رواية جديدة بين دروب قسو ته لندا حسن - الفصل 8 - 2
قراءة رواية بين دروب قسو ته كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بين دروب قسو ته
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ندا حسن
الفصل الثامن
الجزء الثاني
"بعد يومين"
بعد تواجد الجميع في غرفهم داخل هذه الفيلا التي فقدت روحها منذ عامين وإلى اليوم ليس هنا أي شخص داخله تعمل معه، هناك من فقد روحه للأبد وهناك من تبادل مع الآخر أرواح مأخوذة بالقوة..
كان يرتدي ملابس بيتيه، بنطال أسود قطني يعلوه قميص بنصف كم من اللون الرصاصي حذاء منزلي بإصبع واحد مفتوح من الأمام والخلف، خصلات شعره السوداء مصففة بعناية ومظهره أنيق يتناسب مع هيئته في الخارج ومع اسمه "عامر القصاص"..
سار بهدوء في الصالة ويـ ـده الاثنين في جيب بنطاله، تقدم إلى مكتب والده الذي كان مفتوح إلى المُنتصف، وقف أمامه للحظة واحدة يأخذ نفس عميق براحة ووجه هادئ للغاية يحث نفسه على التكملة بنفس هذا الوضع حتى يخرج من الداخل..
دلف إليه وسار إلى أن وقف أمام مكتبه ووالده تحت ناظريه يراه وهو يعمل على أوراق بيـ ـده يرتدي نظارته وينظر إلى الأوراق بدقة.. وقف "عامر" أمام المكتب وأصدر حمحمة رجولية من فمه حتى يجذب انتباه والده إليه..
رفع والده عينيه من على الأوراق ونظر أمامه ليجد ابنه يقف هكذا يضع يـ ـده الاثنين في جيوب بنطاله وينظر إليه بجدية، أخفض النظارة من على وجهه واضعًا إياها على المكتب أمامه ثم أخرج كلمة وحيدة مُتهكمة من فمه:
-خير؟
أخرج "عامر" يـ ـده اليمنى من جيبه ورفعها إلى جبينه يمسح عليه بحدة، أخفض يـ ـده وحمحم مرة أخرى ثم أردف بجدية وعيناه البُنية على والده:
-خير متقلقش
صمت من بعد هذه الكلمات وبادلة والده نفس ذلك الصمت واضعًا يـ ـده الاثنين على المكتب أمامه متشابكين منتظر أن يكمل ويقول ما يريد، ففعل وتفوه بكلمات جادة للغاية ناظرًا إليه:
-أنا عايز اتجوز سلمى
بقيت نظرات والده عليه بل اخفضها ليأتي به من الأسفل إلى الأعلى واستقر أمام عيناه بثبات وكأنه في البداية يشعره بكم الاستهزاء الذي وقع عليه:
-ومين قالك أن سلمى هتوافق ولا أنا حتى هوافق
وضع "عامر" يـ ـده داخل جيبه مرة أخرى ووقف أمامه شامخًا حرك رأسه للأمام وضم شفتـ ـيه إلى بعضهما ثم هتف يتساءل:
-طب سلمى وعارفين مش هتوافق ليه أنت بقى ايه المانع
عاد والده للخلف يستند بظهره إلى ظهر المقعد وأبعد يـ ـده عن المكتب قائلًا بوضوح:
-أنت عارف المانع كويس وكان واضح من الأول
تحدث "عامر" باستهزاء وسخرية وداخله يموت أكثر من مرة في الثانية لأجل ما يفعله معه والده، ولكنه يقابله بالبرود التام:
