-->

رواية جديدة تعويذة العشق الأبدي لسمر إبراهيم - الفصل 15 - 2

 

قراءة رواية تعويذة العشق الأبدي كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية تعويذة العشق الأبدي

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة سمر إبراهيم 


الفصل الخامس عشر

الجزء الثاني

عودة للصفحة السابقة



وصل إلى حيث أخبرته بأقصى سرعة ممكنة ليجدها تقف شاردة بجوار المقهى فذهب إليها عاقدًا حاجباه ووقف أمامها وقد ازداد قلقا بعد رؤيته لها هكذا فحدثها باهتمام:

- واقفة كدا ليه؟ مقعدتيش استنتيني في الكافيه ليه؟

حركت كتفيها بلامبالاة وتحدثت وهي تنظر للمقهى خلفها:.

- أبدًا كنت لسة خارجة اتكسفت ادخل تاني.

حرك رأسه لأعلى ولأسفل بتفهم وتحدث وهو يشير نحو المقهى:

- طب تحبي ندخل نقعد جوا ولا نروح مكان تاني؟

- أي حاجة مش هتفرق.

- خلاص تعالي نقعد جوا.

ردت باقتضاب وهي تتجه معه إلى المقعى:

- أوك

جلست بصمت دون أن تنطق بشيء ليتآكله القلق فهو لأول مرة يراها هكذا حتى في أحلك أوقاتها لم تكن تبدو كذلك.

أتى إليهما النادل ليأخذ ما يريداه من طلبات ليطلب قدح من القهوة المرة ونظر إليها فطلبت كوب من القهوة باللبن المحلاه وانتظر حتى ذهب النادي وحدثها باهتمام:

- مش ناوية تقوليلي مالك؟

نظرت اليه نظرة مطولة مضيقة عينيها قبل أن ترد على سؤاله بسؤال آخر:

- هو انت بتعمل معايا كدا ليه؟

لم يعرف بما يجيبها فهو نفسه لا يعلم ما هو سبب ذلك؟ هل هو شفقة؟ أم تأنيب ضمير؟ أم هو شيء غير ذلك؟ فشابك أصابعه وأرجع ظهره للخلف وهو ينظر إليها بتيه:

- هتصدقيني لو قولتلك مش عارف.

أمالت رأسها ناحية اليمين وسألته بتعجب مشتقة من كلماته:

- يعني إيه مش عارف؟ ومتقوليش إنه تعويض عن الحادثة لأني اعتبرت اننا خالصين من يوم ما أنقذت حياة أختي فإيه اللي يخليك تسيب شغلك وحياتك وتفضل جمبي؟ ولما احتاجلك في أي وقت تسيب كل اللي وراك وألاقيك قدامي في لحظتها مع إنك كنت ممكن تسافر من تاني يوم اللي حصل وكنت ساعتها هتبقى عملت اللي عليك وزيادة شوية.

نظر إليها مطولًا لا يعلم بما يمكن أن يجيبها فهو حقًا لا يستطيع معرفة سببًا لما يفعله معها فذلك عكس طبيعته فهو لم يترك عمله لأجل أحد من قبل مهما كانت ماهية ذلك الشخص أما هي فإنه يجزم أن ما يفعله معها خارج عن إرادته  فبالطبع لم يعد إحساسه بالذنب نحوها هو ما يسيره وإن كان الأمر بدأ كذلك إلا أنه قد كفّر عن ذنبه هذا منذ فترة.

لن يكذب على نفسه فما يحدث له بعيد كل البعد عن شعوره بالذنب أو تأنيب الضمير فبوجودها يشعر وكأنه مسلوب الارادة وكل ما يريده في الوجود هو أن يدور في مدارها يتعلل بأسباب واهية حتى يظل بجوارها وكأنها إكسير الحياة بالنسبة إليه.

فكر كثيرًا في ذلك في الأيام الماضية خاصة كلما استدعى الأمر سفره للأقصر فكان يذهب ويأتي في نفس اليوم أو اليوم الذي يليه على أكثر تقدير فشعوره بالخواء وهو بعيد عنها كان يجعله يعود من فوره حتى يراها مرة أخرى فكاد أن ينفجر عقله من كثرة التفكير عن سبب ذلك ليتهكم بداخله وهو ينظر إليها فهي حتى ليست نوعه المفضل من النسا ء حتى يشعر نحوها بذلك.

