-->

رواية جديدة بين دروب قسو ته لندا حسن - الفصل 13 - 1

 

قراءة رواية بين دروب قسو ته كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية بين دروب قسو ته

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ندا حسن 



الفصل الثالث عشر

الجزء الأول

❈-❈-❈

"حاول سلب روحها الخـ ـائنة فلم يستطع، لحظات وسُلبت منه روحه"


جلس في حديقة الفيلا الخاصة بهم بعد أن قام بتنفيذ انتقامه ناظرًا إلى السماء ونجومها البراقه، الآن أرتاح قلبه قليلًا بعد أن نال منهم هم الاثنين، يعلم أن تأثير ما قاله سيكون صعب على كلاهما إذًا فهو مُتأكد من أن العواقب ستكون وخيمة..


يريد النيل منهم هم الاثنين معًا، يريد أن يرى كل منهم ذليل أمامه ليمتع عيناه بقهرهم وذلهم، يريد أن يشبع أنظاره من رؤية القهر على وجوههم وملامحهم تتحدث به.. 


لم يكن "عامر" عدو له من الأساس، إنه كان يريدها هي فقط، يريدها وحدها ليستطيع النيل منها وتشكيل العـ ـذاب عليها كما يريد ولكن "عامر" كان الحامي لها، كان "عامر" سـ ـارق قام بسـ ـرقة فريسته منه ليجعل انتقامه متوقف على بعده عنها وقد كان ولكنه كان الأقوى في قربه منها حتى في الفراق..


لم يكن يريد منه شيء ولكن عندما وقف أمامه وقام بتعطيل ما يريده منها جعله من أوائل المُسجلين في قائمة الانتقام لديه من بعد والدها وعائلتها بأكملها..


رفع نظرة إلى السماء مرة أخرى بعد أن اخفضها ونظر إلى النجوم المنيرة بها، وضع يـ ـده الاثنين أمام صـ ـدره وتكرمش جـ ـسده وعيناه تتابع النجوم باهتمام.. 


عادت ذاكرته لمشهد وقع أمام عيناه منذ سنوات عديدة، مشهد حُفر داخل عقله بالنيران المُشتعلة وهو طفل بعمر الستة سنوات!!..


"كان طفل بعمر الستة سنوات يلعب ويلهو في حديقة منزل والده وعائلته، وهو يضع الرمال في عربته المُحملة بالكثير نظر إلى البوابة ليجد والده يخرج منها بوجهٍ متهجم جامدة تعابيرهه ثم سار إلى الخارج.. 


بعينين طفل بريء للغاية نظر إلى المنزل وخفق قلبه للحظة لا يعلم لما حدثت وما سببها..


ترك السيارة ورماله التي كان يعتبرها بضاعه تباع وتشترى منه هو وألعابه الكثيرة، وقف على قدميه ثم نفض الغبار عن ملابسه ومسح بيـ ـده الاثنين بقوة حتى يدلف إلى والدته نظيف كي لا تعنفه على توسيخ ملابسه التي ارتداها في الصباح ولم يفت عليها وقت طويل.. يعلم هذه الإسطوانة جيدًا..


سار بخطوات هادئة وعيناه السوداء تتابع المنزل والطريق إلى أن دلف إلى الداخل.. كان تارك والدته في المطبخ قبل خروجه تعد له الكيك والحلوى الذي يحبها فتوجه في سيره إلى المطبخ ليراها ولكنها لم تكن موجودة به عند دخوله إليه، اشتم رائحة الكيك الخاصة به فدلف إلى الداخل أكثر ثم مد يـ ـده إلى الطاولة في المطبخ والتي كانت موضوع عليها قطع شهية من مأكولاته المفضلة..


أخذ قطة منهم بيـ ـده وبدأ في تناولها بنهم واستمتاع شديد ثم سار إلى الخارج من أخرى وأتجه في سيره إلى الأعلى ليصعد إلى والدته.. همهم في أثناء صعوده الدرج وود شكر والدته على هذا الطعم المثير الذي يجعله يستمتع كثيرًا وهو يتناوله..


وصل إلى الرواق يسير إلى أن وصل إلى غرفة والدته وقطعة الكيك بيـ ـده يأكل منها، بيـ ـده اليمنى كان يقربها من فمه ليأكل وبالأخرى كان يفتح مقبض باب غرفة والدته..


في لحظة جحظت عيناه السوداء البريئة، وقعت قطعة الكيك الشهية من يـ ـده على الأرضية الرخامية، أطبق شفـ ـتاه فوق بعضهما مُحاولّا ابتلاع ما وقف بجوفه، ارتعش جـ ـسده وانخفضت يـ ـده لا إراديًا عن مقبض الباب.. طفل صغير لا يدري ما الشعور الذي يراوده الآن سوى أنه خائف وبشدة ينظر إلى والدته المعلقة في الهواء من عنقها في حبل متصل بسقف الغرفة، بعينين مفتوحة على وسعيهما وجـ ـسد مُتدلي لا يتحرك..


بلل بنطاله برعب قفز إلى قلبه وهو يقف عند ايطار باب الغرفة ينظر إليها بعينين دامعة.."


عاد مرة أخرى إلى واقعة، رفع يـ ـده الموضوعة أمام صـ ـدره إلى أسفل عيناه يزيل تلك الدموع التي انهمرت منه وهو لا يشعر، دموع تسارعت خلف بعضها على وجنتاه وهو لا يدري بها حزنًا على ما مر به في طفولته التعيسة.. 


تنهد بصوت مسموع وأخذ نفس عميق ناظرًا بسواد عيناه إلى النجوم المنيرة، مُعتقدًا منذ صغره أن والدته واحدة منهما، تنظر إليه في كل وقت وتحدثه وتنتظر منه القدوم إليها ليجلس هذه الجلسة وينظر إليها متحدثًا بقلبه عما يشعر به..


إنه الآن شاب في الثلاثين من عمره، ولم يتخطى تلك الحادثة ولن يتخطاها أبدًا، إنه منذ ذلك الحين وإلى الآن يتيم فقد حنان والدته في لحظة لم يشعر بها، ولكن طفولته التعيسة وعـ ـذابه المُستمر منذ أربعه وعشرون عامًا لن يذهب هباء.. سينتقم أشد انتقام وكما تعـ ـذب هو كل ذلك الوقت سيجعلها هي في الأيام القادمة تنال عـ ـذاب يعادل عـ ـذابه لكل هذه السنوات.. سيكون دون رحمة، لم يبقى إلا هي لينال منها وذلك الاخرق ابن عمها الذي أوقع نفسه في طريقه دون مجهود منه..


عليهم الإنتظار والصبر كما قال "عامر" سيتبع هو الآخر طريقته، سيكون هذه المرة صياد ماهر ولن يتخلى عن فريسته..


❈-❈-❈


كان الحُب هو السبيل الوحيد لجعله يعيش بين البشر حيًا بروحه وقلبه، أتى الفراق فمات القلب وسُلبت منه روحه، ولكن الأمل بقيٰ بداخله للعودة والآن وبعد سنوات اكتشف بمرارة قلب عاشق أن من أحبها خانت العهد!..


قلبٍ مفتور حزنًا على حبه الضائع، على ثقته الذي ألقاها عليها من كل جانب قائلًا بأنها حبيبته وروحه الموجودة بجسدها، لم يكن يدري أنها ستطعن قلبه بذلك الخنجر وهي تبتسم..


نظر إليها بعينيه الدامعه، وجدها تبكي بغزارة وتنحدر دموعها على جانبي وجهها ولم تعد تستطيع أن تتمسك بيـ ـده لقد خارت قوتها ولم تعد أعصابها تتحمل الضغط عليها، كانت تنظر إليه بعينين ذائغة توضح له كثير من الأشياء وتنظر إليه نظرات خلف الأخرى جميعها ذات مغزى وأولهم أنها تحبه، لم تخـ ـونه، وتعـ ـذبت من فراقه، تودعه بسلام وتقول بتلك العينين الزيتونة أن لا ينساها ويخلد ذكراها بقلبه وستكون راضية إن مـ ـاتت على يـ ـده، فإن لم تنعم بالعيش داخل أحضانه غارقة بحبه وغرامه لها فلا مانع أن تمـ ـوت على يـ ـده، كانت على وشك غلق عينيها ففي لحظة واحدة جذب يـ ـده عنوة عن نفسه وأبعدها عن عنقها.. 


لم يكن هو من يخنقها، لم يكن هو من يريد قتـ ـلها كان هذا الحب الذي جمعه بقلبها ليتربع على عرشه في الداخل فعاد مُنتقم بعد أن خانت كل ما حدث بينهم..


جذب يـ ـده عنوة وكأن هناك شخص آخر لا يريده أن يبتعد عنها، يريد مـ ـوتها في الحال..


بعد أن أبعد يـ ـده تنفست بقوة وعنف، استمع إلى لهاثها بوضوح وهي تأخذ أنفاسها الذي سلبها منها لتلقى حتفها في لحظات ويكن هو الجاني والمجني عليه.. وتكن هي الأخرى كذلك..


مال عليها وجذبها من يـ ـدها اليمنى لتقف على قدميها ولكنها كانت في عالم آخر تمـ ـوت وهو لا يدري، أنفاسها مسلوبة وجـ ـسدها مُسترخي ولا تستطيع أن تميز ما الذي يحدث في تلك اللحظات..


ولكنه لم يعطيها الفرصة جذبها من يـ ـدها لتقف أمامه مُتمسكّا بها ثم وضع الأخرى خلف ظهرها جاعلها تستند عليه وسار بها بثبات وجدية وجـ ـسده متصلب، سار إلى باب المرحاض الموجود بغرفتها ودفعه بقدمه ليُفتح..


ثم دلف إلى الداخل بها وجعلها تقف أمام حوض الغسيل ومد يـ ـده إلى صنبور المياة يفتحه من بعدها بدأ بملئ كف يـ ـده بالماء والقاءه عليها، مرة خلف الأخرى وهي تشهق بعنف كلما فعلها.. 


سالت الدماء التي كانت على جانب شفتـ ـيها ومحيت بالمياة ولكن مظهرها كان يثرى له، المياة تغرق مقدمة صـ ـدرها وما طالته من خصلاتها القصيرة الغير مُرتبة بعد أن جذبها منها عدة مرات.. 


وجهها باهت حزين، يتحدث بملامحه الجميلة الفاتنة كم هو حزين مقهور مسلوب الإرادة.. يبرر فعله ليست لها بها ذنب...


مرة أخرى دفعها للخارج ليخرج من المرحاض ثم دفعها بيـ ـده لتجلس على الفـ ـراش وهي في صمت تام، كل تفكيرها به بعد أن استفاقت، لقد صدق أنها تخـ ـونه وتخـ ـون عائلتها، صدق أنها تخـ ـون والدها وتربيتها، تخـ ـون حبيب عمرها وسـ ـارق أحلامها؟ تخـ ـون عامر؟ من لم تقع عينيها إلا عليه وحده، من اشتهى القلب وجوده وحبه وحنانه..


مرة أخرى تسائلت، قارب على قتـ ـلها؟ خنقها بيـ ـد العاشق المُتألم داخله وسمح لنفسه أن يقتـ ـلها؟ يستطيع التخلي بهذه السهولة وتكون قُتـ ـلت على يـ ـده!..


عـ ـذاب قلبها في تلك اللحظات لا مثيل له، عند الاستفاقة على يـ ـد حبيبها تذبـ ـحها حقًا وليست كلمات!..


أقترب منها بوجهٍ لا يوجد عليه أي تعابير سوى القسوة:


-وديني يا بنت عمي لتشوفي مني وش عمرك ما شوفتيه.. لو كنت حبيتك في يوم فأنا دلوقتي بكرهك أضعاف


عقبت على حديثه الذي نغز قلبها بقوة بلهاث ودموع تنهمر دون صوت ولكن قلبها المتحدث:


-صدقني أنا معملتش حاجه.. أنا لسه زي منا أقسم بالله ما عملت اللي بتقوله ده يا عامر أنت ظالمني والله العظيم ظالمني


نظر إليها بعينين حادة قوية، داخلها ألم لا ينتهي وعـ ـذاب يكفيه إلى مـ ـوته ولكنه ضغط على نفسه مُنتظرًا خروجه من هنا، أخرج من جيبه هاتفه ثم عبث به أمامها للحظات وهي تنظر إليه باستغراب لما يفعله ولكن لحظة وقد فهمت وهي تستمع إلى صوت صديقتها المقربة "إيناس".. وهي تطعن بشرفها لإبن عمها وتسبها بألفاظ بشعة.. تقول أنها أقامت علاقة مُحـ ـرمة مع ابن عمها الحقير لذلك أتى لخطبتها.. 


بكت بقوة مرة أخرى وارتفع صوت بكائها واضعة يـ ـدها على فمها لتكتم شهقاتها وهي تستمع إلى ذلك الحديث الذي وقع على أذنها كالسيوف الحادة التي تـ ـذبح بها، لقد حذرها منها! منذ سنوات وسنوات وهو يحذرها منها، يبعدها عنها وهي تقترب، يهتف بأنها ليست صالحة لتكون رفيقتها وهي تعاند، يفعل كل ما بوسعه لتكون بأمان في مكان لا تراها به وهي لا تقتنع فتعود إليها مرة أخرى مُعتقدة أنه كاذب ولا يحبها بدون سبب واضح وصريح.. اعتقدت أنه كان يريدها مجردة من البشر وحيدة أمامه ومعه وحده..


ظهر الحق وأتضح أن "عامر"هو أكثر من خاف عليها، أتضح لها أنها كانت تقهر قلب مظلوم من جميع البشر وينتظر العوض منها فقامت هي الأخرى بقهره..


استمعت إلى سبه لها ونكرانه لما تقوله، استمعت إليه وهو يقول أنها شريفة لا تفعل ذلك ويثق بها أكثر من نفسه والأخرى تُصر على حديثها.. يلا قهرة قلبها الآن!!


رفعت أبصارها إليه بعينين دامعه حمراء بشدة من كثرة البكاء الذي تعرضت إليها اليوم وفهمت من ذلك الحديث أنه كان منذ أن أتى "هشام" ولم يصدقه إذًا ما الذي حدث مرة أخرى..


أخفض عيناه من عليها ثم قام بتشغيل الآخر من خلفه وجعلها تستمع مرة أخرى إلى صوت ذلك الحقـ ـير الذي قام بتهديدها اليوم صباحًا وفهمت ما كان قصده عندما قال أن أجابته على ما فعله ستصل إليها في المساء..


من أين علم بالشامة الموجودة بظهرها؟ لا تستطيع أن تقول أن إيناس من قالت له لأنها لم تراها من الأصل!.. عندما كانت ترتدي ذلك الثوب المشؤوم كان مغلق من الخلف فلم يكن ظهرها مُتعري!


لن تفكر في الغدر الذي تعرضت له عليها فقط الآن أن تقنعه أنها لم تفعل ذلك، وقفت عن الفـ ـراش واتجهت نحوه بنظرة مُعاتبة مُرهقة ثم أردفت بصدق وألم:


-صدقني يا عامر.. والله العظيم كدابين أقسم بالله كدابين أنت بنفسك اللي كنت بتحذرني منهم إزاي دلوقتي هتصدقهم 


بادلها النظرات ولكن خاصته كانت غيرها تمامًا كانت نظرات حادة قوية عليها ونبرته رجـ ـولية مجروحه:


-عندك دليل على كلامك 


خرجت الدموع من عينيها أكثر من السابق وانتحبت بقوة وهي تتقدم لتقف قبالته ثم تسائلت من بين بكائها الحاد:


-أنت محتاج مني دليل يا عامر؟ محتاج من سلمى دليل؟ أنت أكتر واحد عارف أنا ايه؟ أكتر واحد عارفني إزاي بتطلب مني دليل ومصدق إني أعمل كده 


لحظة خلف الأخرى يتابع الدموع المنهمرة على وجنتيها وينظر إلى عتابها عليه ويستشعر كل كلمة خرجت من بين شفتـ ـيها، ولكنه لا يستطيع التمرير بهذه السهولة فأجاب على حديثها بقسـ ـوة وجمود:


-أنا معرفكيش!.. أنا كنت أعرف واحدة والظاهر إنها فعلًا ماتت من سنتين مع بقيت أهلها


تقدمت أكثر منه ووضعت يـ ـدها على قميص بدلته تجذبه ناحيتها منه وهي تلح عليه بالصدق ليستمع إليها والقهر مُرتسم على كافة ملامحها:


-لأ مموتش.. أنا لسه عايشه وزي منا.. والله العظيم دي لعبة منهم هما الاتنين أنا النهاردة كنت قابلته وقولتله إني مش عايزاه هددني أنه هيعمل حاجه مش هتعجبني وأهو عملها وأنت صدقت 


وضع يـ ـده فوق يـ ـدها وتسائل بعينين حادة دون تفكير:


-المفروض مصدقش؟ قوليلي طيب إيناس شافت الحسنة اللي في ضهرك دي؟


أردفت بعدم تصديق لما يحدث ونفت أنها أظهرتها لها سابقًا وهذا شيء هي متأكدة منه:


-لأ مشافتش أنا والله هتجنن إزاي عرف بس والله العظيم أنا مظلومة معملتش حاجه صدقني 


دفع يـ ـدها بعيدًا عنه بنفور وعاد للخلف خطوة ناظرًا إليها بقسـ ـوة وشراسة ثم أردف ببرود:


-الفرح بعد أسبوع يا بنت عمي مش شهر.. بكرة الصبح تعرفي الكل إنك موافقة جهزتي مجهزتيش مش مشكلتي


تفوهت بضعف وخوف يسيطر على قلبها:


-بلاش يا عامر علشان خاطري 


ابتسم بسخرية دون داعي وقلبه ينـ ـذف ألمًا ثم سخر منها وجرح ما تبقى منها قائلًا:


-ايه؟ خايفة؟ خايفة أعرف إنك كدابة؟ متخافيش مش عامر اللي ياخد حاجه مستعملة


حركت رأسها يمينًا ويسارًا تنفي ما تحدث به وما ألقاه على قلبها المُدمر والمخذول منه هو وحده:


-والله العظيم لأ.. لأ والله لأ يا عامر أنت إزاي مصدق أنت عارفني 


تذكر ما فعلته معه وعاد بذاكرته للخلف، ثم هتف به ليذكرها هي الأخرى وليجعلها تعلم أن الأيام تستعيد ما حدث مرة أخرى ولكن هي التي في موضع الإتهام:


-وهو أنتي مكنتيش عرفاني؟ ما أنتي كنتي أكتر واحدة عرفاني وبردو كدبتيني وأنا بجري وراكي من مكان لمكان وبحلفلك إني مخونتكيش 


أشارت إلى نفسها وهتفت بثقة:


-بس أنا شوفتك


صاح بجنون وعنـ ـف وهو يسأل بصوت مرتفع حاد:


-شوفتيني بعمل ايه؟ شوفتيني في السـ ـرير 


لم يستمع إلى رد منها فقط بقيت بعينيها الباكية تنظر إليه ومشاعر كثيرة تخاطبه فصاح هو مرة أخرى قبل أن تغلبه هي:


-ما تردي!


وضحت له ما حدث في الماضي وما يحدث الآن والاثنان شتان وهو الوحيد الجاني عليها ومن يهمها من بين الجميع:


-أنا مقدرتش استحمل صدقني والله مقدرتش كنت خلاص تعبت من كل حاجه.. لكن دلوقتي غير أنت بتسمع لناس عارف أنهم كدابين وكتير حذرتني بس أنا اللي كنت غبية 


قال بجدية وهو يوثق ما حدث منذ لحظات في كلمات بسيطة تدعوه لتصديق ما قاله والنيل منها وأي شخص عاقل أو غير عاقل سيصدق ما استمع إليه كما هي قامت بفعلها سابقًا:


-سألت شاف الحسنة فين مش عارفة طب إيناس شافتها لأ.. نتجوز بردو لأ.. أصدق ولا مصدقش!.. اديني عقلك 


نظر إليها بضعف وحزن، بقهر وألم ولكنه لن يكون ذلك الذي اضعفه حب وقتـ ـله أمامها بل سيكون ذلك القائد القوي الذي يهزم وهو وحده، بصوته الحاد وبنبرته القوية الشرسة استمعت إليه يهتف بقسـ ـوة:


-الفرح الأسبوع الجاي.. واحدة زيك متستاهلش تلبس فستان أبيض من أساسه بس إكرامًا لعمي اللي كان واخد دور أبويا هعملك فرح متعملش في البلد كلها 


خرجت الدموع أكثر وأكثر من السابق وارتعشت نبرتها مرة أخرى وهي تهتف:


-أنت بتظلمني والله العظيم أنا ما عملت حاجه والله والله 


عاد للخلف بجـ ـسده ومازال ينظر إليها ذاهبًا إلى الباب ليخرج منه، ناظرًا إليها بعيناه السوداء القاتمة ولم يبخل عليها بقوله القـ ـاتل:


-بكرهك يا سلمى.. أنتي من النهاردة بنت عمي وبس


خرج من الغرفة وجذب الباب خلفه بقوة شديدة أصدرت صوتًا عاليًا، بقيت واقفة تنظر إلى الباب بعد خروجه، عيناها لم تتوقف عن البكاء في صمت، لحظات وهي لا تستوعب ما حدث ووقف عقلها هنا عنده هو فقط ثم في لحظة لم تحسب أنها قادمة مرة أخرى بحياتها وقعت جالسة على الأرضية تبكي بقهر وألم حاد داخل قلبها يكاد يقتـ ـلها..


وضعت يـ ـدها الاثنين على فمها لتكتم شهقاتها العالية التي ملئت الغرفة عليها، وانحنت على نفسها للأمام والألم داخلها يزداد لحظة بعد الأخرى..


هي لن تفعل شيء، لقد اتُهمت بأبشع الجـ ـرائم، لقد وقع على عاتقها تُهمة لو كان السيف على رقبتها وفعلها هو المنجي لها لن تفعلها. 


إنها يا "عامر" لم تستطع الزواج من غيرك ومجرد إقتراب الفكرة عليها دق قلبها بعـ ـنف وارتعش جـ ـسدها مُفكرًا بك وبغرامك الأبدي القـ ـاتل لقلبها.. 


على الرغم من أنك سـ ـارق أحلامها ولكنها تحبك! تهواك وأتى الفراق عليكم لعامان ولكن قلبها كان متعلق بكل ذكرى جمعتكم لتبقى أنت فقط في قلبها المغروم...


ازداد بكائها وارتفع صوتها ولم يعد كتم فمها بيـ ـدها ينفع بشيء فكان الألم كثير والقهر أكثر، عـ ـذاب مُستمر ولم يتوقف عليها إخراجه بتلك الصرخات والدموع المُتتالية...


عندما خرج من الغرفة سند بيـ ـده على بابها، وقف للحظات خلف الباب وهو رافض أن تبكي عيناه ولكنه كان ضعيف للغاية، كان أضعف مما يكون فانهمرت الدموع على وجنتيه للمرة الثانية ولكن والله هذه المرة ألمها يفوق الأخرى..


استمع إلى بكائها في الداخل، وبادلها هو في الخارج وقلبه يدق بعنـ ـف وقوة شديدة مُحذرة إياه، 


الخيـ ـانة شعور صعب للغاية ويالا حظك التعيس إن كان من خانك من أعظم احبائك..


لقد ثار قلبه وعقله توقف عن التفكير، تشنج جـ ـسده وانخفضت الدماء بعروقه ووالله حينها شعر بأن قلبه قد كُسر..


سلبت نفسها منه عنوة وهو الذي أحبها حد الجنون، باعت ما كان بينهم بأرخص الأتمان وابتعدت عنه جاعلة الفراق يأكل ما كان بينهم أكثر وأكثر منها..


كأنها طعنته في مُنتصف قلبه، أو مُنتصف ظهره لا يدري ولكن في الحالتين هي كانت تبتسم بسعادة، لأنها تبتعد عنه وتقترب من غيره لتسلم إياه نفسها ولتكن أخرى غير حبيبته التي يعرفها.. 


دمعات "عامر" لم تتوقف عن الهبوط ويـ ـده ارتفعت إلى قلبه يضعها فوقه بعد الشعور بأنه حقًا سيتوقف على أثر ضرباته العنـ ـيفة المُتتالية، ثم لم يترك نفسه لتلك البقعة فابتعد عن غرفتها وهو مازال يبكي خارجًا من المنزل بأكمله..



تابع قراءة الفصل