-->

رواية جديدة بين دروب قسو ته لندا حسن - الفصل 10 - 2

 

 قراءة رواية بين دروب قسو ته كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية بين دروب قسو ته

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ندا حسن 

الفصل العاشر

الجزء الثاني


العودة للصفحة السابقة



أشارت بيـ ـدها ولوت شـ فتيها وهي تُعقب على حديثه بعقلانية خاصة بها تراها صحيحة من وجهة نظرها:


-مش مصدقة.. إيناس ليه تعمل كده مثلًا دي هي اللي أصرت عليا أروح معاها 


ضغط على يـ ـده داخل جيوبه بقوة واستنكر أنها لا تصدقه وهو يقف يحادثها بهدوء ولين، أردف بقوة أكبر وهو يتقدم للأمام خطوة:


-مش مصدقة ليه هو أنا هكدب عليكي.. الست بتاعتك كلمتني وقالتلي إنك معاه لوحدكم وفي شقته هو مش شقتها


تسائلت باستغراب جلي وعيناها مُثبتة عليه لا تصدق أن صديقتها تفعل بها ذلك:


-أنت بتقول إيه؟ 


دقق النظر بعينيها وجمالها، ثم أردف بما يندس في العسل المسموم ليجعلها تخجل أكثر مما حدث:


-اللي سمعتيه.. أنا كدبتها وقولت إنك متعمليش كده لكن لما شوفتك هناك حـ ـسيت إني مكنش لازم اتسرع وأدافع عنك 


رفعت حاجبيها وعقبت بقوة تؤكد له أنها حقًا هكذا مثلما قال:


-لأ متسرعتش الشقة بتاعت إيناس وهي كانت معايا وأنا مستحيل أكون مع واحد في مكان لوحدنا


قال مرة أخرى بعقلانية وتفهم، بعد أن فهم هو بالأساس ما الذي فعلته وتحرى من حديث "سلمى":


-بعد ما قولتي الكلام ده امبارح أنا اتأكدت منه وفهمت هي عملت كده ليه.. زي ما عملتها زمان وبعتتك ليا وهي اللي بعدتك عني بتعملها دلوقتي علشان أشوفك خاينة


لما قد تفعل كما يقول!.. لماذا؟:


-أنا مش مصدقة إزاي إيناس لأ دي كانت معايا طول الوقت حتى لو كانت كلمتك بعد ما نزلت أنت مكنتش هتلحق تيجي 


أخرج هاتفه من جيب بنطاله بحدة وهو يراها إلى الآن لا تصدق حديثه وتتغاضى عن أفعال الحقـ ـيرة صديقتها، فتحه وعبث به ثم رفعه أمام وجهها وأردف:


-ده رقم معرفوش مش بتاع إيناس هو ده الرقم اللي كلمتني منه امبارح بصي على الوقت أهو


أشار إليها بجانب الرقم على وقت الإتصال ثم لأجل أن يجعلها تصدقه لأن هذا ليس دليل كافي اقترح قائلًا:


-تحبي أكلملك الرقم ده وتسمعي صوتها بنفسك؟


صمتت ولم تتحدث ففعل هو وضغط على زر الإتصال ثم فعل وضع مكبر الصوت وتمسك بالهاتف بيـ ـده واضعًا إياها في المنتصف بينهم لتستمتع إلى صوت جرس المكالمة..


أجاب صوت رجولي خشن يتحدث بلهجة غريبة عنهم قائلًا بحدة:


-ألو مين معاي 


أبصر الهاتف سريعًا حيث أنه كان لا يستطيع التركيز سوى عليها هي، ولكن الآن جذبه ذلك الصوت الخشن فاردف سريعًا بجدية:


-مش ده رقم إيناس بردو 


أجابه الآخر بنفس تلك النبرة واللهجة التي تبين أنها صعيدية أصيله:


-لاه يا أبو عمو دِه رقم محسوبك عبده 


ضغط على أسنانه بقوة والدماء تغلي داخله، رفع الهاتف بيـ ـده إلى أمام شفـ ـتيه قليلًا وأردف بقوة وعصبية:


-عبده مين ده رقم إيناس الصاوي 


انزعج الرجل وظهر هذا في نبرة حديثه الحادة الذي رد بها عليه:


-إيناس مين ما قولتلك دِه رقمي وبقاله عشر سنين معاي


ثم انقطعت المكالمة من قِبل الرجل الآخر، نظر إليها بقوة وقد خاب أمله في أن يجعلها تبتعد عنها باللين ليس القوة كما كان يفعل معها، لقد هاتفته تلك الحقـ ـيرة بالأمس من هذا الرقم كيف تغير هكذا في ليلة..


بينما الآخرى تراجعت سريعًا عما كان في رأسها وحمدت الله أنه أجرى هذه المكالمة فلو كانت واجهت صديقتها بحديثه الغريب هذا لكانت انقطعت علاقتهم وأبتعدت عنها بسبب شكها الغير منطقي بها..


قالت بنظرة حزينة تنبعث من عينيها إليه وعتاب تخلل صوتها:


-ليه عايز تبعدني عنها.. البنت كويسة معايا وعمرها ما عملت حاجه تدينها، ليه عايز تاخد كل حاجه في حياتي؟ علشان يبقى أنت بس الشخص الوحيد اللي معايا.. اللي أجري عليه في كل وقت!.. ليه عايزني ابقى عريـ ـانه قدامك من كل حاجه 


يالا الحظ وروعته معه.. لقد لعبت معه حقًا وفازت عليه وأخذت منه الكأس ولكنه لن يتركها مهما حدث وسيكون عقابها عظيم..


أخرج يـ ـده من جيبه ونفى ما قالته بقوة قائلًا هو الصدق:


-وديني ما فكرت في اللي بتقولي عليه ده.. البت دي فعلًا مش كويسه يا سلمى بكرة تقولي عامر قال وأنا اللي مسمعتش كلامه.. لكن علشان بحبك مش هسيبك تنقرصي منها وتقولي ياريت اللي جرا ما كان، أنا هفضل في ضهرك مهما كنت مش طايقك ولا طايق عمايلك 


أبصرها للحظات وفعلت المثل تقلب الأمور داخل عقلها الذي بدأ بالتأفأف، لقد ضاع يوم إجازته، تود أن تصدقه ولكن ستجعل صداقتها تنتهي لأجل حديثه..


أنه يكرهها، يبغضها ولا يحبها، لقد جربت الصدق منه سابقًا لن تأخذه مرة أخرى منه..


أخفضت عينيها عنه ثم سارت إلى الداخل تاركه إياه..


وضع الهاتف بجيبه وتوعد إلى الأخرى بأشد عقاب ولكن صبرًا، صبرًا فقط 


❈-❈-❈


جلس في مكتبه، منذ أن أتى إلى الشركة وهو لم يعمل، فقط يجلس على مقعده خلف المكتب ينظر في الفراغ يفكر كثيرًا وأكثر من الكثير، ويذهب بعينيه إلى صورتها الموضوعة على المكتب أمامها، ذات النظرة الساحرة والابتسامة الرائعة، بخصلاتها القديمة الذهبية ومظهرها الخلاب..


لم يستطع أن يجعلها تصدقه، إن وضع نفسه في محلها سيكون نفس الشيء لأنها لم تجد منه أي شيء صادق حتى الوعود.. ولكنه مع ذلك كان يطمع في أن تصدقه وتبتعد عن تلك البغيضة على قلبه..


كان يريد أن يحميها منها بالإبتعاد عنها، لن يتركها وحدها وسيكون معاها دائمًا ولكنها تترك لها الأمر وتفتح لها المجال أكثر وهي جوارها طيلة الوقت..


لم يكن يتوقع أن تفعل ذلك ويكون الرقم إلى شخص أخر، أو ربما هي أعطته لشخص آخر لا يفهم حقًا كيف تم الأمر بهذه السرعة والرجل يبدو عليه من مكان آخر بعيد عنهم..


لن يفكر في هذا كثيرًا، سيترك كل شيء حدث على جانب ويتمسك بالمهم فـ الأهم، عليه أن يفكر في كيفية الز واج منها بمحض إرادتها..


لديه خطة لن يلجأ إليها إلا عندما يرى الرفض التام من قِبلها وهذا واضح وبقوة، ولكن سيحاول لمرات أخرى حتى إذا قرر تنفيذ خطته لا تحزن من بعدها..


مد يـ ـده على المكتب وأمـ ـسك صورتها الموضوعة هنا منذ الكثير، أخذها ناحيته وأخذ يتأمل بها، هذه من كانت خطيبته، تعلم عنه كل شيء، يقص عليها كل ما كان يضايقه.. يهتف بما يخفيه قلبه وعقله لها وحدها..