أدرك أنه قد طال صمته أكثر من اللازم وهو شاردًا في ملامحها ليلاحظ نظراتها المرتابة إليه فقرر أن يتحدث معها بقليل من الصراحة عما يشعر به فهو لا يستطيع مصارحتها بالكامل وخاصة عن هذه الأحلام التي تطارده وتجمعهما سويًا فهو على يقين من أنها ستراه مختلًا إن علمت بهذا.

حمحم مجليًا صوته يحاول إخراجه ليبدوا طبيعيًا نوعًا ما:

- حقيقي مش عارف ومش هكدب عليكي الموضوع كان بالنسبالي في الأول مجرد محاولة لإرضاء ضميري اللي كات بيأنبني من يوم الحادثة ومخليني مش عارف أنام إنما دلوقتي حاسس ان فيه حاجة تانية بتربطني بيكي إيه؟ هي مش عارف.

قال ذلك ثم ابتسم إليها مستأنفًا حديثه:

- ويا ستي لغاية ما اعرف السبب اعتبريها ضريبة صداقة مش أكتر مش احنا بقينا أصحاب ولا ايه؟

ابتسمت بخجل قلما رآه على وجهها لتجيبه بحرج وهي تضع خصلة هاربة من شعرها خلف أذنها.

- إيه.

ابتسم باتساع عند سماعه إجابتها المقتضبة وتحدث بمرح مغيرًا مجرى الحديث:

- طب خلاص طالما كدا بقى يبقى الصاحب ليه عند صاحبه إيه غير انه ينجده وقت ما يحتاجله.

قال ذلك وتحولت ملامح وجهه وحديثه إلى الجدية:

- متسبقيش الأحداث وخلي الأمور تمشي زي ما هي عايزة.

أماءت لها موافقة على حديثه مع تنهيدة حار رة خرجت من صد رها فور تذكرها ما حدث فعقد حاجباه  وسألها باهتمام؟

- ممكن تقوليلي بقى سبب الحالة اللي انتي فيها دي إيه؟ فيه حاجة جديدة حصلت؟

تجهمت ملامحها ونظرت له بتردد لا تدري بما يمكنها أن تجيبه فهي لن تستطيع أن تقص عليه ما حدث من شقيقتها وما عقبه من تطورات فاكتفت بقول ما حدث اليوم دون الخوض في الكثير من التفاصيل فتجنبت النظر إليه وهي تجيبه:

- أبدا، أصل بابا جايب عريس لوعد مش مناسب أبدا ليها ومصمم يخليها تتجوزه.

لقد تذكر عندما استمع لحديث والدتها بالمشفى كما أنه قد علم من مروان بأن والدها هو من فعل بشقيقتها ذلك ليستنتج عقله أنه من الممكن أن يكون ذلك بسبب رفضها لذلك العريس وظن بأن عهد لم تكن على علم بذلك سوى عندما عندما أخبرتها والدتها بهذا الأمر فهو يعرف أنه يوجد بعض من أشباه الرجا ل ممن يستخدمون الضر ب ك وسيلة لإجبار من أمامهم على إطاعة أوامرهم فحدثها باستفهام:

- علشان كدا ضر بها بالشكل ده لما رفضت الجواز؟

تفاجأت عندما وجدته يعلم بأن والدها هو من فعل ذلك بشقيقتها فعقبت على سؤاله بسؤال هي الأخرى:

- وانت عرفت منين إن بابا هو اللي عمل فيها كدا؟

شعر بالحرج من سؤالها فلم يرد أن يخبرها بأن مروان هو من أخبره بذلك أو بأنهما قد استمعا إلى والدتها وهي تخبرهن بما يريده والدها حتى لا تشعر بالإحراج أكثر من ذلك واكتفى بقوله:

- لا ابدًا مجرد استنتاج مش أكتر ربطت بين اللي حصل وكلامك دلوقتي.

أماءت له بتفهم وعقبت مجيبه على سؤاله السابق:

- لا مكانش بسبب العريس موضوع العريس ده معرفناهوش الا في المستشفى بس كنت فاكرة أنه كلام وخلاص ساعة غضب بس من الواضح انه مصمم على رأيه.

