-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 74 - 5 الأحد 17/12/2023

      رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية


الأحد 17/12/2023

الفصل الرابع والسبعون

5


 

الاعتراف بالحق فضيلة، ولكن رعونته ستُعلن عن نفسها عما قريب بغزلٍ مسفسط سيدسه بكلمة هُنا أو نظرة هُناك.. هي تستسلم وتُعلن بعد حوالي ثمانية أعوام، أسوأ العُشاق هو ذلك الخبيث الذي هو عليه، بالرغم أن كلماته ونبرته وكل ما هو عليه، يرغمونها على التعلق بهذه اللحظات للأبد!

 

-       عايز أقولك إني آسف على اللي أنا عملته يوم عيد ميلاد أوس، مكنتش اقصد أعمل أي مشاكل، أنا اتضايقت لما شوفتك متضايقة واتصرفت من غير تفكير!

 

بم سيُفيد الأسف، لقد تأسف بالسابق عن جرحها، عن مصائبه التي فعلها، ومن ثم فعل الأسوأ، ليتوسل إذن! لن تنظر له ولو نظرة شفقة، بل ولن تلمحه بلمحة تقزز أو اشمئزاز، يكفيه ظنًا أنها تستهتر بكل كلماته التي عشقتها يومًا ما.

 

-       وآسف على اللي عملته النهاردة الصبح، مكنش ينفع احضنك ولا أقرب منك!

 

تعاظمت الشماتة بداخلها لدرجة أنها ودت لو قهقهت عاليًا لدرجة البكاء الذي كان ينتابه عندما يُثير أمرًا ما ضحكه، هل يدرك ما فقده الآن؟ بل سؤالها، هل يدرك ما الذي يعتذر عنه؟

هل يتذكر كل اقتراب عفوي بينهما، عندما كانت تعانقه، تضم كفه بدعم وهي تُنادي بأن كل شيء سيكون على ما يُرام يومًا ما، هل يمر على عقله الفاسد أيًا من هذا؟

اليوم يأتي ليعتذر عنه، يتأسف عن أمر كان حق لكلاهما، كانت الأمور كجرعة هواء لازمة للتنفس واليوم بات ممنوع منع تام عنه.

عزيز قومٍ ذل، يناسبه التعبير حقًا!

 

-       صدقيني كل اللي كنت عايزه إنك تعيشي مع حد أحسن مني ويبقالك فرصة في الحياة تعوضك عن كل اللي شوفتيه.

 

هل يدرك الآن أنه يتحدث لجدار قاس لا يشعر، قطعة من الجماد شيدها حجر من الصمت، وفوقه حجر من الجرح، رُص بجانبه حجر آخر من الخداع، وتوالت الأحجار من القسوة لينتهي صنيعه ليصبح جمادٍ قاسٍ لا يأبه لكل ما يعانيه، حتى ولو كان يقينها أنه يتألم ألم لا نهاية له يوشك على تعريضه لأزمة قلبية جديدة.

 

-       أنا عارف إن كل اللي حصل واللي بيحصل هو غلطي، أنا بحاول بقالي سنين أصلح اللي عملته، بس دايمًا هيفضل بيني وبينك حاجات كتيرة الدنيا كلها استحالة تفهمها، مبقدرش اتحكم في نفسي معاكي ولا أنتِ بتقدري تصديني.. يمكن المحاولة الأخيرة والصح إني ابعد على قد ما أقدر.

 

ثمانية أعوام، ورجلان، وطفل، وصديقة مقربة، أخ رائع على وشك الزواج، أم مريضة منذ الأزل، أب توفى في أكثر وقت كانت تحتاج له به، خمسة وثلاثون عام من الاندفاع والسطحية، تعرف أن هناك مرحلة لن تستطيع تجاوزها لو تغير كل ما سبق، لو ولدتها أمها من جديد، ولو استيقظ والدها من قبره، وتزوجت رجال آخرين، وقابلته هو، ستكون خائنة.. هذه نهاية..

 

حسنًا، قصة أخرى، تزوجته وهو مُلتزم بالعلاج كتلك النسخة التي تُفضلها، دون أن تدفع الثمن ودون قسوة ودون قضية وكل تلك الترهات، ستصل لحد الهوس به وستُجن، وسيُلقبها الجميع بالمرأة المجنونة، وسيودعها بواحدة من المصحات، ستنتحر من أجل ابتعادها عن زوجها الذي تعشقه.. وهذه نهاية أخرى! ربما حياتها الآن أفضل بما أفسده لكي تتوازن نوعًا ما.

 

عودة للزمن القريب، تزوجت من "يحيي" الجراح الماهر، ستنسى كل ما هو عليه وستقنع نفسها أنه لا يلقبها بألقابه المعهودة، ستتخيل أنه رجل رومانسي وطريف يُضحكها، يخرج زوجها السابق من أسره الذي وضع به نفسه من أجلها، عاملها بكل الاحترام ولم يفعل أي مما فعله في الحقيقة، بلحظة ما كانت ستجد نفسها تعشقه من جديد.. خائنة مجددًا.. تبًا النهايات تبدو مأساوية للغاية!

كل الطرق ستؤدي إلى هذا الخبيث الذي تعشقه.. هذه هي النهاية المؤكدة التي لا ترى سواها!

 

-       قوليلي بس أعمل إيه تاني وأنا أعمله عشان أشوفك مرتاحة ومبسوطة في حياتك؟ إيه اللي ممكن يعوضك وأنا أعمله؟

 

اسئلته وصوته الباكي اللعين، ولكن ما الذي ستفعله أبحُر من بُكاء على ما مضى بجبل شاهق بُني أساسه على أعوام من كذب وخداع؟! أقصى ما يُمكن فعله أن يغمرها كُليًا أو جُزئيًا، وحتى لو أصبحت جبل مختبأ أسفل أعمق الأبحار، ستظل كما هي ساكنة ولن تتحرك، لم يعد يُفيد شيئًا!

هي لم تعد مشتتة، تعرف أنها تعشقه، لا تريد سواه، ولكن قسوته لن تنساها، ولم يعد بها ما يدفعها للعودة إليه، هذا الملاك النائم أمامها بات كل ما تهتم به.. وليذهب هو للجحيم!

 

نهضت بمجرد دخول "بسام" و"مايا" لتبتسم لأخيها باقتضاب وتناولت منه القهوة ولم تهتم بما قد يظناه لبكائه، لم يعد يهمها سوى "ريان" ونفسها وليحترق الكون بأكمله!

--

منذ أربع سنوات وثلاثة أشهر وأسبوع..

ظهيرة نفس اليوم..

يخطو هذه الخطوات وهو يعرف أنه يخطو على قلبه، على كل هذا العشق، كل خطوة يأخذها يعرف أنها خطوة تقربه من كراهية مُطلقة سوف تشعر بها تجاهه حتى الموت!

 

خرج كلاهما مغادران منزلها حتى يصلان للسيارة، عليه أن يقوم بحيلته الأخيرة معها حتى لا يذهبان سويًا ويذهب كل واحد منهما وحده، ولكن لو كان الكون الآن يتصالح معه بإرسال أخته كهبة من السماء تخبره بأنه يفعل الصواب فهو سيتقبلها بكل ما فيها! بل وسيتذكر دائمًا أن يتضرع بالحمد كلما تذكر هذا الموقف!

 

قاطعت طريقهما وهي تنظر لكلاهما بندم وحاولت قول كل ما اتفقت عليه مع "يونس" مع الحفاظ على وجهة نظرها وقرارها تجاههما لنفسها:

-       أنا آسفة.. الكلام اللي طلع مني ده مكنش أحسن حاجة، كنت متعصبة ومتضايقة واللي عرفته كان كتير اوي إني اعرفه مرة واحدة من غير ترتيب.. أنا بجد مقصدش أي حاجة من اللي قولتها!

 

لقد نطقت بها، بعد القليل من التلعثم، ماذا الآن؟ بم سيجيبها أخيها؟ وماذا عن "روان" التي لن تستطيع أن تنسى الكثير مما فعلته من أجلها؟!

 

التفتت "روان" لتحاول قراءة ملامحه بينما فشلت فقررت أن ليس عليها المبالغة بالأمور، هي تعرف جيدًا ما الذي تفعله عندما تكون غاضبة، تكون أسوأ منها شخصيًا، ويكفي أنها اعتذرت عما قالته وهذا ما يهم:

-       ولا يهمك.. المهم دلوقتي، هنبتدي نجيب حاجات البيبي امتى؟

 

تفقدتها بابتسامة لتطلق "عنود" زفرة مطولة حبستها بداخلها وأخبرتها بتوتر:

-       أنا مرعوبة يا روان، أنا مش عارفة هاعمل ايه!

 

ربتت عليها وأخبرتها بثقة:

-       متخافيش، كلنا هنبقى معاكي ومفيش أي حاجة هتحصل..

 

نظرت نحو أخيها بتردد لعدم سماعها لكلمة واحدة منه وكذلك فعلت "روان" لتجده ينظر نحوها ويوجه حديثه لها:

-       ممكن تروحي انتِ وأنا هاجي كمان شوية.. أنا عايز أتكلم مع عنود لوحدنا!

 

استغربت مما قاله فأخبرته مقترحة:

-       طيب ممكن استناك عادي ولما تخلصوا نروح سوا.

 

اقترب نحوها ولم يكترث بتواجد أخته ورؤيتها لهما وأخبرها متوسلًا:

-       عشان خاطري اسمعي الكلام.. روحي وأنا هاجي وراكي!

 

وجدته يطبع قبلة مطولة على جبهتها لتستغرب للغاية لماذا يُطالبها بذلك فأخبرته:

-       أنا بصراحة مش عايزة أسوق ومفيش حد من السواقين غير محمود، كان نفسي نروح سوا!

 

لاحظت طيف من الانزعاج بدأ يظهر على ملامحه ليعانقها وهو يهمس لها:

-       هطول في الكلام مع عنود وكمان احنا أجلنا معاهم امبارح، مش هنأجل تاني النهاردة، اسمعي الكلام وبطلي دلع بقا عشان تلحقي تقعدي مع مامتك، روحي مع محمود وانا هاجي لواحدي! 


الصفحة السابقة                              الصفحة التالية