رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 28 - 1 السبت 15/6/2024
قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية نابغة بعصر الأغبياء
للكاتبة أسماء المصري
الفصل الثامن والعشرون
1
تم النشر يوم السبت
15/6/2024
❈-❈-❈
وجدت نفسها تسرد معلومات تاريخية تخص المكتوب بالمخطوطة وما درسته بالمعبد ككاهنة تبجل المعبود آمون رع والذي يكره المعبود ست وهو المعبود المفضل لحبيبها وزوجها سيتي الذي فور توليه الحكم نصب معبوده بجوار الثالوث المقدس.
وجدت بالمخطوطة بعض المعلومات عن قصة إيزيس وأوزوريس (أسطورة أوزيريس، هي ميثولوجيا فرعونية تدور حول الإلهة إيزيس زوجة الإله أوزوريس وأم الإله الصقر حورس وأخيها الإله ست إله الشر وأخو الإله أوزوريس).
كانوا أربعة أخوة هم إيزيس وأوزيريس وست وأختهم نيفتيس، وطبقا للأسطورة الدينية عند قدماء المصريين كان الأربعة أخوة أبناء جب إله الأرض ونوت آلهة السماء.
بدأت بسرد الأسطورة حتى تقارنها بالمخطوطة التي بحوزة سليم حسن حتى تتأكد من المكتوب بها والذي قد يؤدي لنتائج وخيمه إن ما عُرف سر المعبود ست وإتقانه للسحر.
تقول الأسطورة أن إيزيس وأوزوريس كانا إلهين حقا ولكنهما عاشا بين البشر طويلاً حتى تشربا بأفكارهم وتأثرا بعواطفهم، أحزانهم وأفراحهم وآمالهم ومخاوفهم حتى أصبحا أنصاف بشر يتأثران وينفعلان كالناس.
والأسطورة تقول أن أوزوريس إله الخير جاء إلى أرض مصر في صورة رجل طيب، أخذ يعلم الناس ما يحتاجونه من أمور دنياهم في الحقول، بينما كانت إيزيس برفقته تقوم بمهامها بين الناس في البيوت وبين النساء.
فلما مات ملك البلاد اختار الناس أوزوريس ليكون حاكما للبلاد، وبحكم أوزوريس عم البلاد الخير والرخاء إلى أن ظهر أخيه ست وبدأت معه تظهر بعض المصائب.
وذكرت الأسطورة وصف ست بأنه كان قبيح الخلقة مشروم الشفة حتى تظهر أنيابه منها، ولعل هذا يغفر عدم ذكر السبب الأساسي لكره ست لأخيه أوزوريس فدائماً الفشل يكره النجاح والقبح يكره الجمال.
ويحتال ست على أخيه فيعطيه هدية نفيسة عبارة عن عباءة من قماش نفيس جدا يحوز إعجاب الملك الإله، ثم يدعوه إلى سهرة فتظهر إيزيس عدم اطمئنانها إلى هذه الدعوة، ولكن أوزوريس لم يلتفت إلى أحاسيس زوجته الوفية التى تتراقص أمامها أشباح المكيدة دون دليل واضح.
وفى الاحتفال الذى أعده ست لأخيه دارت الكؤوس ومعها الرؤوس، ثم عرض ست التابوت الذى كان قد أعده مسبقا وعرضه على الجمع الذي أعجب به وقال:
-أنا سوف اهدى هذا الصندوق (البديع الصنع المزخرف بالنقوش والموشى بالذهب) إلى الشخص الذى يطابق الصندوق مواصفات جسد..
وبعد أن جرب كل الموجودين في الاحتفال الصندوق اتضح أنه لا يوافق جسد أى منهم، أشار ست على أخيه الملك بأن يجرب لعله يفوز بهذا الصندوق الجميل:
-لما لا تجرب أنت أيها الملك؟
أعرض الملك في البداية عن الفكرة:
-لا أريد تجربة الأمر.
ولكنه انصاع بالنهاية وبعد إلحاح من ست لرغبة أخيه وقام من مجلسه ومشى في خطوات ثابتة إلى التابوت وهو لا يلحظ هذا الشرر الذى يخرج من عينى أخيه.
وما إن جلس أوزوريس في التابوت وقبل أن يظهر الحاضرون تعجبهم من المطابقة الشديدة لجسد الملك، أخذ ست الغطاء وأغلقه على جسد أخيه وأغلق الأقفال وصب عليه الرصاص السائل لإحكام الأقفال.
ظلت بنترشيت تدون كل ما تتذكره من المخطوطة وهي تبكي من قسوة المعبود ست وبدأ عقلها يسألها، لماذا اختار (حبيبها العاشق والرومانسي طيب القلب والحنون) ذلك المعبود أن يكون معبوده المفضل.
بكت وهي تكمل تدوين ما قرأته بالمخطوطة فقد قرأت أن ست قام بمحاولة الإستيلاء على المدينة، لكن إيزيس دافعت عن مدينتها وسلامة شعبها إلى أقصى ما تستطيع، لكن بمرور الأيام تمكن الغادر سيت من دخول المدينة وظن أنه سينال من الملكة لكن التعاويذ التى تعلمتها إيزيس من كبير الآلهة جاءت وقتها، وعندما دخل ست إلى قصرها كانت تتلو هى إحدى التعاويذ القوية:
-أيها القوي الغاشم، حولني الآن لانتقم لزوجي وحبيبي.
تحولت فوراً بواسطة التعويذة إلى طائر صغير استطاع أن يفر من خلال النافذة بينما وقف ست مبهوتاً خائب الأمل.
حينما طارت إيزيس عن القصر لم تكن قد حددت وجهة معينة لتبحث فيها عن زوجها وحبيبها لكنها كانت تهبط من وقت لآخر إلى الأرض تسأل من تستشف فيه أن تجد لديه العون، ولكن انقضت أيام طويلة ولم تعثر على أثر لجسده.
وفيما هي تطير فوق النهر وجدت امرأة بجوار النهر فتجسدت إيزيس بشكلها البشري ونزلت تسألها عن التابوت فقالت لها المرأة:
-إن الجنيات قد ظهرن لزوجي وأخبرنه أنهن رأين تابوتا يطفوا على وجه الماء ويشع من حوله النور وأخبرنه أيضاً أن هذا الصندوق يحتوى على جسد الملك أوزوريس، ولكن زوجي لم يصدق ذلك لأن الملك موجود في طيبة.
وهنا اغرورقت عينا إيزيس بالدمع وأخبرت المرأة بما حدث وأنها تبحث عن حبيبها ومليكها.
الآن عرفت إيزيس أن التابوت مر من هنا وأصبحت تعرف الإتجاه الذى ستمضى فيه وأخذت تطير بالقرب من سطح النهر إلى أن وصلت إلى الدلتا حيث يتفرع هناك النهر إلى فرعين، وهنا وجدت إيزيس نفسها في حيرتها السابقة، فمع أى فرع تمضي.
فيما هى في حيرتها وقعت عيناه على مجموعة من الأطفال يلعبون، ولكنها لاحظت أن هناك طفلاً يبكى فتجسدت في صورتها البشرية الجميلة ونزلت تسأله:
-ما سبب بكائك أيها الصغير؟
وبعد محاولات عديدة أخبرها:
-لقد كنت أريد الصندوق الذى كان يسبح على صفحة النهر.
سألته بلهفة حقيقية:
-وإلى أي إتجاه ذهب الصندوق؟
أخبرها عن إتجاه مسيرة الصندوق مشيراً لإحدى مجري النيل، فودعت إيزيس الطفل الصغير بعدما وعدته:
-سأذهب الآن لإحضار صندوق آخر جميل تستطيع أن تحمله بدلا من الآخر الذى لم تستطع إخراجه من الماء لثقل وزنه.
وبعد مسيرة طالت على إيزيس قابلت (بس) كبير الجن فسألته عن الصندوق:
-ألم تر ذلك الصندوق.
قال لها:
-الصندوق قد نزل إلى البحر وتقاذفته الأمواج إلى أن مال تحت شجرة من أشجار الحور التى احتوت الصندوق، ونما جزعها بسرعة واخفى الصندوق أسفله.
لمعت عينيها مما سمعته وسألته:
-هل سأجد الصندوق هناك؟
قال لها موضحا:
-إن الأمر ليس بهذه البساطة، فقد جاء ملك بيبلوس وقطع الشجرة ليضعها عنده في البهو، وهى الآن تحمل سقف قصر ملك بيبلوس.
بعد أن أخبرها (بس) كل تلك المعلومات المفيدة، كافأته إيزيس بأن أجابت له كل طلباته التى أرادها مستخدمة قواها وتعاويذها السحرية.
تابعت رحلتها الطويلة في صبر منقطع النظير، وعندما وصلت إلى بيبلوس قامت بتمريض ابن الملكة حتى تستطيع أن تنال مكانة لديها، ولم تمض أيام ثلاثة حتى كان الطفل يجرى في أنحاء القصر واتخذت الملكة من إيزيس كبيرة لمربيات القصر، و لعل هذا كان من أكبر ما تحملته إيزيس فبعد أن كانت ملكة أصبحت مجرد مربية، ولكن كل شئ يهون في سبيل الحبيب والزوج والملك، و قد حاولت أن تصل بهذا الغلام إلى الخلود الأبدي بإلقاء التعاويذ عليه ولكن لهفة أمه وجزعها عليه أفسدت محاولتها.
توقف بنترشيت عند تلك النقطة تحديداً، فهل تكمل تدوين ما قرأته؟ فتلك التعويذة التي ألقتها إيزيس ومدونة بالمخطوطة بإتقان شديد هي سر الخلود.
هل تخاطر يكتابتها الآن وربما كشف أحد أكبر أسرار شعبها عن الخلود.
ظلت تفكر بحيرة لا تعلم هل تكمل أم تتوقف ولكنها غفت رغما عنها ولم تستيقظ سوى على صوت بكاء رضيعها الذي استيقظ للتو.
أعادت رضيعها للفراش بعد أن كف عن البكاء وعادت تجلس لتدون باقي المخطوطة المكتوبة على ورق البردي بعد أن قررت محو الجزء الخاص بإلقاء التعويذة الخاصة بالخلود، ولكنها تذكرت أمرا هاما.
على مر العصور منذ ذلك الوقت ولا بد أن تناقلت تلك البردية حتى وصلت لتلك المقبرة بجوار أهرامات الجيزة، لذا لابد أن تكون تلك هي مقبرة رجلاً مرموقاً من حافظي أسرار المملكة، ففكرت إن توغلت اكثر لربما استطاعت أن تكشف شخصيته دون الحاجه إلى الذهاب بنفسها لموقع التنقيب.
أمسكت قلمها وعادت للتدوين وكتابه أسرار تلك المخطوطة.
عندما عاد الملك من رحلته إلى القصر روت له الملكة الكثير والكثير عن أفعال إيزيس الطيبة، و أوضحت له:
-إنها ليست بامرأة عادية يا مولاي ولكنها ربة من الربات، ويجب أن تلقى التكريم اللائق بها ونتركها تمضى إلى حال سبيلها.
تعجب الملك من الأمر فكيف يمكن أن يكرم إلهة من الآلهة أو ربة من الربات؟
ذهب الملك إلى إيزيس وركع بين يديها وقبل اليد الممدودة إليه وقال لها في أدب جم:
-أشكرك لتشريفك لنا واهتمامك بالطفل الصغير.
ابتسمت له بصمت فسألها:
-هل يمكنني أن اقدم لكِ أية خدمة من الخدمات؟
طمأنته إيزيس على زوجته وأخبرته:
-زوجتك وطفلك بخير حال ولا تلق بالاً عليهما، ولقد حان ميعاد رحيلي وقبل أن أطلب منك تلك الخدمة التي تريد بها رد الجميل، أريد تذكيرك بوعدك أن تلبي لي طلبي أي ما كان.