-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 23 - 1 السبت 1/6/2024

 

قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الثالث والعشرون

1

تم النشر يوم السبت

1/6/2024

❈-❈-❈

الخوف والندم والحيرة هي مشاعر طبيعية تضرب العقل البشري دائما، فالإنسان الطبيعي هو من يشعر بالخوف، فإما أن يخاف من المجهول كالزمن أو أن يخاف من شيئ معلوم وملموس أمامه.


والندم يصيب البعض ممن لديهم نفسٌ لائمة ومعاتبة فيظل الشخص نادم على بعض القرارات الخاطئة التي اتخذها في حياته مهما تصنع قبولها والموافقة عليها.


أما الحيرة فدائما ما تصيبب الشخص كثير التفكير والمتردد بقرارته، وهو سهل الرجوع بقراراته وغالبا ما يعطي أكثر من رأي متناقض لنفس الفكرة، وهذا بالضبط ما تميزت به بنترشيت كثيرة التردد ودائمة الحيرة، والتي ظلت تفكر وترتعد خوفا بعد حوارها مع والدي إمام.


انتظرته حتى عاد من عمله الذي يشعره دائما بالضئالة فهو شئنا أم أبينا ملك بل وفرعون لا يمكنه تقبل أن يعمل تحت إمره أحد، ولكن لأجلها تخلى عن كل شخص وكل شيئ.


دلف المنزل فهرعت تجاهه وهي تصرخ بلهفة: 

-كارثة، حدثت كارثة مولاي.


رفع حاجبه بدهشة وابتسم لها وشاكسها قائلاً: 

-أليس من المفترض أن ترحبي بعودة حبيبك من عمله الشاق أولاً وبعدها تخبريه بكوارث العالم التي تقع فوق رؤوسنا حبيبتي!


قبلها من وجنتها بعد أن انحنى قليلاً ليصل لطولها وعندما لم يجد منها أي ردة فعل سألها بهدوء: 

-اهدئي واخبريني ماذا هنالك؟


ردت تقص عليه زيارة والدي إمام وشكوكهما حوله فرد عليها موضحاً: 

-لقد أخبرتك منذ فترة أن والدته تشعر بشيئ ولكن لا تقلقي حبيبتي، فلا يوجد أي شيئ يستطيعان فعله أو إثباته.


تذمرت من عدم اكتراثه للأمر وصاحت بضيق: 

-قلت لك أن نترك البلد هنا ونسافر لنستقر بأبيدوس وأنت لا تزال متردد بهذا الشأن.


رد عليها بوجوم وضيق: 

-وماذا سنعمل هناك؟ هل تظنين أنني لا زلت الفرعون سيتي مر إن بتاح الذي يحكم البلاد ولا يحتاج للعمل من أجل توفير لقمة العيش! إن لم أعمل لن تجدي قوت يومك أنت وابني بنترشيت لذلك تمهلي قليلاً حتى أستطيع جمع ما يكفي من المال لتأجير رجال ومعدات لمساعدتي بفتح مخبأي، ووقتها قد نختفي عن العالم فلن نحتاج أحداً وقتها.


اتجهت لغرفتها بعد أن استمعت لصوت رضيعها الباكي وحملته فتبعها سيتي وسألها بضيق: 

-ما بكِ؟ هل تظنين أنني سعيد بتلك الحياة؟ أنا أجاهد حتى أستطيع أن أنقل حياتك لنفس النمط الذي اعتدت عليه، سواء بحياتك القديمة بقصري أو حتى حياتك بلندن كدورثي لويز أيدي وما أفعله كله لأجلك.


تذمرت وتضايقت ونفخت بحدة وهي تتمتم بصوت مسموع: 

-يا ليتني ما وافقتك على تلك الحياة، طوال الوقت ضغط عصبي ونفسي وشعور بالخوف والذعر من كشف أمرنا، ومعها لامبالاتك وثقتك بنفسك الزائدة عن الحد.


رمقها بنظرات غاضبة ومحتدة وهو صاراً على أسنانه من طريقتها معه وترددها الدائم فأكملت وهي تنهج بأنفاسها ورضيعها يبكي، فارتفع صوتها أكثر رغما عنها فخرج محتد وكأنها تتشاجر معه: 

-متى ستنتهي مأساتي وحياتي الغير مستقرة؟ ألم يكفيك ما عاصرته قبلا وموتي بتلك الطريقة البشعة! 


ارتفع صدرها علوا وهبوطا مع ارتفاع تنفسها وغضبها وهي تطنب: 

-ولم يكفيك، بل جعلتني أتلبس جسد تلك الفتاة لأعيش مأساة أخرى ومن نوع جديد، ظللت بعدها أتجرع مرارة الحياة وضاعت طفولتي وشبابي ما بين المصحات العقلية والمشافي ولم تكتف.


بكت وحاولت إسكات نوبة بكاء رضيعها المستمرة فهدهدته قليلاً وهي على نفس حالتها تكمل: 

-وحتى عندما حاولت أن أعيش وأتزوج وانخرط بالحياة الطبيعية لم تتركني لحالي وطاردتني من جديد حتى فشل زواجي وعدت معك لنقطة الصفر.


ضحكت ساخرة من نفسها وحالها وقالت: 

-وحتى المسكين إمام لم يأمن منك، وجعلته يمر بأصعب التجارب بحياته حتى كاد أن يجن مثلي تماما، وماذا فعلت بعدها؟


أجابت هي عن تساؤلها بنفسها موضحة: 

-تلبست جسده وإلى الأبد وتركته هو ببئر الظلمات خاصتك ولم تكتف.


أغلقت عينيها تقول بحزن: 

-جئت لعقر داره وعشت وسط أهله حتى أظل أُئنب نفسي على موافقتي ومساعدتي لك لتدمير حياته كما فعلت معي قبلاً.


صرت من جديد على أسنانها وعقبت: 

-ولم يكفيك كل هذا حتى تصر على مكوثنا بينهم كما أصريت قبلاً على مكوثي بقصرك، ثقة منك أنه لن يستطيع أحد أن يصيبني بأي مكروه، ولكنه حدث وسيحدث طالما أنت هو أنت الفرعون سيتي المغرور.


زفرت وبكت وانهارت وهتفت: 

-والآن كل شيئ ينهدم فوق رؤوسنا ولا تزال عنيد وثقتك بنفسك اللامتناهية موجودة لتدمر حياتنا سوياً.


ركزت نظرها بعينيه المحتقنة وأضافت: 

-وها قد عدنا للتوتر والخوف من جديد حتى ونحن بأكثر الأماكن أمانا بالنسبة لك؛ فاخبرني أمراً.


اقتربت منه ورفعت وجهها تنظر له بغضب وسألت: 

-ما هي خطوتك القادمة؟ هل تعتقد أننا قد نرتاح بعد أن تصبح سارقاً للآثار وناهبا للقبور بنظر الحكومة المصرية! وماذا بعد؟ سنعيش حياتنا كهاربين حتى تلقي السلطات القبض علينا!


ضغط على أسنانه بغل فقد اكتفى هو اﻵخر من طريقتها وترددها بل وتذمرها الدائم من حياتها السابقة والحالية بالرغم من كل شيئ فعله لها. 


ظل ناظراً لها بصمت وضيق وهي تهدهد رضيها ولم تكف عن التذمر والتمتمة حتى صرخ بها بصوت حاد بعد أن طال صمته: 

-كفى، اصمتي واللعنة.


فور أن خرج صوته بتلك الحدة صمت الرضيع فوراً واقفهر وجهها بالضيق فقال دون انتظار: 

-لم أعد أحتمل طريقتك، ولن أخبرك كما اعتدت أن أترك لكِ حرية اﻻختيار بالاستمرار معي أم لا، لأني لن استطيع وحتى إن استطعت فلن أفعلها فأنتِ اﻵن زوجتي وانتهى.


أمسكها من ذراعها بقوة وهزها بحدة قائلاً: 

-زوجتي وأم ابني، وإن أردت تركي فلن أسمح لكِ، فتعقلي وتوقفي عن التذمر واعتادي حياتك معي حتى لا يطالك غضبي؛ فأنتِ حتى هذه اللحظة لم تري غضبي بعد بترشيت وهذا هو التحذير الأخير لكِ أيتها الطفلة اللعينة، فتوفقي عن أفعالك الطفولية وانضجي فقد أصبحتِ أماً.


ترك منزله بغضب وتوجه لمنزل والدي إمام طارقاً الباب ففتحت عزيزة ونظرت له ببسمة فاقتضب وجهه ودلف مطرقاً رأسه دون تحدث ولازالت عزيزة ترحب به: 

-إمام يا حبيبي، ازيك؟


رد باقتضاب: 

-كويس.


سحبت شهيقاً عميقاً ودفعته وهي تعقب عليه: 

-اسمها الحمد لله يا ابني.


رمقها بنظرة حادة وغاضبة ومسح على وجهه وهو يسألها بهدوء مزيف: 

-ابويا فين؟


ردت تخبره بهدوء: 

-راح يصلي العشاء في الجامع ولسه مجاش.


تحفز بجسده فور أن نطقت بحديثها؛ فاقتربت منه وهمست بصوت حنون وأمومي تسأله باهتمام: 

-قولي مالك يا ابني؟ متغير ليه كده؟


رمقها بنظرة ساخرة وأجاب ببسمة لا تكاد تلامس شفتيه: 

-ملبوس يا امه ولا معمول لي عمل!


تعجبت من طريقته الهازئة بالحديث معها فقالت بحدة: 

-وأنت من امتى بتكلمني بالطريقة دي يا إمام؟


أجاب محتد بصوت عالٍ: 

-من ساعة ما دماغك فكرت توديني لشيخ يطلع العفاريت اللي لبساني يا امه، طول الوقت بتسألوني ايه حكايتك ومتغير ليه؟ مجاش في بالكم تفكروا إن الواحد بيتغير مع الوقت ومش هفضل ابنكم الصغير، كبرت وبقى ليا بيت وزوجه ومحبش أبدا انكم تصغروني قدامها بالشكل ده.


حاولت الدفاع عن نفسها أمامه ولكنه هدر بها: 

-أنا اللي بسألكم دلوقتي، انتو اللي مالكم ومتغيرين ليه وبتتدخلوا في حياتي ليه؟


لم يمهلها الفرصة حتى أن ترد ولكنه أضاف بجمود: 

-أنا هقدم على طلب نقل لبلد تانيه لو حكمت، بس افضل انسان محترم في نظر مراتي ومش هستني لما تصغروني معاها بالشكل ده.


لم يمر وقت وهو يتحدث حتى وجد الباب يفتح على مصراعيه وعبد المجيد يدلف للداخل هادراً به بصوت حاد وغاضب: 

-صوتك عالي ليه كده على أمك يا إمام؟


رمقه بنظرة متضايقة وأجاب وهو يتوجه للخارج: 

-أنا مش عايز حد يتدخل في حياتي وإﻻ تبقوا انتو السبب لو سيبت البلد ورجعت لندن، أنا ماشي.


تركهما وانطلق كالبرق مسرعا للخارج وهو يؤنب نفسه على فعلته فقد قاده غضبه للذهاب لتوبيخهما، ولكنه بعد أن فعلها شعر بأن ما اقترفه ليس مناسباً بل سيجعل الأقاويل تزداد حدة عن ذي قبل، وبالفعل قد يحتاج لترك المدينة بالرغم من احتياجه الشديد للعمل من أجل توفير حياة كريمة لحبيبته بنترشيت وابنهما سيتي، ولكنه فعلها على أي حال وانتهي.


الصفحة التالية