حدثها ببساطة من منطلق بيئته التي تربى بها:

- خلاص بسيطة ترفض الجواز من الشخص ده ما دام مش مناسب.

ابتسمت بتهكم من حديثه فياليت الأمر كان بتلك البساطة وتحدثت بيأس بعد أن أخرجت الهواء بعنــ ف من رئتيها:

- ماهي المشكلة انها وافقت.

ضيق ما بين حاجبيه ليزداد تعجبه من حديثها:

- خلاص طالما هي موافقة يبقى هي حرة يمكن هو مش مناسب من وجهة نظرك انتي إنما هي شايفاه مناسب سبيها تخوض التجربة.

شعرت بالغضب من حديثه وعقبت بحدة وبصوت مرتفع بعض الشيء:

- هي حرة إزاي؟ بقولك مش مناسب كفاية إنك تعرف انه شخص قذ ر متحر ش مفيش واحدة سلمت منه في المنطقة اللي احنا عايشين فيها دا غير إنه في سن بابا ومتجوز اتنين، وزود على دا كله إنه شخص جاهل ومشكوك في مصدر فلوسه فيه ناس بتقول عليه إنه بيتاجر في المخد رات وفاتح ورشة ميكانيكا علشان بس يداري على نشاطه الأصلي.

أنهت حديثها وهي تلــ هث من كثرة الغضب ليحاول تهدئتها قدر استطاعته فهو لم يكن يعي كل ذلك فقدم إليها كوب من المياه متحدثًا بأسف:

- طب اهدي بس واشربي شوية مية انا مكونتش أعرف دا كله.

أخذت منه الكوب بأيــ د مرتعشة لتدرك أنها قد انفعلت عليه دون ذنب منه فمن أين له أن يعرف بكل هذا فاعتذرت له عن انفعالها:

- أنا آسفة مكونتش أقصد أعلي صوتي انت ملاكش ذنب في اللي حصل.

ابتسم باتساع عند سماعه لحديثها وعقب بمرح:

- عهد هانم بتعتذر أنا أكيد بحلم مش مصدق نفسي.

ضيقت عينيها وهي تتحدث بضيق مصطنع:

- يا سلام ومين قالك اني مبعتذرش.

ازدادت ابتسامته اتساعًا وحدثها وهو يغمز بإحدى عينيه:

- محدش قالي أنا شوفت بعيني.

رفعت إحدى حاجبيها ونظرت إليه بتأهب وهي تتحدث باستفهام:

- شوفت إيه بقى إن شاء الله؟

رفع يــ ديه باستسلام وأجابها بنبرته المرحة:

- ما شوفتش حاجة طبعًا هما يا دوب شوية طو ب وزلط كدا عالماشي كنت ببقى عايز ألبس خوذة وانا بكلمك لحسن طوبة تيجي في دماغي ولا حاجة.

نظرت اليه بغيظ لتتحدث من بين أسنانها وهي تعد على أصابعها:

- لا يا شيخ وانت كنت عايزني أكلمك إزاي ببقى عد ما فوقت ولاقيت نفسي في مكان غريب مع ناس معرفهاش وأهلي ميعرفوش عني حاجة وافتكروني موت وخسرت شغلي ومش قادرة أمشي على رجلي كنت عايزني بعد دا كله أقدملك جواب شكر ولا اعمل إيه؟ طب انا راضية ذمتك ماذا تفعل لو كنت مكاني؟

تنهد ونظر إليه بأسى بعد أن سيطر الحزن على ملامحه ليتحدث بأسف:

- عندك حق أنا آسف.

ابتسمت له ابتسامة صادقة وتحدثت وقد بدأت الدموع تتلألأ في عينيها:

- متتأسفش خلاص أنا نسيت كل ده.

كاد أن يتحدث ليقاطعه رنين هاتفه الذي كان يضعه أمامه على الطاولة لينظر في شاشته فوجدها تنير بإسم سيلا فزفر بضيق وأنهى المكالمة ليجدها تنظر إليه عاقدة حاجبيها وكأنها تسأله عن ماهية المتصل فأجابها بتردد دون أن ينتظر أن يسمع سؤالها:

- دي بنت عمي.

اغتاظت من فهمه لما تريد دون أن تنطق بشيء لتبادر بالحديث بهجوم كعادتها بعد أن عقدت ذراعيها أمامها:

-  أنا مسألتكش على فكرة وميهمنيش أعرف.

هز رأسه بيأس من تغيير طريقتها وقبل أن يعقب وجد هاتفه يعلن عن اتصال جديد مرة أخرى فأجاب على مضض وسط نظراتها المترقبة:

- ألو.

- هالو يونس haw are you, I miss you so much.

أجابها باقتضاب:

- بخير الحمد لله.

تجاهلت حديثه المقتضب دائمًا معها واستأنفت حديثها باهتمام مصطنع:

- ايه مشغول؟ أنا عطلتك عن حاجة؟

نظر لتلك الجالسة أمامه تنظر إليه بترقب فتنقر بأصابعها على الطاولة تارة وتقضم شفــ تيها تارة أخرى ليجيبها دون مراعاة لمشاعرها:

- مشغول شوية آه عندي اجتماع مهم.

تأففت بضيق وحاولت تصنع الود والتفهم قائلة:

- طيب لو مشغول أكلمك وقت تاني.

- ماشي تمام وانا لما أفضى هبقى أكلمك.

طحنت أسنانها من كثرة الغيظ حتى كادت تجزم بأنها قد تأ ذت بالفعل فحاولت تهدئة نفسها قبل أن تجيبه:

- أوك، هستني مكالمتك ولو كدا ممكن نتقابل في النادي بعد ما تخلص شغل.

قلب عينيه بملل وأجابها لينهي المكالمة بأسرع وقت ممكن:

- هشوف وقتي كدا وأقولك سلام.

- باي.

أغلق الهاتف سريعا وهو يتنفس الصعداء ليسمع صوتها المتعجب:

- إيه يابني ما تديها قلمين أحسن دا أنت كان ناقص تقفل السكة في وشها.

- عادي متشغليش بالك.

حركت كتفيها وحدثته بلامبالاة ينافي الفضول الذي يتآكلها دون سبب واضح بالنسبة إليها لتعرف من هي؟ ولماذا يحدثها هكذا:

- أوك، براحتك.

ضيق عينيه وهو ينظر إليها وكأنه يختر ق عقلها ليعرف فيما تفكر فحديثها المقتضب ينافي نظراتها التي كانت ترمقه بها وهو يتحدث في الهاتف ولكنه لم يقف أمام ذلك كثيرًا وتحدث مغيرًا مجرى الحديث:

- نرجع للمهم دلوقتي هتعملي إيه في موضوع أختك؟

رجعت بظــ هرها لتستند على الكرسي من خلفها وتنهدت بقلة حيلة لتتحدث وهي تمسك بكوب قهوتها علها تستمد منه القوة:

- حقيقي مش عارفة بس اللي متأكدة منه اني استحالة أسيبها تعمل في نفسها كدا وأكيد همنع الجوازة دي بأي طريقة، إزاي بقى لسة مش عارفة.

أماء لها متفهما وحدثها مساندًا إياها:

- شوفي عايزة تعملي ايه وأنا معاكي وان شاء الله هنقدر نمنعها.

- يارب.

❈-❈-❈



اليوم التالي صباحًا

- بس يا ستي ومشيت وسيبته قفاه يقمر عيش.

قهقهت صفاء إلى أن أدمعت عيناها من حديث صديقتها ثم نظرت إليها مضيقة عينيها وحدثتها بجدية مصطنعة:

- انتي أكيد مش ضحى انطقي وديتي ضحى فين يا ســ ت انتي؟

ضحكت ضحى بملئ فيها وتحدثت من بين قهقهاتها وهي تحرك حاجبيها لأعلى ولأسفل:

- ضحى القديمة خلاص كَلْهَا الوبا اللي موجود دلوقتي الإصدار الجديد.

- طب قوليلي غيرتي النسخة فين عشان اروح أعمل سوفت وير أنا كمان شكله شاطر.

سقطتا في نوبة من الضحك لمدة ليست بالهينة

لتنظر إليها صفاء فور توقفها عن الضحك وعلى وجهها علامات الفخر وتحدثت بعدم تصديق:

- أنا بجد مش مصدقة إن اللي قاعدة قدامي دي ضحى صاحبتي وعشرة عمري أنا من شهر واحد بس لو كان حد حلفلي انك هتعملي كل اللي عملتيه ده كنت قولت عليه مجنون انتي اتغيرتي 180 درجة يا بنتي عملتي كدا إزاي بجد.

زفرت بعمق ونظرت لنقطة فارغة أمامها وتحدثت بجدية:

- هتصدقيني لو قولتلك إن أنا نفسي مش عارفة نفسي ببص في المراية وبقعد أسأل نفسي هو انتي عملتي كدا بجد ولا دا مجرد حلم يقظة هفوق منه ألاقيني لسة زي منا.

وضعت صفاء يــ دها على يــ د صديقتها تحاول أن تبث بها القوة فنظرت إليها ضحى بعينان ممتلئتان بالدموع فحدثتها بدعم:

- لا يا حبيبتي مش حلم ولا حاجة انتي عملتي اللي كنت بدعي انك تقدري تعمليه من زمان، إنما مقولتليش ايه السبب في التحول ده؟ جيبتي الجرأة دي كلها منين؟

صمتت قليلا لتستجمع أفكارها وحدثتها بإطناب:

- بصي مش هكدب عليكي دكتورة هبة كان ليها دور كبير جدًا في التغيير ده وحقيقي لو قعدت عمري كله أشكرك إنك كنتي سبب في إني أروحها مش هوفيكي حقك، بجد من ساعة ما روحتها وأنا حاسة اني بقيت اشوف الأمور بعيون تانية خالص غير  اللي كنت بشوفها بيها قبل كدا، فهمت شخصيتي كويس وكمان فهمت شخصية أحمد السا مة وعرفت اني لازم ابعد عنه مش أحاول أغيره لأن ده مش هيحصل، كمان تقدري تقولي إن الكيل كان طفح الإنسان لما بيفضل يدي من غير ما ياخد مقابل بيجي وقت عليه وطاقة العطاء بتاعته بتخلص وساعتها ممكن موقف تافه جدًا يكون سبب في تغيير كل حاجة زي ما بيقولوا كدا القشة التي قسمت ظــ هر البعير ودي مكانتش قشة يا بنتي دا كان ساطور جاب ضهر البعير نصين.

أنهت جملتها وأخذتا يضحكان بصخب ولكنهما انتبهتا على صوت زميلهم في العمل:

- بتضحكوا على إيه أوي كدا؟ ضحكوني معاكم.

في لحظة تحول وجهيهما للجدية الشديدة ونظرتا إليه بتجهم لتعقب صفاء على حديثه وهي تبتسم ابتسامة صفراء:

- كان بودي أضحكك معانا والله يا دكتور رامي بس دي أمور ستا ت متخصكش في حاجة.

حمحم بعد أن شعر الإهانة من حديثها ولكنه حاول إخفاء ذلك وتحدث وهو ينظر لضحى بطريقته الوقحة:

- على العموم لو فيه حاجة أنا في الخدمة.

نظرت اليه ضحى بحاجبٍ مرفوع وكادت أن تجيبه بما يستحق ولكن صفاء سبقتها لذلك:

- متشكرين يا دكتور ومستغنيين عن خدماتك واتفضل روح شوف شغلك ولا عشان نهى أجازة النهاردة هتفضل لازقلنا.

ذهب وهو ينظر اليهما شذرًا ولقد تملك منه الغيظ لضياع جميع محاولاته للتقرب منها سدى فلقد ظن أن الطريق أصبح ممهد إليه بعد طلاقها ولكن فيما يبدو أنها لا تزال صعبة المنال ولكنه لن ييأس سيظل يحاول إلى أن تستجيب له.

❈-❈-❈

بعد مرور عدة أيام

حاولت إثنائها عن ذلك القرار الغبي بكل ما أوتيت من قوة ولكن جميع محاولاتها باءت بالفشل ولم يبقى سوى يومين فقط على موعد عقد القران كما أخبرهم والدها لتقرر التحدث معها مرة أخرى علها تقتنع.

دخلت غرفتهما فوجدتها تجلس شاردة كعاداها في الأيام الماضية فاقتربت منها ولكنها لم تبدي أية رد فعل وكأنها لاتشعر بوجودها لتنتفض فور وضع عهد يــ دها عليها فتقــ طع قلب عهد لرؤيتها لها في ذلك الوضع فربتت على ظهرها بحنان وحدثتها بابتسامة حانية:

- دي أنا يا حبيبتي متخافيش.

اكتفت بإماءة من رأسها ليزداد حزن شقيقتها عليها فجلست أمامها مربتة على ركبتها وتحدثت بحزن جلي على تقاسيم وجهها:

- ايه يا حبيبتي هتفضلي كدا لحد امتى؟

نظرت إليها نظرات فارغة وردت باقتضاب:

- أنا كويسة متقلقيش.

عقدت حاجبيها وتحدثت بغضب مكتوم:

- كويسة إزاي بس؟ كل اللي انتي فيه ده وكويسة؟ قومي بصي في المراية كدا وانتي هتعرفي انتي كويس قد إيه.

أعادت نظرها للفراغ مرة أخرى ولم تعقب على حديث شقيقتها ليزداد غضبها أكثر ولكنها حاولت إخفاءه فحاولت تهدئة نفسها ورسمت ابتسامة على وجهها لتتحدث بحنو:

- طب إيه رأيك نخرج نتمشى ونشم شوية هوا؟

نعم تريد أن تخرجها من ذلك المنزل بأية طريقة فلقد عزمت على الهروب بها وعدم العودة إلى هنا مرة أخرى مهما كلفها الأمر حتى وإن اضطرت لحبسها ومنعها من العودة ولكنها لم تحصل منها سوى على إماءة بالنفي وإجابة مقتضبة:

- ماليش نفس اخرجي انتي لو عايزة.

كادت أن تزجرها وترغمها على الخروج ولكن منعها عن هذا انفتاح باب الغرفة ودخول والدها يصيح بصوته البغيض:

- اعملي حسابك يا سنيورة إن كتب كتابك النهاردة والمأزون جاي كمان ساعة.

صدمة أحلت عليهما فور سماعهما لحديثه فجحظتا عيني عهد وتحدثت بذهول فلقد تحطمت خطتها ف فيما يبدوا أنها قد تأخرت في تلك الخطوة:

- هو انت مش قولت الخميس النهاردة لسة التلات.

- العريس ولمؤخذا مش قادر يستنى للخميس وهتفرق إيه معاكم الخميس من التلات؟ كلها أيام ربُنا.

أعقب حديثه بنظرة عابرة لوعد ليوجه إليها الحديث قبل خروجه من الغرفة:

- قومي يا بت اعمليلك همة واغسلي وشك والبسي هدمة نضيفة عشان الناس اللي جاية بدل ما انتي عاملة زي اللي خارجة من الترب بكفالة كدا.

توجهت إليها عهد فور خروجه لتحثها على النهوض والهروب معها من ذلك المصير المعتم:

- قومي يلا نمشي من هنا دلوقتي مفيش وقت.

لم تبدي أي استجابة فأخذت تهزها علها تستفيق من تلك الحالة التي هي بها:

- فوقي يا وعد من اللي انتي فيه ده ويلا بينا.

جلست مرة أخرى وحدثتها بلامبالاة:

- متتعبيش نفسك يا عهد انا مش هروح في حتة.

استشاطت غضبًا من حديثها فحدثتها بصياح مشتقة من كلماتها:

- يعني ايه مش هتروحي في حتة بيقولك المأزون جاي بعد ساعة عارفة ده معناه إيه؟ معناه إنك هتبقي مرات عزب فوقي من التوهان اللي انتي فيه ده، انتي كدا هتروحي في داهية أنا مش فاهمة دماغك دي فيها إيه؟ أصحي بقى وشوفي انتي رايحة فين.

أنهت حديثها وهي تشير بيــ دها نحو رأسها  لتنفــ جر الأخرى في الحديث كقــ نبلة انتزع فتيلها:

- عايزة ايه يا عهد ارحميني بقى أنا مش هروح في حتة كفاية بقى، كفاية تشيلي همي أكتر من كدا سبيني أتحمل نتيجة غلطتي للآخر دا قراري ومش هرجع فيه أنا معنديش استعداد أعيش طول عمري حمل عليكي انتي عملتي اللي عليكي وزيادة انا من دلوقتي قررت أتحمل نتيجة أفعالي ومعنتش هخلي حد يدفع تمن غلطاتي أرجوكي سبيني وأوعدك إنكم هتطمنوا عليا في أقرب فرصة ومش هتتحطوا في مشاكل تاني بسببي أبدا كل حاجة هتخلص بعد الجوا زة دي ما تتم.

