-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 62 - 3

    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية

الفصل الثاني والستون 

الجزء الثالث


 


استمر في النظر لها بمنتهى البرود وهو يُعطيها نظرات فارغة من المشاعر ولكنها كانت نوعًا ما حقيقية، هو لا يشعر تجاهها بأي شيء، على الأقل في الوقت الحالي، كل ما يشعر به هو فراغ لدورها في حياته!

 

-       قولي كده على مرة مكونتش ظالم ومفتري زي أبوك؟

 

بالرغم من أنه يتبع معها نفس أسلوب والده الخبيث في هذا الحوار ولكن كان هذا هو الحل الوحيد معها، عليها الآن أن تقر هي الأخرى وتجيب على أسئلته حتى يُعطيها هذا الحق الذي تبحث عنه:

-       هقولك حاضر مواقف كتيرة أوي، بس لما تجاوبي على سؤالي بما إنك شايفة إنك أمي وليكي حق عليا، أنا بقى فين حقي؟ فين نصيبي فيكي؟ فين وجودك جانبي؟ تعرفي إيه عني؟ أنا ابنك وعدي ابنك، تعرفي حياة مين أكتر؟ بلاش طيب السؤال ده، تعرفي أنا كنت باكل ايه العشرين سنة اللي فاتت؟ تعرفي كان ايه اللي بيزعلني؟ تعرفي البيت ده أنا عملته ازاي؟ فاكرة أنا ابتديت شغلي ازاي واخدت فلوس من مين عشان اشتري أول مكان اشتغلت فيه؟ طيب تعرفي أنا عرفت روان ازاي ولا حبيتها ازاي؟ كنتِ فين وأنا تعبان؟ طيب حتى تعبت كام يوم؟ فين حقي يا ماما اللي ادتهوني وأنا صُغير عشان أقدر اردهولك وأنا كبير؟

 

ترددت الأفكار بعقله ولاحظ كم اختلفت نبرته عن كل ما نواه سابقًا واهتزاز داخلي غير مسبوق لأول مرة يشعر به أمامها بينما انزعجت من كلماته وهو لا يفهم ما الذي عانته كأم حتى يصل بهما الحال إلى هنا بل ما عانته كامرأة في المُطلق وما دفعت ثمنه وتكبدته حتى يُصبح هو ابنها البكر إلى أن آل بهما الحال إلى هنا فردت بعصبية:

-       كلني أوي في الكلام زي أبوك وتعالى اضربني، ما أنت ابنه، هو اللي مربيك وشربك طريقته..

-       وهو انتي مربتنيش ليه؟ أنتي فين كأم ليا في وسط كل اللي أنا قولته ده؟! هو ده ردك عليا بعد أربعة وتلاتين سنة متعرفيش عني حاجة فيهم؟

 

اندفع برده السابق دون أو الكلمات هي من خرجت منه دون سيطرة، الآن الوضع يبدو منطقي لما أصبح عليه، يريد المواجهة، يريد التحدث، ويريد التخلص من أعباء الماضي بكل ما فيه، إذن الأمر تجاهه هو نفسه، لقد تغير مع الجميع، لم يعد التغير مع "روان" وحدها بل هي من دفعته ليُصبح رجل آخر جديد على نفسه؛ لها كامل الامتنان هو يعترف بهذا، ولكن هذه المجادلة إثبات أنه نسخة جديدة تمامًا عن نسخته القديمة التي عهد نفسه عليها.. وهذه النسخة تتطلب إجابات من الجميع، ولن يتوانى عن الحصول على ما يُريده!

 

-       ما تروح تشوف أبوك، هو السبب في اللي ما بيني وبينك، ابقى أسأله كده عمل فيا ايه عشان بس أخلفله، ولا لأ بلاش دي عشان أنا كده كده مبفرقش معاك، ابقى أسأله من يوم ما خلفتك عمل معايا إيه، ربنا ينتقم منه ويوريني فيه يوم..

 

كلماتها لا تجيبه على الإطلاق بل لا تفيده ولا تنفعه، لا يريد أن يخبرها كامرأة كيف عليها التعامل مع زوجها، بل يُريد مجرد إجابة منطقية عن دورها في حياته:

-       أنا ماليش دعوة يزيد الجندي عمل معاكي إيه، اللي بسأل عليه هو أنتِ! أنت فين دورك كأمي؟ امتى عاملتيني كابنك؟ ولا عمري شوفتك مهتمية بيا نص اهتمامك لعُدي ولا حتى شوفت خوفك عليا زي أي أم بتخاف على ولادها، طول عمرك بتعلقي شماعة أخطائك على بابا!