-آه كان واضح حتى إنك قولت لعمي الله يرحمه بلاش دا ابني وأنا عارفه على أساس محدش يعرفني غيرك
أكمل على حديثه بنبرة جادة:
-بالظبط كده ولسه عند كلامي.. سلمى متستاهلش واحد زيك، البنت جميلة وبريئة وردة مفتحة محتاجه اللي يظهرها ويظهر جمالها.. مش أنت، كفاية اللي حصلها بسببك
اهتاج بعد الاستماع إلى هذا الحديث وأخرج يـ ـده من جيبه ورفعها أمامه يحرك إصبعه السبابة واثقّا من حديثه الذي أصبح حاد:
-سلمى مش محتاجة غيري ومش هتكون لحد غيري لو هعاند الدنيا كلها وأنت وهي أول ناس بردو مش هتكون لغيري
أبصره والده بقوة للحظات وهو يعيد ترتيب حديثه داخل رأسه ثم عقب بجدية شديدة:
-أنا لو هقف قصادك العمر كله مادام هي رافضة ومش عايزاك مش هسمحلك تغصبها وتضغط عليها واللي هي تختاره هتاخده، أنا هنا مكان أبوها اللي رمامها ليك
أخفض "عامر" يـ ـده ونظر إليه بقوة اجتاحتها القسـ ـوة هاتفًا:
-وأنا بقولك يا أنا يا مافيش... أعتبر الرجـ ـالة خلصت لحد هنا
أكمل حديثه هذه المرة بنبرة عادية ينظر إليه بعمق ليجعله يفهم أنه سيفعل ما يريد مهما حدث ولن تكون إلا له:
-أنا جيتلك الأول احترامًا لأنك أبو البيت زي ما بيقولوا بس الظاهر إن مالكش رغبة في الموضوع ده.. ننقل بقى لصاحبة الشأن نفسه وهي هتوافق وبكرة تشوف
وضع يـ ـده في جيبه مرة أخرى ونظر إليه بتحدي وعمق ثم استدار رافعًا رأسه يصدر صوت صفير حاد عالي وهو يسير للخارج ببرود، منذ لحظات قليلة كان يشتعل لأجل حديثه الغير مقبول بالنسبة إليه أبدًا، ماذا عن الآن يبدو باردًا، هادئ، يفعل ألحان من ذلك الصوت الذي يصدره من فمه..
سار بثبات وهدوء وكأنه يخطط لشيء ما نتيجته محسومة بالنسبة إليه..
نظر إليه والده ورآه وهو يخرج من المكتب دون أدنى اهتمام يعطيه إليه، بل أشعره باللا مبالاة التامة من ناحيته، يخاف على ابنة أخيه منه خوف يقتل داخله، تركها "عامر" عامين ولم يفتح الأمر مرة أخرى وكونه الآن فكر بده فهو سينفذ ولكنه لن يتركه يفعل معها أي شيء لا تريده..
سيقف جوارها ويبقى معاها إلى أن يطمئن عليها.. سيكون سند لها وحتى إن أضطر إلى أن يقف أمام ابنه كما قال..
لن يتركه يفعل بها ما يريد، ولن يتركها تأخذ القرار وحدها فهو يعرف أنها إلى الآن تحبه وتهوى قربه أكثر من أي شيء آخر ولكن الماضي يؤثر عليها في كل مرة تقرر العودة إليه..
❈-❈-❈
جمعت أشيائها الخاصة في حقيبتها الصغيرة ذو اللون الأسود، ثم وضعت الحاسوب في حقيبته ووقفت على قدميها تأخذهم الاثنين بيـ ـدها اليسرى تسير متجهة إلى خارج مقر الجمعية، ورفعت مفاتيح سيارتها التي كانت تتمسك بها في يـ ـدها اليمنى، حركت وجهها للناحية اليمنى بقوة لتتحرك خصلات شعرها القصيرة إلى الخلف كي لا تزعجها..