تعجبت من حديثها فكيف ستنتهي جميع المشاكل فور زو اجها من ذلك الر جل هل فقدت عقلها أم ماذا وما زاد اندهاشها هو وقوفها وذهابها نحو خزانة الملابس وارتدائها ملا بسها بصورة آلية وكأنها إنسان آلي لتتمتم عهد بصوت منخفض:

- دي أكيد جرا لعقلها حاجة.

قالت ذلك واقتربت منها ووقفت أمامها لترى ما بها ثم تحدثت بتعجب:

- انتي بتعملي إيه؟

أجابتها دون أن تنظر إليها أو تتوقف عما تفعله:

- بلبس.
لم تستطع تمالك نفسها أكثر من ذلك فصاحت بها قائلة:

- لا انتي أكيد اتجننتي بس انا عايزة أقولك حاجة اعملي اللي انتي عايزاه بس الجوازة دي مش هتم الا على جثــ تي وعلشان تبقي عارفة لما عريس الغفلة ده و المأزون يجوا أنا اللي هطردهم بنفسي وابقى اسمع صوتك بقى بتقولي موافقة.

أنهت حديثها بصياح يصم الأذن ثم خرجت من الغرفة صافعة الباب خلفها لتطلق وعد لدموعها العنان فلقد سئمت من كل شيء وعزمت على إنهاء حياتها ولكن بطريقة أكثر فعالية هذه المرة فلن يستطيع أحد إنقاذها فقامت بفتح حقيبة يدها للاطمئنان على أن ذلك القرص الخاص بحفظ القمح من التسوس مازال بداخلها فلقد قرأت عنه الكثير وعلمت بأنه شديد السمية ومن يأخذه يتوفى في الحال.

أغلقت الحقيبة سريعًا خوفًا من أن يراه أحد معها ويمنعها مما عزمت عليه وبالفعل لم تمضي بضعة دقائق إلا وانفتح الباب مرة أخرى ودخلت عهد وهي تحدجها بنظراتها النارية وجلست على الفراش الخاص بها دون أن تنطق بشيء تهز قدميها بعصبية بالغة فتنظر في ساعة هاتفها تارة وتقضم أظافرها تارة أخرى إلى أن استمعتا لصوت جرس المنزل معلنا عن قدوم العريس المنتظر.

لم تمر دقائق إلا وولج والدهما إلى داخل الغرفة دون أن يطرق الباب كعادته ليلقي كلماته المقتضبة ثم خرج مسرعًا:

- المأزون جه يلا تعالي عشان تمضي.

خرجت عهد متوعدة تريد طردهم جميعا وليحدث ما يحدث وبالفعل شرعت في الحديث بصياح:

- معندناش بنات للجواز اتفضلوا اطلعوا بــ ...

قطعت صياحها و توقفت الكلمات في حلقها وأصيب بصدمة ألجمت لسانها فور رؤيتهم ومن ورائها وعد التي جحظت عينيها عندما شاهدت هذا الجالس أمامها يبتسم ويتحدث بهدوء:

- مبروك يا عروسة.

❈-❈-❈


تقــ طع الغرفة ذهابًا وإيابًا بتوتر شديد تفرك يديها تارة وتنظر للسقف تارة أخرى فلقد تملك منها القلق بعدما علمت بذهاب حابي لمقابلة والدها فأرسلت إحدى الوصيفات لاستطلاع الأمر وإخبارها بما حدث وبالطبع لم تجازف بإرسال ماكنيا حتى لا يصيبها بطش الملك إن انكشف أمرها.

طرقات على الباب أوقعت قلبها فسمحت للواقف خلفه بالدخول وعندما وجدتها الوصيفة التي تنتظرها هرولت إليها وأمسكتها من ذرا عيها لتحثها على الحديث سريعا:

- هيا نونيا أخبريني بما حدث.

كان قلبها يدق بصخب ك دقات الطبول خاصة بعد أن طال صمت نونيا واستمرار نظرها للأسفل وهنا شعرت إيزادورا بالرعب مما حدث فصاحت آمرة إياها أن  تخبرها بما تعرفه:

- لماذا تصمتين هكذا؟ هيا أخبريني بما حدث.

لم تستجب الوصيفة لأوامرها وظلت ناظرة أرضًا مما أشعل الغضب في عروقها فصاحت بصوت مرتفع قذف الرعب في قلب تلك المسكينة:

- إن لم تنطقي الآن أقسم بجميع آلهة الأوليمب أن أذيقكِ من العذا ب مالا تتحمليه.

انتفض جســ د الفتاة فأخذت ترتعش بشدة وهي تتحدث بصوت مزعور:

- لقد،  لقد أمر مولاي الملك بسجن قائد الحرس على أن تتم محاكمته بتهمة الخيانة العظمى وسيتم إعدامه أمام العامة.

لم تستطع النطق فور سماعها لما قالته الوصيفة فشعرت وكأن الغرفة تدور من حولها وسقطت مغشي عليها في الحال.

أحست نونيا بالذعر مما حدث للأميرة خاصة بعد أن فشلت في محاولة إفاقتها فأخذت في الصياح لتأتي العديد من الوصيفات وعلى رأسهم ماكنيا لرؤية ما حدث  ف فزعت عند رؤيتها ممدة عل الأرض فهرولت إليها تحاول إفاقتها لتستمع لإحدى الوصيفات تتحدث أثناء خروجها مسرعة من الغرفة:

- سأذهب لإحضار الطبيب على الفور.

أوقفتها ماكنيا وأمرتها ألا تفعل فإن حضور الطبيب معناه إنفضاح أمرهم وهلاكهم الحتمي فتحدثت بلهجة آمرة بصفتها كبيرة الوصيفات:

- لا داعي لذلك أنا من سأفيقها هيا ساعدنني لكي نضعها على الفراش وأحضرن ليه إحدى زجاجات العطر.

فاقت بالفعل بعد استنشاقها لرائحة العطر لتتنفس ماكنيا الصعداء لعدم حاجتهم لإحضار الطبيب ولكن قلبها تقطــ طع على صغيرتها التي ما أن استفاقت حتى وقعت في حالة إنهيار تبكي بلا انقطاع فأمرت ماكنيا جميع الوصيفات بالخروج من الغرفة وأقبلت عليها تحاول تهدئتها ولكن بلا فائدة:

- اهدأي قليلا مولاتي فما تفعلينه هذا ليس خطر عليكِ فحسب ولكنه خطر أيضًا على ذلك الطفل الذي تحملينه في أحشاءك.

لم تستجب لها وظلت تبكي وتهذي من بين بين بكاؤها بكلمات غير مفهومة:

- سيقتله، لا، لا يستطيع ذلك، سأمو ت دونه، لا تدعيه يفعل ذلك، هذا ليس بعدل.

جلست بجوارها وهي تبكي هي الأخرى فلقد علمت بما حدث قبل أن تأتي إليها فقامت باحتضا نها وأخذت تمسد على شعرها وتبث بها عبارات الطمأنينة علها تستطيع أن تهدئ من روعها قليلًا:

- لا تفعلي ذلك مولاتي أتوسل إليكِ فإنكِ لن تؤذين نفسك وحسب بل ستؤذين طفلك أيضًا تمسكي قليلًا طفلتي حتى تستطيعين التفكير فيما سوف تفعلينه في الأيام القادمة فالقادم هو الأصعب على الإطلاق.

عند سماعها لتلك الكلمات وتذكرها لجنينها توقفت عن البكاء فجأة فجلست عن مرقدها وقامت بمسح دموعها التي كانت تغرق وجهها بعــ نف وتحدثت بتصميم:

- نعم ماكنيا عندكِ حق فيما قولتيه لا يجب عليّ أن استسلم فلسوف أقاوم لآخر لحظة فإما أنا نحيا سويًا أو نمو ت سويًا.

ضيقت ماكنيا عينيها وهي تنظر إليها بغير فهم لما تقصده:

- ماذا تقصدين مولاتي؟

أجابتها بتصميم:

- سأقوم بتهريب حابي من السجن قبل أن يقومون بقتله مهما كلفني الأمر حتى لو دفعت حياتي ثمنًا لذلك.

يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سمر إبراهيم من رواية تعويذة العشق الأبدي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة