رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 2 - 2
قراءة رواية بدون ضمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بدون ضمان
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
الفصل الثاني
الجزء الثاني
فتحت فريدة عينيها ببطء شديد وهي تشعر بجفافٍ شديد في حلقها..ثم أغمضت عينها مره ثانيه بألم شديد يحتل كامل جسدها فقد أحست بدقات قلبها تتسابق في صدرها، و السبب الرئيسي فيما أصابها لاحقًا بطريقة قاسية وإيذاء بدني..
لتشرد في تفاصيل اغتيال جسدها دون رحمه حين اقترب منها ليأخذ روحها دونة ذره عطف وقد استغل ضعفها ! حينها كانت عيناها المفتوحتان المليئة بالدموع و تاوهاتها المؤلمه الممزوجة ببحة تألمها وظن هو أنها فقدت الوعي.. لكنها قد أصابت بالشلل الجزئي عند تعرضها للإغتصاب لتتوقف عن المقاومة بشكل مخيف وذلك نتيجة لرد فعل من الدماغ كي يحمي الضحية من العنف و الصدمة، و هذه معلومة حقيقية؟ فـ نسبة كبيرة من النساء الذي يواجهون شيء كذلك يتعرضون بتلك الحالة.
أغمضت عينيها وبكت بشده لتنسى ذلك المشهد القاسي الذي مرت به ..لكنها لم ولن تستطيع أن تنسى أبدا تلك اللحظات.. فهي تتذكر جيداً تلك اللحظات التي مرت عليها بصعوبه شديده، كانت اقسي لحظه مرت عليها في حياتها تلك .
شهقت فريدة بصوت مرتفع وهي تتذكر كيف رأت لذة التشفي ونشوة جلية في أعين من ذبحها بقسوة ..إنتفضت في مكانها لأكثر من مرة ، وإختنق صدرها من كثرة البكاء .. ووجدت صعوبة في التنفس بصورة طبيعية
لتشعر بوخزة قوية ونغصة مؤلمة أصابت صدرها مع انسياب دمعاتها التي بدت كالمياه الحارقة لروحها.. فهي أصبحت محطمة بالكامل .
انهارت فجاه و هي تصرخ متألمه بهستريه بصوت مرتفع، في حين فتح باب الغرفه لتدلف والدتها تركض في اتجاه ابنتها بفزع لتضمها إلى أحضانها وشددت من قوة ضمها لتشعرها بالاطمئنان لها، وما إن ارتمت الأخيرة في صدرها حتى انفجرت باكية بحرقة وهي تشعر بانها في اضعف لحظاتها فما مرت به ليس بالهين.
ضمتها والدتها إليها بقوه و هي تضع رأسها علي كتفها تغمض عيناها بألم وكانت تبكي الأخري بشدة عليها، كأنوا هما الآن علي حافه انهيار عصبي! ليدلف في تلك اللحظة الطبيب الخاص بها وعندما وجدها قد استيقظت للتو! أمر بتجهيز حقنه مهدئه لها في الحال.
عم هدوء مخيف مرة واحده بعد دقائق
و ربع ساعة من الصراخ كان هدوء مرعبا كأنه هدوء ما بعد العاصفة .. لايسمع في الغرفة سوى انفاس متقطعة كمن كان يركض لأميال .
لتبتعد فريدة في آخر زوايه بالفراش وتكورت على نفسها و غرست وجهها في الوسادة بروح خاوية حين بدأ مفعول الحقنه يعمل.. وظلت والدتها جانبها وهي تطلع فيها بنظرات حزن ودموعها تنهمر من عينيها لتبكي بشده بحسرة.
التفت الطبيب حتي يخرج لتلحق به الممرضة وهي تتذكر شيئا هاما، لتسرع بخطواتها إليه ولكن بحذرٍ شديد لتردد
= يا دكتور إحنا لحد دلوقتي ماعملناش تنظيف رحمه لي المريضه؟
قطب الطبيب جبينه وتقوس فمه للجانب ليبرز بسمة باهتة وهو يقول بضيق
= ما هو ما كانش ينفع نعمل لها تنظيف رحم
وهي عندها تهتك شديد ونزيف حاد وما كناش هنقدر نعمل تنظيف للرحم الا بعد النزيف ما يقف.. عشان نعمل كحت لبطانة الرحم وده لوحده بيعمل شبه نزيف
ثم تابع حديثه ليكمل طريقة باستعجال وهو مرادف بعدم مبالاة
= على العموم بعدين.. بعدين يبقى نعمل لها وخلينا دلوقت نشوف باقي المرضي
بينما في داخل غرفة فريدة، شعرت خيرية بطرقات فوق باب الغرفه، نظرت بطرف عينها إلى صاحب اليد فوجدت "ضابط شرطة" والذي تحدث قائلاً بصرامة وجدية
= صباح الخير، اخبار بنت حضرتك ايه دلوقت؟ ان شاء الله تكون بخير.. بس هتكون بخير أكتر لما تدلنا على اللي عمل فيها كده ونجيبه.. انا عارف ان مش وقته بس صدقيني انا بعمل لمصلحتكم لان كل ما نقدم في الوقت هيكون لمصلحتها ونعرف نمسك اللي عمل فيها كده ويتحاسب.
❈-❈-❈
توقفت السيده "ام احمد" أمام بناية شبه متهالكة مترددة ثم رفعت رأسها عالياً لتنظر إلى الشرفات التي تبرز من جانب المبنى لعلها تلمح أي فرد من العائله ولكنها لم ترى سوى بعض الملابس المغسولة حديثاً و التي تتدلى من حِبال الغسيل.. لويت "أم أحمد" شفتيها في عدم ارتياح وهي تفكر في الصعود الي الاعلي حتى تريح فضلها وتعلم؟ هل تلك الفتاه التي رايتها في المستشفى التي تعمل بها هي نفسها خطيبه اسر ابن السيده "سميحة" جارتها أم لا ، ثم أطرقت رأسها للأسفل وسارت للذهاب إلى داخل البناية .. وكانت خطواتها متثاقلة وبطيئة .. ثم توقفت أمام باب المنزل و بحثت عن الجرس لتقرعه وانتظرت أن يأتيها الرد من الداخل ، ويفتح أحد ما لها الباب ..
في حين سمعت السيده "ام احمد" أصوات من الداخل لتتنهد براحه مبتسمه ببلاهة بعد أن علمت أنهم بالداخل بالفعل... ليعلي فجاه صوت سميحة هاتفة بصوت مرتفع قليلا
= بنت يا شيماء تعالي افتحي الباب وشوفي مين اللي بيخبط ؟.
أجابت شيماء بصوت ضيق وهي تسير بخطوات خانقة نحو باب المنزل لتفتح
= حاضر يا ماما جايه.. شكلي مش هعرف اذاكر في يومي ده، ما انتٍ عندك أسر جوه ولا غاويه تمرمطيني معاكي وتطلبي مني انا وخلاص
قاطعة سميحة ابنتها قائلة بحدة
= بطلي برطمه يا بنت وافتحي الباب وانتٍ ساكتة
لحظات مرت حتى سمعت السيده "ام احمد" صوت صرير الباب وهو يُفتح لتجد تلك الفتاة ذات العشرون ربيعاً وهي تقف أمامها وتطلع إليها بتعجب.. بينما ابتسمت السيدة بتوتر وهي تتنحنح بنبرة هادية باصطناع
= ازيك يا شيماء يا حبيبتي عامله ايه.. هي امك هنا
عقدت شيماء حاجبيها باستغراب ثم ابتعدت عن الباب قليلا لتسمح لتلك السيدة بالدخول وهي تجيب عليها بأدب
= اه يا طنط اتفضلي .
رحلت شيماء إلي غرفتها بعد أن أغلقت الباب خلفها بينما اقتربت أم أحمد بخطوات بسيطة نحو سميحة التي كانت تجلس أمام التلفاز بينما تقطع حلقات البطاطس بتركيز لكنها تركت ما تفعله وهي تطلع فيها بنظرات استفهام من حضورها الان، لتقول الأخري بتلعثم ، ونظرات مرتبكة
= ازيك يا ام أسر عامله ايه يا حبيبتي.. واخبارك ايه؟ واخبار أسر وخطيبته كمان ايه؟ هي خطيبته كويسة..ما فيهاش حاجة وحشة؟ هي مش كان إسمها تقريبا فريده!.
