-->

رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 5 - 2

 

 قراءة رواية بدون ضمان كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية بدون ضمان

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة خديجة السيد


الفصل الخامس

الجزء الثاني


عودة للصفحة السابقة

❈-❈-❈



بداخل مكتب تسنيم كانت تجلس فوق المقعد الخلفي لمكتبها بالشركه متأمله تلك الاوراق التي أمامها باهتمام، في حين دلفت عزة صديقتها دون مقدمات إليها ولم تطرق الباب حتي، أقتربت بخطوات سريعة إليها، ثم انحنت برأسها عليها متوتره لتهمس لها بخفوت 


= تسنيم عاوزه منك خدمه بسرعه، ممكن تدخلي انتٍ بدالي تودي الملف ده لي أستاذ سالم لحد ما اروح أجيب باقي الملفات من البيت، احسن نسيتها ولو هو عارف هيطين عيشتي عشان الملفات دي مهمه جدا


ارتفع حاجباها للأعلى بصدمة كبيرة، وهتفت مذهولة


= عزه انتٍ بتهزري صح اللي خلاكي تنسي ملفات مهمه زي كده في البيت وكمان عاوزه  انا اللي ادخل اوديله الملف، وما لقيتيش غيري؟ اسفه مش هقدر أساعدك شوفي حد غيري، عشان انا وهو ما فيش عمار ما بينا خالص من ساعه ما جي الشركه وهو مش بيطيقني ومن غير ما اعمل له حاجه حتي.


ضغطت عزة على شفتيها قائله بحنق واضح 


= لا يا حبيبتي هو مش بيستقصدك ولا حاجه هو بيعامل الكل كده ودي طريقته، اساليني انا بالذات علية.. أنا السكرتيره بتاعته وياما شفت منه خصوصا لما بيتعصب من حد ما عملوش حاجه طلبها منه في الشغل، ارجوكي بقى خليكي جدعه انا بيتي قريب من هنا، هروح بالعربيه بسرعه واجي وتبقي جدعه اكتر لو كملتي جميلك للآخر وحاولي تاخري لحد ما اجي


تنهدت تسنيم بعمق قبل أن تجيبها


= عزة امشي من قدامي قلت لك مش هينفع ده لما بيشوفني عشر دقائق بس قدامه بيقعد يضايقني بكلامه، وانتٍ عاوزيني اعطل فيه لحد ما تروحي البيت وتيجي كمان، عاوزه نصيحتي احسن روحي قولي لي من نفسك كده ذي الشاطره أنك نسيني الملفات في البيت ممكن يعديهالك لما تعترفي من نفسك . 


وضعت عزة الملف أمامها و قبضة يدها على كفها لتشد عليها قليلًا وهي تقول برجاء محذرة


= يا تسنيم ما تبقيش رخمه بقي، يعني مش هتساعديني؟ ده انا صاحبتك هتسيبيني في ازمه زي كده لوحدي، عشان خاطري اسمعي الكلام وخذي انتٍ الملف وصدقيني اقل من عشر دقائق هتلاقيني قدامك هنا، وانا هعترفله ان أنا نسيتهم لما ارجع، ممكن لما يلاقي الملفات قدامه يهدى شويه، احسن ما اقول له دلوقتي ان انا نسيتها في البيت واتهزق .


بعد دقائق نهضت أخيرا تسنيم مترددة وهي تحمل الملف بين يدها وتلعن عزه صديقتها بسرها علي ذلك الموقف، وصلت أمام غرفه مكتبة بصمت دقيقه كامله مرت وهي على تلك الحاله حتى طرقه علي الباب وصدح صوته يأمرها بالدخول؟ خشية مما ستراه بالداخل عندما يراها هي بدل عزة، ولكنها لن تظل هنا

اعتدلت في وقفتها وفتحت الباب ودلفت ببطئ وتوتر لتتسع حدقتيها وهي تجد أنظار سالم مسلطه نحوها بجمود، أقتربت منه تجر قدمها بصعوبه.. عيناها تعلقت بأعين سالم الحاده، لتشيح وجهها عنه وهي خائفة أن يوبيخها بأي لحظة، هتف بها بعدما رمقها بنظرة لم تستطع تفسيرها ولكنها اربكتها


= فين عزه.. وفين الملف اللي طلبته منها؟ 


برقت عيناها التي اشاحتها عنه بارتباك فور، بينما ازدردت ريقها وهي تحاول ان تبلتع توترها في وجودها أمام ذلك الرجل المخيف، رغم أنها تعلم أجابه السؤال لكنها اطالت صمتها وهي تجاهد حتى يخرج صوتها ببعض الثبات


= اتفضل يافندم الملف، وعزه جايه حالا بس انشغلت في حاجه بره وقالت لي ادخل الملف لحضرتك وهي هتيجي حالا بباقي الملفات 


أقتربت منه تعطيه وهي تود ان تهرب من امامه، لذا أضافت بلهفة


= اقدر کده امشي يافندم


حركه قدمها بالفعل وهي تريد الرحيل لكنها

وقفت في مكانها جامده عندما أردف بخشونة 


= انا اذنتلك تمشي؟ 


جزت علي أسنانها بغيظ وظلت مكانها، وهو

لم يعيرها ادني اهتمام واستمرت في وقفتها  دقائق تنتظر ان يخبرها ان تجلس او تنصرف ولكن لا شئ حدث، ثم تنفست براحه وهي تجده يرفع رأسه عن الأوراق بعدما وقعها، أرخت كتفيها بقله حيله تنظر إليه وحرکت رأسها هاتفة بنبرة خافته


= حضرتك محتاج حاجه تاني يا فندم


قال سالم بنبرة هادئة متعمدًا إثارة غيظها


= اه ياريت تجيبيلي فنجان قهوة


بهتت ملامحها وهي تستمع الي امر آخر منه، وليس أي أمر فهو يتعامل معها وكأنها السكرتيرة الخاصة به بالفعل، ارجع رأسه للخلف يسألها بتسلية وعيناه المتفحصة تلاحق كل تفصيلة بوجهها المحتقن


= ايه مالك مستغربة اوي طلبي ليه مش عامله فيها الصديقه المضحية إللي بتداري علي صحبتها عقبال ما تجيب الملف التانيه ، هو انتم فكريني عيل صغير ومش فاهمك من اول ما دخلتي المكتب بدل عزة !! 


لاحظ سالم من مراقبة تعابيرها المشدودة انزعاجها الجلي، ثم اعتلت ابتسامة ساخرة بزواية فمه وهو يردد


= يلا اتفضلي بقي كملي للآخر دورك  السكرتيره بتاعتي و هاتلي فنجان قهوه


تجمدت نظراتها على ابتسامته التي برزت على ثغره لتزيد من استفزازها وتشعل بركان غضبها

ثم قالت بصوتها الهادئ


= أسفه يا فندم بس ده مش من اختصاصي 

تقدر حضرتك تطلب من البوفيه او تستنى عزه وهي تشوف اوامرك .


حدق فيها بنظرات ذات مغزى وهو يقول ساخراً


= مع اني ما لكيش انك ترفضي طالما اخذتي انك تعملي دور السكرتيره بدل صاحبتك بس هعديها بمزاجي وثاني مره ما تداريش على اخطاء غيرك حتى لو كانت صاحبتك يا استاذه ، كان الافضل تيجي تقول لي الملف هيتاخر بدل اللي عملته.. بس ملحوقه لما الهانم التانيه ترجع هتتجازى على اللي عملته .


قطبت تسنيم جبينها متساءلة بتبرم ضائق


=هو في ايه؟ حضرتك ليه بتتعامل معانا كاننا أطفال صغيرين في المدرسه وهتعاقبها كل ما تغلط غلطه بدون قصد.


زفـر بضجر كبير من تصرفها السخيف، لينهض  وتراجع خطوة للخلف صائحًا بصلابة


=هو انتٍ كمان غلطانه وهتقاوحي في الغلط معايا، اتفضلي يا مدام عشان ما تتعاقبيش انتٍ كمان زيها 


استشعرت من طريقته الغير مريحة في الحديث إليها بأنه متعمد استفزازها بتهديده، لتصيح مثلة بعصبية لم تستطيع السيطره عليها


= انا مش مدام وثانيا حضرتك الغلط جاي من عندك لو بتتعامل معانا بهدوء واحترام وتعرفنا غلطنا بدون تجريح وتهزيء فينا هنيجي من نفسنا نقول لك الغلط، فلو عايزه تعاقب حد يبقى المفروض تعاقب حضرتك عشان استاذ نبيل كان معودني على كده ما حدش كبير على الغلط وكان قريب مننا، واحنا متعودين على النظام بتاعه و واحده واحده هنتعود على نظامك فالمفروض تدينا وقتنا بدل ما تعاقبنا كل شويه .


انفرج سالم فمه بصدمة من ردة فعلها الغاضبة معه ثم أولاته ظهرها وتحركت بخطوات سريعة بسخط ورحلت من أمامه .


❈-❈-❈


بعد مرور أيام، بداخل مكتب الضابط بالقسم، كانت تجلس فريدة أعلى المقعد و بجانبها تسنيم اما على الجانب الآخر المحامي الخاص به حسام! اشمئزت فريدة لمجرد أن رأت حسام يقف بجانب قريب من المحامي وشعرت بنفور

تجاه.


تفاجا الضابط بالمحامي وهو يعطيه ورقه وبدأ يتحدث باهتمام 


= اتفضل حضرتك الورقه دي فيها اسماء وأرقام الشهود اللي كان موكلي حسام قاعد معاهم وقت الحادثه، كان في كافيه في شارع إسمه السعاده.. وفضل وكيل حسام موجود معاهم من الساعه سابعه و نصف لبعد الساعه اتنين بالليل  


رمقته فريدة بنظرات مزعوجة من كلماته الكاذبه، وكتمت في نفسها غضبها منه، فقد حذرتها تسنيم بان مهما سمعت منهما يجب ان تنتظر قول الضابط وتترك لها هي المساحه لتجيب عنها، فهم سيتعمدوا استفزازها وبقوه .


بينما اردفت إليه تسنيم بسرعه بصوت خفيض وهي تحدجه بنظرات حادة للغاية


= بعد اذنك يا حضره الظابط اسفة للمقاطعه بس الأستاذ بيقول ان موكله كأن موجود الساعه سابعه ونصف مع اصدقائه في كافيه، طب ازاي ومن كاميرات المراقبه بالمستشفى شفنا والساعه 7:35 كان لسه موجود في المستشفى أصلا .. إيه لحق يروحلهم في الخمس دقائق دول .


لوهلة تجمد حسام في مكانه بقلق شديد، لكن سريعًا ما ارتخت ملامحه عندما تشكل على ثغر المحامي الخاص به ابتسامة لئيمة وقال بمكر


= انا اللي قصدته حضرتك مش بالمعنى ان كان موجود معهم 7:30 بالظبط لا هم جم اخذوا بعربيه من قدام المستشفى وكانت الساعه 7:35 زي ما حضرتك قلتي، و تقدر  حضرتك تستجوبهم بنفسك وتشوف كلامي صح ولا لأ ؟!. أول نشوف كاميرات المراقبه اللي قدام المستشفى .


ضاقت تسنيم نظراتها نحوه حتى كادت تخترقه وهي تقول بجدية


= بتقولها بثقه كده عشان اكيد عرفت أن ما فيش كاميرات قدام المستشفى يوم الحادثه كانت شغاله، الا بقى لو كانت الكاميرات موجوده كانت صورت مؤكلك وهو واقف مستني فريده وسحبها واعتدى عليها ناحيه الجارچ من غير ما حد يشوفه . 


ساد الصمت للحظات في حين راقب المحامي تنسنيم بنظرات متسلية ثم تجاهلها ونظر الى الضابط وهو يقول بجدية


= بعد اذن حضرتك الشهود موجودين بره لو عاوز تستجوابهم 


سحب الضابط نفسًا عميقًا، وزفره على مهل محدثة بحنق فجميع تصرفاته توحي أن هناك أمر غير طبيعي وبانه بالتاكيد تلك الشهود زور لكن بالنهايه هو لا يسير وراء احساسه بل بالدلائل والاثباتات . 


= ده انت مجهز كل حاجه بقى 


هز كتفه الأيسر مبتسماً بسماجة وقال بكل بساطة


= اكيد يا فندم انا محامي وعارف ان حضرتك اول حاجه هتطلبها ان الشهود يجوا يشهدوا ان موكلي كان معاهم وقت الحادثه، وكمان عشان نقدر نختصر الوقت واثبت براءه موكلي وحضرتك تفرج عنه .


بدا الرعب واضحًا في مقلتيها فريدة، شخصت أبصارها نحوه المحامي وشحب لون بشرتها و ارتجفت رغمًا عنها وهي تتخيل براءه ذلك الحقير.. ثم نظر له الضابط بازدراء قليل وهو يرد عليه بصوت جاد


= ما تتعشمش أوي كده يا متر .


مرت تلك الساعات العصيبة ببطء شديد، ولم يستطع فيها المحامي الخاص بحسام ان يخرجه بكفاله كما كأن يريد ويخطط، وبعد فتره خرج حسام من غرفه الضابط والكلبشات ما زالت في يده بينما رفعت سعاد والدته رأسها بلهفه شديده معتقده بانه سيرحل معها .. لكنه اكتفي الأخير بالإيماء برأسه برفض و بخزي، وتحرك مع العسكري بصمت رغما عنه، تنهدت سعاد بخبية أمل وهي تراقب إياه بعبراتها التي تساقطت بعجز .


❈-❈-❈


لم يعرف عابد أن يقف بمكانة داخل القسم عقب تلقيه تلك الأخبار المشؤوم حينما اخبرته المحاميه بان الوضع بعد شهاده الشهود لم يكن في مصلحتهم لكنها ستحاول بكل عزيمه أن تشكك في اقول الشهود، هوي جالس فوق المقعد وأصبح فؤاده ملتاعًا لمجرد التفكير في أن تتم رفض الدعوة التي أصابت فلذة كبده بالام لن ترحمها. لا يعلم لما فكر الآن بحديث صديقه حينما أخبره بان الزواج هو الحل في تلك المساله. 


لكن كيف يفكر في ارتباط أبنته بحقير مثله  فبمجرد أن تراه فريدة لمرة أو اثنين؟ تشعر بالاشمئزاز والنفور فكيف ستتقبلة زوجها ويعشون تحت سقف واحد !! ناهيك عما ما اقترفه من جريمة مشينة من المفترض أن يخجل هو من مجرد تخيلها مع نفسه، بالطبع الامر لم يكن سهل على الإطلاق. 


بينما في الخارج أيضا لم تستطع قدمي فريدة تحمل تلك الأحداث الموجعة، وهي تتخيل الأسوأ خصوصاً بعد شهادت تلك الشهود الزور ومن الممكن تتم رفض القضيه والافراج عن ذلك الخسيس بأي لحظة فترنح فجاه جسدها، وخـارت قواها على الأخير.. وكادت أن تسقط لكن أسرعت إليها والدتها هي وتسنيم ولحقتها المحامية قبل أن تسقط، وتحملت ثقل جسدها المنهار على صدرها، وجاهدت لتمسك بها وهتفت بتلهف مفزوع


= فريده انتٍ كويسه؟ مالك حاسه بايه


اردفت خيرية من بين شفتيها بتضرع نابع من قلبها الملتاع


= يا ضنايا يا بنتي مالك في ايه بس.. البنت هتقع من طولها، حسبي الله ونعم الوكيل فيهم

البعده ربنا ينتقم منهم قادر على كل شيء .


مالت تسنيم على فريدة، ثم مسحت عبراتها عن وجنتها وقالت إلي خيرية بنبرة مطمئنة


= طب معلش خلي حضرتك هنا وانا هسندها وادخلها الحمام ممكن لما تغسل وشها تفوق شويه، ما تقلقيش عليها.. عن اذنك .


هزت خبريه رأسها بحزن كبير وهي تراقب رحيل الاثنين بخطوات ثقيلة حتى اختفوا من أمامها، لتتحرك بعدها خيرية هي الاخرى الى الأسفل حتي تجلب إلي فريدة بعض العصائر   لتنعش جسدها قليلا ، ورغم حالة اللا وعي المسيطرة علي عابد إلا أنه كان شبة مدرك ما حدث إلي ابنته وكان يراقبها وهي ترحل مع المحامية، ثم أخفض رأسه بوهن وظل مكانه، بينما في تلك اللحظة اقتربت منه سعاد بخطوات ثابتة لتنظر إليه مترددة ثم هتفت بخفوت


= السلام عليكم ، ممكن اتكلم مع حضرتك كلمتين


رفع عابد رأسه بتعجب نحو تلك السيدة التي اقتحمت شروده، هاتفًا بحذر 


= معلش مش واخد بالي هو حضرتك تعرفيني 


ترددت سعاد في إبلاغه بذلك الحديث ، لكنها قد جاءت له لهذا الغرض، فقالت بتوجس


= ايوه انا والده حسام اللي بنتك رافعه عليه قضيه ؟!. 


هب عابد واقفًا من على طرف المقعد هاتفًا بصدمة كبيرة وغضب عارم


= انتٍ كمان ليكي عين تيجي لحد هنا يا بجحتك يا شيخه، اتفضلي أمشي من قدامي انا ماليش كلام مع واحده زيك، روحي اتكلمي الكلمتين اللي عاوزه تقوليهم لي لابنك عديم التربية هو اولى بيهم وفهميه ان بنات الناس مش لعبه، واللي عمله هيتحاسب عليه سواء مني او من الحكومه.  


مطت سعاد فمها قائلة بهمس راجي


= اهدى بس واسمعني انا جايه لمصلحتك، اديك شايف ولا انا ولا انت عارفين ناخد حق ولا باطل مع المحامين ولا الحكومه عارفه تنصف حد فينا.. وشكل كده القضيه هتطول لحد ما ناخد حكم سواء انت او أنا 


رد عليها بحدة جادة


= انتٍ عاوزه توصلي لايه من كلامك بالضبط؟ عاوزاني اتنازل مش كده! وابنك يطلع براءه و ما يتحاسبش على اللي عمله.. بس نجوم السماء اقربلك من اني اعمل حاجه زي كده والحيوان ده هيتحاسب قريب على اللي عمله في بنتي .


تنهدت سعاد بضيق شديد وحاولت أن تتحدث بثقة وهمية 


= انت بتضحك على نفسك ولا عليا يا استاذ ما انت شفت بنفسك القضيه عماله تتاجل، وعندي شهود شهدوا ان ابني كأن في الوقت ده معاهم .. وبصراحه كده المحامي بنفسه 

اكدلي ان الموضوع قريب هيخلص لمصلحتنا طالما نقدر نجيب بدل الشاهد ١٠ يشهدوا ان ابني ماجاش ناحيه بنتك .. وبدل ما تطلع  خسران من كل النواحي أنت و بنتك خلينا نحلها ودي .


توتر عابد إلى حد ما عقب كلماتها الغامضة تلك، وهتف باضطراب


= مش صح والمحاميه اللي نحن موكلينها هتطعن في شهاده الناس اللي جبتيهم، وانتٍ ما جيتيش تكلميني دلوقتي الا و انتٍ لسه  مش متاكده أن القضية هتنتهي لصالح ابنك 


خشيت سعاد أن ينتبه من حولهما لحديثهما المقلق، لتنظر إليه برجاء ليهدئ من انفعالاته لكنه لم يستجيب لرجائها الصامت، و لم يستطيع إخفاء نفوره بمجرد النظر إليها يتذكر  فعلت أبنها الخسيس مع ابنته، هتفت سعاد  موضحة بتوجس مؤكدة خطورة الوضع


= انا بقول بدل الفضايح دي نحل الموضوع ودي واسمعني للاخر وما تتنرفز، صدقني انا عاوزه مصلحتك ومصلحتي، ايه اللي هنستفادوا لما نقف قدام بعض في المحاكم ونفضح نفسنا ونخلي اللي ما يشتري يتفرج علينا واحنا نقدر نحل المشكله والكل يتراضى .


❈-❈-❈


بتجهم واضح على تعابيره المتصلبة دومًا اتجه زكريا صوب أبنته، خاصة حينما شاهدها تتحرك نحو باب المنزل للخروج، فمنذ حديث أنس وقص له بأنه رأئها بصحبت رجلًا غريبًا وهو لم يتوقف لحظة عن التفكير بالشك نحوها، ثم نظر لها شزرًا قبل أن تنفرج شفتيه هاتف بسخط


= بت يا مهرة تعالي هنا عاوزك .


ارتفع حاجبي مهرة للأعلى حينما رأته قبالتها، وسريعًا ما حل الخوف والقلق رغم انها لم تفعل شيء خطأ لكن دوماً يتعامل والدها مع ابناء بجفاء وقسوة! فلم يكن لهما الأب المثالي التي كانت تتمنى مهرة ليكن دعمها وسندها بالحياه، أجابته بتلعثم ملحوظ 


= نعم 


توهجت عيناي والدها بوميض بغموض وهو يقول بحدة


=  انتٍ رايحه فين دلوقت، النهارده السبت وما فيش مدرسة امبارح قلتلي وراكي درسين هو كل يوم ولا ايه بقى .


حدقت مهرة بغرابة في وجه والدها لم تعرف بماذا يريد من خلف هذه الاسئله والاهتمام المفاجئ، فقد كانت مدهوشه من أسلوبه الغربية معها، لتقول بصوت منخفض


= كل يوم ايه مش فاهمه؟ هو انا بروح العب انا بروح أدرس يابا والامتحانات قربت عشان كده كل يوم عندي دروس 


رمقها زكريا بقسوة وهو يتسائل بأسلوب فظة


= ويا ترى رايحه تاخدي الدرس فين المره دي، في المدرسه؟ ولا في بيت مدرس؟ ولا عند أصحابك؟ ولو عند واحده صاحبتك قولي لي العنوان قبل ما تمشي فين بالظبط 


تنهدت مهرة بتعجب وهي تجيبه بصدق


= لا هاخده عندي واحده صاحبتي في الشارع اللي ورانا قريب من هنا .


أجابها بجمود وهو يمرر أنظاره عليها بشك


= طب قولي لي هتخلصي امتى عشان ابعتلك حد ياخدك من أخواتك، او انا اللي اروحلك  بنفسي وبالمرة اشوفك بتعملي ايه ؟ 


❈-❈-❈


بداخل أحد المراحيض بالقسم، تحركت تسنيم و اقتربت منها بخطوات ثابتة في اتجاه فريدة لتؤازرها لتخفف عنها محنتها الشديده، بينما كانت الاخرى تقف أمام الحوض تغسل وجهها لتزيح عن روحها المتعبة قليلا، بقت تسنيم بجانبها تساعدها وعندما رفعت رأسها ابتسمت له برقة لعلها بتلك الابتسامة تبث فيها التفاؤل والأمل. بعد فترة خرجت فريدة بخطوات بطيئه وهي تتنهد بتعب، وجلسوا الاثنتان في إحدى الزوايا بعيدًا عن أعين الجميع .


ساد الصمت للحظات لتتابع تسنيم ما يظهر بملامح فريدة باهتمام، حتي تساءلت بتراقب


= مالك يا فريدة ساكتة ليه؟


رفعت فريدة رأسها وظلت محدقة بها بأعين دامعة، تنهدت بإرهـــاق، وشعرت بوهن شديد يعتريها فهي لم تعد تنتبه لصحتها مؤخرًا، وخاصة على مدار الأسابيع الماضية، فانعكس أثار ذلك الإهمال عليها لذا شعرت بدوار خفيف يصيبها من قبل، هتفت أخيرا بصوتها العذاب 


= عادي أصل هقول إيه؟ ‏لمين و مهما بتكلم محدش بيفهمني 


ردت بعبوس خفيف وهي تشير بيدها


=بس كده غلط حاولي تطلعي اللي جواكي.

‏لأي حد تثقي فيه علشان ترتاحي.


حركت فريدة رأسها بيأس، هاتفة بصوت خفيض متألم 


= ‏اللي جوايا قاتلني ولو طلع على لساني بيقتلني أكتر، ‏ومفيش حد يقدر يساعدني ولا حد هيعرف يطلعني من اللي أنا فيه، حتي أهلي ابتدأت أحس أنهم ضدي! وبيعاقبوني على حاجه مليش ذنب فيها، وحتي اللي مفروض كان هيكون جوزي وخطيبي دلوقتي سايبني ولا بيسال فيا من ساعه اللي حصل ، حتى الانسان اللي حبيته يوم ما احتجتله ما لقيتوش


تنحنحت تسنيم مرددة بخفوت شبه صارم 


= طيب وإنتي ليه ما تعاتبهوش؟ وحاولتي تفهمي منه ليه بعد عنك فجاه.


عضت فريدة على شفتها السفلى باسي، ومالت بجسدها للأمام قليلًا بينما كتمت خيبة أملها في قلبها مجبرة قائله


= أعاتبه! عايزة أقولك إني زعلانة منه لدرجة مخلياني مستخسرة فيه حتى العتاب، مش طايقة أسمع مبرراته الخايبة وأعذاره اللي ما بتخلصش، وبعدين العتاب دا قيمته كبيرة جداً وانا مش هعمل قيمة لحد ميستاهلش، انا بقيت حاسه أنه بيعمل كده عشان عاوز يسيبني بس مش عارف يقولهالي ازاي فقال يبعد .


ابتلعت ريقها، وهمست تضيف قائلة بألم وهي تلملم نفسها


=‏الظاهر أن أكبر غلطة بعملها في حياتي هي إني لسة بستنى الناس يعاملوني زي ما انا بعاملهم .. تعرفي ان الأيام اللي بقضيها في القسم و المستشفى كان زماني دلوقتي بجهز لجوازي منه ! عارفه لما تحسي ان كل حاجه حلوه راحت ؟؟ حتي نفسك راحت منك.. وروحك موجوعه.. وقلبك مكسور صدقني ده اسوء إحساس ممكن تحسي بي.


ربتت تسنيم على فخذ فريدة قائلة بنبرة مواسية


= فريده انا عارفه ان احنا بقيلنا مده ما نعرفش بعض عشان تسمعي مني بس انا مش بقول مجرد كلام ليكي عشان اخفف عنك لا دي حقيقه عشتها من تجارب حياتي.. و صدقيني لو ظروفك كويسة مش هتقدري تتعلمي أو تطوري من نفسك.. الهزيمة والوجع والألم هي اللي بتشكل وترسم حياتك.

  

نظرت لها فريدة مطولًا ولم تعلق على عبارتها 

لكنها تمنت بين طيات نفسها أن تتخلص قريباً من كل ذلك العذاب وتنتهي تلك القضية الى صالحها وتبدأ حياه جديده، وبعد فترة حضرت خيرية والدتها ومعها علبة من العصير واعطتها الى فريدة ترتشفها بتأنٍ. 


❈-❈-❈


اقتحمت شيماء غرفه شقيقها فجاه دون مقدمات وهي تتقدم منه بخطوات سريعه بغضب، بينما انتفض أسر من مكانه بخضه  وهتف قائلا بامتعاض


= في ايه يا شيماء حد يدخل على حد كده من غير ما يستاذن، افرضي كنت بغير هدومي .


تعقد وجه شيماء شقيقته صائحة بانزعاج


= خطيبتك فريده رنت عليا وهي في القسم بتابع قضيتها وسالتني عنك اذا كنت تعبان ولا فيك حاجه عشان مش بترد عليها وانا قلتلها انك زي الحصان وما فيكش حاجه ابقى رد عليها بقى و خلي عندك دم .


شعر بدقات قلبه تتلاحق من توتره الذي ظهر علية فجأة وعلي ملامح وجه وقد جف حلقه، وهو يقول بارتباك 


= انتٍ غبيه يا بنت ليه قلتلها ان انا موجود هنا اصلا ما كنتي قلتلها مشغول في اي حاجه


زمت فمها رامقة أخيها بنظرات حادة


= وليه عاوز تنكر وجودك، و ليه مش عاوز ترد عليها أصلا؟ هو في ايه؟ هي عملت إيه عشان تعاقبها عليه كده، مالك يا اسر اشحال واخدين بعض عن حب وبتحبها فين حبك ليها ده بقى.. يا أسر حرام عليكي ما تبقاش انت والزمان عليها .. ما تخليش كلام ماما ياثر عليك هي ما لهاش ذنب في اللي حصل لها ما تتخلاش عنها وخليك قريب منها عشان ما تندمش بعد كده .. وماما كده كده مش بتحبها عشان كده لما صدقت ان الموضوع ده حصل وبتحاول تبعدك عنك 


بادلها أسر نظرات آسف وشبه حزينة لعدم وقوعه علي الإختيار المناسب له حتي الآن، فهو حقا يشعر بالحيره ولا يعرف ماذا يريد؟ ايريد ان يكمل حياته القادمه مع فريده؟ ام سيتركها وهو غير قادر على مواجهه ما ستراه في نهاية المطاف، لكن آفاق كلا منهما علي صوت سميحة التي صاحت به ابنتها بعصبية


= الله الله يا ست شيماء بقيتي تتكلمي في كلام اكبر منك وكمان بتحردي اخوكي عليا..  امشي من قدامي دلوقتي وحسابك معايا بعدين 


تنهدت شيماء بضيق شديد بينما تطلعت والدتها إليها بتحذير شديد بان ترحل من امامها الآن والا ستلقنها درس قاسي على ذلك الحديث، لم تجد شيماء بان الحديث له فائده وشقيقها مصر ان يسلم عقله الى والدته، لذلك أولتها ظهرها متجهة نحو غرفتها مبرطمة بكلمات غير مفهومة، ثم أقتربت منه والدته هاتفة بتشنج


= وانت ساكتلها ليه؟ مانطقتش وقلتلها أن أمي كثر خيرها عاوزه مصلحتي وفتحت عيني على حاجات ما كنتش واخد بالي منها .. ولا شكلك هتحن لقديمه وهترجعلها؟ 


التفت بوجهه المتجهم نحوها لتضيف هي بصوت بارد   


= عاوز تعمل كده يا حبيبي اعمل انت مش صغير وهمنعك بس ما ترجعش بعد كده تندم وتقول لي تعالي يا ماما طلعيني من الموضوع انا مش قادر استحمل الناس وكلامهم، وانتٍ كان معاكي حق ؟!. 


رمقها أسر بنظرات شبه ضائقة، لكن أصبح وجه خاليًا من أي تعبيرات مزعوجة، وتابعت سميحة قائله بخفوت جاد


= بس ساعتها مش هقدر اساعدك يا عين أمك، عشان هو مش لعب عيال ولو رحتلها دلوقتي وردت عليها؟ خلاص اعتبر نفسك اتدبست  ومش هتقدر تخلع من الموضوع.. انما لو فضلت كده مطنشها ومش بترد عليها واحده واحده هي هتفهم لوحدها والمفروض هي لو بتحبك فعلا هتعذرك أو لو عندها شويه دم كانت طلبتها منك وريحتك من التدبيسه السوده دي . 


تجمدت قسمات وجهه ثم أخفض رأسه بقله حيلة شاعرا بالارتباك والتوتر، بينما ازداد ريقه لأكثر من مرة مع كل كلمه تقولها والدته شاعرا بالاضطراب.. فنظرت له بقوة ولم تجد منه غير  الصمت والشرود لذا تبدلت سريعًا ملامحها للحماسة والسعادة، وتابعت قائلة


= قوم يلا تعالى معايا بره .. بنت خالك نرمين جايه مخصوص تشوفك عشان تطمن عليك لما عرفت احوالك وانك قد ايه متضايق وحزين، طيبه طول عمرها وفيها الخير طالعه لعمتها .


لوي ثغره للجانب بضيق مكتوم قائلًا باقتضاب


= انتٍ عاوزه مني ايه بالظبط ؟. 


سلطت أنظارها عليه ببرود وهتفت بصرامة


= ما قلت لك مش عاوزه حاجه والدليل اللي انا سايباك تعمل مبادلك وانت لو عاوز عكس اللي انا بعمله كنت ما ردتش عليا وتسيبني وتروحلها مش كده؟؟ بس انت يا حبيبي اللي انا بعمله جاي على هواك وبتفكر تسيبها عشان كده مش بتعترض .. 


شعر هنا بأطراف جسدة تتصلب فكانت محقه بالفعل فهو اذا اراد ان ينهى كل ذلك ولا يهتم الى حديث والدته سيفعلها لكنه مستسلم لها تماماً، لويت ثغرها للجانب مُشكلًا ابتسامة جافة، ولمعت نظراتها ببريق غامض 


= انا اكتر واحده فهمك اكتر من نفسك، يلا ما تتاخرش مستنياك مع نرمين بره ! 


❈-❈-❈


= ايه يا تسنيم واقفه كده ليه؟ مستنيه حد ولا ايه، مش المفروض تكوني روحتي من نصف ساعه


تساءل سالم الذي اقترب منها وهتف بتلك العبارة وهو يرمقها بنظرات متفحصة بتعجب لوجودها تقف هنا بمفردها بذلك الوقت ، خصوصا وان دوامها في العمل قد انتهى منذ نصف ساعه واكثر! انتبهت اليه تسنيم لتجيب

علية بتوضيح


=لا ابدا، اصل النهارده عربيتي اتعطلت وجيت بمواصلات فاتفقت مع صاحبتي عزه السكرتيره بتاعه حضرتك، انها هتوصلني النهارده عشان كده استنيتها لحد ما تخلص شغلها ونروح سوا ،هي راحت تجيب عربيتها من الجراچ وانا مستنياها هنا 


هز رأسه سالم بتفهم ثم أردف بجدية


= تمام معلش يا تسنيم .. ممكن اطلب منك طلب عشان مستعجل انا كنت خلاص نزلت وماشي بس افتكرت حاجه لازم ارجع احطها في المكتب، بس لازم اكون في البيت دلوقتي عشان سايب بنتي لوحدها .


لم تجيبه تسنيم بالبداية بل تفقدت ما بيدة  وهو يتمتم بكلمات مبهمة باهتمام بالغ


= الملف ده بتاع موكل عندنا مهم جداً و انا لسه واخده منه من نص ساعه انا كنت مفروض اديه لعزه بس عمال ادور عليها وما لقيتهاش قلت تلاقيها روحت وانتٍ بتقولي انها في الجراچ بتجيب العربيه عشان تروحوا.. فمعلش ممكن انتٍ تطلعي مكانها وتحطهلي 


تطلعت بة مترددة قليلا ثم مدت يدها الية  لتاخذ الملف وهي تردد بهدوء


= تمام حاضر، اتفضل حضرتك عشان ما تتاخرش على بنتك ..


نظر لها بامتنان ثم قال بجدية قبل أن يرحل 


= شكرا يا تسنيم واتفضلي مفتاح المكتب وخليه معاكي ابقى اخده منك بكره بس بلاش تدي المفتاح لحد عشان الورق المهم اللي متشال فوق.. بس عشان لازم امشي بسرعه حالا مش هلحق اخده منك دلوقتي.. يلا سلام تصبحي على خير 


راقبت تسنيم رحيله ثم تحركت خطوة وهي تعتدل في وقفتها المحنية لتقول بضيق ساخط


= انا قلت جاي تسال مالي واقفه كده و مهتم اكيد عاوز حاجه، يوووه لسه هطلع تاني بعد ما نزلت .. امري لله اطلع بسرعه قبل ما عزه ناجي وتدور عليا .


❈-❈-❈


ترجلت فريدة من سياره الاجره وهي عائده مع اسرتها، وفي قمة إرهاقها بينما ذهبت والدتها خيرية تخرج الحقائب البلاستيك من السياره بالخلف، ثم انتظرت لحظات وكان والدها يدفع الاجره الى السائق، وفي ذلك الوقت لا تعلم لما سلطت أنظارها بتلقائية نحو بناية أسر محدقه في الشرفة العلوية، و مخرجه من صدرها تنهيدة حارة، وها قد اقتربت خطوة من المنزل، حتى وإن كانت الشرفه فارغة مؤقتا، لكنها تجمدت نظراتها فجاه نحو البنايه من الداخل بالاسفل لتتفاجئ بأسر خطيبها يقف مع نرمين ابنه خاله التي اخذت تضحك بغنج وهي تتحدث معة وعلي ثغرها ابتسامه عريضة، تحول وجه فريدة للإظلام، ونظراتها للقتامة، بينما شعرت بوخزة عنيفة في صدرها، وصدمه كبير تجتاح كيانها، اقتربت منهما بخطوات سريعه لتراها والدتها وهي ذاهبه بإتجاه بناية خطيبها، لذا صاحت باسمها بحذر 


= رايحه فين يا فريده تعالي هنا ؟ . 


لكنها لم تجيب عليها واكملت خطواتها إليهم،  توقفت نيرمين عما تفعله وحديثها مع ابنه عمتها، بينما كان أسر يستمع اليها بصمت لكنه شعر بأحد خلفهما ليلتفت برأسه نحو فريدة التي كانت تطلع به بخيبة أمل كبيرة و خفق قلبها بألم، توترت تعابير وجه أسر وهو شاعر بالاضطراب بينما نظرت نرمين الى الاثنين بصمت ثم أمسكت بطرف كم عباءتها تعبث به وهي تخبر أسر بأنها ستذهب الآن لكنها ستاتي لاحقا لزياره عمتها مرة أخرى، تابعت فريدة بنظراتها رحيل نرمين وهي تقول بنبرة مختنقة 


= هو ده بقى اللي بعدك عني وشغلك، ويا ترى بقى اقول لكم مبروك ولا لسه بتستغفلني يا استاذ أسر


رمقها أسر بنظرات مدهوشه، ليقول بسرعه بتلعثم


= فريده استني انتٍ فاهمه غلط، نرمين كانت جايه بتسلم عليا عادي ما فيش حاجه ما بينا 

ما تظلمنيش .


نظرت له بجمود مستنكرة دفاعه عن نفسه وهو بذلك الوضع وليس وضعه مع نرمين فقط بل وضعه بالكامل تجاهها، فهمست بأنين موجوع


= وانتٍ ما ظلمتنيش لما بعدت عني فجاه؟ ما ظلمتنيش لما سبتني في اكتر وقت محتاجه ليكي فيه وانت عارف ده كويس، طب لو ظلمتك في موضوع نرمين يا ترى ايه اللي بعدك عني كل الايام اللي فاتت .. لا يا أسر مش انا اللي ظالمه انت اللي ظالم؟ و انا فهمت الموضوع خلاص ولو بتعمل كل ده عشان تبعد وتسيبني فانا مش ماسكه فيك وتقدر تخلص كل حاجه مع بابا .


سقطت دموعها فريدة بعجز مقهورة، وقد شعرت بتلك الوخزات الحادة تعصف بصدرها، بتلك الآلام الموجعة، رمقته بنظرات احتقار أخيرة، ثم تحركت مبتعده عنه تاركه إياه في حالة لا وعي واضحة، جاهد أسر ليتحرك يلحق بها، ليركض أسر خلفها حتي يبرر جميع أفعاله الغبيه لكنه توقف مكانه عندما سمع صوت خلفه، صائحا بخشونة


= أســر


التفت أسر بوجه للخلف نحو عابد، الذي كان يرمقه بنظرات نارية، قائلاً بصلابة 


= تعالى انا عاوزك في موضوع مهم واياك تقول لي مشغول ولا هعدي عليك بعدين..  دلوقتي حالا هتطلع معايا فوق ونتكلم .


شعر أسر من خلال كلماته بوجود شيء مريب بالأمر، أخذ نفسًا عميقًا، ثم لفظ على مهل و خرج صوته متحشرجًا


= حاضر يا عمي انا أصلا كنت هاجي لحضرتك عشان انا كمان عاوزك في موضوع مهم.


في الاعلي بداخل منزل عابد بالصالة، جلس أسر بتوتر محرج أمام عابد الذي تطلع فيه بعتاب و زمت شفتيه بحذر لكي يضع النقاط  على الحروف


= هي كلمه واحده وعاوز اجابه منك حالا! و مش عاوز اسمع منك هفكر ولا هرتب ظروفي هي كلمه واحده تجاوبني بيها اه او لا 


أخفض أسر نظراته حرجًا منه، فهو يعلم بأن قد أخطأ في حق ابنته بشدة، بينما أردف  مرددًا بحزن قليل 


= حاضر يا عمي هدي نفسك الأول واسال وانا هجاوب حضرتك .


تعقدت قسمات وجهه للغاية وهو يتحدث بنبرة حادة 


= احنا مش هنفضل مش عارفين راسنا من رجلينا وسيادتك مكبر دماغك على الاخر مننا ولا راضي تقول لنا في نيتك ايه من ناحيه بنتي .. ناوي تكمل معاها ولا لاء؟؟ 


رفع أسر رأسه بانتباه وسمع صرير احتكاك أسنانه وهو يردد بصوت قاسٍ بحذر خفيض


= وقبل ما تجاوبني لازم تكون حاطط في اعتبارك انك لو قلت اه !. هتنزل حالا تجيب المأذون وتكتب عليها وتبقى مراتك رسمي! و مش مهم اي حاجه تاني نبقي نرتب ليها بعدين.. المهم انها تكون على ذمتك لو وافقت تكمل معاها


اشتدت تعابير وجه أسر عقب ما قاله، وبرزت مقلتيه من محجريهما بذهول من طلبة، بينما

أرجع عابد ظهره للخلف ليرمقه بنظرات جامدة، و لم يحرك أسر شفتيه لينطق بكلمة، فقط توتر و ارتباك شديد واضح على تعابيره، تنهد عابد بصوت مسموع وهو يضيف باقي حديثة 


= انما بقى لو هترفض وهتقول لا !. براحتك ما حدش فينا هيغصبك على حاجه ولا هطلب منك حاجه ولا حتى هعتبك ما هو الجواز مش بالعافيه بس تقول لنا ايه اللي في دماغك مش مختفي فجاه ومحدش عارف عنك حاجه ولا حتى بتسال على فريدة ومهتم باحوالها بعد اللي حصل .


بقي أسر في مكانه لفترة لم يتحرك فيها قيد أنملة مترقبًا ذلك الحديث فقط، تنهد عابد بعمق ليضيف


=  مش سامع صوتك يلا جاوبني عشان لو ناوي تنفصل عن بنتي تاخذ معاك شبكتك وانت نازل ونفضها سيره وربنا يعوضك بالاحسن منها كمان .


ظل صمت لكن هذه المرة كان شاردًا في طيف وجه فريدة المُشكل عليه، تنهد وهو يستعيد في ذاكرته خجلها ورقتها المحببة إليه، شعر بالارتياح الكبير لمجرد التفكير بها فهو بالفعل يحبها ويردها، وما حدث سابقاً كان وإلا مجرد لحظات ضعف منه لا اكثر، ولقد أخطأ عندما استمع الى الغير و تناسى حبه الكبير إليها، أخرج من صدره تنهيدة عميقة حينما تردد في أذنيه صدى كلمات أبيها بأن يجب ان يحسب الامر في تلك العلاقه و الآن؟ رفع عينه وحدق فيه بأعين لامعة للغاية ثم هتف فجاه بحسم  


= انا موافق يا عمي هكمل مع فريدة، وهكتب كمان كتابي عليها دلوقتي زي ما حضرتك طلبت مني . 


هز عابد برأسه بشرود لقد تفاجأ حقا بموافقه أسر خصوصاً بعد أن ابتعد عنها فترة بعد ذلك الحادث ولم يعد موجود بحياتهما كالسابق غير مره واحده فقط! اتى الى هنا ليزور فريده وبعدها لم ياتي مره ثانيه، جمع عابد ثباته بجفاء متأمل إياه بنظرات فاترة، لكن سريعًا ما ارتفع حاجباه للأعلى حينما شعر باهتزاز هاتفه داخل جايبه، اخرجه على الفور ليجد المتصل وهي سعاد !!. 


تلك السيدة التي التقى بها داخل القسم وقدمت له نفس العرض الذي قدمه زميله في العمل؟ عليهم أن يزوجوا أبنائهم لبعضهم البعض، وعندها ينتهي الأمر ، وستحل المشكلة أفضل من القضايا والفضائح! لم يوافقها حينها الرأي، لكنه أخبرها أنه سيفكر في الأمر ، ولم تتركه إلا إذا أخذت رقم هاتفه ، ولكن الآن الوضع هنا مختلف؟ وستكون ابنته مرتبطة بأسرة خطيبها كما شاءت وأرادت.


اغلق الهاتف بعد ان تطلع بوجه أسر السعيد، فبالنهايه هو اب ولا يريد غير مصلحه ابنتة،  وهو على يقين تام بأن أبنته كانت سترفض ذلك العرض ولم ترضخ الى الزواج بذلك الخسيس مغتصبها، فلا يريد أن يحطم أمال أبنته تمامًا لذا اغلق الطريق نهائيًا أمام محاولات سعاد البائسة . 


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة خديجة السيد من رواية بدون ضمان, لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة