-->

رواية جديدة قابل للكتمان لخديجة السيد - الفصل 29 - 4 - الأحد 28/7/2024

  

قراءة رواية قابل للكتمان كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

رواية قابل للكتمان

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة خديجة السيد



الفصل التاسع والعشرون

4

تم النشر يوم الأحد

28/7/2024

في العيادة النسائية، أمــال منذر رأسه نحو زوجته الراقده فوق فراش المستشفى ثم قرب فمـــه من رأسها يقبلها بحنان بالغ وهو يردف بحب


= حمد لله على سلامتك يا روحي شفتي بنتنا 

اوليندا جميله قد ايه .


كانت كوثر تجلس فوق الأريكة وهي تحمل الصغيره بين ذراعيها، ثم مــازحه قائلة 


= تبارك الله ربنا يباركلكم فيها وتكون وش السعد عليكم يارب، البنت نسخه منك يا منذر.. بس ليها حق تطلع شبهك.. ما الحب باين أهو.


ابتسمت ضحي ومنذر أيضاً، ثم طلب ضحي منها ان تحمل ابنتها فنهضت أمها و مــررت الأخري ذراعيها أسفل منها لتتمكن من حملها .. 

فإنها قارورتها الغالية، فتابعتها بنظرات مترقبة

وهي تردف بنبرة حنونه


= يا روحي شكلها جميل أوي.. اخيرا نورتي دنيتنا آه لو تعرفي تعبت قد ايه عشان توصلي الدنيا واشوفك.


لاحظ زوجها تعبها أثر الولاده، فبحرص بالغ أسـند منذر الرضيعة من زوجته إلى جوار والدتها، ثم احنى جذعه عليهما ليقبلهما سوياً.. بينما أردفت كوثر قائلة بابتسامة سعيدة 


= ربنا ما فيش ذي رحمته علينا ومش بينسى حد شفتي بعد كل الفتره دي وفي الاخر حملتي وجبتي البنت اللي كان نفسك فيها عشان رضيتي ووثقت فيه، وانتم الاتنين تستاهلوا كل خير حتى انت كمان يا منذر... سامحني على معاملتي زمان كنت خايفه تظلم بنتي بس بعد ما شفت حنينك عليها وقد ايه كنت متفهم حالتها واحتويتها و أنا بقيت بحبك والله زي ما تكون ابني.


أبتسم منذر بامتنان نحوها ثم تحدث مع زوجته بخفوت وهو يمسح على جبينها 


= حلوة مش كده؟ وشبهي زي ما مامتك بتقول..


هزت رأسها بالايجاب بحب وهي ترد عليه بينما فركت عينيها بإرهاق 


= اوليندا دي حتة منك! 


لتردف كوثر قائلة بإبتسامة مرحة


= يا اختي انتٍ وهو من قله الاسامي ما لقيتوش غير الاسم التقيل ده؟ هقول إيه بنتكم وانتم احرار.. شدوا حيلكوا بقى عشان تخاوها بس بعد ثلاث سنين ولا اربعه على الأقل وان شاء الله العمليه تنجح من اول مره المره الجايه.. وتجيبوا اخ ليها .


ابتسمت ضحي بسعادة وهي تقول بأمل 


= يسمع منك ربنا يا ماما، يا ريت لو اخ جميل زيها.


تأمل منذر بصمت حديثهما ثم تأمل ابنته الصغيرة بنظرات شبه شـــاردة، فقد عـــاد بذاكرته إلى لحظات سيئه قضاها مع أهله ولم ينساها مهما حدث لذلك لا يرغب بان يعيد تلك المأساة مع اولاده لذلك قرر قائلاً بنبرة جـــادة


= لا ما احنا هنكتفي بي اوليندا بس! ومش ناويين نجيب اطفال تاني هو واحد كفايه أوي عشان نقدر نربيها ونخلي بالنا منها .


حاله من صمت دامت للحظات لتستوعب ضحى وامها كلامه، ثم قالت كوثر بتعجب 


= كلام ايه ده يا ابني! هو احنا قلنا لك هات بدل العيل عشره هو واحد ثاني وكفايه بس عشان ما تكونش لوحدها وما لهاش اخوات.. الاخوات عزوه يا حبيبي وبيخلوا بالهم من بعض والاطفال برده لاهاليهم.


ارتجفت ضحي اوصالها واغمضت عيناها بشده حتي تتحكم باعصابها و تدعوا الله بداخلها أن لا يكون تأثر بسبب أسرته و وصل لتلك الحاله، 

تنهدت بقوه حتي تستطيع الصمود امامه ومواجهته، لكنه أجاب مرددا بسخرية بلا مرح 


= يا طنط قولي الكلام ده لحد تاني غيري! انا اكتر واحد فاهم انا بقول لك ايه كويس، ولا الأخوات ولا الاولاد الكتير عمرهم كانوا عزوه لاهاليهم.. وانا مش مستعد اعرض بنتي للظلم اللي انا شفته من أهلي! حتى لو عملت كل احتياطاتي غصب عني هيجيلي وقت وهفرق بينهم زي ما كان ابويا بيعمل معايا بالظبط وامي.. عشان كده انا اخت القرار من زمان هو طفل واحد ومش هجيب غيره 


تحركت رغم تعبها مبتعده عنه بعيون تشع غضباً وصدرها يعلو ويهبط بعنف دلاله علي شده انزعاجها ثم قالت بتهكم 


= و اخذت القرار ده على أي اساس؟ كده لوحدك من غير ما تستشرني وتاخد رأيي، منذر هو انت بتتكلم بجد مش هتجيب اخوات لي اوليندا عشان ما تعيشهاش اللي انت شفته! انت غيرهم يا حبيبي واحنا عمرنا ما هنظلم ولادنا 


دنا منها زوجها واحنى رأســه ليقبل حبيبتها وهدر بها هذه المره بحده وغلظه غير قابلة للتفاوض 


= ضحي حبيبتي افهميني انا هوافق علي اي حاجه الا القرار ده! و مش هتنزل عنه ولا هتراجع مهما حصل مش هجيب اخوات لابنتي وهي بس اللي هربيها، وانا فاهم كويس ان انا وانتٍ مش شاهين ومايسه.. بس غصب عننا هنتحط في موقف هتضطرنا لكده وده أفظع احساس ممكن حد يتحطى فيه ويحس بالتفريق بينه وبين اخواته وانا مش مستعد تحت اي ظرف اخلي ولادي يحسوا بكده وأكون أب ظالم.. فالافضل نجيبها من اصرها ونكتفي بطفل واحد و ربنا يباركلنا فيها .


لاحظت كوثر الأجواء بينهما اصبحت مشحونه لتهتف لتغير الموضوع بصوت شبه مرتفع


= هو صحيح يا منذر يا ابني انتم هتنقلوا في فيلا جديده قريب! ربنا يوسع عليك يا حبيبي ويرزقك .


حدق منذر في صغيرته و زوجته بنظرات حنونة للغاية، وداعب طرف ذقنها بإصبعه قائلاً بخفوت ناعم 


= اه يا طنط الحمد لله الفيلا خلصت، واتفقت انا وضحي هننقل فيها بعد ما تولد! و اهي الحمد لله ولدت على خير يبقى هنطلع من هنا على الفيلا الجديده.. و انتٍ اوضتك موجوده هناك معانا.


❈-❈-❈


بـعـد مـرور أسبوعين.


في أحد الشوارع انتصبت الخيمة المقابلة لمنزل والد بسمة الذي توفى قبل ثلاث أيام وقد انصبت الخيمة لاحتضان المعزِّين الذين جاؤوا لتقديم واجب العزاء، من بين اهلها في البلد و أهل طلقيها أيضاً لم يتركوها لحظة، وقف الحاج شاهين الذي يستعد للمغادرة مع آخر المعزين بالمكان وقد أسدل الليل ستاره.. لكنه مال نحوه معاذ يهمس له


= معلش يابا روح انت وانا هحصلك كمان شويه.


بينما في الاعلي بمنزل بسمة، كانت جالسة و هي تتلو سورة البقرة وتدعي لوالدها بالرحمة ولتجاوز أيامها الصعبة التي ستعيشها بعد وفاته المفاجاه... أغمضت عينيها بحسرة و دموعها البائسة تنساب على وجنتيها الباردتين حتّى تمنت أن تفقد وعيها لتتخلص من هذا الجحيم الذي تعيشه الآن ولا يبدو له نهاية..


لم يبقَ في حياتها معنى للحياة وهي وجدت نفسها بمفردها، بلا أهل أو زوج أو أب!. لتتجرع دموع قلبها نهارًا كما تتجرع وسادتها دموع عينيها ليلًا.. فلا يهنأ لها بعيش ولا تتلذذ بشيء كأن هناك جزء منها يتجول في هذا العالم الفسيح بعد أن رحل والدها عن حياتها!


بدأت السيدات ترحل هي الأخرى، ونهضت هي أيضاً لترى طفلها بالداخل لكن انكمشت فجأة على نفسها عندما سمعت أصوات ضرب فوق باب المنزل بعنف وقوة وبعدها قالت أمينه بصوت صارم


= التلات ايام العزاء خلصوا خلاص خشي هاتي حاجتك عشان تروحي معانا اكيد مش هنسيبك لوحدك هنا من غير راجل! وسيبي كمان ابنك مع جوزك هو اولى بتربيته .


صعد في تلك اللحظه معاذ وقبل ان يتحدث تفاجأ ببسمة نفضت عنها الضعف وتحركت واقفة مباشرة تصرخ بهم بحده 


= اروح معاكوا فين وابني ايه اللي اسيبه انا مش هروح مع حد ومش هسيب ابني يتربى بعيد عني، انا مرتاحه هنا ومتشكره لضيفتكم 


استنكرت أمينة باستهجان كلامها لتهتف بها موبخها بمقت


= جرى ايه يا بنت متولي حد قال لك بناخد رايك؟ مش هنستنى لما سمعتك تبوظ زي اختك لما تبقي لوحدك من غير راجل يخلي باله منك، ابنك هيتربى مع ابوه يعني مش حد غريب، وانتٍ تعالي معانا واظن عدتك خلصت من زمان يعني نقدر نجوزك زي اختك .


ظهرت في نظراتهم ما عنفها بقسوة لمجرد تفكيرها في الذهاب معهم وان تتزوج رجل لا تعرفه وتعيش كالخادمه هناك! وهي بالأساس انفصلت عن معاذ لذلك السبب، لكن مع ذلك صرخت بهما 


= انتم مش طبيعيين صح؟ ايه الجنان اللي انتم بتقولوا ده هو انتم مين عشان تتحكموا في حياتي؟ ابني مش هيترب بعيد عني وانا مش هتجوز غصب عني.. وده اخر كلام عندي واعملوا بقى ما بدلكم . 


تجهمت ملامح تلك المرأة وأجابتها إياها بتوعيد خطير 


= لا احنا عندنا كتير ونقدر نعمله وطالما الذوق مش جاي معاكي يا بنت متولي يبقى هنجيبك بالغصب، هاتوها يا نسوان زي ما شدينا أختك المره اللي فاتت، وتبقي تشوف مين هيقدر يمنعنا .


سـدت عليها الطريق بجسدها واستشعرت بسمة تهديدها الظاهر بعيناها يظهر نواياها السيئة، ابتلعت ريقها بخوف شديد وهي تهز  رأسها برعب ترفض الذهاب معهم وهي تعرف جيد مصيرها هناك، وعندما اقتربوا خطوه منها صاحت بذعور حقيقي 


= ابعدوا عني.. حد يلحقنا...سيبوني بقول لكم


فاضت ملامح معاذ بمشاعر ثائرة وارتجف عرق جبينه وهو يركض يلحقها منهم ليقول من بين أسنانه


=اوعوا منك ليها محدش يقربلها انتم مجانين صحيح؟ هو انتم مين عشان تمشوا الناس على مزاجكم وتجوزوا وتطلقوا


وفي هذه اللحظة ركضت بسمة دون التفكير تستنجد به فلم تجد غيره أمامها في تلك اللحظة، وهي تقول بخوف 


=الحقني يا معاذ ما تخليهمش ياخدوني و يبعدوني عن ابني 


انتبهت تلك المرأة لصوته فسلطت أنظارها القاتمة عليه ومصمصت شفتيها مرددة بنبرة قاسية مستنكرة


= وانت داخلك ايه بينا احنا احرار معاها، و بعدين احنا مش بنعمل حاجه غلط ولا حرام هنجوزها! ولا هستنى لما تدور على حل شعرها وتحط راسنا في التراب زي اختها؟ قعاد لوحدها لأ! عاوز تردها والعيل يتربى بينكم من جديد ماشي مش هنمانع! لكن نسيبك لوحدك من غير راجل اهو ده اللي مستحيل.


صمت معاذ قليلاً وهو يفكر بالأمر ثم أطلق نفسا طويلاً قبل أن يقول بنبرة متوترة 


= آآ طب خلاص ماشي انا مستعد اردها و أجيب المأذون كمان دلوقتي واكتب عليها من اول وجديد بس سيبوها.


نظرت بسمة إليه بعينين واسعتين، و ارتجفت شفتاها ووجدت نفسها مصدومة بحنق ناسفة ما كانت تفكر به قبل قليل، ثم هزت رأسها باعتراض وهي تنظر إليه، لكنه أغمض عيناه بهدوء بعد أن أشار إليها بقله حيله وأنه ماذا سيفعل حتى ينقذها من براثن عائلتها، لذلك كان عليها الاستسلام هي الأخري للأمر .


الصفحة القادمة