أثناء سيرها في الرواق وجدت من يتقدم منها بابتسامة عريضة ووجه بشوش، لقد كان "هشام" يدلف ومعه "إيناس" ابنة عمه وقفت في مكانها بعد أن رأتهم ولم تتحرك خطوة نظرت إليهم باستغراب وهتفت بجدية:
-ايه ده محدش قال إنكم جاين يعني
ضيق عينيه عليها بخبث وأردف بطريقة مُعاتبة مازحة ليبقى قناع وجهه كما هو:
-ايه مكنتيش عايزانا نيجي ولا ايه
حركت رأسها وابتسمت بهدوء مُجيبة إياه بنفي:
-لأ طبعًا مش قصدي.. بس مفاجأة يعني مش أكتر
تحدثت "إيناس" هذه المرة وهي تقترب منها بعيون حادة كعيون الصياد البارد الذي يدعى البراءة:
-بعد اللي حصل آخر مرة هشام قرر يعوضنا بسهرة حلوة وفي مكان عامر مستحيل يعرفه
اعترضت على هذا الحديث والإقتراح الغبي المقدم من ناحيتهم:
-لأ لأ يا جماعة معلش أنا بجد تعبانة النهاردة
أبصر عينيها بعمق وقوة وأردف بنبرة جادة:
-مش هتفلتي مني يا سلمى أنا بقالي كام يوم مش عارف أقعد معاكي
كرمشت ملامح وجهها وحاولت الإعتراض مرة أخرى بطريقة أقوى كي تتراجع هي وهو:
-هشام والله مرة تانية بجد أنا تعبانة
استمعت إلى صوت "إيناس" الساخر منها التي تعلم جيدًا ما هي مخاوفها:
-تعبانة ولا خايفة من عامر
حركت وجهها إليها ونظرت إلى عينيها بعمق للحظات خلف بعضها دون حديث ثم أجابتها بحدة قليلة وضيق ارتسم على ملامحها:
-وأنا هخاف منه ليه يا إيناس قولنا مليون مرة هو من طريق وأنا من طريق القصة كلها في إنه شافني في وضع وحش
تدخل "هشام" قائلًا بنبرة مُلحة ليجعلها توافق على تطلبه وتتقدم معه إلى المكان الذي يريده:
-طب وأنا اعتذرت عن الوضع الوحش ده وهو مش هيشوفك خلاص بقى
حركت رأسها بنفي مرة أخرى واعترضت بجدية واضحة:
-بجد مش هينفع
أقترب منها خطوة وهو يُصر عليها بقوة ضاغطًا عليها أكثر عندما أخذ منها حقيبة الحاسوب ورفع عينيه صوبها ببراءة لا مثيل لها:
-لأ هينفع هاتي
أخذت نفس عميق ما أن أخذ حقيبتها ثم أردفت متسائلة وبعدها أشارت إلى ملابسها المكونة من بنطال أبيض يعلوه قميص حرير لونه وردي تختفي أطرافه داخل البنطال وحذاء رياضي مريح:
-طب رايحين فين وبعدين بصوا شكلي
تقدمت منها الأخرى وأمـ ـسكت بيـ ـدها قائلة بابتسامة عريضة:
-شكلك زي القمر وبعدين إحنا هنروح مكان أمان ومحدش هيشوفك
تابعتها "سلمى" بعينيها وتسائلت:
-فين ده؟
بنفس تلك الابتسامة أجابتها وعينيها تخفي بريق لا مثيل له ليس معروف ما هو أصله:
-شقتي الجديدة
ارتبكت "سلمى" كثيرًا، كيف لها أن تذهب إلى شقتها ومعهم ابن عمها؟ لن تفعلها أبدًا ما هذا الهراء:
-لأ خليها مرة تانية بلاش دلوقتي
اختنق الآخر من كثرة المحايلة في كل مرة يريد منها القرب فقال بنفاذ صبر:
-ايه ده اللي بلاش دلوقتي هو أنتي مالك بجد يا سلمى
أشارت بيـ ـدها وهتفت بقوة وعينين حادة وهي تصيح:
-ماليش يا هشام بس مش هينفع أروح معاكم شقة
استدار يوليها جانبه ونظر إلى ابنة عمه قائلًا بقوة ونبرة حادة متضايقة:
-قصدك ايه بالكلام ده؟ أنتي مش واثقة فيا ولا ايه؟ نبرتك اتغيرت وأنا بجد اتخنقت
صاحت هي الأخرى مثله:
-مش قصدي يا هشام مش قصدي
نظر إليها بقوة ثم استدار بجـ ـسده بالكامل وسار إلى الخارج بعنـ ـف وقوة وجـ ـسده متشنج، أنها أصبحت مصدر إزعاج حقًا بالنسبة له ومنذ أن رآها "عامر" وهي تبتعد عنه بقدر ما استطاعت.. ولكنه لن يتركها مهما حدث.. سيكون خلاصها من الجحيم بيـ ـده هو.. هو وحده..
جذبتها الأخرى بكامل الخبث الذي تحمله داخلها وتحدثت بجدية وعتاب:
-يلا بقى يا سلمى بلاش تزعليه هي أول مرة يعني نبقى سوا.. وبعدين هنقف نتكلم هنا..
سارت معها على مضض ومازالت تعترض وتتفوه بقوة أن ذلك لا يجوز ولن تفعله:
-مش هينفع صدقوني..