يسرد لها المرارة التي تغص حلقه كل يوم عندما يرى والده وهو يبغضه ويبتعد عنه.. من كانت تقرب له كل بعيد، وتربت على ذراعه قائلة بأن كل جميل ينتظره..


لقد كانت النصف الجميل له، الحلوى الذي يأخذها في فمه كل يوم بعد أخذ دواء بشع للغاية، هذه كان من المفترض أن تكون ز وجته اليوم لو لم يكن سار وراء أهوائه واتبع المشروب وسال لعابه لغيرها.. على الرغم من أنه لا يتذكر أنه فعل ذلك ولكنه المخطئ هنا..


لو لم يكن حدث ذلك كانت اليوم ز وجته، كان أخذ منها وارتوى بما يريد، كان كل يوم رأى كل ما هو جميل بغرفته، بحياته، كانت أيامه ستكون مذهرة بالورود كما السابق..


أطال النظر عليها وهو يعيد الذي مضى ويندب حظه ويتخيل ماذا لو؟ في كل سؤال، فتح باب المكتب من دون استئذان ودلفت "جومانا" إليه وهو شارد بصورتها وفكره..


أغلقت الباب من خلفها وبقيت واقفة تنظر إليه وترى نظرته المعلقة عليها والحزن المُرتسم على ملامحه.. منذ أن أتى وهو هكذا يبدو عليه الإرهاق والحزن، الآن تفهمت ما الذي أخفاه عند سؤالها عنه..


يالا حظها، "عامر القصاص" بنفسه وبشخصيته التي لا مثيل لها، نظرة عينيه ومظهره، جـ ـسده وحديثه ونبرته، وسامته وعصبيته، ابتسامته وحزنه كل ذلك كان ملك لها وحدها وتركته؟.. 


قهرت أعتى الرجال حبًا بها وعشقًا لها، قهرت قلبه والهوى يزداد داخله مُشتعلًا مع النيران المشوهة دروبه الذي سار بها وحده بعد فراقها.. 


لما لا ينظر خلفه ويرى من تقـ ـتل نفسها لأجله، ليس لأجل مال، أو مظهر، أو أي شيء سواه، لما لا يدور بعيناه ويرى حبها المرئي للجميع سواه!..


رفع "عامر" عيناه وتنهد زافرًا بقوة، استدار برأسه ناحية الباب بعد أن شعر بأن هناك أحد معه فوجدها تقف أمامها..


تحدث بجدية مُتسائلًا مُستنكرًا وجودها دون أن يشعر:


-أنتي هنا من امتى؟ 


تقدمت سريعًا بابتسامة على وجهها ماحية كل ما كان في رأسها منذ لحظات وأردفت قائلة:


-لسه داخله حالًا أهو أنت اللي كنت سرحان


وقفت جوار المقعد الخاص به أمام مكتبه، نظرت إلى الصورة بيـ ـده ثم هتفت بنبرة خالية من أي مشاعر وتعابير:


-هو ده اللي مضايقك


رفع نظرة عليها، أبصرها جيدًا وهي تقف جواره ثم سألها بهدوء:


-هو ايه؟


أشارت بعينيها على صورتها التي بيـ ـده، للحقيقة هي جميلة، جميلة للغاية، جمالها طبيعي غير معهود يسلب القلب وللحق قد سلبتها تلك البراءة والشراسة الممزوجة معها منذ أول يوم وقعت عينيها عليها..


أبعد بُنية عيناه التي عادت لطبيعتها مرة أخرى إلى الصورة ونظر إليها بحسرة وندم، وقلبه في الداخل يجعله يندم أكثر وأكثر كلما رآها أمامه..


أقتربت منه الأخرى على حين غرة وأخذت من يـ ـده الصورة ثم وضعتها على المكتب، لم تجعلها كما كانت بل وضعت الصورة بوجهها على سطح المكتب لكي تختفي من أمامه..


صاحت قائلة بقوة ناظرة إليه بعمق:


-أنت ليه موقف حياتك عليها؟ هي خلاص يا عامر مش عايزاك ليه بتعمل في نفسك كده 


قدم يـ ـده إلى الصورة مرة أخرى بضيق، لقد تضايق من فعلتها ولكنه صمت فقط كي لا يزعجها، رفعها مرة أخرى ووضعها في موضعها الصحيح أمام وجهه كي يستطيع رؤيتها..


ثم عاد بظهره إلى ظهر المقعد وجلس بعنجهية يتسائل بنبرة ساخرة: 


-وأنتي مين قالك أنها مش عايزاني؟


رفعت حاجبيها باستغراب وأجابته:


-كل ده ولسه هستنى حد يقول.. ما واضحه زي الشمس 


نظر في سقف غرفة المكتب وهو يعود بظهره للخلف أكثر، ثم قال بهدوء ونبرة واضحة مؤكدة:


-مافيش حاجه واضحة لأي حد غيري أنا وسلمى.. إحنا الاتنين فاهمين الدنيا ماشية معانا إزاي إنما اللي حوالينا مش فاهمين أي حاجه 


انتفض جـ ـسدها بعد استماع أذنيها إلى تلميحاته التي تقتلها من الداخل، والداخل أشد قسـ ـوة:


-قصدك ايه؟ يعني هترجعلك؟


اعتدل ونظر إليها من الأسفل إلى الأعلى قائلًا بسخرية وهو يبتسم:


-مالك اتخضيتي كده!


رفعت كتفيها وأخفضتهم بلا مبالاة مُصطنعة وهي تحرك رأسها قائلة بهدوء ونبرة جعلتها ثابتة قدر ما استطاعت:


-متخضتش أنا بسألك 


أغمض عينيه وعاد كما كان مرة أخرى وقال بسلام نفسي شعر به فتحدث به إليها:


-سلمى راجعة راجعة يا جومانا 


ابتعدت عنه وسارت حول المكتب لتقابله وصاحت بقوة وعنـ ـف:


-بس سلمى متستحقش تكون معاك.. أنت تستاهل واحدة أحسن منها تقدرك 


فتح عينيه وأبصرها من بعيد وليجعلها تصمت عن ذلك الحديث الذي تلقيه عليه منذ أول يوم علمت به بقصته مع حبيبته قال بتأكيد: 


-سلمى تستحق الأحسن مني، ده شيء أنا معترف بيه من البداية، لكن لنفسي مش لحد لأن مهما حصل مش هسيبها تكون لغيري.. قدرها وقعها مع واحد زيي


استنكرت حديثه عن نفسه بهذه الطريقة فقالت باندفاع:


-واحد زيك! أنت أي ست تتمناك 


بنفس ذلك السلام قال وبنبرة رخيمة: 


-وأنا متمناش غير سلمى 


شعرت بالنيران تشتعل داخلها، حديثه يقودها للجنون، كيف لا يرى مثلها، كيف هذا الرجل ينظر إلى واحدة فقط ويتناسى كل النساء وياليتها تريده:


-عملالك سحر!..


ابتسم بهدوء، ابتسامة رائعة، خلابة اختفت من على وجهه منذ الكثير، ولكنه ابتسم وهو يردف بكلمات كان يتذكرها في تلك اللحظات:


-كانت صغيرة أوي لما وقعتني، مكنتش تعرف السحر يا جومانا


وقفت غير مُعتدلة ونظرت إليه بقوة ثم قالت بعـ ـنف وشراسة:


-تعرف إني غيرانة منها 


أبصرها واتسعت ابتسامته أكثر الذي استفزتها بشدة وهي تستمع إلى نبرته الهادئة الحانية التي تصفها:


-حقك.. أي واحدة مهما كانت جميلة لازم تغير منها.. فريدة من نوعها، مافيش زيها، مبتتكررش 


لحظة صمت منها ومنه ثم قال اسمها بكامل الحب والجنون، بكل الضعف والشغف الذي داخله، خرجت حروف اسمها بمعزوفة خاصة من بين شفتيه:


-سلمى القصاص


نظرت إليه بقوة والصدمة على ملامحها لم تستطيع أن تخفيها فوجدت أن الهروب هو الحل الأمثل:


-عن اذنك 


خرجت من المكتب بخطوات سريعة، وذهبت إلى مكتبها في الخارج، ترقرقت عينيها بالدموع الغزيزة وعقلها يكرر عليها حديثه المادح لها في الداخل، عينيها تريها مرة أخرى مظهره وهو يتحدث عنها بطريقة العاشق الولهان..


لما هي لا، هي من تحملت حزنه، ثمالته، كل الخرافات الذي كان يلقيها في مُنتصف الليل في الملاهي الليلية، هي من استمعت إلى كل شيء ووقفت جواره، ساعدته، ساندته واستمعت إليه، هي من كانت معه في لحظات كانت الآخرى تبعده بقوة..


كانت الأخرى تبغضه وتعنفه، تكره وجوده ولا تريده وللسخرية منها مازال يحبها وهذه أخذت دور خيال المآته..


تحبه بضراوة، تحبه بقوة وقسـ ـوة، وصلت معه إلى القسـ ـوة في الحب ولكنها لا تستطيع أن تدلي له بذلك الإعتراف القاتل وهو يهوى غيرها كل لحظة.. 


وصلت إلى تفكير دنيء ستفعله لو عرضه عليها لا شك، تكون حبيبته الأخرى، أو ز وجته الأخرى، عشيقته حتى لن ترفض ذلك.. فقط تكون معه بعيد عن لقب الصديقة المنقذة التي تنفذ له الأعمال المتأخرة، فلا تريد هذا مرة أخرى، تريد القرب أكثر..


وتناست كل ما هو حلال وحرام.. يجوز ولا يجوز!..


❈-❈-❈


جلست "هدى" في مقابلة "سلمى" منذ ربع ساعة تقريبًا تقص عليها ما يحدث معاها هذه الفترة، تحاول أن تأخذ النصيحة من شخص قريب منها كـ "سلمى" شقيقة زو'جها الراحل وحبيبته قبل أي شيء آخر


أردفت "سلمى" بعقلانية ونظرة جادة من عينيها الزيتونية خافية خلفها حزنها على شقيقها وعائلتها:


-أنا عارفه إنك كنتي بتحبي ياسين الله يرحمه.. كلنا عارفين، بس ياسين راح مبقاش موجود وأنتي فعلًا زي ما عمي قال لازم تشوفي حياتك.. مش هتفضلي العمر كله لوحدك يا هدى 


نظرت إلى الفراغ ثم إليها مرة أخرى، كرمشت ملامح وجهها في محاولة منها لتوضيح ما تشعر به وما تريده 


-أنا مش عايزة حد ياخد مكان ياسين، مش عايزة أنساه.. منكرش إني بدأت أحـ ـس بحاجه ناحية تامر بس ده بسببه يمكن بسبب إلحاحه


وضحت لها الأخرى بجدية وتأكيد تلقي في عقلها الأفكار التي تهرب منها:


-بسبب إلحاحه ولا لأ المهم إنك بدأتي تحـ ـسي بوجوده وحباه.. ياسين مش هيكون راضي عن حالك كده أبدًا


نظرت إليها بدقة وبعينين ثابتة عليها ثم أردفت قائلة:


-ولا حالك يا سلمى 


سخرت الأخرى منها مُبتسمة بزاوية فمها قائلة بتوضيح أكثر ربما هي لا تفهم ما الذي تريده:


-أنا مالي؟ أنا مش زيك مش رافضة الموضوع وركناه ومقررة أكون لوحدي أنا هتجوز وهعيش وهشوف حياتي 


تسائلت شقيقته باستغراب ونظرتها نحوها متعطشة لأي حركة تطمئنها عليها بها:


-وأنتي بتحبيه؟!


راوغت في الحديث بعد أن نظرت إلى الأرضية مُبتعدة بعيناها عنها:


-أنا وهو مبقاش في حاجه بينا ولا بقينا ننفع لبعض


هتفت شقيقته بما سيفعله حتمًا:


-بس هو مش هيتنازل عنك 


أبصرتها بقوة قائلة بجدية شديدة:


-وأنا مش هسمحله يكمل في اللي بدأه 


❈-❈-❈


بعد أن مر عليه الوقت وهو منهمك في عمله الذي لم يكن في عقله من بداية اليوم بسبب تفكيره في ابنة عمه وما سيفعله معاها لتكن ز وجته..


استمع إلى رنين هاتفه فجأة في وسط صمت مُحيط به، رفع عينه من على الأوراق أمامه وصبها على الهاتف، مد يده إليه وأخذه، أبصره جيدًا ليرى من المتصل ولكن كان رقم غير معروف هويته..


نظر إليه للحظات وعقله به أشياء كثيرة تدور داخله في دوائر ثابته، وأكثر ما به سؤال عن هوية المتصل، انقطع الإتصال ولم يكن أجاب عليه فرفع عينيه إلى الفراغ ومازال يفكر.. ولكن مرة أخرى رن الهاتف بنفس ذلك الرقم فقام بالايجاب عليه ورفعه على أذنه يهتف بجدية:


-أيوه، مين؟ 


أتاه من الناحية الأخرى صوتها البغيض المعروف، تُجيبه بسخرية:


-معقول بقى مش عارفني.. إحنا هنتعامل مع بعض كتير الفترة الجاية من أرقام مجهولة 


أمـ ـسك "عامر" الهاتف بيده الأخرى ونقله إلى أذنه اليمنى، ثم قال بصوت قـ ـاسي جاد، تهديد خرج من بين شفـ ـتيه كالسيف الحاد الواثق من حديثه:


-تعرف أنتي لو وقعتي تحت ايـ ـدي هعمل فيكي ايه؟ فاكرة اللي أنتي كنتي عايزاه يحصل من كام سنه؟ هعمله بس على طريقتي، هخليكي تكرهي نفسك أكتر ما أنتي كرهاها 


أحرقها ما هتف به، وذكرها بما فعله معها، وأتى أمامها صورتها المنكسرة أمامه ودمعاتها المتساقطة قهرًا على حالها ولكنها أجابت بعنـ ـف وكراهية:


-ايه رأيك لو حبيبة القلب هي اللي اتعمل فيها كده؟


استمع "عامر" إلى حديثها لانه لم يعطي لها الفرصة لتخرب علاقته أكثر بـ "سلمى" فهي من الأساس متدهورة، أغلق الهاتف بوجهها ثم ألقاه على المكتب أمامه وعاد للخلف بظهره يمسح على خصلات شعره زافرًا بعنف..


لحظة والأخرى وقد أتت إليه رسالة نصية علم أنها كذلك عند الاستماع إلى رنة الهاتف البسيطة..


تقدم للأمام وأمـ ـسك الهاتف وفتحه ليرى أنها من نفس الرقم إلا وهو "إيناس" عن طريق تطبيق الواتساب، تقول فيها "هرن عليك رد عليا.. أنا مش هفرق بينكم المرة دي أنا هقولك حاجه مهمة أنت لازم تعرفها قبل أي خطوة والمرة دي اللي هقوله حقيقي وتقدر تتأكد من سلمى"


بعد أن قرأ الرسالة مرة وأخرى وينظر في الشاشة وجدها قد محتها من المحادثة، يا لها من محتالة..


رن هاتفه مرة أخرى فعلم أنها هي، أخذه وأجاب عليها بنفاذ صبر وحدة:


-عايزة ايه


أجابته بهدوء وبرود تام، تضغط على حروف كلماتها والشماتة تطرق باب أذنه:


-أنا عايزة مصلحتك.. والمرة دي هديك معلومة ونصيحة وهنسى اللي بينا، مش هاين عليا أشوفك كده مختوم على قفاك 


عاد للخلف كما كان ورفع رأسه للأعلى يحدثها ببرود وتهديده لها واضح للغاية:


-أحترمي نفسك وإلا وديني هطلع عليكي القديم والجديد كله.. متفكريش إني مش قادر عليكي لأ دا الصبر حلو دورك جاي


أردفت بجدية ومكر عابث به: 


-هعتبر نفسي مسمعتش حاجه.. اسمع أنت بقى مني المفيد 


صمتت للحظات والصمت اجتاز المكالمة بينهم، ثم أكملت ناطقة باسم حبيبته بمكر وخبث:


-سلمى القصاص، بنت عمك


مرة أخرى تصمت، اعتدل هو سريعًا على المقعد ودق قلبه خوفًا من أن يكون حدث لها شيء على يـ ـد تلك الحقـ ـيرة، فصاح بعنـ ـف ونفاذ صبر:


-مالها انطقي


بمنتهى البرود واللا مبالاة أجابته ولكن برودها يتخلله نبرة قوية حادة، لتصل إليه بجدية تامة والغل داخلها يزداد: 


-سلمى عملت علاقة مع هشام ابن عمي.. غلطت معاه يعني. 


انتفض واقفًا في لمح البصر بعد الانتهاء من جملتها الخبيثة القذرة، دق قلبه بعنـ ـف أكبر واهتاجت رجـ ـولته فقط لأنه استمع إلى هذا الحديث، ماذا لو تخيله؟.. كيف لها أن تفعل به ذلك؟ تخونه!.. تبيع كل ما لديها من شرف لأجل ذلك الحقـ ـير.. انتفخت عروقه بالدماء الذي تغلي داخلها وقلبه كاد أن يتوقف، فعلت ذلك!..


يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ندا حسن من رواية بين دروب قسو ته، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية




رواياتنا الحصرية كاملة