رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 62 - 2
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
النسخة العامية
الفصل الثاني والستون
الجزء الثاني
نظرت له بتوسل تمنى لو كان آتى منها بمكان آخر وموضع آخر، ما الذي قالته حقًا؟
- ممكن ندخل ريسبشن الاوتيل تاني؟
نعم هذا ما قالته ووجهها يتضح عليه احمرار البرودة التي تحاوطهما بفعل هذه
الثلوج، بالرغم من أنها أمامه أسفل ملابس عِدة تحتاج لوقت لا بأس به حتى تتخلص
منها بأكملها، وبالرغم من أن ملامحها وجسـ ـدها لا يظهر منه سوى وجهها الذي عانى
لكي يظهر القليل منه أسفل قبعة الفراء تلك، وبالرغم من كل هذه الأجواء المتجمدة
حولهما، إلا أنه يسري به لهيب ستطفأها هي يومًا ما وعليها أن تفعل، لا يجد حلًا
سوى هذا، ستتقبل أن تكون خاضعة له شاءت أم آبت ولن يترك لتلك الأوهام أن تسيطر على
رأسه حتى ولو كان يستمتع بالوقت معها!
اقترب منها ولعن فكرته هو نفسه بزيارة هذا المكان وحدثها بنظرات تفترس
مقلتيها فلا المكان ولا الزمان سيمنعانه عن الوصول لما يُريده وأخبرها مستفهمًا:
-
عايزة تفهميني إن كل الهدوم دي مش مكفياكي ولسه سقعانة؟! تحبي نرجع ونقلع
خالص يا قطتي؟
اتضح على ملامحها الانزعاج ليبتسم بعفوية لوجهها الذي يروقه وهي غاضبة،
تبًا، عليه الاحتراس من لعنة سطوتها عليه بالآونة الأخيرة، لن يدع لها الفُرصة ولن
يسمح لها بأن تسيطر عليه، عليه أن يصمد بأي طريقة!
-
يبقى منعملش سقعانين وخلاص، هنا احسنلك بكتير من اننا نبقى لوحدنا ولا
نسيتي اللي حصل الايام اللي فاتت؟
أشاحت بعسليتيها بعيدًا واتضح على ملامحها الخجل ليناديها آمرًا:
- بُصيلي
حاولت أن تمنع ابتسامتها وهي تعاود النظر له من جديد فأخبرها بمصداقية
انطلقت منه باستسلام:
-
كملي كل اللي كنا بنتكلم فيه جوا..
لن يتوقف حتى يخترق رأسها بكل ما فيها، نعم
هو منجذب لها بشدة بعد سفرهما هذا ولكل ما بها، ولكن هو مصمم أن يعرف أكثر ما
يُخيفها لكي يتحكم بها وبرأسها لاحقًا دون أن تشعر بهذا فأضاف:
-
ونبطل نتدلع شوية عشان نتيجة دلع القطط ده هتبقا وحشة في الاخر ومش هتعجبك!
رطبت شفتيها بينما تشتت هو لوهلة بين محاولة تبين هل ينجذب لها فحسب أم
الأمر بأكمله يتوقف على تملكه لها ووجدها تسأله:
-
عايز تعرف ايه؟
هل هذه الصغيرة تحاول أن تراوغه، فلتثبت اذن على مبدأها:
-
اللي كنا بنقوله من شوية واحنا بنشرب القهوة في الريسبشن جوا!
كان لها أن تستسلم وتتابع شاءت أم آبت، لن يفعلا هنا سوى التحدث على كل
حال!
ابتعدت عنه وهي تجلس على مقعد ثلجي بالغرفة وشرعت بالحديث:
- اخر حاجة اتكلمنا فيها كان اليوم اللي ادتني فيه الشبكة بتاعتي
وانت خارج من المحكمة
زفرت بسخرية وتابعت بحسرة:
-
مع ان كان نفسي الموضوع يجي بطريقة تانية بس انا فكرتي عنك اتغيرت كلها
يومها، مجرد اني اتجوز واحد زيك هيقدر يحميني قدام الناس ويدافع عني دي لوحدها
كفاية عندي لأن ده خوف عايش معايا من يوم ما بابي ما مات، احساس ان لو اي حاجة حصلت
انا مفيش اي امان حواليا، وقتها ملقتش اي حد مناسب ليا قدك واقتنعت بكل كلمة
قولتها للقاضي، فمن ساعة ما اتجوزنا ولغاية النهاردة لسه عندي أمل ان ممكن ننجح.
يرى مصداقيتها وتبدو الفكرة منطقية بالنسبة له، خوفها من الناس، الخوف في
المطلق وماذا هناك داخل هذه الرأس التي لا تريد أن تخضع له؟
- متخافيش، محدش هيقدر يعملك حاجة..
قاله بعد أن ضمها وهو يقف أمامها بعد أن أخرج يداه من جيباه فابتعدت قليلًا
ورفعت نظرها له وهي تخبره باستفهام:
- وعد؟!
أومأ لها بالموافقة وكان يعرف أن من يُفكر ويتعدى أي حد من الحدود معها لن
يقبل بهذا، أمّا عن عصيانها معه فهذا لابد من أن يتغير، ربما بوجهتهما الاخيرة
لسلوڤاكيا ستتعقل قليلًا وستنسى ما مضى ولها أن تُجبر، هو لم يعد يتحمل بقائه
بجانبها دون أن يمتلكها.
-
بتخافي من الناس بس؟
سألها وهو بالكاد يتلمـ ـس وجنتها بأنامله لتقلب هي شفتاها وقالت:
-
انا بخاف من نظرة أي حد ليا حتى لو قريب مني ومن الفكرة اللي ممكن ياخدها
عني، مش الناس نفسهم.. مبحبش حد يقول عليا حاجة مش حلوة.
انتقل ليجلس بالقرب منها فوق هذا المقعد المصنوع من الثلج والتفت كلاهما
لتتلاقى نظراتهما فسألها وهو يُعيد يـ ـداه لجيبيه:
-
انتي فيه حد قريب منك أخد عنك فكرة مش حلوة قبل كده؟
أومأت له بالنفي وشردت لتحاول أن تتذكر، أمّا
عنه فهو يملك كل الوقت ليفهمها أولًا ثم ليري ما نهاية الأمر، عليها أن تُصبح له
بكل ما فيها بالطريقة التي تُناسبه، مشاعره تتغير بمرور كل ثانية معها، لا يدري
أهو الاستماع لها وحده فحسب أم نواياه بتعر ية عقلها بكل ما فيه أم ربما هو يريد
أن يكسب ثقتها الآن لكي يكون اللاحق أسهل عليه وعليها:
-
مرة كده يعني، بابي حسيته زعل مني شوية، مش
عارفة بصراحة!
عقد حاجباه وهو يدعي الفضول، أو ربما لا
يدعيه، بل هو لديه الفضول في أن يعرف، وابتسامتها تلك تُنبأ بأن هناك ما حدث وهي
تُخفيه فسألها متفحصًا بملامحها بابتسامة:
-
إيه اللي حصل؟ زعل منك في إيه؟
توسعت ابتسامتها بسخرية وبعض الإحراج وهي
تهمهم ثم أومأت بالنفي:
-
الموضوع كان سخيف وأنا كنت صغيرة، مش حاجة
كبيرة أوي يعني.
رفع حاجباه وهو يقصد ألا يتنازل بالكامل أمام
رغبتها، ما يُتبع معه كما يحلو له هو وليس لها فقال بتهديد اختفى خلف ابتسامته:
-
قولي إيه اللي حصل، ولا الكلام دلوقتي وإننا
نعرف بعض بقا وحش؟!
رمقته بانزعاج طفيف اختفى بين ملامحها التي
تُصمم على إحراجها ومدى سخافة الأمر وتريث قليلًا وكل تعابيره مصممة على المعرفة
فتنهدت ثم اجابته:
-
الموضوع كان سخيف اوي، كنت بتفرج على فيلم،
اسمه the notebook زمان وأنا كنت لسه في الثانوي
تقريبًا، عارفه؟
أومأ لها بالنفي وأدرك أنها تشعر بالسخافة
الشديدة لقص ما حدث فتابعت:
-
عمومًا هو فيلم رومانسي، البطل والبطلة بيحبو
بعض والبطلة بتنسى كل حاجة لما بتكبر فالبطل في الآخر بيفضل يفكرها بقصتهم لغاية
ما بيموتوا وهم حاضنين بعض، الفيلم بس كان فيه love scene (مشهد حب) وحظي كان حلو وبابي دخل شافني
بتفرج عليه، أو كان واقف وأنا بتفرج، معرفش كان واقف بقاله قد ايه، كان نفسي
ساعتها اختفي بجد من كتر الكسوف.
عقد حاجباه وهو يتفحصها وملامحها التي لا
تستطيع تزييفها تبدو غارقة في الخجل قد يكون بفعل الموقف أو بفعل تذكرها لهذا
المشهد، عليها أن تتابع ما الذي فعله والدها ليفهم عقل تلك الطفلة بداخلها:
-
وباباكي عمل ايه؟!
همهمت وابتسامتها تتوسع وبعد أن استطاعت
التوصل لنقطة من الشجاعة بداخلها اجابته:
-
أنا اتوترت وقفلت الفيلم وكنت خايفة إنه يزعل
مني.. بس لما اتكلمنا حسيت إن تمام يعني، مخدش عني صورة وحشة أو حاجة.
همهم متبعًا نفس طريقتها السابقة وتعجب
مخبرًا إياها:
-
وقالك ايه بقى خلاكي تحسي إنه مخدش عنك فكرة
مش حلوة!
قلبت عيناها وهي ينتابها نفس الاحراج الذي
شعرت به من سنوات لتنظر له بأنفاس مكتومة ولكنه لن يتوقف حتى يعرف ما الذي حدث في
هذا الموقف تحديدًا فهو بالنسبة له كل المواقف مع والده حددت أمر أو اثنان بشخصيته
وانتظر إلى أن أكملت كلامها:
-
كنت خايفة شوية ومكسوفة لكن بابي سألني حسيت
بإيه وأنا بشوف حاجة زي دي، وأنا عمري ما كدبت على بابي وكمان هو كان شخصية هادية
أوي وأكتر واحد كنت بعرف أتكلم معاه.. عارف، عامل زيك كده لما بيكون مزاجك حلو
ومفيش ما بينا مشاكل!
قلب شـ ـفتاه بإعجاب وأومأ لها بأن تتابع
وسألها باقتضاب:
-
وبعدين؟
هزت كتفاها ورأى الخجل يعتري وجهها وهي تُكمل
متحدثة بأعين شاردة فيما تتذكره:
-
جاوبت على اسئلته يومها، كنت بنت صُغيرة وده
عاجبني بس بابي سألني يومها سؤال، قالي أنتِ ده عاجبك كفعل نفسه ولا عاجبك عشان
بين اتنين بيحبو بعض، فقولتله عشان بيحبو بعض ومنسيوش بعض لغاية ما كبروا.. فقالي
إن دي أهم حاجة، الروابط بين الاتنين اللي تخليهم يوصلوا لده، فساعتها فهمت إن الـ
se xual
intimacy
نفسها مش هتبقى حلوة إلا لو بحب اللي قدامي.. وقالي لما تحافظي على مشاعرك كلها
وتديها لشخص بيحبك ويبادلك المشاعر دي الموضوع بيكون أجمل بكتير، حسيته كان خايف
عليا اتسرع مع أول علاقة ليا وأعمل ده بس أنا كنت بقتنع بكلام بابي وأسلوبه الهادي
معايا كان دايمًا بيكسبني بيه.. وافتكر إنه قالي إننا طبيعي نحس بالحاجات دي بس
اللي مش طبيعي إني اديها للشخص الغلط! وإني لو فضلت اخسر منها مع كل شخص شوية
هتنتهي في الآخر لغاية ما الموضوع بالنسبالي يبقى مجرد رغبة وبس..
هذه الكلمات يختلف معها بشكل كبير، فلقد جرب
الأمر وكان مُرضيًا في علاقات ليس هناك بها أي مشاعر، ولكنه يفهم الآن كم هي تتوق
لتلك الرومانسية التي لا فائدة منها، تكترث كثيرًا لهذه المشاعر التي لا تُسبب سوى
الألم، لتقع في عشقه إذن لو كان هذا ما تُريده!
-
وبتخافي من ايه تاني غير نظرة حد ليكي؟
كان عليه أن يعرف المزيد عنها ومنها ليجدها
تزفر وهي تنظر حولها وأجابته بمصداقية أحـ ـسها في كل ما تتفوه به:
-
مش عارفة، بخاف منجحش، وبخاف من كلام الناس،
لكن الخوف بقا من الحاجات الملموسة نفسها أو اللي أقدر اشوفها، بخاف من الحيوانات
عشان كده مبحبش برق!
عقب بسخرية على كلماتها:
-
فايتك كتير على فكرة.
أطلقت زفرة متقززة وهي تهز رأسها بالنفي
ونظرت له وهي تتابع:
-
معرفتش أحب الحيوانات أبدًا، بسام كان بيحب
اوي لما نسافر يروح أماكن كتيرة فيها حيوانات بس مبحبهاش خالص لا شكلها ولا
ريحتها، وبجد أكتر حاجة مقرفة ومرعبة في نفس الوقت هي الحشرات والتعابين والحاجات
دي.. بحس إنها صغيرة كده وشريرة وممكن تقرص أي حد من غير ما ياخد باله.
اتسعت ابتسامته من ملامحها التي تتشتت بين
التقزز والانزعاج ليعقب على ما قالته بثقة:
-
بس الحاجات متوصلش للخوف أظن انتي مبتحبيهاش
نظرت له بجدية وهي تُصحح له رؤيته:
-
لأ بخاف منها فعلًا، اللي أنا بكرهه مثلًا زي
القاعدة في اوضة معمولة من التلج ولابسة مليون حاجة عشان اتدفى.. عمر ما تخلينا
نرجع البيت اللي كنا فيه من شوية please،
أنا اتبسطت اوي بشكل السما وشكل الكلاب الهاسكي بس مظنش هنعرف ننام على سرير معمول
من التلج.. كفاية إننا قعدنا هنا شوية.. وبعدين مبحبش الساقعة اوي دي إلا لو كنت
في بيت جوا، البيت كان دافي وأحسن من الأوضة هنا بكتير.
تفقدها بتفحص وفعل ما يُرضيها مؤقتًا لينهض
وهو يخبرها:
-
خلاص هشوف حد يوصلنا.. وبالمرة نتفرج على
الفيلم ده..
❈-❈-❈
عودة للوقت الحالي..
أومأ لها بالنفي بعد أن تذكر هذا الوقت وفهم
ما تقصده تمامًا وتُرمي إليه ليُنفي عنه هذه التهمة التي تلفقها له الآن وحدثها
قائلًا:
-
مش النهاردة، يمكن كان زمان آه، قبل ما اتأكد
إني بحبك بجد، بس مش النهاردة، مش ده قصدي، أنا قصدي إن من حقك توصلي لنهاية وأنا
كمان لازم اعرفك كل حاجة حصلتلي بسببك ولو مكونتيش موجودة في حياتي مكنش ده هيحصل
أبدًا..
سخرت من كل ما تسمعه منه وهي تعقب متهكمة:
-
اتفضل قول، أتكلم، اضحك عليا تاني وتالت وأنا
هاسمعك..
لم يُعجبه تصرفاتها العشوائية ورأسها الثمل
بفعل ما تناولته وشعر بالغباء الشديد لسماحه بوضع هذه الكحوليات هنا ظنًا منه أنها
هدأت خلال الأسبوعان الماضيان ولكي يتأكد من أنها واعية لما يقوله قرر أن يرى مدى
اتزانها وصمم أن يبعدها عن أي مشروبات:
-
تعالي نتمشى شوية على البحر!
اتسعت ابتسامتها بين الثمالة والتهكم المحض
وقالت:
-
طبعًا، لازم كل حاجة عندك تبقى بشكل مُعين،
ورد وبحر وتلج ودفايات وnorthern lights
(الأضواء الشمالية اللي هي برضو الشفق القطبي) ونمشي ونتعشا، مفيش مُشكلة، وجودنا
سوا مبقاش هايغير حاجة خلاص..
جذبها برفق دون أن يبالغ ورويدًا دون أن
تلاحظ تركها ليرى هل هناك بها جزء واعي من عقلها أم لا، على ما يتذكره من كل تلك
الشهور المنصرمة هي لا تثمل بسرعة بعد أن اعتادت على تناول الكثير من الكحول، هي
حتى أفضل منه في الأمر:
-
ايه بقا الكلام المهم اللي عايز تقوله ولازم
نتكلم فيه غير إنك تطلقني وتتسجن عشان عايز تحس إنك ادتني حقي؟
سؤالها جعله مشتت للغاية ولكن هذا ليس ما
يبتغيه، هو يريد نهاية واتفاق بينهما، يريدها أن تستيقظ من غفلة تصرفاتها
العشوائية وادمانها للخمر الذي قد يعود في أي وقت بعودة أي ضغط نفسي عليها حتى ولو
بسيط عكس ما عايشته من ضغوط بالسابق!
-
يالا أتكلم، قول كل حاجة، ارغي وقول كلام
ملوش فايدة عشان نفضل نكرر المواقف!
تنهد وهو لا يُعجبه ثمالتها وأدرك أنها ستأخذ
وقت ليس بقليل حتى تكون واعية لما يقوله، هناك بعض الترنح بوقفتها وبجـ ـسدها،
ولكنه بالرغم من هذا يعرف أنها ستتذكر هذا بكل ما فيه فقرر أن يُدلي بكل ما يحمله
دُفعة واحدة:
-
روان لازم تفهمي إن يوم ما رجعنا من دبي كنت
عايزك تواجهي نفسك مكونتش بستغلك، وقولتلك يومها إن فيه حاجة بحاول اعملها عشان
نتطلق، أنا فاكر أنا قولتلك إيه كويس، قولتلك بالحرف إني بحاول ادور في كل اللي
حصل ده على أي حاجة تبقا دليل على اللي عملته فيكي عشان نتطلق المرادي وانتي واخدة
حقك مني وتحسي إنك مرتاحة شوية بحاجة منطقية مش مجرد طلاق وخلاص.
تهكمت بابتسامة التوى بها فمها ووقفت تتابعه
أسفل أهدابها بنظرات بين الوعي والثمالة وأخبرته كما أخبرها يومًا ما:
-
وبعدين؟
تأفف من أسلوبها المُتهكم ولكنه تابع على كل
حال:
-
ده اسلوبك أنتِ، أنتِ اللي بتحبي تاخدي حقك
بالقضايا وحكم المحكمة سواء مع عمك ولا معايا ولا حتى بالورق اللي لاقتيه في
الخزنة، أنا مش عاجبني اللي انتي وصلتيله ده، بقالك ٣ شهور مبتروحيش لمريم ومعرفش
بتاخدي دواكي ولا لأ.. أظن انا وانتي عارفين إني لو كنت سمعت كلامك من الاول كنا
هنبقا في حتة تانية وللأسف انا فهمت ده بعد فوات الاوان.. مبقاليش عين اصلًا بعد
كل اللي كنت بنكره اطالبك إنك تسامحيني او ترجعيلي، بس فيه حاجة، انا بحبك، وهافضل
احبك، مش لازم الحب يكون معناه ان اتنين مكملين للاخر سوا، مش لازم النهاية
السعيدة او القُرب عمومًا واه هتعب من غيرك وهتعذب وجربتها سنة بحالها.. بس عشان
بحبك فعلا وواثق إنك بتحبيني فكرت إنك عايزاني اكون انسان كويس فقولت تمام هاعمل
اللي هي عايزاه..
وجدها تتفقده وهي ما زالت ثملة ولكنها لم
تفقد وعيها بالكامل ويعلم أن ربما هذه الكلمات قد تكون مشوشة نوعًا ما، هو الآن
يعرف أن مشاعره وكل ما يُدلي به قد تأخذه على سبيل نفس ما اتخذه في السابق، كان
يسمعها من أجل معرفة نقاط ضعفها يومًا ما، فلتعرف هي الأخرى، هذا حق لها على كل
حال!
-
أنا لما فوقت من الغيبوبة روحت لمريم واقتنعت
نفس اقتناعك باني مريض بس مكونتش ابدًا معترف ان السا دية مرض لغاية من اسبوعين
لما اكتشفت قد ايه انا بكره نفسي وبكره الطفل اللي معرفش يدافع عن نفسه وبكره أمي
وبحملها دايمًا انها سبب كُرهي لنفسي مع ان كنت كل اللي محتاجه هو اني اسامح نفسي
واتجاوز الفترة الوحشة في حياتي واشفق على الطفل ده واديله الدعم وبالمنطق مفيش
طفل مكملش عشر سنين هيضرب اتنين اكبر منه..
فكرت لوهلة وهي تشعر بالأسف من أجله، ما
عاناه وهو طفل صغير يستحق التعاطف، أمّا عن هذا الرجل الذي عرفته بزواجهما وقبل
طلاقهما يستحق الجحيم، وتأتي الآن لتنظر لمن يتحدث لها لترى رجل جديد بمبادرة
التغير التي يقدمها وانتحاله لشخصية تلك الفتاة التي كانت عليها يومًا ما كاللص
والمطلوب منها في هذه اللحظة هو القبول، تبًا لن تفعل، ولو كان أفضل رجال العالم
لن تفعل!
-
هو ده اليوم اللي عملت نفسك متعصب؟
هز رأسه ودام السكوت للحظات وتأكد أنها واعية
لكل ما يتحدث به وإلا لما ذ هب عقلها
لتذكر تلك التفاصيل بينما ابتسمت هي بسخرية وقالت بحُزن لم تسيطر عليه:
-
تخيل لو كنت نفس الإنسان ده من زمان قبل ما
أشوف الموت بعينيا كانت كل حاجة هتبقى حلوة أوي يا عمر، أنت ضيعت كل حاجة ما بينا
خلاص!
تركته وابتعدت بينما تابعها هو ووجد أنها
تمشي بمفردها دون مساعدة منه ولم تسقط أرضًا بعد ولا تتعثر بثوبها الممزق فتركها
وشأنها إلى أن جلست أرضًا على الرمال وترك الدقائق لتمر راجيًا أن تذهب اثار الخمر
خلالها فكلما كسب وقتًا معها سيحصل على وعيها وبعد مُدة اقترب وجلس بجانبها وتكلم
مرة أخرى:
-
روان أنا حاولت اعتبر ان ماما دي انسانة
واكيد ليها اسبابها في كل اللي بتعمله وعملته معايا، حاولت اسمع منها بس عشان خاطر
اني اعمل كل اللي انتي شايفاه صح بما إنك كنتي السبب في إنها تيجي تعيش معانا، بس
اللي مستغربله ليه مشيتي من نفسك تاني يوم وبعدتي في الوقت ده؟
❈-❈-❈
منذ اسبوعان..
- لو بطلت تكون خبيث ورغي كتير وبوس
وتلكيك كل ما نبقى لوحدنا اعتبرنا اتفقنا، بس لو شوفت منك لف ودوران وتحوير وكدب
وتلاكيك صدقني هعيشك الأسوأ من كده!
- اتفقنا!
تصبحي على خير!
خاب أمله بها ولكنه لا يستطيع أن يكرهها، هو
حزين لأنها لم تهتم ولو بقول كلمة واحدة لكي تُهون عليه هذه الوطأة الشديدة، ولكن
هو من أول نفسه واياها إلى هذه المرحلة، لن ينتهي اشتياقه بوصوله لحديث مُريح معها
كما اعتاد، لم تعد نفس تلك الفتاة التي تزوجها وعشقته، عليه أن يقبل هذا ويتقبل
نتائج ما ترتب على أفعاله!
أظلمت الغرفة من جديد ونام كلاهما بعد تفكير
دام لدقائق، فهو لا يجد سوى الندم والحزن على كل ما آلت إليه الأحداث فيما بينهما،
أمّا عنها فهي عادت لنقطة الصفر مرة ثانية، مُشتتة، تتألم، عقلها يؤلمها بكل ما
حدث ويحدث حولها، لقد بات ما تراه منه يُهلكها، حسنًا عليها أن تغادر هذه الجحيم
معه، لا يُمكنها رؤية من تعشقه بات أفضل الرجال ووصل لكل ما تمنته وهو نفسه من
ستنفصل عنه وقد أذاها بالفعل مرات ومرات.. لن تبقى بهذا المنزل لحظة واحدة بعد
الآن، على الأقل لبعض الوقت، لا يُمكنها التعامل معه دون تحديد ملامح واضحة لما
يفعله كلاهما وخصوصًا أنه أصبح نسخة أفضل من كل ما تمنت أن تجده في زوجها يومًا
ما..
❈-❈-❈
صباح اليوم التالي..
شعر بالراحة وهو يتجه في هدوء وهو على هذا
الدرج، عليه أن يستعيد هذا الروتين، ممارسة الرياضة والعلاج الدوائي والنوم باكرًا
والاستيقاظ بأولى ساعات الصباح وعدم الاسراف بالكافيين، هذا ما سيساعده على التحمل
قليلًا بالأيام القادمة، هو لم يذهب ليحصل على تلك الجلسات لكي يُفسدها بما يحدث
حوله!
بدأ في ترتيب ما سيفعله بيومه بعد عودته من
المركز الرياضي، عليه أن يبحث بأمر هذا البلاغ، وعليه أن يفهم ما إن كان ما سيفعله
بعمله يستحق في النهاية، لو حدث هذا فكل ردة فعل والده ستكون تجاه العمل والشهرة
والنجاح وهو يتخلى عنهم أكبر بكثير من ردة فعله تجاه طلاقه..
-
استنى هنا قبل ما تخرج أنا عايزة أتكلم معاك!
التفت مستغربًا لاستيقاظها بهذا التوقيت
المُبكر ولكن تلك الملامح تدل على استيقاظها منذ ليلة أمس فاقترب نحوها بعدة خطوات
وانتظر أن تُدلي ما لديها فهو يحاول باستمات أن يستعيد قدرته على الموازنة في
حياته قبل أن يذهب مفعول تلك الجلسات سُدى فحدثته هي بتساؤل ونبرة متحفزة:
-
البيت ده بتاعك ولا بتاع مراتك؟!
استغرب من سؤالها فهو لا يتذكر أنه أخبرها
بذلك وكل ما فكر به هو أن والده قد يكون له علاقة خلف سؤالها فأجابها سائلًا:
-
اشمعنى؟
انزعجت من رده المستفز الذي يماثل ردود والده
على كل اسئلتها وحدثته بغضب:
-
من غير اشمعنى، البيت ده بتاع مين فيكم؟
زفر بضيق وأجابها بأسلوب يعرف تمامًا أنه
مُستفز:
-
بتاعها، المُشكلة فين بقى؟
اشتد غضبها مما تستمع إليه وملامحه لا
تُذكرها سوى بوالده ببداية زواجهما وأخبرته برفض قاطع:
-
جايبني بعد العمر ده كله تقعدني في بيت واحدة
لا اعرفها ولا تعرفني، وكمان بتسأل فين المُشكلة بدل ما تلمها وهي رايحة جاية تمشي
كل اللي في البيت على كيفها، أنا لا يُمكن اقعد في البيت ده لحظة واحدة ما دام بقا
بتاع ست الهانم مراتك وهي قاعدة فيه!
حسنًا، فرصته وآتت له على طبق من ذهب، فلتأخذ
التالي دفعة واحدة وليرى ما الذي سيفعله:
-
طيب عايزة تروحي فين؟ ترجعي البلد لاخواتك
اللي هيقفولك صف طويل يقولولك ارجعي لبابا ومش بعيد واحد فيهم يوصلك بنفسه؟ ولا
تحبي ترجعي البيت عند بابا؟ ولا الأحسن من كل ده عدي ياخدك ويروح يجبلك أحسن بيت
في الدنيا تقعدي فيه وهو شاطر وبيعرف يتصرف مع بابا؟!
نهضت وهي تعقب على كلماته بصوت مرتفع لا يكره
أكثر منه لطالما صم أذناه منذ أن كان طفلًا صغيرًا:
-
هو ايه الكلام الخايب اللي بتقوله ده، هو مش
ده بيتك وأنا أمك، ما تمشي ست الهانم وتاخد بيتك منها، هترميني أنا عشان خاطرها!
رفع حاجباه بذهول لما تقوله والسخرية تسيطر
على كل خلية بملامحه وقال ببرود وهو يتعجب:
-
يعني عايزة امشيها وتفضلي أنتِ هنا عشان بس
أنتِ أمي؟
تريث ليستمع منها لرد سيجعلها تندم عليه
ولكنه يُريد أن تنطق به مرة واحدة فقط مجددًا مرة أخرى حتى يقود هذا النقاش
لمواجهة حتمية فيما بينهما لم يقم أي منهما بفعلها بعد:
-
آه، ده حقي عليك بعد السنين دي كلها، إيه مش
شايف أخوك التاني بيعمل معايا إيه ولا أنت يزيد خلاص خلاك نسخة منه في كل حاجة
وبقيت ظالم زيك زيه بالظبط.
قلب شفتاه بإعجاب بما تقوله وحاورها بنبرة
تجعل من أمامه يريد قتل نفسه من شدة استفزازه:
-
حقك عليا، تمام، أكيد ليكي حق عليا ما دام
أنتِ أمي وأنا الابن العاصي المفتري الظالم زي أبوه، هو ده اللي أنتِ تقصديه عشان
ابقى فاهم الكلام مش أكتر؟
استمر في النظر لها بمنتهى البرود وهو
يُعطيها نظرات فارغة من المشاعر ولكنها كانت نوعًا ما حقيقية، هو لا يشعر تجاهها
بأي شيء، على الأقل في الوقت الحالي، كل ما يشعر به هو فراغ لدورها في حياته!