 

ردت بقهر وأعصابها لم تعد تحمل ما يدفعها إليه دون أن يقصد هذا:

-       لا هو السبب، هو السبب في إني اعاملك كده، هو السبب اللي كرهني فيك من يوم ما شوفتك، وهو السبب في كل اللي حصلي وحصلك!  

 

تخلى عنه هدوئه وانهزم أمام الغضب الشديد الذي احتواه وهي ما زالت تدافع عن نفسها بحجج واهية لا تعكس سوى امرأة سلبية لا تفهم ماهية أن تكون أم فصاح بها:

-       ليه، عمل فيكي ايه لدرجة إنك تكرهي ابنك وتعامليني المعاملة دي طول حياتك؟

 

تفقدته بحزن دفين ولكنها ابتلعت بقهر واجابته بما لا يُفيده:

-       اهو عندك روح اسأله، مش أنت ابنه حبيبه اللي يعرف عنه كل حاجة.. روح اسأله وافهم منه!

-       أنا بكلمك أنتِ مش هو، السؤال ليكي، ايه اللي يخلي أم تكره ابنها الكُره ده كله؟ ولا انتِ طول عمرك هتفضلي ست متتعاشرش وكل تصرفاتك سلبية لدرجة إن ولادك متعرفيش عنهم حاجة وفي الآخر تيجي تقولي أنا أمك وليا حق عليك! أنتِ مالكيش أي حقوق عندي طول ما أنتِ مش مدياني سبب واحد لكل اللي عملتيه معايا! يا تردي عليا وتديني تفسير يا إمّا تقعدي في البيت اللي مش عاجبك وتشكريني كمان إني مخرجتكيش منه!  

 

رده الغاضب بوقاحة لم يتعمدها انتقلت على لسانه بفعل حديثها الذي استفزه بشدة ودفعها هي أيضًا للتحدث بحرقة غير متقبلة لما تسمعه:

-       أنا اللي متعاشرش ولا أبوك هو اللي راجل معندوش لا أخلاق ولا دين ولا حتى في قلبه ذرة رحمة، روح اسأله عمل فيا ايه أول ما اتجوزنا، روح اسأله عِرف عليا كام واحدة من أول شهر في جوازنا، روح اسأل خلاتك عمل فيا ايه لما روحت بيت أهلي واشتكيتلهم!

 

رفض بشدة أن يواجه سواها فحدثها بتصميم بغضب لا تخمد نيرانه:

-       مش هسأل حد غيرك، لو عندك رد قوليه ولو مش عايزة تردي أنتِ حرة بس متجيش بعد أكتر من تلاتين سنة تعملي أم عليا لأنك عمرك ما كنتي أم ليا وابقي بقى استحملي العيشة في البيت الوحيد اللي لقيتيه مفتوحلك والإنسان الوحيد اللي عرف يرحمك من عيشتك مع يزيد الجندي!

 

انهمرت دموعها وهي لا تجد به سوى انعكاس لرجل تكرهه، يُشابهه في كل شيء، حتى نبرة الصوت واحدة، وكالعادة لا يعرف أي منهما الرحمة وسيُنكران أن ما تعرضت له من انتهاك روحي وجسـ ــدي بل حتى وعقلي طيلة سنوات يستحق الشفاعة والشفقة، ولكن لن تتعرض لمثل هذه القسوة من جديد وهي تجد هذا الطفل الذي خرج من احشائها يومًا ما يتهمها بأنها لم تكن أم له:

-       أنا عمري ما كنت أم ليك لأنه كرهني فيك وفي عيشتي، من أول يوم اتجوزته وهو مقرف وكافر ومعندوش رحمة، لما أهلنا قالوا اننا هنتجوز كان الكل بيقولي يا بختك، يزيد ده أكتر واحد ناجح وغني وهيعيشك في مصر وأنتِ عارفة إن الكل بيسمع كلمته بس من أول ليلة لينا وهو بيبهدلني.. كل حاجة حرام بيعملها، مشوفتش منه أي معروف وفوق كده ضرب وسم في بدني لغاية ما خلى العيشة في عيني سودا!  

 

لا يُصدق أنها تُصمم على ادراجه في محادثتهما فعقب غير مكترثًا لبُكائها فهو الآخر يبكي بداخله منذ سنوات هي لا تعرف عنها شيء ليُحدثها بغضب:

-       أنا مالي بإن جوازك مش ناجح؟ مالي بمشاكل أنا ماليش ذنب فيها؟ أنا بكلمك عني أنا، بكلمك على كُرهك ليا، أنا عملتلك إيه؟

 

صاحت به بقهر وهي لا ترى سوى أنه لا يفهم شيئًا مما حدث لها:

-       حسبي الله ونعم الوكيل فيك، أنت ايه، زيه، نسخة منه، مش عايز تفهم إنه هو اللي وصلني لده معاك، أنا أبوك من أول ليلة لينا مع بعض زي أي بنت نفسي افرح بجوازي منيمني مضروبة ومادد ايده عليا، وكل ده بس عشان رفضت إنه بيطفح الزفت اللي كان بيطفحه زمان، ولما روحت لأهلي اشتكي قالولي ميصحش تسيبي بيت جوزك، كلهم وقفوا في صفه وقالولي ده أصله عريس ميتعوضش وابن عمك وأبويا قال هيكلمه إنما ده مالوش كبير ومبيسمعش لحد زي ما عمي ما علمه، ويا ريته سكت ده فضل شهور يبهدل فيا إني بس اتجرأت وقولت لأهلي، كنت بشوف العذاب كل يوم عشان رفضت الحرام وهو بيطفح الخمرة اللي بيطفحها وعشان مبيركعهاش إلا لو في البلد قدام الناس عشان مياكلوش وشه.. وأنت شبهه عمري ما شوفتك حتي بتصلي لربنا ولا بتركعها، تصرفاتك زيه، حتى شغلتك زيه، وكلامك زيه، عايزني احب يزيد التاني!

 

تعجب من كلماتها التي وجدها سبب واهن فسألها مستنكرًا:

-       يعني عشان علاقتي بربنا بتكرهيني؟ هو ده السبب؟ تقاطعيني حاجة وتلاتين سنة عشان مبصليش؟ طب هو ربنا مرسمش صورة للأم وحملها مسئولية مع ولادها؟

 

ردت بقهر وهي تبكي على ما لم يعرفه قط وما لم تنبس به لسنوات:

-       مش عشان كده وبس، أنت مش فاهم حاجة ولا تعرف حاجة، أبوك يزيد بيه كان راجل ظالم، عمره ما حسسني إني ست من يوم ما اتجوزته، كان بيخوني من أول شهر جواز واكتشفت ده وبعد اللي حصل بقيت أخاف أقول لحد على خيانته ويوم ما فضفضت لأمي قالتلي الست تستحمل وأكيد العيب فيا أنا عشان مش عارفة اخلفله عيل، وكنت في عين الكل الست اللي مش مريحة جوزها، وأهلي مرضيوش يطلقوني منه وكنت بشوف الذُل ألوان منه، ضرب وإهانة وشتيمة وخيانة ووجع قلب، يوم ما كان بيبطل ضرب وإهانة لما كنت ببقى حامل وأول ما أسقط يرجع لمرجوعه القديم، فضل يفرض نفسه عليا من غير مشاعر وحاجة في منتهى الحيوانية عشان بس متسربع على الخلفة.. لغاية ما أنا وأنا حامل فيك كنت عند الدكتور مع السواق، كان عندي أمل إنك تخلي الدنيا ما بينا كويسة ويفرح بيك، والدكتور أول مرة يطمني إن الحمل ثابت المرادي، أخيرًا بعد أربع سنين، روحت زي الهبلة اجري عليه وافرحه وافتح عليه باب مكتبه الاقي واحدة عريانة في حضنه، من يومها وأنا مقدرتش استحمل إهانته، مكونتش طايقة اللي في بطني، حاولت انزلك عشان احرق دمه معرفتش ومنعني، ربنا عاقبني بيك إنما هو ولا كأنه فارق معاه الحرام من الحلال! حلال ليه يخون ويزني إنما أنا حرام عليا انزل حملي.. لما يضربني قدام الواطية اللي كانت معاه وفي حضنه قدام عينه حلال ليه وحرام ليا، ده أنا بس مكرهتش الحمل، أنا كرهت عيشتي ونفسي بسببه، كرهت إني هفضل مربوطة بيه طول العمر وأنا شايفة وعارفة إني بيخوني طول الوقت وصورته هتفضل في عيني لأ وفوق كده كمان مستني يرجعلي البيت وعايز حقه الشرعي!   

 

نظر لها بقليل من التعاطف، نعم قد يكون فعل الكثير من الأفعال الشنيعة ولكنه لم يقم بخيانة امرأة قط، يعرف ألم الخيانة جيدًا، ويعرف أن والده رجل خائن!

 

-       صعبت عليك دلوقتي؟ أنا كنت طول فترة حملي فيك وأنا موجوعة وعارفة إن جوزي ده اقذر راجل في الدنيا، مبيتقيش الله فيا أبدًا ولا في غيري، ويوم ما ولدتك كنت بموت، كلمة مبروك مقالهاليش، محاولش حتى ولو مرة يصلح ما بنا وقالهالي بالحرف أنتِ مالكيش فيه غير رضاعته، مكونتش طايقة نفسي لا مني بنام ولا مني بصحى ده حتى إني استحمى ولا اكل ولا اروح الحمام اقل حاجة عايزة مجهود مكونتش بعملها، ويا ريته قدر اللي أنا فيه، ده ضربني تاني عشان قولتله اقعد عند أهلي بعد الولادة لأني تعبانة ومحتجاهم جانبي، وقالي هتروحي تفضحيني، بوست على ايده عشان يسبني اشوفهم بس فمنعني، يومها مشوفتش نفسي غير إني ماليش في الحياة دي عوزة وجربت اموت نفسي واموتك.. عمرك ما سألت نفسك إيه ده؟

 

عقد حاجباه باستغراب بينما اندفعت هي نحوه وهي تبكي بقهر ورفعت قميصه غير الرسمي وأشارت لموضع ببطنه اختفى أسفل شعر جـ ـسده الأسود وتحدثت باكية:

-       دي أنت خدت فيها غُرزتين وأنت صغير عشان عورتك بالسكينة، معرفش ازاي يومها جالي قلب وقوة وعملت فيك وفي نفسي كده، مكونتش لا طايقة نفسي ولا طايقاك ولا طايقة أبوك.. ويا ريته سكت ولا حاول يفهم أنا مالي، لأ خدك من حضني وراح فضحني قدام خلانك واعمامك وقالهم دي عايزة تتربى وهتموت ابني وشال التليفون ولا كان فيه موبايل ولا حد اكلمه وكان الموت اهونلي من اني اهرب، خدك وخلى أخته ترضعك، ومشوفتكش غير وأنت عندك سنتين، معرفكش، ولو عرفت عنك حاجة هو النكد والوجع وإنك كنت السبب في أكتر وقت كنت بتبهدل فيه، كده عرفت ليه أنا بكرهك؟ أنا أبوك سابني بعد ما قطعت شرايني لوحدي لا أكل ولا شرب محبوسة في البيت في شقة في الزمالك قبل ما يجيب الفيلا بتاعته، شهر لما مكونتش بلاقي الاكل وقافل عليا بالمفتاح وكان بيجيلي كوابيس وعشت في رعب، لغاية ما ربالي الخوف وكل الناس في البلد فاكراني مجنونة.. وليه، ما أنت كنت هناك لما كان بيضربني ويومها دافعت عن مراتك إنما أنا ولا كان ليك دعوة بيا.. عرفت ليه بحب عدي وأنت لأ؟ عدي ده عوضني عن الطفل، فيه حنية الدُنيا اللي مشوفتهاش لا من يزيد ولا من أهلي، إنما أنت!! أنا ولا شوفتك ولا أعرفك، أنت جيت من البلد قعدتلك كام شهر وأنا بولد أخوك وبعدين روحت مدرستك اللي قعدت فيها سنين..

 

جففت دموعها وحاولت التقاط أنفاسها وواصلت كلماتها بقهر:

-       عدي اللي كان مولود وعنده أمراض الدنيا، لو مكونتش حبيته وحبني وحسيت بالعوض فيه كنت خلاص هتجنن، لو أبوك صِبر أربع سنين على ما جاله طفل أنا صبرت سبعة، قلبي كان بيتقطع عليه وهو تعبان لغاية ما ربنا كرمني واتطمنت عليه، إنما أنت، أنت أبوك اخدك وكرهك فيا وأنا كارهاك من قبل ما اشوفك بسببه، مكونتش فاهمة بيجرالي إيه كل ما ابص في وشك وأنت أول فرحتي وعيل في حضني كنت بحس إن روحي بتتسحب مني، بعد بقى سنين من فرجتي على المسلسلات اكتشف صدفة من مسلسل بتفرج عليه إن كان عندي حاجة اسمها اكتئاب بعد الولادة لأني شوفت واحدة بتموت نفسها بعد ما خلفت ومش طايقة تقرب من ابنها.. والسبب ورا كل ده إن أبوك نايم في حضن واحدة غيري.. روح بقا حاسبه وقوله إنه السبب، روح قوله عملت فيها كده ليه.. ولا تعالى حاسبني وقولي أنا زعلت ليه ولا انتحرت ليه، أنا كنت هاموت نفسي ومستعدة اعمل أي حاجة عشان أخلص من حياتي، خلاني أكفر وأقتل روحي وكمان أفكر في إني اموت طفل مالوش ذنب، ابقى روح اسأله ولا أسأل أي حد في خلاتك ولا ولادهم ولا اعمامك.. فهمت أبوك السبب في إيه ولا اشرحلك اكتر من كده واديك سبب جديد؟ جاي تحاسبني وتقولي إني معملتش دور الأم وأنا ولا لحقته ولا فهمته ولا لقيت لحظة واحدة فيها مشاعر بيني وبينك؟

 

شهر بأكمله تركها بمفردها سجينة، يا ترى من التي تعرضت لهذا مثلها؟ لقد قام والده بخيانتها، يا تُرى من تلك التي ظن أنها تخونه؟ قامت بالانتحار وحاولت قتله، لقد فعل هو المثل، لقد قارب على قتل "روان" كما أوشكت هي على قتله!!

 

لان قلبه تجاهها وهو جرب مرار الخيانة لسنوات، نعم كان يعرف بعلاقات والده النسائية ولكن لم يتصور قط أنها عرفت بالأمر، ظن أن والده كان يفعل ذلك لأنه لا يريد لطلاقهما أن يحدث بعد كل هذه السنوات، لم يكن يعرف أن هذا يحدث منذ بداية زواجهما!

 

وأمّا عن الاكتئاب، إن كان ما تقوله صحيحًا، فلقد كوي بتحمل نيران هذا المرض اللعين ويفهم تمامًا ما معناه وكيف هي آلامه، لقد أغره مره وجذبه إلى أعماقه مرة لم تتركه سوى بمحاولة قتل لنفسه أنهكت روحه وأضاع منه كل شيء بما يشمل عقله ووعيه وتصرفاته و "روان"!

 

نظر لها بشفقة وهو يرى نفسه في خضم قصة أخرى، لأول مرة يشعر كم يُشابهها، سيُسامح إذا اثبتت مصداقيتها على التالي، هو لم ينظر بوجهها قط بتركيز، لا يعرفها، ولا يعرف ما إن كان كل هذا مجرد مشهد لممثلة قديرة أم أنها لا تكذب فسألها بصوت مختنق:

-       لو اخدتك وقعدتك مع دكتورة وحكيتلها كل اللي حصل ده، توافقي؟

--

عودة للوقت الحالي..

-       غصبت على نفسي يومها أروح الجيم وعلى ما رجعت كنتي أنتِ مشيتي واخدتها وخلتها تتكلم مع مريم يومها قالت إن فعلًا دي كلها أعراض اكتئاب عمرها ما عدته ولا اتعالجت منه، وعدي بالنسبالها هو ابنها البكري مش أنا، احترمتها لأن هي مرفضتش تروحلها، اثبتتلي إنها مش كدابة..

 

شعرت بالتأثر من كل ما سمعته منه والتفت نحوها ليُخبرها بصوت مختنق مُكملًا:

-       تقريبًا أنا شبهها أكتر منه، دافنة نفسها في دنيا المسلسلات التركي دي وأنا دافن نفسي في الكتب والقراية، مشاعرها لعدي مبتخلصش زي مشاعري ليكي، عملت حاجات أنا نفسي عملتها وأنا مُكتئب، كان لازم اسامحها، أصل الواحد مبيختارش أمه أو أبوه وطلعت في الآخر شبهها في كل حاجة.. وهو سابها لوحدها بعد محاولة انتحار، أول مرة أقدر وجود عُدي جانبي مع إني مش بطيقه لغاية النهاردة!

 

تنهد بعمق ووجدته يُمسك بيـ ـدها لتنظر نحو ما يفعله وهي بين الثمالة والوعي ورفع كفها نحوه كما دنا هو الآخر ليُقبله قبلة دافئة لا تُعبر سوى عن الامتنان لكل ما فعلته من أجله واختنقت نبرته أكثر بفعل تلك الدموع المكتومة بعينيه وهو يقول:

-       أنا لو مكونتيش خلتيها تيجي البيت عمري ما كنت هجرب أواجهها في حاجة، وعمري ما كنت هشوف صورة تانية لنفسي في إنسان، ومظنش إني كنت أقدر أسامح حد قبل كده، بس أنتِ السبب في كل حاجة أنا وصلتلها، سواء معاها ولا مع نفسي! روان أنا معرفتش يعني إيه حب غير لما أنتِ علمتيهوني..

 

تريثت لبرهة وهي تتمنى لو كان حدث كل هذا قبل ما يفعل ما فعله معها، كانت تود أن تعانقه الآن أو تشعر بالفرحة من أجله أو تخبره أنها فخورة به، ولكنها لا تستطيع.. لا يُمكنها أن تفعل!

 

تنهدت وهي تجذب كفها من بين يـ ـداه وعقبت باقتضاب:

-       ده كويس ليك، وكويس إنك لحقت أي حاجة في حياتك قبل ما تضيع كلها.

 

ابتسم لها بحزن وقد تمالك نفسه ألا يبكي فسيطر على تلك الدموع، هو لا يُريد أن يُصبح ذاك الرجل البكّاء أمامها ليستغل عاطفتها ومنع نفسه من أجلها بينما جعلتها الخمر تتجرأ قليلًا لتقول:

-       أنا كنت متأكدة إن مامتك مظلومة، مفيش ست قدام يزيد الجندي هتبقى واخدة حقها أبدًا، لا هي ولا عنود ولا أنا، يمكن كنت سبب إنكم تتواجهوا مع بعض بس أنا غرضي إني انتقم منه وابعدها عنه لأنه كان كل شوية يؤذيها، هو السبب في كل اللي احنا فيه وكنت واثقة إنه السبب في بُعد مامتك عنك، لو كان واحد غيره رباك من غير قسوته كان زمانك إنسان تاني.. غير إنه غصبنا على الجواز، يمكن انتقام تافه أوي بس كنت واثقة إن أنت لو قربت منها وعلاقتكم بقت كويسة هو هيتضايق، وما زلت عايزة انتقم منه بأي طريقة!!  

 

نظرت أمامها بتلك الأمواج المتلاطمة في ظلام الليل وهي تشعر بأن هناك ثقل أزاحته من فوق صـ ـدرها ليفعل هو الآخر المثل وسواد عيناه يلتقي بعتمة البحر في شرود كلاهما بين هذا السكون الذي لا يقاطعه سوى أصوات الأمواج والرياح وعقب قائلًا:

-       مش أنتِ لوحدك اللي بقيتي عايزة تنتقمي!

 

التفتت وهي تنظر له باستغراب بينما لم يبادلها النظرة واكتفى بقص ما حدث بينه وبين والده بعدها!

--

منذ أسبوع..

تفقده بخيبة أمل بعد أن وجد دليل مصور يُدينه، ليس من الصعب أن يُمسك بدليل بل الصعب هو تقديم هذا الدليل للجميع، ومما يعرفه أنه إمّا سيُعاديه للأبد وسيبقى الحال كما هو عليه، وإمّا أن يمنعه عن فعل ذلك ووقتها لن يوقفه سوى أن يقتله بنفسه أو يقتل هو نفسه أمام عيناه لو خطر على باله مجرد الفكرة بأن يُدخل "روان" في نزاعهما!

 

سأله بعد أن استفسر عن كل ما عرفه من والدته بنبرة فارغة من المشاعر:

-       الكلام اللي قولته ده حصل ولا عايزني أروح أسافر البلد وأقولهم إن أبويا مش عايزني أعرف الحقيقة؟!

 

حدقه بمشاعر مليئة بالحقد ولكنه صمم أن يُنفي التهمة عنه:

-       حصل، بس عايزني كنت اسيبك تتربى في حضن واحدة مجنونة لما تعيط تقوم تموتك؟! لما أشوف ابني البكري في ايد أمه المجنونة اللي بتكرهه عايزني اسيبهولها؟ مسألتش نفسك مرة ليه كنت بصمم اخدك معايا في أي حتة بروحها طول اجازاتك، عشان خايف لا تموتك، عشان كده صممت اوديك مدرسة داخلية تكبر وتبعد فيها عنها وتنشف وتبقى راجل!

 

تابع قراءة الفصل