سميحه وهي تمط شفتيها في استنكار
= خير يا ام احمد مالك؟ هو انتٍ جايه من صباحيه ربنا عشان تساليني خطيبه ابني اسمها ايه؟ ايوه اسمها فريده بس مالك ومالها، ايه اللي فكرك بيها دلوقتي
أسرعت "ام احمد" وجلست جانبها متحمسة حتي ترضي فضولها، صمتت للحظات مرتبكة قبل أن تهتف بتلعثم
= هاه .. أبدا اصلي تقريبا يعني بشبه عليها انها نفس البنت اللي عندنا في المستشفى.. بس لا اكيد لا مش هي، ربنا يحميهالك ويخليها لابنك يآرب
تسمرت سميحة في مكانها بعدم فهم ، ولويت فمها في امتعاض و قالت بضيق
= يا وليه ما تتكلمي على طول بوضوح هو انا فهمت منك حاجه؟ ومين دي البنت اللي انتٍ بتشبهي عليها أنها شبه خطيبه ابني وبتعمل عندكم ايه في المستشفى
رفعت يدها على جبينها لتجفف حبات العرق الساخنة وهي تردف بنبرة فضولية
= لا مؤاخذه في الكلمه يعني يا ام أسر.. و بعد الشر على بنتك، في بنت جاتلنا في حادثه اغتصاب! و اسمها فريده برده وبتشتغل معانا ممرضه في المستشفى بس يعني هو اللي خلقها ما خلقش غيرها اكيد تشابه اسماء وصدفه انها تكون نفس المستشفى.. الا بالحق هي المستشفى اللي بتشتغل فيها خطيبه ابنك كانت اسمها ايه؟
اتسعت عيني سميحه في ذهــول حينما رأت ابنها أسر يقف في الخلف و ملامحه تدعو للهجوم على أي شيء أمامه مما سمعه للتو، فلطمت والدته على صدرها بصدمة الأخري و اقترب أسر من تلك المرأة بخطوات غاضبة وهو مذعورة
=إيه اللي انا سمعته ده !!. هي الوليه دي كانت بتخرف وتقول ايه على فريده ؟ انطقي مالها فريدة؟ وايه موضوع الاغتصاب ده .
❈-❈-❈
جلس "أيمن" في ذلك النادي الخاص بالطبقات النبيله كما أعتاد يوميا، رغم أن عمله قد انتهى قبل ساعه لكنه ما زال بالخارج ولم يعود الى منزلة ليقضي بعض الوقت مع زوجته! كما كان معتاد سابقاً قبل ان يعرف ويرى وجهها الحقيقي الخبيث، دقائق و تجمع رفيقاته يجلسون معه و كل منهن يثرثر في موضوع ما، إلا هو كان شارد ولا يستمع الي حديثهن ويفكر بزوجته "ليان"، لقد كان قبل سنوات وهم بالجامعه الاثنين معا قبل ان يتخرجوا؟ حيث نشأت بينهما قصه حب قويه وكان "أيمن" ينتظر بفارغ الصبر ان ينتهي من الدراسة حتى يتوظف ويذهب ليطلبها من والدها، في البدايه قد حدثت بعض المشاكل بين العائله لانه مزال في بدايه حياته لكن بسبب إصرار "ليان" علية بشدة اضطرت عائلتها ان تخضع لها باستسلام لطلبها وتزوجوا بالفعل.
لم ينكر ان قال كان أسعد الناس بعد زواجه منها فقد أصبح اقرب لحبيبته، وقد عاشوا اسعد أيام حياتهم وكان يصعب عليه مفارقة حضن زوجتة... و الحب الذي بينهما ازداد بدرجه تزهل عقل اي شخص فمن يراهم كان يتمنى ان يعيش قصه حب مثلهما مع شريكه، لكن كل ذلك تبخر في غمضه عين! عندما صُدم بتلك المحدثات التي راها على هاتفة وقد ارسلها له مجهولة؟ ولا يعرف من حتى الآن؟
لكن الذي اهتم بامره في ذلك الوقت؟ هو ان يعرف بان ما يراه هل حقيقي ام وهم؟ ومجرد محادثات قد فعلها شخص ليثير غضبه لا اكثر او ليفتعل بينهما مشاكل لينفصلوا عن بعضهم؟ ليشعر بالمرارة عندما تذكر ما اخبرته بي زوجته في تلك الليلة؟ بأن تلك المحادثات حقيقيه وليست مزيفة كما توقع !!.
شعر حينها بالغيره و الاشمئزاز الشديد من تلك القذره التي شاهدها عن زوجته فهي قامت بخيانتة دون أن تخجل من نفسها، طعنه كرامته كرجل وكبريائه بلا مبالاة...!!! وما يغضبة اكثر بأنه حتى الان غير قادر على طلقها والانفصال عنها؟ وفي نفس الوقت لا يستطيع ان يسامحها على فعلتها الشنيعه رغم ندمها الشديد.. يعلم ولكن ليس متاكد بان زوجته خانته عبر الرسائل فقط! وليس خيانه جسمانيه، لكن هذا في النهايه ليس مبرر لها. وزوجته خائنه بالفعل .. حتي ان كان قولا فقط .
❈-❈-❈
جلس "الضابط" مقابل فراش فريدة بينما كانت والدتها و شقيقتها "ريهام" يجلسون علي تلك الأريكة الموجوده في غرفه المستشفي، نظر الضابط اليها و هو يبتسم لها بطمئنينه ، فلم يغفل عن حالها القلقه المتوتره منذ قدومه غير ملامحها المتالمه ، نظر اليها و حاول تلطيف حاله القلق لديها قائلا بابتسامه خفيفه
= عامله ايه النهارده يا آنسه فريدة .
ملأت الدموع عيناها للحظات بسبب كلماته! فهي لم تعد بخير ولا أصبحت انسة بعد الآن!!. بينما نظرت له بحزن شديد ولم تتحدث ، اماء هو بتفهم بينما اكمل حديثه قائلا بهدوء
= فريده انا عاوزك تهدي خالص وتحكيلي كل حاجه حصلت وصدقيني انا غرضي ونيتي حاجه واحده بس؟ اني أساعدك واجيبلك حقك.. الا بقى لو انتٍ مش عاوزه اللي عمل فيكي كده يتحاسب
قال كلماته الأخيرة متعمداً و هو يحاول ايصال مغزي حديثه الي عقلها، لتعمل خطوره الوضع حتي تبدأ تستسلم و تقص عليه تفاصيل ذلك اليوم المشؤوم! فهو على يقين تام بأن بعض الحالات التي تتعرض لاغتصاب أحيانا؟ لا تريد أن تشتكي علي الفاعل خوفاً من الفضيحه والعار الذي سيلازمهم طول حياتهم وذلك ينتج بسبب تاثير عائلتهم عليهن.. وهو لا يريدها أن تستسلم الى تلك الأفكار ويذهب حقها في مهب الريح !
لكن ارتاحت ملامح قليلا عندما وجد موجة من الغضب المحتدم عصفت بآخر ذرات عقلانيتها بسبب كلماته المسمومه، فكيف يتحدث بأن من الممكن أن تتنازل عن حقها.. كيف لها أن تنسي حقا وهي بحاجة لإفراغ ثورتها العارمة التي انفجرت بداخلها في ذلك الوضع من أجل الدفاع عن شرفها و كرامتها أولاً، واستعادة حقها فهي الضحية المظلومة هنا التي ستلجأ إلي العداله لتحميها من براثن ذئب افترس براءتها، تساقطت دمعاتها بينما تقول له ببكاء و هي تهز راسها يمينا ويسارا
= انا مش عاوزه حاجه في حياتي غير ان الحيوان ده ياخد جزائه ويتحسب على اللي عمله فيا .
رد الضابط علي الفور بإصرارٍ وقد أظلمت حدقتاه
= تمام يا فريده.. وانا هنا عشان اجيبلك حقك انا عارف ان هيكون صعب عليكي بس معلش تعالي على نفسك واحكيلي كل حاجه حصلت بالتفصيل.
ليكمل حديثه بجديةٍ وهو يسألها بصرامةٍ
= ولو في أي سابق معرفه ليكي بي او تعرفيه يا ريت تعرفيني، لان ده هيسهل علينا حاجات كثير وهنعرف نجيبه بسرعه ونحاسبه
هتفت "فريدة" دون تفكيرٍ قائلة بتشنجٍ وقد شحبت تعبيراتها باشمئزاز وهي تتذكر ملامح وجه عندما لحق بها وحاول أن يتحرش بها لفظيا.
= انا ما اعرفوش،و اول مره اشوفه في حياتي يوم الحادثه بس اعرف مين ممكن يعرفه؟ في مريض هنا أنا كنت بشرف عليه مع الدكتور يوم الحادثه، وهو كان موجود معاه في نفس الاوضه .
عقد الضابط حاجبة باستفسار وهو يسألها عن باقي التفاصيل باهتمام كبير.. بينما هي بدأت أن تجيب بصعوبة شديدة ببقايا محطمة وقوى مستنزفة.
❈-❈-❈
في مكان آخر وقفت تلك الطفله الصغيره بعد ان انتهى اليوم الدراسي لديها، أمام تلك اشاره المرور وهي في انتظار أن تتوقف السيارات في السير ثم لتتحرك "مهرة" بين الطريق وتعود الى منزلها.. كانت تقف اسفل تلك الشمس الحارقه، فقد كانت الحراره في ذروتها هذا اليوم كما توسطت الشمس السماء بعد آذان الظهر كما بدأت هي تتعرق بكثره و يظهر شحوبها .. فالطريق بين المدرسه ومنزلها طويل جدآ وغير ذلك ليس لديها المال الكافي حتى تختصر الطريق باي وسيله مواصلات و والدها يرفض أن يشترك اليها في باص المدرسه بسبب تقصير الحال .
توجهت إلي طريق جابني تسير لاعنا بحنق الظروف التي تمنعها من تحقيق حلمها أليس من حقها أن تحلم حينما تنتوي الإقدام على تلك الخطوة السليمة؟ أم هي مجبر فقط على السقوط في بئر الفقر و الأحلام البعيدة .. فهي لديها أمل كبيره وتصر على تكمله المشوار ولا تريد أن تظل في دائره فقر اسرتها وتجد نفسها أحد ضحايا الفقر مثل أشقائها؟
فقد تزوجت أخواتها الفتيات الاثنين وهم بعمر السادس عشر، حتى اخيها الوحيد قد تزوج في سن صغير وأصبح عبء ثقيل على والده بسبب زوجته و أطفالاً، فهو غير قادر على مسؤوليتهم.. حتي دراساتهم لم ينجح اي احد من أشقائها بها لذا اصبحوا مطلقين بالشوارع يبحثون عن بقوت يومهم .. لذلك هي تريد ان تسير في طريق آخر لتحقيق ذاتها .
فالآن هي بلغت الرابع عشر، وصارت عبئًا علي اسرتها، كانت تخشى كثيرًا من تكرار تلك التجارب المأساوية ويزج بها القدر بشراسة ويكون مسيرها مثل اشقائها.. ! نفضت عن عقلها مخاوفها مؤقتًا لتكمل طريقها فهي بحاجة للتركيز في دراستها حاليًا فقط، فهي لها أحلامها و أطماعها البسيطة، وأمانيها.
وصلت "مهرة" مدخل البناية القديمة بينما لهثت وهي تركض صعودًا على الدرج لتصل إلى الطابق المتواجد به منزلها، دقت الباب بدقات ثابتة منتظرة فتح لها، و تفاجأت بوجود أختها الكبرى بالمنزل، ارتسم على شفتيها ابتسامة عريضة مرحبة بها.. وقبل أن تقترب مهرة حتي تحتضنها تفاجات بجفاء أختها عند عتبة المنزل قبل أن تفسح لها المجال لتدلف إلى الداخل ولم تحتاج مهرة أن تسأل اختها عن أمرها فهي عملت بأنها بالتاكيد تشاجرت مع زوجها كعادة، فمنذ زواجهم وهم في مشاكل دائما.
أخرجت مهرة زفيرًا طويلاً واضطرت أن تصمت كلماتها في جوفها، فلو ترك لها أحد التحدث لصالت وجالت في وجهها بحنقة فهي تتذكر جيداً بأن قبل زواجها بعدة أشهر نصحتها اكثر من مره بان لا توافق على هذه الزيجة لكنها لم تهتم الى نصيحتها وكان هدفها من تلك الزيجة أن تصبح حره دون قيود والدها ...ولا قيود الفقر..
لكن قد نست قيود عمرها الصغير وعدم خبرتها الكبيره في الزواج و الاهم فارق العمر بينها وبين زوجها الخامس عشر سنوات... واذا حاولت ان تنفصل عنة بالتأكد سيرفض والدها ويثور لذلك فضلت الصمت من قله حيلتها.. فقد عرفت مؤخراً الخطا الذي اجتازده بنفسها وهي الآن تدفع ثمن هذا الإختيار .
لذلك مهرة تسعى للخروج من القالب الفكري المتدني والسائد في عائلتها، وقبل أن تتحرك "مهرة" إلي داخل غرفتها خرجت "حسناء" من داخل المطبخ وهي تحمل بين يدها طبق به ماء وفيه قطعة قماشية، رفعت نظراتها نحوها وهي تهتف بامتعاضٍ
= انتٍ شرفتي، اتفضلي يلا يا اختي روحي جهزي الغدا لابوكي واخوكي.. لحد ما أشوف الحراره اللي مش عاوزه تنزل من الواد ده
كادت أن ترد عليها "مهرة" بضيقٍ لكنها هتفت بسرعه بقلق
= هو مين ده اللي تعبان وحرارته مش عاوزه تنزل .
أخفت "مهرة" ضيقها من أسلوب زوجه أخيها التهكمي الدائم على شخصها، وذهبت إلى الغرفه لتطمئن على إبن حسناء وعندما لمست جبهته اتسعت عيناها بخوف بسبب حرارته المرتفعه بينما هو كان راقد فوق الفراش وصوت التأوهات المؤلمة تخرج من ثغرة بضعف، صاحت مهرة فجاه محتجة بقوةٍ
= يا نهارك اسود الواد سخن مولع.. هو انتٍ مستنيه ايه عشان تودي المستشفى
ردت عليها حسناء ببرود قاسٍ
= مستنيه يا اختي اخوكي لما يرجع من برة، عشان معيش فلوس اوديه مستشفى مش مستنيه نصايحك.. ما انتٍ ايدك في الميه ولا حاسه بحاجه صحيح وكل اللي همك فلوس دراستك وبس، ومش همك الحمل اللي زايد على ابوكي واخوكي بسببك تعليمكٍ
جزت علي أسنانها بغيظ شديد منها ثم ابتعدت لتخرج خارج الغرفة بخطوات سريعة، عقدت حسناء حاجبيها بتعجب وقالت بوجه متجهمٍ للغاية
= خدي هنا انتٍ رايحه فين؟
صاحت مهرة بتذمرٍ وقد احتدت نظراتها وهي تفتح باب المنزل للرحيل
= راحه اشوف ابويا ولا اخويا اخذ منه فلوس عشان نودي إبنك المستشفى، و جهزي ابنك عقبال ما ارجع مش هنفضل مستنيين لحد ما يجرا له حاجة.
في مكان أخري، تحديداً في احد محلات السيدة زاهر، انفرج أنس شفتاه بقلق حينما رأي شقيقته مهرة أمامه بداخل محل عمله؟
أسرع بخطوات سريعة إليها وتعلق عيناه بها غير مصدق أنها جاءت هنا، فهو يخشى ان يراه رب عمله ويحدث مشاكل اخرى وقد تؤدي هذه المره الى طرده !
جذبها من ذراعها بقوه وطالعها بنظرات حانقة تظهر غضبًا ممزوجًا بالغيظ وهو يقول بغضب
= أنتٍ اتهبلتٍ يا بنت انتٍ، ايه اللي جابك هنا
أبعدت مهرة يده عن ذراعها بقسوة في كتفها لتصيح فيه بحدةٍ
= ما تاوعى ايدك عني واسمع الاول انا جايه ليه، ابنك راقد في البيت سخن مولع و لازم يروح المستشفى وحضرتك مش سايب فلوس لمراتك ليه؟ لحاجه زي كده
نظر أنس لها شزرًا من عينيه الشرستين وقبل أن يرد عليها بهجوم، أستمع إلي صوت خلفة خشن جعله يتجمد بمكانه.
= بتعمل ايه عندك يا أنس وسايب شغلك
قالها "زاهر" بصوته الثابت الذي اخترق أذن الاثنين لتلتفت مهرة نحوه بثابت، عكس أخيها كان يعاني من حال الارتباك والخوف.. جف حلق أنس من فرط التوتر، ثم خرج صوته مسموعًا بالكاد وهو يرد بتبرير
= معلش يا بيه حقك عليا، دي اختي مهرة وكانت جايه تبلغني ان ابني تعبان أوي في البيت ..
بينما لم يهتم زاهر أو يتحدث إلي أنس بل
ضاقت عيناه الملتهبتان بشدة وهو يتطلع إلى وجه تلك المراهقة الصغيرة الذي لم يلاحظه من قبل، ثم أبتسم بتسلية وغموض وهو يتابع تفاصيل جسدها المخبأ تحت ثيابها المدرسية بنظرات جريئة، إنما مهرة ظلت صامته ولم تعره الانتباه.. ليهتف أنس بتوتر شديد عندما لاحظ صمت السيد زاهر المخيف
= يلا يا مهرة انتٍ دلوقتي وانا هاجي وراكي على طول بعد ما اخلص شغل.
هزت رأسها برفض واعتراض وهي تبدو أكثر همجية وعدائية
= هو ايه اصله ده هات فلوس الأول واحنا هنودي المستشفى .. وأنت ارجع براحتك من الشغل، الواد كده هيجراله حاجة ما تخلي عندك ذره رحمه مش ابنك ده .
أبتسم زاهر باستمتاع علي طريقتها العدوانية مع أخيها في حين نفخ أنس بيأس منها وصدره منتفخ بغضب جم وفي نفس الوقت شاعرا بالاحراج من زاهر وهي تتحدث معه بهذه الطريقة وغير ذلك ليس لدي المال الكافي الآن حتي يذهب بطفله إلي المشفي .
كأن مزال زاهر يتابع تفاصيل مهرة وعيناه لم تتزحزح عنها لحظة، كان ينظر لها بابتسامة خبيثة لتلك الطفله الصغيرة ذات الطول القصير ، و العينان الخضراء، وجسدها الذي رغم صغر سنها لكنها تمتلك القدرة على إشعال رغبته فيه.. فاق أخيرا وصاح به بصرامةٍ
= استني يا أنس.. أسمع كلام أختك و روح انت شوف ابنك واطمن علية ، وخلي الفلوس دي معاك .
اتسعت عينا أنس بعدم تصديق وذهول وهو يري زاهر يمد يده له ببعض النقود فهو ليس ذلك الشخص ذو القلب الطيب مطلقاً وقد أستغرب فعلته تلك، لكن لم يهتم كثيراً وأخذ المال بسرعه وهو يبتسم ابتسامه عريضة ويشكرة.
وفي لحظات أسرعت مهرة في خطواتها مع انس أخيها عائدون إلي المنزل.. بينما ظل زاهر يراقب بعينه تلك المراهقة بابتسامة لا تبشر بخيرٍ وهو يشعل سيجارتة باستمتاع.
❈-❈-❈
كانت تسنيم تقف في زحام المرور تضرب بيدها علي المقود بعنف فقد مرت ربع ساعه و مازال الزحام قائما وقد تاخرت عن عملها في مكتب المحاماة، فاليوم يوجد إجتماع هام حتى يتعرف الجميع على المدير وصاحب الشركه الجديد، فالسيد نبيل الذي درست معه سنوات و علمها اصول المحاماه قد ترك الشركه وسافر الى الخارج حد يستجم مع زوجته باقي أيامه في الحياه ... فهذا ما قالوا لهم عندما صدمهم بخبر بيع الشركه لكن طمناهم بان المالك الجديد يعمل محامي ايضا ولقد أخبرة بانه ليس لديه اي نيه في تغيير اي شيء في الشركه و الأمور ستثير كما كان
بالضبط.
وبعد معاناة أخيرا تغيرت الإشارة للون الاخضر وانطلقت السيارات، وإدارة تسنيم محرك السياره لتتجه نحو الشركه... بعد فتره صفت سيارتها أسفل الشركه في الجانب الاخر وتحركت قدماها برشاقه تصعد بسهوله درجات السُلم الطويله و هي في اتجه الي الغرفه المخصصه للاجتماعات وطرقه الباب بهدوء قبل أن تدلف لتتفاجا بأن المكتب فارغ !
وعندما التفتت قد وجدت صديقتها في العمل أمامها لتقول الآخر علي الفور بنبرة مهتمة
= تسنيم هو انتٍ لسه جايه؟ ايه اللي اخرك هو انتٍ مش عارفه أن النهارده يوم مهم عشان نتعرف على المدير الجديد
لتردف تسنيم مبتسمة في عدم رضا
= غصب عني هو بمزاجي يعني.. ما انتٍ عارفاني عمري ما بتاخر الا لظروف غصب عني.. بس هو في ايه؟ هو الإجتماع لحق يخلص
لتقول الأخري بنبرة شبه جادة
= لا المدير ما عملش إجتماع هو لف شويه على الاوض وطلب كام اسم من المحامين يجيلوا المكتب ويتعرف عليهم وانتٍ كنتي من ضمن الأسماء دي! ولما عرف أنك اتاخرتي قال يا ريت لما تشرف الهانم تيجيلي على مكتبي.. شكل المدير الجديد شادد حلو أوي علينا من اولها اتفضلي ادخليله بقى .
تراجع سالم بظهره للخلف على مقعده الجلدي الضخم ، ثم حل زرار سترته السوداء الداكنة ليجلس بأريحية أكبر ، وظل يحدج في تلك الملفات بنظراته الثاقبة وهو يضرب بقلمه الحبر الأسود على سطح الطاولة المستديرة.. وفي لحظات أستمع إلي صوت طرقات فوق باب مكتبة ليسمح بالدخول.. دلفت تسنيم بهدوء بخطوات ثابتة ومتزامنة ، والتي بثت نوعاُ من القلق في داخلها ، لتتفحص الأول مظهر المدير الجديد فكان يمتلك بشره قمحيه عينان سودواتان و شعر بني اللون ومن الواضح أنه في نفس عمرها الثلاثون..فابتلعت ريقها قبل أن تتحدث وتهتف بنبرة رسميه
= صباح الخير يا فندم نورت حضرتك الشركه، انا كان نفسي بصراحه اكون اول الموجودين واتعرف على حضرتك بس كان غصب عني انا اسفه على التاخير.. و أوعدك انه مش هيتكرر تاني
رفع رأسه لها بنظرات شبه زائغة ليقول سالم بغطرسة واضحة
= الساعه كام في إيدك يا مدام؟ ويا ترى عندك علم كمان ان كان في اجتماع النهارده واتلغى! عارفه حضرتك متاخره قد ايه عن ميعادك الاصلي
قطبت هي جبينها في توجس ، ثم ضيقت عينيها وهي تجيب علية بأسف
= اتاخرت ربع ساعه انا اسفه.. بس المواصلات كانت زحمه وهو ده اللي اخرني
لوي فمة بسخرية لاذعة بعدم تصديق ثم صمت لثوانٍ ليتفحص ردة فعلها المستنكرة بنظراته المتشفية ليهتف قبل أن يتابع تفاصيل وجهها بكل اريحيه
= المواصلات! هي الحجه دي لسه شغالة طب اكدبي حتى كذبه تتصدق
اتسعت عينها بدهشة وقد شعرت بالإهانة من حديثة، لتقول بلهجة قوية وهي تصر على أسنانها
= نعم اكذب!! انا مش بكدب حضرتك واللي اخرني فعلا المواصلات، وانا مش مضطر اكدب عشان ابرر موقفي للي قدامي..
ليتحدث سالم بصرامة ، ونظرات حادة
= تمام حتى لو بتقولي الحقيقه برده مش مشكلتي، عودي نفسك تنزلي من بيتك بدري عشان لو حصل ظرف زي كده.. احنا هنا محاميين والربع ساعه اللي انتٍ مستهونه بيها دي لو اتاخرتيها في محكمه هتضيعي بيها حياه ناس.. يبقي غلطانه ولا مش غلطانه ؟؟.
هزت راسها متذمرة وهي تلوي فمها في ضجر
= انا قلت لحضرتك انا اسفه وعارفه ان انا غلطانه، ولو عندي قضيه في محكمه فعلا من غير ما حضرتك تقول بنزل قبلها بساعه كمان
هز رأسه سالم ببرود مستفز وقال بعدم مبالاة وهو يعود يتابع ما كان يفعله قبل أن تدلف له.
= تمام مش هضيع اليوم كله عن تأخير حضرتك والمواصلات، المره دي هعديها عشان انتٍ لسه ما تعرفنيش كويس بس اتمنى ما تحصلش تاني، او تحصل براحتك في النهايه المره الجايه هتتعاقبي .
جحظت عيني تسنيم في صدمة شديدة ، وفغرت شفتيها في ذهـول ، وعجزت للحظة عن النطق! هل قال بالفعل بأنه سيعاقبها؟؟ عندما تخطئ مره ثانية؟ هل يراها طفله صغيره أمامه لتعاقب، لكن ما أثر دهشتها و غضبها أكثر وهي تفكر باستنكار ما نوع العقاب يا تري الذي يتحدث عنة؟
❈-❈-❈
في المساء، بداخل منزل حسام كانت والدته تجلس فوق الأريكة تشاهد التلفاز بتركيز بينما كان حسام يسير في غرفته بخوف شديد منذ يوم الحادث، منذ ان تهجم على تلك الفتاة واخذ شرفها وهو هنا حبيس في المنزل بخوف ورعب أشد يخشي بأن تبلغ عنده تلك الفتاه أو قد رآه أحد يومها... لكن الآن فقط يفكر في تلك العواقب مؤخرا فقد حدث ما حدث.
بدأ الرعب يتملكه و هو يتخيل في أي لحظة سوف تقوم الشرطه باخذه ليعاقب على فعلته الشنيعه.. وثوانٍ و كان استمع الي صوت طرقات عنيفه علي باب الشُقه اصابه الرعب و ظل في مكانه..و أستمع صوت والدته وهي تنهض لتفتح الباب لتتفاجئ برجال الشرطه امامها نظرت لهم بصدمه بينما يهتف بها الشرطي قائلا بخشونة
_ ده بيت حسام منتصر الاسيوطي ؟؟ .
هزت رأسها بقلق شديد وهي لا تفهم شئ أو ما الذي فعلة ابنها حتى تاتي الشرطه إلي هنا وتسال عنة، بينما سمعت الشرطي يهتف لبعض الرجال معه قائلاً بأمر
= فتشوا البيت .
نظرت له بصدمه بينما هتفت بغضب وصدمة
= ايه يفتشوا البيت!! هو في ايه انت بتسال على ابني ليه ؟؟ .
= انا معايا اذن من النيابه.. فبعد اذنك وبهدوء كده خلي الناس تشوف شغلها .
قالها الشرطي بعنف شديد و هو يزيحها ودلف الي المنزل وتاركا لرجال الشرطي المجال لتفتيش المنزل، ثوانٍ و خرج احدهم من احد غرف النوم و هو يسحب حسام بقسوة شديد من ذراعيه رغم عنة يلقيه أمام الشرطي قائلا
_ لاقينا جوا يا فندم .
نظر له الشرطي بسخرية وحقد ثم أمر بأخذه، لتصرخ والدته بفزع (ابـنـي) بينما كأن حسام يحاول التلوي و الخروج من قبضه العساكر بخوف شديد وهو يسير مع رجال الشرطه بصدمة و يحاول الافلات منهم..
ليصرخ حسام فجاه بذعر و هو يشعر بالشرطة تقوم بسحبه بعيداً خارج المنزل ليقول بنبرة خوف شبيهه بالبكاء
= الحقيني يا ماما... ما تخليهمش ياخدوني.. مااااااااما الحقيني ابوس ايدك.. ياااا ماااااما ما تسيبنيش انا بريء، ما عملتش حاجه .
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة خديجة السيد من رواية بدون ضمان, لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية