-->

رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 24 - 2

 

 قراءة رواية بدون ضمان كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية بدون ضمان

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة خديجة السيد


 الفصل الرابع والعشرون

الجزء الثاني


العودة للصفحة السابقة


❈-❈-❈




بعد مرور يومين.. .


جلست مهرة في وضعية ساكنة فوق الفراش وهي تضع ابنتها فوق حجرها، اعتلي ثغرها بإبتسامة حالمه وهي تتذكر الأيام السابقه كيف أصبح يهتم بها أيمن حتى في ابسط الاشياء 

ويزورها هنا دائما ولا يرحل الا وهو ضمان سلامتها هنا للإهتمام بتغذيتها ورعايتها بدنياً ، وأيضاً معاونة .


أسعد لحظتها كانت تستمتع حقًا بوجوده بالقرب منها حتى بدأت تعتاد على وجوده وتنتظره ، وإذا غاب يومًا ما ولم يأتي تشعر بالحزن الشديد وسيضطرب يومها طويلاً. طالما لم تراه؟ لقد جاءه اهتمامة بها حقًا في وقت كانت في أمس الحاجة إليه وإلى جانب ذلك، هي لم تشعر بهذه المشاعر من قبل؟ كانت دائما ترى القسوة والجفاء من الجميع! لذا هو أول شخص طرق بابها واهتم بها، و لم تستطع الاعتراض أو حتى التفكير في العواقب الوخيمة بعد ذلك.


في النهاية هي فتاة تبحث عن الأمان وتريد تجربة تلك المشاعر مع شخص يجعلها تشعر بالتقدير والحب! هي لم تختبر هذا الحب الذي يتحدث عنه الكثيرون ، بل اختبرت أشياء أخرى مريرة واكثر عذاب لها .. فلما لا تستطيع أن تجرب تلك الأشياء الجميلة واولهم الحب .


قلبها بدأ بالتعلق به أو انجذاب لا تعرف؟ لكن يكفي بأنه بحياتها ويهتم بها فهي لم تري سواه و مقنعة بنفسها أنها معه ستكون سعيدة

أو راضية .. لكن هو ما الذى يريده منها؟ فهي لم تفكر الا بمطالبها فقط! ولم تفكر ايضا بما ستقدم إليه وهي بتلك الحاله ولم تتعافى بعد .. ومشاكلها لم تنتهي .. ولديها طفله صغيره يجب ان تتحمل مسؤولتها .


سؤال لن تحصل على إجابته مطلقاً، لكن بتلك الطريقه لم يكن لها يوماً ولن يكون ابدا .


ضغطت على أصابعها، وتجمدت تعابير وجهها للحظة في محاولة للتفكير بجدية أكبر في الأمر. فلو تطورت علاقتها مع أيمن ذلك الرجل المتزوج بامراه أخرى، وفي نفس الوقت يستمتع بأسعد لحظاته معها هنا! أليس هذا يسمى خيانة ، وبهذه الطريقة ستكون ظالمة وغير مظلومة كما تعودت ، مع كل قصة أو معاناة تتعرض لها تكون هي الجانب المظلوم .. ولكن هذه المرة يجب أن تكون صريحة مع نفسها. .


فأدمعت عينيها عفوياً وزادت حمرة وجهها 

وأطرقت رأسها للأسفل لأنها لا تريد أن تظلم أحداً بسببها ، لكنها في نفس الوقت لم تستطع الابتعاد عن أيمن! يكفي أنه شخص جيد عكس زاهر و لا يريد تعنيفها مثله بل على العكس يشعرها بقيمتها دوماً باسلوبة الحنون.


نعم ، إنه شعور مختلف وجديد عن السابق ، لكنها فجأة تحركت بتوتر على السرير وظهرت ذكرى ما فعله زاهر بها أمامها وصدح في أذنها صرخاتها المتوسـلة أن يتركها. شعرت بالخزي من نفسها فكيف ستتغلب على كل هذا العذاب وتنسى الليالي التي عاشت فيها مع زاهر ، ذلك الشخص الجاحد والقاسي الذي لم يشفق عليها ولو ذرة واحدة !! حيث سلب منها كل ما يريده بقسوة شديدة وزرع في نفوسها خوفاً من الزواج ومفاهيم خاطئة عن العلاقة الزوجية وأن المرأة يجب أن تعنف لإسعاد الرجل ، والحياة الزوجية بينهما عبارة عن إذلال وليس بالمودة والرحمة.


آفاقت فجاه من افكارها علي الواقع وأطرقت رأسها في بألم وقالت لنفسها بنبرة أشد بؤساً 


=ايه اللي بتفكري فيه ده يا مهرة هو انتٍ دايما 

بتدوري على تعب القلب ليكي ده راجل متجوز ومتعلم هيبصلك انتٍ.. ممكن اللي بيعملة معاكي ده عشان صعبانة عليه هو هيلحق يحبك فين ده انتٍ عيله صغيره بالنسبه لي ومعاكي بنت ومش عارفه مصيرك ايه من الدنيا هيتحمل هو كل ده معاكي .


قطبت جبينها بحيرة وهي تعدل من وضعية رضيعتها على حجرها 


= طب امال بيعمل كده ليه كل ده معايا؟؟ عشان صعبانه عليه برضه لا الموضوع اكيد في حاجه تاني، شكله كده فعلا بيحـ... 


في تلك اللحظة دلفت لها تلك السيدة التي أبتسمت لها إبتسامة حنونه وهي تقول باهتمام


= مهره المشرفه عاوزاكي في مكتبها، بتقول لك في تليفون جالك من طليقك بيقول عاوز يقولك كلمتين مهمين !!. والمشرفه قالتلي ابلغك والقرار ليكي عايزه ترد عليه ولا لاء


حدقت مهرة فيها بإندهـاش ثم هزت راسها بصدمة، لتضع طفلتها في فراشها الصغير قبل ان توصيها عليها وتتقدم للخارج، وصلت إلى مكتب المشرفة لترفع الهاتف أعلي أذنها ثم ابتلعت ريقها متوجسة وهي تقول بنبرة مرتجفة 


= الو خير عاوز إيه؟ 


هـــز زاهر رأسه بسخرية ثم أردف قائلاً بصوت خبيث


= ايه يا مهرة ما وحشتكيش؟ ما فيش حتي اهلا اخبارك ايه؟ عامل ايه من غيري يا جوزي يا حبيبي .


ابتلعت غصة مريرة في حلقها وضغطت على أسنانها بقوة قائلة بحزن واضح 


= انت مش جوزي وعمرك ما هتوحشني، وبعدين هشتاق لأيامي اللي معاك باماره ايه؟ اشتاق لي ضربك واهنتك ليا؟! قصر في الكلام عاوز ايه يا زاهر مني مش كفايه ممرمطني معاك في المحاكم ومش راضي تحضر ولا تعترف بنسب بنتك .


تحولت نظراته نارية وهو يلوي فمــه بسخط 


= الله الله دي القطه طلع ليها لساني وبقت تخربش، الله يرحم أيام زمان كنتي يا دوبك بتاخدي العلقه من هنا تقولي لي حاضر ونعم وتحت امرك و كل طلباتك مجابه .. بلاش تتفردي اوي كده يا مهره الايام دواره وبكره تيجي تحت ايدي من تاني ساعتها هطلع عليكي القديم والجديد .. انا عارف مكانك بس سايبك بمزاجي.


التمعت عيناها بدموع حزينه بقلق، ثم سألته بنبرة غاضبة 


= ما بقتش اخاف منك يا زاهر وحتى لو مش راضي تعترف بنسب بنتك هستحمل عشانها 

وهستنى عداله ربنا اللي هتخلصني منك قريب .. ما تقصر في كلامك وتقول طلبتني عاوز ايه مني؟. 


تعالت ضحكته بطريقة سخيفة وهو يرسم تلك الإبتسامة الزائفة على ثغره 


= طب وليه يا بنت الحلال وجع القلب ده ما نخليها ودي ونقصر في الطريق، انا مستعد اسامحك يا مهرة وانسى كل اللي عملتي معايا وهعتبرك عيله صغيره وغلطت.. بس بشرط واحد تيجيلي انتٍ تطلبي مني السماح و تتاسفي على كل اللي عملتيه وتقولي لي انا غلطانه وحقك عليا.. ساعتها هفكر اسامحك 

وهكتب البنت باسمي .


في تلك اللحظة أصابتها رعشة قوية ، وهي تتذكر تلك الأيام التي تعرضت فيها للتعذيب عندما تزوجته، وكانت صورة عذابها تتجسد أمامها دائمًا. لم يكن من الممكن محو لحظاتها المريرة معه من ذاكرتها بين عشية وضحاها ، حيث دمر روحها بانتهاك براءتها، و حينها لم تشفع توسلاتها معه ولم يغفر لها ذنبها.. فقط تلذذ بتحطيمها.إزدادت إرتعاشة جسدها، وهي تتخيل إبتسامته الشيطانية التي تستفزها ، فوضعت عفوياً يدها على فمها لتكتم شهقاتها المذعورة ، لتبكي لا إرادياً بأنين مختنق

وهي تقول بنبرة مهزوزة 


= قصدك اجيلك مذلوله مش كده؟ عشان تكسرني تاني وتعمل ما بدالك فيا وتنتقم مني لا مستحيل انا مش هرجع لعذابك تاني يا زاهر .


كـــز زاهر على أسنانه في شراسة وهو ينطق بتوعد 


= براحتك مش هتحايل عليكي بس وريني ازاي هتعرفي تاخدي معايا حقي ولا باطل، و حتى لو بعد كام سنه المحكمه حكمت لصالحك مش ههنيكٍ على يوم واحد يا مهرة ولا انتٍ ولا بنتك .


ثم أغلق الهاتف دون أن ينتظر أي رد من الطرف الاخر... هنا دلف أيمن إلى داخل غرفة المكتب وتفرس وجه مهرة الذي بدى مشدوداً ومتوتراً ، فسألها بفضول 


= مالك يا مهره انا عمال ادور عليكي وسالت بره قولي لي انك هنا و جالك تليفون مين اللي كان بيكلمك وقال لك ايه خلي وشك كده 


نظرت مهرة له ثم مسحت بأناملها تلك العبرات العالقة بأهدابها، وقالت بخوف 


= ده زاهر بيساومني على ان ارجعله و اطلب منه السماح وانا مذلوله وساعتها هيكتب البنت باسمه، ولو رفضت هينتقم مني ومن بنتي و مش هيسيبني في حالي.. انا تعبت وما بقيتش عارفه اعمل ايه ولا فين الصح من الغلط؟ بس انا فعلا مش هقدر اواجهه لوحدي في الدنيا


حدجها أيمن بنظرات محتقنة وهو يردد قائلاً 


= انتٍ بتقولي ايه يا مهره انتٍ بتفكري ترجعي لي ولا ايه؟ لحقتي تنسي اللي عمله فيكي اوعي تفكري فعلا لو رجعتله مش هيعمل لك حاجه ده كذاب.. هو قاصد يقول الكلمتين دول عشان يخوفك ويخليكي ترجعي وساعتها يا عالم هيعمل فيكي ايه تاني؟ و هتعرفي تهربي منه تاني ولا لاء ؟ 


تنهدت بحرارة وهي تقول بمرارة 


= انا عارفه كل ده ومش ناسيه وما عنديش استعداد ارجع لعذابه تاني بس انا خايفه على بنتي .


ضيق عينيه في حيرة من أمرها وقطب جبينه وهو ينظر حوله قائلا بضجـــر 


= تعالي يا مهره نخرج من هنا نتمشى بره شويه ونتكلم، مش هينفع نتكلم هنا .


❈-❈-❈


في منتصف الطريق، أمعن أيمن النظر في هيئة مهرة وهو يظل يتحدث أكثر من ساعه محاوله أقنعها بعدم العوده الى زوجها السابق لأجل مصلحتها، لكنها كانت تستمع إليه ولم تتحدث بكلمه واحده؟ فأردف دون تردد وهو محدق بها


= وبعدهالك يا مهره هتفضلي كده سرحانه وانا عمال اتكلم ومش بتردي عليا .. لو زهقانه مني ولا مش عاجبك كلامي تعالي نروح


اتسعت ابتسامتها مرددة


= لا خالص انا سامعاك ومركزه معاك في كل كلمه بتقولها بس سايبكٍ تتكلم براحتك 


أشار لها برأسه بإيماءة خفيفة قائلاً بهدوء جاد


= طب ما تردي عليا مش هترجعي لزاهر مش كده؟ مهره ما ينفعش تدفني نفسك بالحياه وتظلمي نفسك انتٍ ربنا هيحاسبك على روحك اللي ناويه تفرطي فيها ! اللي زي ده ما يستاهلش التضحيه اللي بتفكري فيها، للاسف بعض الأزواج كده ما بيقدروش نعمه الست اللي معاهم


أجابته مهرة وهي تعض على شفتيها من الآلم التي أصبحت تشعر به بسبب كلماته


= هو انت تقصدني انا؟ انا قيمه 


اقترب هو إلى جوارها ليحاوطها من ظهرها بذراعه ويسند رأسها على صدره ويشبك أصابع كفها الرقيق بأصابعه الغليظة لتكن في أحضانه دون أي مقاومة منها بإستسلام للمساته الرقيقة عليها ، شعور غريب إستلذت مهرة به، ومتعه كثيراً و اراحتها من الضغوط المحيطة بها، فلأول مرة يهتم بها أحد هكذا ويشعرها بقيمتها، أردف أيمن قائلاً بصوت جـاد 


= طبعا انتٍ قيمه و قيمه غالية كمان وامانه 

والمفروض جوزك يحافظ عليكي ويصونك 

وما يفكرش في مره يمد ايده عليكي ولا يضربك .


أرخى أحد ذراعيه عنها ليضع يده على طرف ذقنها، رفع وجهها إليه بابتسامة طفيفة وتابع أيمن حديثه بصوت دافيء قائلا


= المفروض يعاملك بالموده والرحمه، عارفه انتٍ لو كنتي مراتي كنت خبيتك عن عيوني انا ذات نفسي .


لم تجيبه ولكنها كانت هائمة بأفكارها فماذا يظن نفسه لكي يتقرب منها بهذا الشكل؟ هل يظنها فتاة رخيصة سوف تنساق وراء نواياه الخبيثة ؟ شعر بحيرتها عندما وجد وجنتيها كقطعتين من حبات الفراولة الطازجة علم حينها بأنها خجلة بسبب ذلك التقرب، مال بجسده للأمام قليلاً ليتابع حديثه الجاد قائلاً


= ساكته ليه.. اتكلمي؟ .


أبتعدت عنه ببطء وبثقل هتفت بين دموعها التي بدأت تلمع بعينها براحه بال


= حاسه إني مش لاقيه رد علي كلامك، بس مفرحني أوي، وحاسه كمان ان اول مره اسمعه واكون مبسوطه كده انا اول مره احس ان ليا قيمه عند حد .. حتي أهلي نفسهم! يااه كان نفسي بجد حد يقدرني ويقول لي كلمتين زي دول ويحسسني بقيمتي!! يمكن لو كنت سمعتهم حتى من زاهر نفسه كنت هستحمل .. بس المشكله ان انا ما لقيتش المعامله الحسنه دي من اي حد 


أضافت بنشيج جلي وعبراتها تبلل وجهها


= إلا أنت . 


أخذ نفساً عميقاً وزفره بتوتر وهو يفرك فروة رأسه متسائلاً بتردد 


= يعني لو هي دي كل مشكلتك؟ ممكن توافقي على حلها مهما كان! 


ضيقت مهرة عينيها في عدم فهم، وسألته باستنكار 


= هو انا في حل لمشاكلي يا أيمن، بس قول لي ممكن فعلا الاقي حل وانا مش هوافق عليه وبس ده انا همسك فيه بايدي وسناني 


أمسـك بكف يدها فزادت دهشتها من تصرفه ، وأجفلت عينيها للأسفل للحظة وعاودت النظر إليه بإرتباك فتحدث قائلاً بنبرة جادة دون أن تطرف عينيه 


= مهره تتجوزيني، وقبل ما تردي عاوزك تفكري كويس وتاكدي ان انا مش هتخلى عنك ولا لحظه وهعرف احميكي انتٍ وبنتك .


اتسعت عيناها مهرة بعدم تصديق، إزدادت خفقات قلبها وتراجعت خطوتين للخلف .. وحاولت أن تضبط أنفاسها المتسارعة وهي تشعرها بالسعاده نوعا ما فهناك شخص سيصبح بحياتها ويهتم بها و يدعمها ويحميها من الجميع ... .


وقبل أن ترد!! في تلك اللحظة ظهرت ليان تقف خلفهما ولكن إخترق سكونها المؤقت صـدى كلمات أيمن لـ تلك الفتاه وخاصة كلمه " مهرة تتزوجي بي " والتي ترددت على مسامعها فأثارت ضيقها بشكل واضح وزفرت لأكثر من مــرة محاوله الاستيعاب من تلك الحقيقة البغيضة التي سمعتها بنفسها.. فتقسم اذا كان احد اخبرها بها لكانت لا تصدقة، لكن هي سمعتها بنفسها ؟؟ أيمن زوجها وحبيبها يعرض الزواج علي غيرها، لكن لما الحزن والصدمه فإن كان رابط زواجهما سينتهي عاجلاً .. و أيمن سبق واخبارها بانه سيتزوج بغيرها قريباً.


أدار أيمن رأسـه في إتجاهها دون اهتمام ليرى زوجته ليان تقف أمامه من على بعد وهي تتراجع للخلف وتنظر إليه بطريقة مريبة ، وبدى على ملامحها الخيبة و الألم ! حدق أيمن فيها بإندهـاش وهو يهتف بصدمة 


= ليان انتٍ بتعملي ايه هنا وعرفتي مكاني ازاي؟ 


نظرت مهرة لها بذهول وهتفت دون وعـي بخوف


= دي مراتك!!. 


سلطت أنظارها على أيمن وقالت بنبرتها المحتدة


= مشيت وراك اول ما نزلت لحد ما عرفت مكانك كنت متاكده ان انت رايحلها ؟ انتٍ بقى مهره كان عندي فضول اعرف شكلك؟واشوفك واتعرف على البنت اللي خطفت عقل جوزي وخليته طول الايام اللي فاتت مهمل فيا ومش مركز غير معاها وبس .


تراجعت مهرة من مكانها بإحراج شديد لتنظر إلي ليان، التي أشـاحت بوجهها للناحية الأخـري حينما رأت تلك الفتاة الصغيرة تنظر إليها باعتذار وآسف.. وأغمضت عينيها لوهــلة لتمنع نفسها من البكاء أسفاً على حالها من ذلك الوضع، وأخرجت من صدرها تنهيدات خانقة.. 


بينما تنهدت ليان بحزن وهي تحاول كبح عبراتها التي تعرف سبب إنسيابها تلك المرة ولكن آلمها شعور رؤيته بصحبة غيرها وإعتبرته إهانة قوية لكبريائها، وجهت أنظارها الي الإثنين بنظرات مليئة بآلام قائله بفتور


= انا سمعت من شويه أنه بيطلبك للجواز صح مبروك وانا اوعدك ان فعلا هيعرف يصونك ويسعدك أصل أيمن حنين أوي اساليني انا اكثر واحده عليه .. بس في نفس الوقت شفقانه عليكي عيله صغيره مراهقه لسه، بتصدق اي كلمتين تسمعهم من اي راجل من غير ما تفكر في العواقب بعد كده وانه فعلا عاوز مصلحتها ولا بيعمل كل ده عشان مصلحته هو !. 


وقف هو قبالتها وأقترب منها قائلاً بتوجس


= ليان اسكتي ما تتكلميش ولا كلمه زياده وتعالي معايا على البيت وانا هفهمك .


ابتعدت يدها عنه بعنف و بصوت متحشرج قالت وهي تنظر للأمام بكبرياء 


= مش محتاجه افهم انا فاهمه كل حاجه اصلا وبعدين هو انت فاكرني جايه عشان افشكلك الجوازه مثلا؟ لا خالص انا من شويه باركتلها ودلوقتي ببارك لك اهو مبروك يا جوزي العزير و يا ريت ورقه طلاقي تجيلي قبل ما تربط اسمك على واحده تانيه .


ســارت بعدها ليان بمفردها ببطء وحذر في اتجاه سيارات الاجره لتذهب.. وهي تكتم شعورها بآلام بقلبها، وتجمد أيمن في مكانه و لم يستطع ان يتحدث بكلمه واحده بينما أخفضت مهرة راسها بالأرض بحزن وحسرة.


❈-❈-❈


قامت حسناء بفحص عينيها الثاقبتين زوجها وهو جالس على السرير ليأخذ قيلولة لإراحة أعصابه وإرهاق جسده من العمل المتواصل.

لكن النوم أفلت من جفنيه بسبب الإفراط في التفكير في الظروف المعيشية وضيق الوضع أصبح صعباً. على الرغم من أنه يعمل لعدة ساعات متواصلة، إلا أنه يحصل على القليل من المال في النهاية. حتى والده يرفض مساعدته أو إنفاق أي مبلغ من المال الذي أخذه من زاهر كمهر لأخته مهرة ، ســارت زوجته نحوه وسألته بصوت خشن وآجش 


= مالك قاعد كده ليه من صباحه ربنا مش وراك شغل، يلا روح احسن يشوفوا حد غيرك ويديله الملاليم اللي بيدوها لك 


قطب جبينه بشدة ورمقها بنظرات حـادة وتشنج فمه صارخاً بإهتياج


= تصدقي بالله الفقر ملازمنا من كلامك السم ده غوري من وشي يا حسناء وسيبيني في حالي.. انا تعبان من صباحيه ربنا ومش أقدر اروح الشغل النهارده حتي


ردت بجفاء دون أن يرتد لها طرف


= طب سيبك من موضوع الشغل دلوقتي مش انا فكرتلك في اللي هيخلينا نقب على وش الدنيا ونبقى اصحاب املاك ومش هيخليك تحتاج لي شغل .


لوى فمه للأمام قليلاً بلا مبالاة ولم يستجب لها ، أو بالأحرى لم يعد يهتم بتلك المواضيع ، لكنها بالطبع لم تسكت وبدأت تخبره بخطتها الخبيثة ، فقفز في مكانه مرعوبًا من كلماتها المفاجئة وأطلق سبة نابية وهو يحدق في زوجته بنظرات حادة ، فتحولت تعابيره للوجوم الشديد مرددًا بازدراء


=انتٍ بتقولي إيه ؟؟ يا وليه يا مجنونه انتٍ عاوزاني اسرق محل زاهر اللي كنت بشتغل فيه .!! 


❈-❈-❈


كان أيمن في حالة قلق من أن زوجته ليان لم تعد بعد إلى المنزل من الخارج ، فنظر إلى ساعته ثم انفجر بشكل ضيق وظل يهز ساقه بعصبية واضحة وتساءل في نفسه متى حان الوقت لتعود! ليفكر ربما تكون ذهبت إلى منزل أمها، فماذا يتوقع منها بعد أن سمعت أنه تقدم لخطبته من فتاة أخرى أمام عينيها ، فتفجرت كل حواسه وقرر الذهاب إليها، وبعد فترة وصل إلى منزل والدتها وطرق الباب بقوة حتى فتحت له والدتها ، ليقول بجدية شديدة


= معلش يا طنط لو جيتلك في ميعاد زي ده بس انا رحت البيت وما لقيتش ليان، قلت اكيد جاتلك .. هي موجوده هنا صح


قطبت جبينها في عدم فهم متسائلة بقلق شديد


= ايوه يا ابني اطمن موجوده دخلت اوضتها ومن ساعتها مش راضيه تفتحلي وتفهمني ايه اللي حصل وباين عليها كانت معيطه .. فهمني انت بقى، ايه اللي حصل بينكم شكلكم كده متخانقين .


حدجها هو بنظرات قوية وقال بصرامة


= سواء تفاهم يا طنط وهيروح لحاله معلش ممكن ادخل لها .


هزت رأسها بقله حيلة و ابتعدت عنه ليدخل إليها، تابعته ليان بنظراتها الحادة إلى أن أغلق باب غرفتها فصرخ قائلاً بعصبية 


= هتفضلي تبصيلي كتير، ما عندكيش كلام تقوليه مش كده؟؟ انا مش حذرتك انك لو سبتي البيت هاجي اقول لوالدتك كل اللي حصل منك .


إلتفتت ليان برأسها نصف إلتفاتة ورمقته بنظرات حادة وهي تجيب بإقتضاب


= انا مش ببصلك عشان مش لاقي كلام اقوله انا ببصلك عشان لاول مره احس ان انا ببصلك وانا مش خجلانه من نفسي واقدر ارفع عيني في عينك! من غير وانا مكسوفه.. بقينا زي بعض يا أيمن انت كمان طلعت خاين .


ارتفعت حواجبه إلى الأعلى في رفض كبير لكلماتها، ولاحظ جملتها الساخرة ، التي قالت: "كلاهما أصبحا مثل بعضهما البعض". ورفض هذا الوصف بأنه خائن مثلها ، ثم هز رأسه في حالة إنكار قائلا باعتراض


= ايه الهبل اللي انتٍ بتقوليه ده احنا عمرنا ما هنكون زي بعض وانا ما خنتكيش انتٍ اللي خيالك صورلك حاجات مش حقيقيه وبعدين ما انتٍ سمعتيني بنفسك وانا بطلبها للجواز يعني مش بعمل حاجه غلط ولا حرام.. وانا سابق ونبهتك ان انا فعلا هتجوز قريب 


حدجته بنظرات عميقة وغامضة لم يدرك نواياها نحوه بسهولة بينما نهضت لتقترب منه بلؤم، و وجهت ليان ملامحها الجادة ونظراتها الصرامة بحديثها قائلة بتحدي ساخراً


= واللي كان بيحصل قبل ما تطلبها للجواز ده كان ايه؟ أيمن خليك صريح معايا عشان انا عارفه كل حاجه، انا شفت الرسائل اللي على موبايلك اللي كانت بينكم! البدايه بدات صحاب وبتطمنوا على بعض عادي و واحده واحده الموضوع بدا ياخد محور تاني وبدات تقولوا لبعض اشتياقكم وكل واحد بيحكي للتاني عن يومه كان عامل ازاي و في وسط الكلام بتقولوه كلام حب كمان وبتغزلها ساعات و بتمدح في شكلها وبتخفف عنها مشاكلها وقد ايه حنون معاها يا حرام.. و ده تسميه ايه يا فندم يا محترم.. بس تعرف نفس اللي حصل معايا بالظبط عرفت انا كنت بقول لك ليه ان احنا بقينا زي بعض 


إنه يعلم أنها تضغط عليه عمداً لإثارة استفزاز ، للخروج من تلك القصة باعتبارها الضحية الوحيدة ، أو أنها لم تعد الجاني الوحيد بينهما ، وقد فعل الشيء نفسه تمامًا! ذهب للبحث عن شخص آخر في وقت يحتاج فيه إلى الاهتمام. بدأ في التودد لها حتى تطورت العلاقة بينهما ، بنفس الطريقة التي استغلها بها طارق معها ، حتى عرض عليها الزواج بالاخير من مهرة ، كما قدم طارق عرض الزواج منها ايضا؟ كانت بعض كلماتها صحيحة لكنه لم يعترف بذلك، بل أمسك برسغها بقبضته القوية وإعتصرها قائلاً بجمود وهو يرمقها بنظرات شرسة 


= الموضوع مش كده انتٍ فاهمه غلط انا غصب عني كنت بقول لها كده في وسط الكلام عشان هي عندها مشاكل صعبه وكنت بحاول اخفف عنها انتٍ ما تعرفيش شافت ايه في حياتها ولا انا قابلتها ازاي بس ما كنتش اقصد الكلام ده كله.. مهره دي انا قابلتها فـ..


كان صامتًا فجاه في رهبة لأنه وجد نفسه يبرر أفعاله بنفس الطريقة التي كانت تتحدث بها عندما قامت بخيانته !! إذن معنى ذلك هو أيضاً قام بخيانتها ؟. 


ثم دفعها للخلف وحدجها بنظرات نارية وهو يلوي فمــه بسخط، إحتقن وجهها بالغيظ والغيرة ورمقته بنظرات مغلولة وهي تفــرك رسغها من أثـــار أصابعه الغليظة لتكمل عنه الحديث صارخه بتنهيدة حـارقة جثت على صدرها وأطبقت على روحها وقضت على أخـــر ما تبقى من حياتها المعذبة تاركة إياها تعاني مرارة الفقد والحرمان 


= وقعت قدامك قصاد عربيتك واخذتها لبيت تسنيم أختك وعرفت حكايتها هناك، وانت واختك ساعدتوها تطلق من جوزها وهي كانت حامل وولدت وانت فضلت كل ده جنبها بتساندها .. لا فيك الخير طلعت حنين أوي وأنا ما كنتش اعرف، المفروض دلوقتي اسقفلك على الانجاز اللي انت عملته ده صح .. مالك مستغرب ليه وبتبصلي اوي انا عارفه كل ده وسالت تسنيم عنها هو انت فاكرني مش حاسه بيك ولا شايفك اتغيرت في تصرفاتك و كان واضح عليك ان انت تعرف واحده غيري؟؟ 


أنصدم أيمن بأنها تعرف كل ذلك، بينما تشنج وجهها من الآلم وأطلقت صرخة مكتومة وهي تزادت كلماتها الغاضبة قائله بتهكم


= بس تصدق حلو أوي المبررات اللي انت قلتها لي، بس انا سمعت الكلام ده فين قبل كده؟؟ مش ده نفس كلامي متهيالي اللي انا بقيلي اكثر من سنه بحاول اشرحلك قد ايه انا غلطت الغلطه دي من غير ما اقصد وانت برده قلت لي ما فيش مبرر للخيانه ؟؟.. ولا هو حلال ليك وحرم عليا .. هو انت ما شفتش نفسك كنت مقرب منها ازاي هو انا لو هكذب الكلام اللي شفته ما بينكم في الرسائل هكذب عيني اللي شافتك وانت بتحضنها ؟؟ وتقول لي انا ما عملتش حاجه غلط ولا خنتك .


أمسكت به من ياقته وهزته بعنف أشـد وكزت على أسنانها وهي تقربة من زاوية المرآة ثم رفعت هي عينيها الدامعتين لتنظر له بالمرأة لتهدر بصراخ مريرة 


= قرب كده بص على نفسك في المرايا ما تقرب يا ايمن، بص لملامحك اصل انا عارفه المنظر ده كويس؟ كنت بشوفه في نفسي كثير قبل ما ضميري يانبني وانا عماله اقاوح في الغلط ومش واخده بالي بعمل ايه؟ مش قلت لك احنا بقينا زي بعض دلوقتي ومحدش احسن من الثاني؟؟ بس في فرق ما بينا !. 


نظر إليها أيمن بحذر وأدرك مدى حماقته ، فاندفع كرجل أعمى للانتقام دون أن يفكر في تلك الفتاة البريئة التي تلاعب بمشاعرها وجعلها تتعامل معه وتثق به عن الآخرين الذين قبلوها بحياتها. وخذلها مثلما، لم يكن قادرًا على الدفاع عن نفسه أمامها ولأول مرة يشعر بالخجل الشديد والخزي من أفعاله ، فهو بالفعل خطأ فادح في حقه وحق غيرة!

ابتلع لعابه مضطربًا ، بالطبع هو نذير لنفسه بسلوكه المتهور. ربما لو انتظر لفترة أطول قليلاً أو تعامل مع الأمور بعقلانية ، لكان الوضع مختلفًا تمامًا ، لكنه سيحصد عواقب أفعاله تلك. أضافت هي بضحكة ساخرا بقهر 


= انت ما طلبتش ايد مهره ولا قربت منها عشان بتحبها ولا حتى عشان صعبانه عليك ممكن في الاول هو ده المبرر اللي كنت بتقوله لنفسك عشان تقرب منها من غير ما ضميرك يعذبك، انت قربت منها وطلبتها للجواز عشان تثبت لنفسك انك تقدر تخوني زي ما انا عملت . 


حاول أن يتحرك من بين ذراعيها لكنها سدت عليه الطريق بذراعها صائحة بقوة استهزاء 


= يعني انت ما طلعتش خاين وبس؟ لا كمان طلعت قليل الاصل وما صنتش البنت اللي جت تتحمى فيك واستغلتها.


توجهت أنظاره تلقائيًا نحو المرايا بالطبع اكتسى وجهه بحمرة رجولية منفعلة، بدا مشمئزًا من هيئته هو لا يريد ان يكن خائن، ابعدها عنه بقوة والتفت إليها وهدر بصوت جهوري جعلها ترتعد في مكانها


= اخرسي خالص واسكتي مش عايز اسمعلك صوت كل كلامك كدب، و اتحركي يلا قدامي احسن ما والله العظيم اطلع دلوقتي واقول عمايلك كلها لوالدتك وهي تتصرف معاكي .


أُعتصرت قلبها كمداً وحزناً بصمت، و مسحت بكمها عبراتها ثم أصرت بقولها و بأعينها المتورمتين قائله


= مش هروح معاك في اي حته خلاص فاض بيا وتعبت ومش هكمل في العلاقه دي وانت هتطلقني، واتفضل روح اتجوز بدل الواحدة عشرة ولا هيفرق معايا! خلاص حققت كل انتقامك فضلت عايشه معاك وانت بتهني كل يوم وبتحسسني ان انا قد ايه واحده رخيصه وكنت ساكته واقول لنفسي انا غلطانه و استحق ده.. ودلوقتي خنتني وعرفتني انت حسيت بايه وانا قد ايه ظلمتك، وبما انك خلاص حققت الانتقام مني للاخر وخنتني فدلوقتي طلقني، مستحيل احنا الاتنين نكمل مع بعض بعد اللي حصل مننا .


رمقها أيمن بنظرات محذرة وهو يجيبها بصوت متصلب 


= هو انتٍ مش ناويه تسكتي خالص وتتلمي قلت لك انا ما خنتكيش ما فيش حاجه من الكلام الاهبل ده حصلت، اخلصي يا ليان بدل ما اطلع اقول لوالدتك واتحركي قدامي على البيت


ردت عليه ليان بصوت منزعج وهي تهتف بصوت عالي دون انتباه  


= ما تتعبش نفسك عشان انا هقول لها، انت مش هتلوي دراعي وانا هطلق منك المره دي غصب عنك وانا اللي ما بقتش ضايقك ولا عاوزاك يا أيمن.. وانت مش ماسك عليا ذلي كل شويه هتلوي دراعي بيها وهطلع دلوقتي حالا اقول لماما كل حاجه .. هقف في وشها واقول لها ان انا خنت جوزي! مش ده اللي هيريحك . 


التفتت برأسها نحو الباب لتجد امها تقف تطالعها بنظرات شرسة لا تبشر بأي خير، فشحب لون وجهها سريعًا، شعرت بحجم الخطر المحدق بها وحاولت تبرير كلماتها بخوف بسرعه لتفهمها والدتها الامر بتوضيح اكثر و ليست كما سمعت لكنها لم تعطيها فرصه للحديث و ضربتها على وجنتيها بكفها بقوة وهي تصيح بصوت مشمئزًا 


=ايه! اللي انا بسمعه منك يا قليله الربايه؟ وبتقوليها كده وانتٍ مش مكسوفه من نفسك 


يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة خديجة السيد من رواية بدون ضمان, لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة