رواية جديدة بين دروب قسو ته لندا حسن - الفصل 13 - 2
قراءة رواية بين دروب قسو ته كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بين دروب قسو ته
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ندا حسن
الفصل الثالث عشر
الجزء الثاني
❈-❈-❈
أطفأت نيـ ـران قلبها قليلًا، فقط قليلًا، ما فعلته بهم الليلة لا يساوي دمعة واحدة خرجت من عيناها في تلك الليالي الحزينة التي سببها إليها "عامر القصاص" كما تسميه قاهر قلوب العذارى..
خمد دخان النيـ ـران التي كانت مُشتعلة في قلبها وعقلها وروحها التي كانت مسلوبة منها بقهر وحزن شديد شعرت به لكثير من الوقت بسببه هو وحده ومن بعده ابنة عمه المصون.. التي ستجعل حياتها بمثابة الجحيم..
مؤكد أن "عامر" قال لها أن هي وابن عمها من تحدثوا عن شرفها بالسوء، ستكون غبية حقًا هذه المرة إن لم تصدقه ولكنها على كل حال ستعرف..
فقط ينتظر قليلًا وستقوم بحرقة الأخضر واليابس المُحيط به، ستشعل حياته بالنيـ ـران المُلتهبة التي تأكل كل شيء في طريقها من حياته..
ستجعله تعيس إلى المُنتهى وستأخذ منه حبيبة عمره أو أن تجعله حزين العمر كله عليها.. لن تتركه ينعم بحياته هذه المرة فقد طال الإنتظار وهي تمثل الحب عليها فقط لكي تحصل على ما أرادت وما خططت له..
قد أتى وقته وكانت الفتيلة منذ عامان عندما فرقتهما، صحيح لم تكن تعلم أن عواقب فعلتها ستكون موت أهلها وهي ربما كانت تكون معهم ولكن حدث ما حدث.. ستكمل ما بدأته منذ عامان وستسير على نفس هذا النهج وتفرق بين هذان القلبان.. ستجعلهما يتألمان شاعرين بأن نهاية العالم قد بدأت من موضع النبض لديهما.. ستكون ضريبة خيانته لها غالية الثمن.. غالية للغاية..
بعينيها وذاكرتها عادت للخلف قبل خمس سنوات حيث كانت في ذلك الوقت هي وحبيبته في عامهم الواحد والعشرون..
"جلست على مقعد عالي قليلًا أمام البار في داخل الملهى الليلي وبيـ ـدها كوب به مشروب مُحـ ـرم تناوله ولكنها في ذلك الوقت كانت فتاة صاخبة كالموسيقى الصاخبة في المكان الجالسة به، مليئة بالحيوية والنشاط في مُقتبل عمرها الذي أضاعته هباء في كل هذه الأفعال المُحـ ـرمة التي قامت بها..
خصلاتها سوداء تتخطى كتفيها، عينيها سوداء حادة حالكة لا تحبها أبدًا، شفتـ ـيها مضمومة للأمام بلونها البنفسج البارز هذا، كانت ملامحها حادة ولكن ربما تكن أيضًا جميلة، لكنها أضاعت جمالها بطريقتها المُخفية وتصرفاتها المنافية للآداب والأخلاق..
تتراقص بجـ ـسدها العلوي على المقعد وتحرك الكأس بيـ ـدها بطريقة راقصة، تنظر بعينيها في كل إتجاه وكأنها تبحث عن شخص ما.. إلى أن وجدته..
ثبتت في مكانها وتوقفت عن الرقص، رفعت الكوب إلى فمها وارتشفته مرة واحدة ثم تركته على البار أمامها بحدة وعينيها على من يدلف إلى الداخل مُتقدمًا منها وقد ارتسمت الابتسامة على شفتـ ـيها فور أن رأته..
وقف أمامها بعد أن أقترب منها ولم يكاد يتحدث فوجدها هي التي تهتف بقوة وصوت عالي كي يستمع إليها من بين أصوات الموسيقى العالية:
-وحشتني
ابتسم بسخرية شديدة مُحركًا رأسه يسارًا ويمينًا مُستنكرًا حديثها ثم صاح بقوة هو الآخر:
-أنتي لسه عرفاني من يومين وحشتك إزاي يعني
ذمت شفتـ ـيها البارزة بقوة وهتفت بما شعرت به ونظرة جدية:
-وهو أنت زي أي حد بردو.. طب ورحمة أمي من وقت ما شوفتك أول مرة وأنت واحشني
صعد على المقعد المقابل لها هو الآخر وصاح بجدية ناظرًا إليها:
-طب بس بلاش تجيبي سيرة الميتين خليهم في حالهم هما نقصينك أنتي كمان
عاد النادل بملئ الكأس الذي أمامها وقام بملئ واحد مثله إليه فأخذته وارتشفت منه ثم هتفت وهي تنظر إليه بعينين مُدققة به ربما تهواه:
-مش هتعرفني عليك أكتر!..
نظر أمامه بعيد عنها يتابع بعينيه الخبيثة النساء أمامه بطريقة وقحة، أجابها قائلًا بثقة:
-مش كفاية عليكي اسمي
نظرت إليه مُطولًا، إنه محق يكفي اسمه وهيبته، مظهره ووسامته، عقبت على حديثه وهي تراه يُتابع بعينيه الكثيرات أمامه:
-اسمك لوحده هيبة ومركز يا.. يا عامر
عاد بعينيه إليها مُستديرًا برقبته فقط ثم هتف قائلًا بنبرة جادة:
-وأنتي منا بردو معرفش غير اسمك
استندت بيـ ـدها على البار واقتربت منه بوجهها ثم أردفت بصوت ناعم يملؤه الشغف تجاهه:
-عايز تعرف ايه تاني وأنا أقولك
ابتسم بسخرية داخلة وهو ينظر إليها ويراها هكذا وهي في مثل هذا السن الصغير، أردف بنفي ثم دللها بعينين خبيثة:
-لأ مش عايز أعرف.. كفاية عليا ناني وحياتك
بادلته نفس النظرة الخبيثة وتفوهت بالكلمات المُبادلة له الدلال والرقة:
-هستغنى عن إيناس ده خالص، ناني طالعة منك فوديكا
تسائل بشفتـ ـيه وهو ينظر إليها:
-أنتي ايه اللي جابك هنا النهاردة
أجابته بنعومة ورقة بالغة وهي تريه أنها وقعت في شباكه في لمح البصر:
-جيت أشوفك مش قولت إنك بتيجي حد وخميس.. أنا كمان بقيت باجي الحد والخميس
ابتسم بشفتـ ـيه ابتسامة واسعة وهو يعقب على حديثها مُهينًا لكرامتها داخل حديثه:
-دا أنتي واقعة أوي.. طب داري نفسك شوية
عادت للخلف رافعة حاجبيها للأعلى قائلة باستنكار:
-أنت واضح وأنا واضحة يبقى ليه أداري
تحدث مؤكدًا حديثها الكاذب:
-عندك حق وحياتك
تسألت بعينين وقحة وهي تنظر إليه نظرات مراهقة وليست شابة ناضجة:
-طب ايه؟
تسائل بعينيه قبل شفتـ ـيه وهو يراها كالمجنونة أول مرة لها أن تتعرف على رجل ولكنه كان واثق في قدراته مع الجـ ـنس الآخر:
-ايه؟
ضغطت على جانب شفتـ ـيها بأسنانها بطريقة مغرية للغاية وهتفت برقة ودلال:
-ما تيجي نرقص
نظر إليها بعينيه وكأنه تسلبه نحوها لفعل شيء بشع يود فعله منذ زمن ولكن حبيبته تعوقه، يريده معها هي وحدها وليس غيرها..
ارتفع صوت الهاتف بجيبه ولكنه لم يشعر برنينه ولم يستمع إليه في ظل أنه مُثبت نظره عليها يرى كم هي وقحة أو مجنونة بل شعر باهتزازه داخل جيبه، أخرج الهاتف ونظر إلى شاشته فوجد من يقوم بمهاتفته حبيبته رفع وجهه إلى الجالسة أمامه ثم عاد مرة أخرى إلى شاشة الهاتف ينظر إلى الإسم المدون عليها والذي كان حبيبتي أغلقه ثم أعاده إلى جيبه مرة أخرى ونظر إلى "إيناس" وكأنه فكر بها بعقله فأتت إليه لتجعله يعود عما في رأسه كما كل مرة..
تحدث بجدية ليخلي مسؤوليته بطريقة غير مباشرة وليهتف بحديث ظاهر فقط وعندما يتعمق يقول ها قد قلت لك..
تحدث بحنية ورقة ومعها الجدية الكاملة ليشتتها ويكون فعل ما وجب عليه فعله:
-بصي يا ناني أنا باجي هنا علشان اتسلى.. أي حاجه بتحصل هنا بتبقى تسلية، ماشي يا ناني
نظرت إلى تغيره بعينيها واستشعرته حقًا بعد رنين الهاتف ونظرته إليه وإليها:
-ده أكيد كان حد مهم اللي كلمك علشان كده خوفت
ابتسم بثقة ثم قال بتأكيد:
-مش عامر اللي يخاف أنا بس بعرفك
استشعرت ثقته أيضًا وحديثه المؤكد الواثق، هيئته ونبرته، فقالت مُتسائلة:
-مش هترقص؟
وقف على قدميه وارتشف من كأسه ثم أخرج ورقة مالية وتركها على البار غامزًا له في نهاية حديثه:
-لأ همشي.. وهبقى أكلمك
تحرك من أمامها فتحدثت هي الأخرى وعينيها عليه:
-هستناك.... يا عامر"
عادت إلى واقعها مرة أخرى بعد أن أغلقت ذكرى رؤيته للمرة الثالثة في ملهى ليلي، كانت هذه المرة الثالثة الذي رأته بها، تعرفت عليه، جلست معه، تحدث إليه، تقابلا مرات كثيرة بعدها، وكم كانت الأمور تسير بشكل جيد إلى ذلك اليوم المشؤوم.. ولكنه هو من قام بخداعها!.. هو من فعل كل ذلك فعليه تحمل النتيجة وحده هو وحبيبته..
❈-❈-❈
لم يجد مكان يحتويه سوى الملهى الليلي!.. بعد أن انهارت حصون قلبه ووقعت قلعته مُتدمرة بعد غزو الخـ ـائنة حبيبته عليه..
سالت الدموع من عيناه فور أن خرج من الفيلا إلى وصوله هنا وكأنه لم يبكي عندما كان طفل، كأن عيناه لم تعرف البكاء يومًا..
شعوره لا أحد يستطيع وصفه ولا حتى هو يعرف بماذا يشعر، لقد مـ ـات قلبه ودُفن بعد أن اكتشف خيـ ـانة وقسـ ـوة الحب الذي كان بحياته..
لا يعرف لما يحدث معه هكذا؟ هل هي ليست مكتوبة لأجله؟ هل هي مقدرة لغيره وهو يكابر!، منذ زمن وكلما أقترب من الحصول عليها يحدث شيء يبعدهم الآن بدأ في الإقناع أنها ليست له.. ولكن مع ذلك لن يتركها.. سيجعلها ترتشف من كؤس العـ ـذاب كما حدث له..
لا يدري لما يشعر الآن أنه وحيد حقًا، هو كذلك ولكن الآن يشتد عليه هذا الشعور وبقوة، لا والد له ولا صديق ولا هي من كانت له الدنيا وما فيها..
تنهد وهو يبتسم بسخرية مُتذكرًا قبل سنوات وعمه على قيد الحياة ووالده يشتد عليه يوم بعد الآخر...
"عندما كان عمره سبعة وعشرون عامًا، عاد وقرآن صلاة الفجر يقرأ في الثالثة صباحًا صف السيارة ثم خرج منها وهو يترنح بقوة للخلف والأمام بسبب ثمالته التي نتجت عن شربه الكثير من الكحوليات، دفع باب السيارة بقوة أصدرت صوتًا عاليًا ثم سار في وجـ ـسده غير مُتزن يترنح من هنا إلى هنا وعقله ليس معه، رفع نظرة إلى شرفة حبيبته التي لا تريد أن تحنن قلبها عليه وتوافق على الخطبة في هذا العام.. يا لها من قاسية كل يوم تأجل زواجهم ليست صغيرة هذه إنها بالغة صاحبة واحد وعشرون عام لما لا تتزوجه وتجعله ينعم معها بكل ما يريد..
أخفض وجهه إلى الأرضية وأكمل سيره إلى الداخل ولكنه وجد عمه "أحمد" يخرج إلى الحديقة ينظر إليه بانزعاج وضيق شديد، وقف أمامه ونظر إليه بقوة قائلًا بجدية:
-ليه كده يا عامر مش كنا اتفقنا إنك مش هترجع للطريق ده تاني
صمت ولم يجب عليه فقط نظر إليه بسخرية وهو من الأساس ليس معه، أمـ ـسك عمه بذراعه ليساعده وهو يهتف:
-أمشي تعالى أغسل وشك من الحنفية اللي ورا قبل ما تدخل أبوك مستنيك
أردف "عامر" بنبرة مهزوزة ولكن حديثه يحمل الجدية:
-مش لازم يا عمي هو متعود مني على كده
جذبه من ذراعه بقوة وهو يُسير باتجاه جانب الفيلا حيث هناك صنبور مياة في الأرضية يخص الزرع الأخضر والورود الموجودة بحديقة الفيلا، أخذه إلى هناك ثم فتح الصنبور وبدأ في السكب على وجهه كميات كبيرة من الماء بقوة لتجعله يستفيق مما هو به..
كان الآخر مُنزعج بشدة وحاول الإبتعاد ولكن عمه لم يتركه يفعل ذلك لأن والده إن وقعت عينيه عليه وهو في هذه الحالة لن يحدث خير أبدًا..
صاح "عامر" وهو يبتعد للخلف:
-خلاص فوقت
وضع يـ ـده الاثنين على جانبي رأسه يضغط عليه بقوة بسبب الألم الذي داهمه بعنـ ـف وشراسة، أغمض عينه ضاغطًا عليهما ثم فتحهما مرة أخرى ووقف مـ ـعتدلًا ناظرًا إلى عمه الذي هتف بقوة وجدية:
-أبوك قاعد جوا لحد دلوقتي علشان مستنيك، هتدخل معايا وتحترم كلامك يا عامر معاه مهما يقول متردش بطريقتك عليه لأنه المرة دي معاه حق مليون المية
احتدت نبرته وأسودت عيناه وهو ينظر إليه قائلًا بعنف وحدة:
-معاه حق ولا لأ هو أخر واحد ممكن يتكلم معايا
نظر إليه عمه بقوة وهتف بتأكيد يذكره بما كان يحدث:
-متنساش إنه أبوك وإنه حاول معاك كتير وأنت اللي كنت بتعاند وتبجح
تسائل الآخر بعينين حادة مُثبتة عليه ثم أجاب على نفسه بقسـ ـوة:
-وبعدين؟ عمل ايه بعدين؟ بقى يطردني برا البيت ويقولي روح للصيع بتوعك، بيسيبني للصيع بتوعي ليه؟ وأنا واثق إنه هيطردني دلوقتي وهتشوف
نظر عمه إلى الناحية الأخرى ثم دفعه مُربتًا على كتفه وهو يقول:
-مش هيطردك يا عامر.. يلا أدخل
سار معه إلى الداخل وهو مُنزعج بشدة والحنق سيطر عليه من كل جانب غير ذلك الصداع الذي احتل رأسه وكأنها مكانه..
دلف من البوابة وعمه معه وهو بتلك الهيئة، طوله الفارع ووجهه الطويل وتلك النظرة الحادة المزروعة بوجهه وملابسه السوداء مبلله ولكن لم يظهر ذلك..
وقف "رؤوف" والده في مُنتصف الصالة عندما وجده يدلف إلى الداخل وضع يـ ـده الاثنين خلف ظهره ورفع وجهه إليه بشموخ ثم صاح بقوة:
-كنت فين يا عامر لحد دلوقتي
أجابه الآخر بنبرة جدية مُعتدلة كما قال عمه له في الخارج:
-كنت سهران مع صحابي
استنكر والده حديثه وتسائل بسخرية:
-مع ستات وخـ ـمرة
بجح به الآخر وبقوة وهو يهتف أمامه أنه كان يحتسي الخـ ـمر دون أي خجل منه:
-خـ ـمرة بس ماليش في الستات
صاح عمه من خلفه مُناديًا بإسمه بقوة وحدة كي ينبه أن يعتدل في الحديث مع والده:
-عامر
استهزأ به واستدار ينظر إليه بمزاح ولا مبالاة:
-ايه أكدب يعني
تقدم والده منه بخطوات ثابتة وهو ينظر إليه نظرات حادة تهطل من عينيه عليه قائلًا في سيره بقسـ ـوة:
-لأ إزاي متكدبش قول كل اللي عندك ماهو أصل أنا اللي غلطان نسيت اربيك يا عديم التربية
حرك "عامر" يـ ـده إليه بلا مبالاة وعدم اهتمام كبير لحديثه وهو يردف بملل:
-اسطوانة كل يوم، لو في جديد قوله علشان ننجز مش معقول كده كل يوم يعني نفس الكلام لازم نغير بردو
أشار والده هو الآخر عليه بغيظ شديد لأنه لم يعد يستطيع أن يفعل معه أي شيء ولم يأتي أي مما قام به معه بالنفع فصاح بقوة وعنـ ـف موضحًا له ما يستحقه:
-أنت ولد قليل الأدب ومش متربي والعيشه اللي أنت عايشها دي متستهلش ربعها لأنك بترفص النعمة برجليك وكمان سُكري ونسوانجي دا أنت مليان ذنوب ومعاصي أرحم نفسك
داخله تألم لأن والده يعلم أنه في مثل هذا العمر وملئ بالمعاصي والذنوب ولم يحاول مرة واحدة أن يجعله يعود عنها باللين والهدوء، هتف مرة أخرى بلا مبالاة:
-لو قولتها بطريقة أحسن من كده كان ممكن أقتنع
نظر إلى أخيه في الخلف الذي دائمًا يُدافع عن ابنه وينصحه باللين ولا يفعل بما يقوله له، أشار إليه بغضب وعصبية وهو يقول بصوت عال:
-شايف البيه اللي أنت بتحبه وبتقولي دا طيب وغلبان عايز اللي يحتويه؟ الشحط ده عايز اللي يحتويه ولا هامه واقف يهرج ويبجح في اللي عايش من خيره
أردف "عامر" هذه المرة بجدية شديدة مُتخليًا عن تبجحه ولا مبالاته:
-أنا عايش من خير نفسي بشتغل وبشغلي بتدفعلي فلوس مش باخد منك رحمة ونور
تقدم منه والده وقال بعصبية موضحًا له مركزة:
-لأ وأنت الصادق أنت لسه يدوب من كام سنة شغال لكن طول عمرك عايش في خيري وبتاكل منه
تحدث "عامر" بتبجح مرة أخرى وهو يُشير إليه بعصبية وغضب بعد أن فارت الدماء بعروقه من كثرة ثرثرته يوميًا:
-أنت مش خلفت يبقى تشيل ولا عايز تخلف وتجري
أقترب عمه منه في خطوات سريعة وأمـ ـسك به يدفعه للداخل كي يصعد إلى غرفته:
-أخرس يا عامر بقى.. أمشي أطلع اوضتك
أشار إليه والده مرة أخرى وأردف بقسـ ـوة وحدة وصوته عالي في منتصف صالة الفيلا:
-عايز تجوزه بنتك يا أحمد.. ده عايز تأمن على بنتك معاه، ده هيبقى أب وزوج ويشيل مسؤوليه!
عاد إليه "عامر" وابتعد عن عمه ليقف أمامه بقوة وعنـ ـف متحدثًا بجدية شديدة وشراسة ليوضح إليه أن "سلمى" لن تكون لغيره:
-بقولك ايه.. أعمل أي حاجه وقول اللي أنت عايز تقوله بس كله إلا سلمى علشان أنا هتجوزها غصب عن الكل
أقترب والده منه ليقف أمامه مُباشرةً وتسائل بجدية:
-غصب عن مين
نظر "عامر" في عينيه بقوة وعنـ ـف ولم يتراجع عن أي مما يفعله أو يقوله بل أكمل قائلًا بشراسة:
-عنك أنت أول واحد
رد والده عليه بصفعة قوية على جانب وجهه بكفه العريض، التف وجه "عامر" على أثرها الناحية الأخرى..
شهقت بعنـ ـف وتفاجئ وهي تراه يصفعه هكذا واضعة يـ ـدها على فمها وكتمت شهقتها بها كي لا يراها أحد أو يستمع إليها..
ضغط على شفتـ ـيه بأسنانه بقوة شديدة قد جرحت على أثرها وخرجت منها الدماء، كور قبضة يـ ـده الاثنين بعـ ـنف كي يحاول التحكم بنفسه بعد هذه الصفعة التي تلقاها منه..
عاد ناظرًا إليه ليراه يبعث إليه القسـ ـوة الخالصة..
جذبه عمه من يـ ـده بقوة ودفعه إلى درج السلم قائلًا بصراخ:
-أطلع فوق... أطلع
عادت للخلف سريعًا عندما وجدته يصعد وذهبت إلى غرفتها ركضًا حتى لا يراها ويعلم أنه رأته في ذلك الموقف الذي لا يحسد عليه..
بعد أن تأكدت من أن كل منهم دلف إلى غرفته، ذهبت بتلك المنامة إلى الأسفل لتفعل له فنجان من القهوة وتأخذ إليه الحبوب المسكنة للألم.. ليته يعود عما يفعل.. ليته يترك الطريق الذي دلف إليه فجأة دون سابق إنذار..
صعدت على الدرج بهيئتها الفاتنة وجمالها الأخذ، بخصلات شعرها الطويلة قليلًا ذات اللون الذهبي، عينيها الزيتونية وشفتـ ـيها الوردية المُكتنزة.. لقد كانت كتلة جمال متحركة أمامه..
دقت باب الغرفة فلم يجب عليها، علمت أنه في المرحاض فدفعت الباب ودلفت إلى الداخل تاركه الفنجان ومعه مُسكن للألم..
عادت إلى باب الغرفة وفتحته لتخرج فوجدته هو الآخر يخرج من المرحاض ناظرًا إليها بعينين خالية من أي مشاعر.. فتركته هي الأخرى بعد أن أشارت له على ما جلبته إليه..
الوحيدة التي تفكر به، على الرغم من كل ما يحدث أمامها مازالت هي ووالدها فقط من يقفون معه.. انحدر بطريق الخطأ ولا يستطيع الرجوع عنه، لما لا يجعله يعود باللين؟.. لما يفعل معه هكذا.. إنه لا يحب نفسه بهذه الطريقة، لا يريد أن يكمل على نفس هذا النهج.. إنه يريد أن يعود "عامر القصاص" كما عاهدوه.."
عاد "عامر" من تذكره لتلك الأمور التي مضى عليها كثير من الوقت والأعوام، ترك الكأس الذي كان بيـ ـده وأخرج من جيبه المال وتركه على الطاولة ثم وقف على قدميه مُتحركًا للخلف بظهره ليذهب من هنا..
اصطدام بأحد خلفه وعلى أثر الاصطدام وقع كأس الآخر منه مُتهشم على الأرضية، إلتف ينظر إليه بجدية وكان سيعتذر عن ذلك الخطأ ولكنه وجد الآخر يهتف بتبجح وصراخ:
-ما تفتح يا أعمى ولا تحب افتحك أنا
نظر إليه وإلى من معه بثبات ثم أجابه بثقة:
-عندي اوبشن أحسن، أنا ممكن أعميك أنت
صرخ الآخر عليه وتقدم منه بجـ ـسده الصلب العريض وهو يقول بصوت خشن عالي:
-وريني كده يا أبو الرجـ ـولة
رفع عامر يـ ـده ليلكمه في وجهه بقوة وعنـ ـف عندما وجده يقترب منه ثم قام بدفعه للخلف فدافع عن نفسه بقوة..
أقترب الآخرين منه واحدًا منهم لكمه في وجهه كما فعل هو بالآخر فرد له لكمته بقوة وعنـ ـف..
وقف صوت الموسيقى وارتفعت أصواتهم الرجـ ـولية المزمجرة عاليًا وحاول "عامر" أن لا يترك لهم الفرصة في النيل منه وهو يتبادل معهم الضربات..
< span style="font-family: arial; font-size: large;">ولكنه على حين غرة وجدهم يبتعدون عنه تاركين الفرصة لمن تشاجر معه في البداية ليقترب منه بجـ ـسده العريض بثبات وثقة ليقف أمامه ثم فجاة ودون سابق إنذار أخرج من خلفه مدية وقام بفتحها ليدفعها بكل قوته في مُنتصف بطنه لتخترق القميص الذي كان يرتديه ومن خلفها خرجت الدماء بغزارة تُسيل مغيرة لون القميص من الأبيض إلى الأحمر..
جذب الآخر المدية وظهر على وجهه الإجرام والقسـ ـوة وهو ينظر إليه بثبات كما كان، وضع "عامر" يـ ـده على بطنه موضع الجرح الذي يخرج منه الدماء بغزارة وصرخ بقوة متألمًا وتغيرت ملامح وجهه بالكامل ثم وقع على الأرضية وهو لا يحتمل ذلك الألم والدماء تسيل منه بغزارة دون توقف..
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ندا حسن من رواية بين دروب قسو ته، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية