيق شديد احتل كيانها: 


-أنا مكنش ينفع أكسر كلام عمي يا هشام.. صدقني غصب عني اللي حصل ده 


هددها وبنرة حادة وهو يعلم أثر كلماته عليها الذي سيخفيها بعد قليل وكأنها لم تأتي ولكن ستزرع الرهبة بها:


-كلميه وقوليله إنك موافقة على الجواز مني وبتحبيني وإلا مش هيحصل كويس 


للحظة شعرت بالخوف واستمعت إلى كلمات عمها المحذرة إياها منه في أذنها ولكنها تسائلت باستنكار:


-قصدك ايه


أصبحت نبرته لينة ضعيفة، رخيمة تحمل إليها الحب والحنان وما بدر منه ما هو إلا غضب لأجل سرقـ ـتها منه:


-قصدي إني بحبك يا سلمى وأنتي عارفه كده، وعارفه بقالي قد ايه بصبر نفسي علشان تكوني ليا ومعايا وبعد كل ده نبعد كده عادي 


حاولت الحديث والبدأ باعتراف كي تستطيع أن تكمل:


-أنا آسفة بس...


مرة أخرى يلعب على ذلك الوتر الحساس وهو يڨاطعها:


-مابسش أنا مستعد أجي مرة تانية وانسى كل اللي حصل علشان خاطرك.. علشان نكون مع بعض


يعلم أنها تحب "عامر" ولكن يعلم أيضًا أن ضميرها لا يتركها يوميًا بسببه، بسبب أنها جعلته ينتظرها منذ عام على أمل الزو'اج منها، لن تكسر خاطرة وتكون خـ ـائنة كما "عامر":


-أنا مش هقدر استغنى عنك بالسهولة دي يا سلمى.. مستحيل أنا حياتي كلها واقفة عليكي دلوقتي وأنتي كنتي موافقة من الأول مكنتش أعرف إن كل ده هيحصل 


أجابته بقلة حيلة وهي ترى نفسها المخطئة هنا:


-ولا أنا كنت أعرف إن ده هيحصل 


تحدث بجدية وقوة قائلًا:


-يبقى تتصرفي.. أنا أبويا وافق على الجـ ـواز وسألني ومقولتش أنه رفض أنا قولت إنكم هتفكروا ياريت بقى تخلصي الموضوع ده 


أومأت برأسها عدة مرات وكأنه يراها ثم نطقت بكلمة الموافقة من بعدها تهربت لإغلاق الهاتف:


-طيب.. أنا هقفل دلوقتي 


فعلتها دون حتى الاستماع إلى حديثه، أنها الآن في موقف لا تحسد عليه أبدًا، لقد وقعت في شر أعمالها، كانت تحاول أن تنساه فجعلت غيره يقع في حبها وهي تمادت في الأمر وجعلته يتعلق بها إلى درجة بعيدة وأصبح البعد عنه شيء صعب عليها للغاية


ضميرها لن يتركها ترتاح لأنها من فعلت به ذلك وفتحت له الطريق للإقتراب منها وهي من أعطته الموافقة في بداية الأمر وجعلته يتعايش على أمل الزو'اج منها.. 


لم تكن تعلم أنها ضعيفة إلى هذه الدرجة وستعود عما كان في رأسها وتتطالب بشخص غيره وغيره وغيره إلى أن تصل إلى مرادها المرفوض "عامر"


ليتها رحلت مع من رحلوا منذ عامين، كان الوضع سيكون أفضل من هذا بكثير.. على الأقل لن تكون وحيدة إلى هذه الدرجة..


ليتها تستطيع أن تفهم لما عمها قام بفعل ذلك، ولما تحدث عنه هو ووالده بهذه الطريقة لأول مرة، ولأول مرة بحياتها تراه يتحدث عن أي أحد بالسوء من الأساس، ليتها تستطيع أن تغير ما حدث وما فعله الجميع..


ليتها تستطيع أن تنزع حب "عامر" من قلبها وتضع ذلك الأحمق الآخر مكانه لتستطيع أن تقف في وجه الجميع وتطالب بالزو'اج منه مهما كانت العواقب..


الشجاعة مسلوبه منها لفعل أمر كهذا والأسباب كثيرة كأنها لا تحبه من الأساس، كأنها لا تريد الزو'اج منه، كأنها لن تجعل حديث عمها يضرب به عرض الحائط لأجل سواد عيناه..


يطلب منها حل وينتظرة، ما الذي بيـ ـدها تفعله؟ لقد وافقت على حديث عمها بل وقالت له أنها ستبتعد عنه من الأساس، وحتى لو لم تقول هكذا ولم يفعل عمها هذا من البداية، "عامر" لم يكن ليتركها تفعل ما يحلو لها معه، لم يكن ليتركها تذهب وتخرج هكذا دون وقفة حادة منه معها، هو من الأساس يتحدث عن الزو'اج منها بكثرة هذه الأيام وقلبها يرتاب منه ومن أفعاله الدنيـ ـئة التي اعتادت عليها..


أتدري ما عليها فعله! الانتظار.. حقًا هذا هو..


أن تجلس بهدوء وحدها في ركن بعيد عن الضجيج المزعج منتظرة العاصفة المُدمرة، التي ستسلب منها كل ما بقيٰ، أو تعطيها حتى ترضى


❈-❈-❈


"اليوم التالي"


وقفت "سلمى" في غرفة المكتب التي كانت تخص والدها الراحل، وقفت في أحد زوايا الغرفة أمام مكتبة الكتب الخاصة به، تنظر إليها بعينين ذابلة حزينة، توزع نظراتها عليها وهي غير واعية لما تبصره من الأساس..


عقلها منشغل بما حدث معها، وما الذي عليها فعله بعد ليلة أمس وأحداثها الغريبة كُليًا، كم تحاول تصفية ذهنها وعدم التفكير في أي شيء يجعل رأسها يداهمه الصداع الشرس الذي ينهش به..


مدت يـ ـدها وأمـ ـسكت بكتاب من بين الكتب الموضوعة على رفوف المكتبة أمامها.. أمـ ـسكته تنظر إليه بعينيها ثم مرة أخرى وضعته في مكانه بضيق وتشتت واستدارت بجـ ـسدها تعود للخلف ذاهبة لكنها اصطدمت به!..


منذ لحظات وهو يقف هنا خلفها مباشرة يتابع ما تفعله، تأخذ الكتب وتضعها مرة أخرى في مكانها، يبصر بعينه خصلاتها السوداء اللامعة بالبُنية، يبصر كل زفره ضيق ويستمع إليها مُستمتعًا بأي حركة تصدر عنها، يستنشق عبيرها الرائع الذي يدغدغ أنفه كلما تحركت خطوة بسيطة..


استدارت تذهب لكنها تعثرت به، وجدته جـ ـسد صلب شامخ يقف أمامها ولا يفصل بينهم شيء، عادت للخلف خطوة واحدة لترى أن المكتبة خلف ظهرها فلم تستطع الإبتعاد أكثر عنه..


بنظرة من عينيها على خاصته قد ظهر له أنها لا تفكر في أي شيء الآن، نظرة واحدة فقط فهم منها وأدرك أنها حتى لا تريد التفكير، تبدو مُشتتة، حزينة وهو أتى ليزيدها حزنًا ثم سيسلبة منها مرة واحدة دون أي إنذار..


بقيت تنظر إليه، عينيها تبادله النظرات الحزينة، الضعيفة، أزاحت كل شيء عن عقلها وبقيت تنظر إليه، هل هذا يكفيها منه؟ بعض النظرات فقط؟..


تنهدت بعمق أمامه مغلقة عينيها بهدوء ثم فتحتهما وأشارت إليه بيـ ـدها قائلة بنبرة خافتة:


-عديني 


أخذ دورة للتعمق بنظراته عليها وخاصة عينيها ذات اللون الزيتوني، وقال بجدية مُلقيًا حديثه عليها:


-استني.. عايز أتكلم معاكي 


أجابته بهدوء كما هي تبصره بدقة:


-نعم


أردف بجدية شديدة ووضوح تام وبعينين قوية فعلها ناظرًا إليها:


-أظن كده كفاية أوي.. إحنا لازم نتـ ـجوز 


فتحت عينيها المُتسعة عليه بصدمة وذهول تام، كيف له أن يكون هكذا؟ يتحدث وكأن الأمر حتمي ويجب فعله، ابتسمت بسخرية لاذعة ثم قالت:


-مين قال إنه لازم؟ ومين قال إني هتجـ ـوزك يا عامر... أظن أن أنا وأنت والعيلة كلها في غنى عن كلامي اللي بقوله كل شوية واللي هو إني مش هتجـ ـوزك مهما حصل 


عاد للخلف خطوة بعد أن وضع يـ ـده داخل جيوبه ثم أعطاها ظهره قائلًا بتأكيد وثقة:


-ده كلام فارغ مش هيحصل منه حاجه 


أطلقت الكلمات منها بعـ ـنف بعد أن أغضبها حديثه الذي يصر عليه:


-هتتجـ ـوزني غصب؟


استدار بهدوء تام ونظر إليها بعينين حادة قائلًا بثقة:


-لأ برضاكي وهاخد الموافقة منك دلوقتي 


رفعت يـ ـدها الاثنين أمام صـ ـدرها ونظرت إليه بسخرية شديدة ثم أردفت:


-ودي هتعملها إزاي بقى؟


ابتسم هو الآخر يبادلها تلك السخرية ولكنه كان كالصقر الجارح، كان فهد، في تلك اللحظات وبعد سخريته مثلها كان كالصياد الماهر المنتظر القبض على فريسته، أقترب منها ما ابتعده ويـ ـده مازالت في جيبه، تحدث ببرود وقسـ ـوة ظهرت على منحنيات وجهه:


-أنا مكنتش أحب أخد موافقتك كده لكن أنتي اللي بتضطريني.. بس معلش ولأخر مرة هسألك موافقة على جـ ـوازنا يا سلمى برضاكي؟..


أقتربت الأخرى خطوة مثله، تقلصت المسافة بينهم أكثر، وقفت أمامه وجهًا لوجه وبكل عنـ ـف وقوة أجابته ماحية كل مرة ضعف شعرت بها:


-نجوم السما أقربلك مني.. إنك تمسك نجمة من السما أقرب من إنك تتجـ ـوزني وتلمس مني شعرة واحدة يا عامر 


أبتعدت شفـ ـتاه الرفيعة عن بعضهما وهو يبتسم ببرود، نظر إليها للحظات وأخرى بثبات وعيناه تلقي عليها ما لم تفهمه، ثم في لحظة أخرج يـ ـده من جيبه ساحبة معها هاتفه ليفتحه أمام وجهه ثم يأتي بما يريد أن تراه وهنا نستطيع القول إنه انخفض إلى أبعد من مستوى الدنـ ـائة...


مد يـ ـده إليها بالهاتف فنظرت إليه باستغراب وعدم فهم، لكنها بالأخير أخذته منه، أشار إليها بعيناه أن تنظر به ففعلت..


ابتعد عنها وأخذ يُسير في غرفة المكتب ببرود تام، ثم تحدث بكل القسـ ـوة الموجودة في العالم، وبكل القهر أشعرها بذلك قائلًا:


-بصوابع ايـ ـدك الحنينة الحلوة اللي كنتي بتمسكي بيها ايـ ـد هشام الصاوي فري في الموبايل وتأملي نفسك وجمالك الخلاب


استدار في سيره ينظر إليها بوقاحة وخبث شامتًا بها:


-الصور فيها هضاب ومرتفعات بس جامدة الصراحة، تخيلي بقى بعد موت عمي اللي يرحمه الراجل الطيب الأصيل بنته تعمل فيه وفي سمعته كده؟ لأ لأ مايصحش.. تعرفي إني الصور دي في صالحي من أي إتجاه


وقف ثابتًا على بعد خطوات منها ينظر إليها بثبات وقوة ولم يحمل لها في تلك الكلمات إلا القسـ ـوة والذل:


-مهو أصل أنا لو نشرتها هتتفضحي وعمي الله يرحمه معاكي والعيلة كلها وبعدها هتجوزك علشان نلم الفضيحة.. ولو حبيتي نمسح الصور هنمسحها وتتجوز من غير فضيحة وكان يعز عليا والله إني احطك في الموقف ده بس أنتي اللي عملتي كده 


انهمرت الدموع من عينيها بغزارة، تنظر إلى صورها الفاضـ ـحة في هاتفه، تستمع إلى حديثه القـ ـاسي الذي ينهش بجـ ـسدها دون رحمة أو هوادة، انهمرت الدموع بكثرة وهي لم تستطع الحديث أو النظر بوجهه، كيف له ان يفعل بها ذلك؟ كيف؟


بقيت على وضعها لحظات وعقلها لا يطرح عليها إلا التساؤلات الغير موجود لها إجابة، في لحظة خاطفة رفعت عينيها الباكية عليه لتراه يتعمق بالنظر عليها..


فور أن رأته ينظر إليها دون ذرة شفقة بعينيه فارت الدمـ ـاء بعروقها واشتعل الغضب داخلها، تقدمت منه بخطوات سريعة متعثرة ثم ألقت الهاتف بوجهه لكنه تمسك به جيدًا ونظر إليها مُبتسمًا بسخرية..


أقتربت أكثر ثم رفعت يـ ـدها في الهواء لتهوى عليه بصفعة تذكره بمن هي ومن هو ولكنه لم يجعلها تحذر بأن ذلك سيحدث، أمـ ـسك بذراعها وثناه خلف ظهرها ثم أمـ ـسك بالآخر بعد أن ألقى الهاتف من يـ ـده على المقعد جواره، جعلها تستدير إليه لتواجهه بظهرها وضغط على ذراعيها الاثنين بعنـ ـف وقسـ ـوة هاتفًا بضراوة بجوار أذنها بعد أن قربها منه للغاية:


-الفرح هيبقى بعد شهر من دلوقتي وهتقولي للكل إنك موافقة بمزاجك وإلا أنتي عارفه اللي هيحصل 


استمع إلى نحيبها الذي خرج منها ولم يرأف بها أبدًا متذكرًا خيانـ ـتها لثقته وخروجها مع ذلك الحيوان فصاح بعـ ـنف وشراسة أكثر وهو يضغط على ذراعيها:


-مش هسيبك تروحي مني مهما حصل.. مش هتكوني لحد غيري 


أردفت بضعف ونبرة خافتة خرجت من بين شهقاتها المستمرة بفعل بكائها:


-أنا بكرهك




يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ندا حسن من رواية بين دروب قسو ته، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية




رواياتنا الحصرية كاملة