❈-❈-❈
دق باب الشقة التي كانت متواجدة بها بعد رحيل "إيناس"، وقفت على قدميها وتقدمت من الباب لترى من الطارق ربما تكن هي، ولكن أليست معها مفتاح لشقتها؟..
أخذت نفس عميق ثم وقفت أمام الباب من الداخل، أمـ ـسكت المقبض بيـ ـدها وأدارته لينفتح الباب مع حركة يـ ـدها التي تجذبه للداخل..
كانت الصدمة كبيرة عليها هذه المرة، اتسعت عينيها بقوة وانخفض ضغط الدم بجـ ـسدها، ارتمى قلبها أسفل قدميها وتوقفت دقاته هنا، أو تسارعت أكثر وكأنه في سباق عليه الفوز الحتمي به.. لا تستطيع التحديد الآن ما الذي يحدث به..
لم تستطع حتى أن تبتلع ما وقف بحلقها بعد رؤيته هنا، نظراتها مُثبتة على عينيه، جـ ـسدها بدأ بالارتجاف بقوة وأنخفضت يـ ـدها عن مقبض الباب والخوف احتل كل خليه بها..
الرهبة واللهفة المُتعطشة لأي حركة قد تدلها على الخير وأن القادم لن يكون سيء، ولكن ذلك لن يحدث..
لم يكن هو يحتاج لأي نظرة خوف أو عتاب، أو رهبة منها، لأنه لن يتراجع عما يريد، إن كانت مرت عليهم ليالي تحمل من السوء ما يكفي فهذه الليلة ستكون بداية الأسوأ الذي ينتظرها..
عينيه انخفضت عليها غمامة سوداء حالكة حادة، نظرتها جامدة قوية تحمل من القسوة ما يكفي بلاد الاحتلال، شفتيه لو تراها وهي مضمومه بهذه الطريقة وفكة الذي يتحرك بعنـ ـف ضاغطًا على أسنانه في الداخل ستقول أنه على وشك قتل أحدهم..
صـ ـ دره يعلو وينخفض بغضب عارم، جـ ـسده مُتصلب وبقوة، يضغط على يـ ـده الاثنين بعـ ـنف حتى ابيضت مفاصلة ونظرته نحوها كانت تحمل كل الشر الموجود بقلبه ناحية كل من أراد التفريق بينهم..
عينيها لم تصدق الذي رأته وقلبها لم يساعدها والتفكير الذي دائمًا موجود برأسها اختفى الآن تاركّا إياها في عطلة لم تكن تريدها أبدًا، رهبتها وخوفها من أن يفهم ما يحدث بأنه خطأ أكبر بكثير من خوفها الذي احتل الموقف بينهم بعد هذه النظرات التي تقول إنه هنا لقتلها لا محالة..
تقدم خطوة والأخرى ببرود تام وعينيه لم ترمش مرة واحدة، حادة عنـ ـيفة قاسـ ـية كما هي مُثبتة على عيون الزيتون خاصتها، يبشرها بكل عنـ ـف وقسـ ـوة قادمة إليها منه، يبشرها بكل ما هو سيء قام إليها منه..
تراجعت خطوة خلف الأخرى كلما تقدم هو، ابتلعت ما وقف بجوفها منذ أن رأته ولم تكن تستطيع فعلها، حاولت أن تجعل صوتها يخرج لتخفف حدة ما يحدث، لتخفف نظرته نحوها ولتبرر موقفها الذي يحكي وحده عما يدور من دون علمه.. وللحق لو أحد آخر غيره لن يصدق أي حديث تقوله..
ابتعدت شفتـ ـيها عن بعضهما في محاولة بائسة منها لشرح موقفها العثر، وأصبحت وتيرة أنفاسها عالية لاهثة، تعود للخف وهو يتقدم إلى أن بقيٰ معها داخل الشقة، ثم دفع الباب بيـ ـده بقوة وعنـ ـف ارتجفت لها الجدران وارتجف جـ ـسدها معها.. ومازالت عينيه عليها لم تتحرك..
هنا ابتلعت ما وقف بجوفها مرة أخرى ناطقة باسمه بنبرة خافتة تُكاد تكون مختفية من الأساس، وعينين ترتجف كارتجاف شفتـ ـيها وجـ ـسدها:
-عامر
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ندا حسن من رواية بين دروب قسو ته، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية