-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 74 - 4 الأحد 17/12/2023

      رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية


الأحد 17/12/2023

الفصل الرابع والسبعون

4


 

لقد كان صادقًا فيما قاله، هذا العشق يستحق أن يكون أفضل من أجله، أن يثابر، أن يمنع نفسه عن الأفكار الخاطئة ويستمر بعلاجه، هذا العشق جعله يشعر وكأنه إنسان قد أضاع الكثير من الفرص الجيدة وعليه الآن أن يتذكر هذا العشق ويقتنص الفرص الجيدة الباقية.

 

أمّا عنه هو نفسه كرجل عذبها لكثير من المرات وعبث بعقلها آلاف المرات، وتمادى بخبثه معها فهو لا يستحق، يكفيه امتنانًا أنها أوصلته إلى هنا حيث يقتنع بكل ما فيه أنه أخطأ وعليه أن يُصلح ما أفسده.

 

وعنها، تلك النقية التي بين ذراعيه بالرغم من محاولاتها أن تصبح خبيثة وغاضبة وانتقامية، كانت تأتي دائمًا في النهاية لتتراجع، ربما قد يدفعها العشق لرؤية أنها تستحق رجل أفضل منه يومًا ما، لعله ينجح في دفعها لفعل كل ما لا تؤمن به، وخاصة تلك المشاعر التي تؤمن بها الآن وهي تظن أنها قد غفرت له للأبد!

--

عودة للوقت الحالي..

مساء نفس الليلة..

قبلت أنامله برفق حتى لا يستيقظ وتفقدت تلك الضمادة على رأسه وبالرغم من أن شعور القلق بداخلها لم يختفِ بالكامل ولن تطمئن إلا عندما يتأكد الأطباء أنه لا يعاني من شيء طوال تلك الساعات القادمة ويبلغونها بذلك.

 

ألقت برأسها بجانبه وهي لا تريد سوى إزاحة ملامحه وهو يسقط أمامها وهرولتها لتفقده لترى تلك الدماء على وجهه جعلتها تشعر بالذعر، أمّا عن كل ما حدث بعدها فهي لا تعرفه، ولا تتذكره، هي حتى لا تعرف متى وكيف أتت إلى هُنا، كل شيء يبدو كمحاولة الرؤية بين ضباب ليس له نهاية..

 

-       روان!

 

رفعت عيناها نحو من ناداها بخفوت وكانت تعرف صاحب الصوت الذي اشارت له بأن يتكلم بخفوت ووجهت سبابتها نحو الشُرفة ثم لأذنيها لكيلا يستمع لهما أحد، وبمجرد النظر بتفحص إلى عينيه شعرت بكم ظلمته بتلك الكلمات التي وجهتها له فسرعان ما حاولت تصحيح ما أفسدته، هي حتى لم تحصل على الفرصة المناسبة معه بمفردهما منذ شجارهما ومنذ قدوم الجميع، هي حتى لا تعرف متى ذهبوا!

 

نهضت وهي تتفقده بندم وحاولت انتقاء كلماتها لتخبره بخفوت:

-       أنا آسفة، الكلام اللي قولته كنت متعصبة وخايفة على ريان واتخضيت عليه، وغصب عني فكرت في المشاكل..

 

تنهدت وهي تنظر له بأسف لتضيف:

-       أنا لما بتوتر ببقى هجومية أوي ومبعرفش اسيطر على الكلام اللي بقوله!

 

أومأ لها باقتضاب وعقب بما قل ودل:

-       أنا كمان افورت اوي!

 

تنهد بعمق ولم يُرد الثرثرة كعادته وتحدث بما أتى من أجله ليقول مضيفًا:

-       الساعة بقت اتناشر، الوقت اتأخر، أنا عارف إنك مش هتسيبي ريان، وواضح إن باباه مش هيسيبه، أنا هافضل موجود، هقعد برا عشان افتح النور وهاخلص شوية شغل.

 

امتنت لما يفعله من أجلها لتشعر بالأسف الشديد، هي تبدو كالثمرة الفاسدة التي لن تنفع لأي أحد، ليس له، وبالتأكيد ليس لهذا الوغد الذي ما زال له تأثير على حياتها، بعد أكثر من ثماني سنوات مجرد حضوره الطاغي يصيب كل من حوله وكل ما حوله بالدمار!

 

لم تستطع منع نفسها عن البكاء الذي انتقل لعينيها ليتأفف "يحيي" ثم سألها بانزعاج:

-       ليه النكودة تطلع طيب؟ امشي يكون أحسن؟

 

ضحكت بخفوت بين بُكائها على تلك الكلمة التي لطالما ازعجتها واقتربت نحوه لتتنهد وهي تُطالعه وأخبرته بامتنان وحافظت على خفوت نبرتها حتى لا يستيقظ "ريان" كما أنها لا تريد أن يعرف "عمر" الذي يقف بالشرفة عن أمر طلاقهما:

-       أنا عارفة إنك راجل ومكونتش هتسبني في موقف زي ده، وصدقني أنا واثقة إنك إنسان كويس أوي وستات كتير تتمناك..

 

لا يدري لماذا تعشق تكرار نفس الكلمات التي أخبرتها به بليلة انفصالهما ولكنه لأول مرة يستمع لها تعترف بهذا وهي تتابع بخفوت:

-       المُشكلة فيا أنا يا يحيي مش فيك، أنا اللي مبقتش أنفع أعيش مع حد، ليا تخيلات كده غريبة وطلبات مبتخلصش وللأسف عمري ما هاقبل بغيرها، ولعلمك أنا متأكدة إني لو كنت صبرت شوية كنا ممكن ننجح سوا مع بعض.. بس أنا مبقتش قادرة!

 

سخرت من حالها وأخبرته:

-       بابي كان عنده ساعة بيحبها اوي، حاولت احافظ كتير عليها واغير البطاريات بتاعتها وعملتلها صيانة كتير أوي، بس الظاهر من كتر ما اشتغلت جه عليها وقت ومبقتش زي الأول.. مهما حاولت اوديها لأحسن حد بيعمل صيانة ويقدر يصلحها مبقتش تشتغل غير يوم أو اتنين وبعدين بترجع توقف تاني وتشتغل من نفسها، مبقتش بتدي وقت مظبوط أبدًا! Ironically enough أنا بقيت زي الساعة دي بالظبط..

 

يعرف أنه أراد هذه المرأة وتمنى أن يُكمل حياته معها ولكنه لا يطيق تلك الأمثلة، لماذا لا يُمكنها الوصول لما تريده بكلمات قليلة ومختصرة؟!

 

-       متزعلش مني بس لو مكونتش اخدت القرار ده كنا هنفضل طول عُمرنا في خناق!

 

هز رأسه لها بالموافقة لتكرر سؤالها:

-       بجد ريان هيبقى كويس؟ ولا لما يعيدوا الأشعة بكرة الصبح ممكن يلاقوا حاجة؟!

 

ضرب جبينه بكفه بخفة وهو يستغفر بهمس وقال مرة ثانية:

-       والله العظيم قولتلك اننا لازم نشوف الأشعة عشان نطمن، أنا مش هاتدخل في علم الغيب يا روان، وأصلًا القاعدة في المستشفى ملهاش لازمة بس عشان أنتِ قلقانة اوي قولت نخليه.. أنا رايح اشوف باقي شغلي! سلام.

 

اوقفته وهي تتفحصه باستفسار لتحدثه بنبرة استفهامية:

-       مش متضايق؟

 

ضيق عينيه نحوها وهمهم بالنفي لتبتسم له باقتضاب وأخبرته بقليل من المرح:

-       روح بقى خلص شغلك.. أنا واثقة إنك هتبقى أحسن جراح في مصر كلها! بس أبقى افتكرني أنا وريان يعني.

-       من غير حوادث بس.

 

ابتسمت باقتضاب على قوله وتابعته حتى توجه لغرفة الاستقبال المتواجدة بهذا الجناح بالمشفى وامتنت للغاية لتصرفه معها حتى ولو حدث بينهما شجار، رجل آخر كان ليفعل الكثير ولكن لن يبقى معها ومع طفلها حتى الآن!

 

اتجهت لتجلس بجانب "ريان" من جديد ولم تأخذ في الحسبان تلك النيران التي اشتعلت لتوها خلفها بالشرفة بدلًا من لفافة تبغه ليحقد على ما يراه، هذا الغبي، لو كان يعشقها بمقدار ذرة واحدة كما يعشقها هو لما كان تركها وغادر لتصبح بمفردها!

 

دلف الغرفة وأغلق الباب جيدًا خلفه حتى لا يتسرب أي من هواء الشتاء للداخل، ولاحظته هي ولكنها لم تُبدِ أي اهتمام لوجوده لتتجمد نظراتها على وجه ابنها بينما احترق عقلها فيما فعله اليوم، عانقها دون اكتراث بكل ما يحدث، لم يوجه لها ولو كلمة وحيدة لائمة، ولكن على الصعيد الآخر هو يرفض مكالماتها! تبًا له! لو كان لديه الجرأة فلينطق بكلمة واحدة وتقسم أن تلك اللطمة التي تلقاها "يحيي" ظُلمًا ستكون نقطة في بحر مما سيتلقاه منها!

 

-       المفروض طيارتي كانت تبقى كمان ساعتين.

 

توسعت عيناها وهي تبحث عن أكثر الردود التي قد تقتله ولكنها قررت أن تتبع طريقة يستحقها، الصمت التام الذي كان يتبعه معها، وعليه أن يذهب للجحيم لو شاء، ولو قال كل الكلمات التي نطق بها كل من خُلق ومات لن يستمع لحرف واحد منها، يستحق أن يُحرم من مجرد سماع صوتها!

-       بسأل نفسي إيه الحاجة الحلوة اللي عملتها في حياتي لدرجة تخليني أشوفك قبل ما اسافر، لأني بصراحة عارف إني مستحقش ده. 


الصفحة السابقة                               الصفحة التالية