-->

نوفيلا كارثة حلت على قلبي لنورهان ناصر - الفصل 1 - الثلاثاء 30/7/2024

 

قراءة نوفيلا كارثة حلت على قلبي كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


نوفيلا كارثة حلت على قلبي

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة نورهان ناصر

الفصل الأول

تم النشر يوم الثلاثاء

30/7/2024



كانت تركض بأقصى سرعتها وهي تكاد تلفظ أنفاسها من فرط الضحك ، وخلفها حشد من الفتيات اللاتي يتوعدون لها ما إن تطالها أيديهم ، على وجوههم ترتسم علامات الغضب ، وزعت نظراتها على الطلاب الذين يقفون مصطفين على الجانبين يتابعون ما يحدث أمام أعينهم بحماس شديد ، فهذا أمر معتاد في كل صباح ما إن تخطو قدمها أرضية الجامعة ، احموا رؤوسكم لا تدرون من أين تأتيكم الضربة ؟.


استدرات لهم وهي تخرج لسانها بغيظ شديد تزيد من إثارة حنقهم ، تركض بشكل عكسي وهي تضحك بصخب ، ليشتعل الغضب بداخل الفتيات أكثر ،  وصرخت إحداهن بحنق وغضب شديد :


_ مش هاتفلتي المرة دي يا رحاب والله ما أنا سيباك .


وكل ما فعلته رحاب أن توسعت عينها بذهول مصطنع وهي تردد بصوت مرتجف وما زالت تركض بشكل عكسي :


_ يا مامي خوفت ، وركبي بتخبط في بعضها . 


نظرت لها الفتاة بحقد وهي تتحسس بشرة وجهها :


_ هتخافي ، لأنك زودتيها أوي المرة دي واحنا مش هانسكت ، معايا يا بنات ؟؟ 


رددنا جميعًا في صوت واحد غاضب ، فابتسمت رحاب أكثر وهي تقول :


_ اللي يطلع بإيدكم ماتقصروُ ....


توقفت فجأة حينما اصطدمت بأحدهم نتيجة ركضها مما أدى إلى سقوطها وسقوطه معها أرضًا لتصرخ رحاب مغتاظة وهي تتحسس ظهرها :


_ طلعت لي من أنهي مصيبة أنت آه يا ضهري يخربيتك .


دفعها من عليه يردد باستنكار لحديثها :


_ قومي كدا هاتفطسيني ، ضهرك وجعك وأنا اللي اتمسح بيا بلاط الكلية يا شيخه حسبي الله !.


اعتدلت رحاب تنظر له بشر وهي تقول بعيون غاضبه:


_ أنت بتحسبن عليا ياض ؟ يعني موقعني وبتحسبن كمان يا بجاحتك ؟ أنا مشوفتش كدا .


رمقها هو بنظرة متهكمة يؤكد لها بغيظ شديد:


_ ياض ؟؟؟ أنتِ جابوك من أنهي بلوى ؟؟؟ ومين وقع مين ؟؟ آه بطبقي بقى المثل ضربني وبكى وسابقني واشتكى بنت مفترية صحيح ده أنا اللي مشوفتش كدا . 


عدلت رحاب من وضع حجابها تقول ببسمة متهكمه كحديثها :


_ أكيد مش أسوأ من البلوى اللي جابوك منها ، المفروض تمشي عينك في رأسك بدل ما تدوس على البني آدمين ...


صمتت فجأة وكأنها استوعبت ما تقوله فهي من كانت لا تنظر للطريق بسبب ركضها العكسي ، شعرت أنها بحديثها تزيد الأمر سوءًا . 


بحاجب مرفوع ردد يوسف بغيظ:


_ أنا بردو اللي امشي عيني في رأسي وبالنسبه للثور اللي ماشي عكسي ده إيه ؟؟ 


فتحت رحاب فمها تقول بنبرة حادة وهي تعبث بحقيبتها :


_ أنا ثور يا ....


تنهد يوسف  بصوت مرتفع وهو يطالعها بحاجب مرفوع يردد بدهشه يقطع عليها حديثها  :


_ استني استني هو أنتِ يا وش المصايب ؟ يخربيتك يا بعيده هو أنا ماورييش غيرك !. 


ضيقت رحاب عينيها تقول بسخرية شديدة:


_ إيه ده هو أنا صيتي مسمع كدا ؟؟ 


عادت تنظر له بملامح غاضبه ، وببسمة حانقه أردفت :


_ تعرفني منين أنت ؟ . 


زفر يوسف الهواء بقوة وهو ينظر بعينيها قائلًا بنبرة متهكمه :


_ لحقتي تنسي ؟؟.


قلبت رحاب عينيها بملل مغمغمة بصوت حانق:


_ بقولك إيه أنت هتصاحبني ؟؟ مش فايقالك ومتخرجناش من قلب الموضوع أنت بقى يا حلو الملامح بتحسبن عليا أنا ها  وكمان بتقولي يخربيتك ؟؟؟.


_ أحسبن بس ده أنا لو أطول اقتلك هعملها .


ضحكت رحاب باستهزاء وهي تقول :


_ ليه كنت أكلت ورك الفرخه بتاعتك ؟؟ .


_ أسوأ من كدا ، ودلوقت ماشيه زي الطور الهايج وكسرتي لي فقراتي .  


نظرت له رحاب بغيظ شديد ثم عقبت وهي تنهض عندما رأت أن الفتيات اقتربن منها كثيرًا :


_ أنا بس مش فضيالك دلوقت ، بس احفظ ملامحي كويس لأنك هاتشوفها كتير وهوريك الطور ده هايعمل فيك إيه ؟ يا رقائق الويفر الهشه.


غمغم يوسف بسخرية شديدة وهو ينهض عن الأرض ينفض عنه التراب :


_ مجنونه ، كلية مجنونه واللي فيها مجانين ، أنا كان إيه اللي رماني على الهم ده ؟؟ احفظ ملامحك ما المصيبه إني حافظها وهو أنا بشوف غيرك هنا .


صمت لثواني ثم فتح عينيه مصعوقًا وهو يضع يده على جانبه ينظر صوبها بملامح متشنجة ، وهو يرى قميصه ممزق من الجانب ، تعالت ضحكاتها أكثر ووصله صوتها تردد بحنق شديد:


_ دي قرصة صغيرة علشان توقف في طريقي تاني وتعملي في حوارات كان غيرك أشطر . 


فغر يوسف فمه ذهولًا وهو يقول:


_ يا بنت المجنونه قطعته إزاي دي ؟؟ .


صرخ فجأة بحنق شديد حينما اصطدم به فوج من الفتيات مما أدى لسقوطه مرة أخرى ودعست عليه أقدامهن ، انتفضوا من حوله ليخرج يوسف ببقايا قميص وشعر هائج بشده وجسده يغلفه التراب بصق يوسف في الهواء وهو يرتمي على الأرض يلعن ويسب بصوت مرتفع حانق .


الأمر الذي جعل جميع الواقفين يتنفسون بأريحية وهما يضحكون بقوة لأن الضربة لم تكن من نصيبهم هذه المرة .


❈-❈-❈

مضى بعض الوقت ....


نظرت لها بعيون حانقة رافضة لكل تصرفاتها تلك ، لاحظت نظراتها لترفع رأسها وتنظر لها بحاجب مرفوع مرددة بتهكم:


_ مالك يا ست داليا ؟؟.


بسخرية شديدة تنبعث من نظرات عينيها قالت داليا :


_ مش عاجبني اللي بتعمليه زودتيها أوي يا رحاب ، أصلا مش عارفه أنتِ ملقتيش غير شلة منار تشاكلي فيهم يا بنتي البنت دي شرانيه ابعدي عنها .


خرجت رحاب من أسفل البنش تلقي بجسدها على المقعد وهي تقول ببسمة مغتاظة:


_ أنا في حالي هما اللي مستقصديني ، سيبك منهم بقى قولي لي هانتفرج على فيلم إيه انهارده ؟ 


نظرت داليا أمامها حيث بدأ الطلاب بالدخول إلى القاعه لأخذ المحاضرة ، ثم تنهدت بصوت مرتفع وهي تقول بنبرة طغى عليها الحنق:


_ أتفرج إيه ؟ أنتِ مش وراك محاضرات يا بت؟؟ .


طالعتها رحاب بسخط وهي تضرب على كتفها تقول بتهكم :


_ محاضرات إيه ؟؟ أنا لو رجعت البت منار هتقتلني اسكتي أنا هاقضي معاك اليوم ونمشي نسهر في بيتكم في فيلم لديزني نازل جديد وإعلانه يجنن ، صافي مستحلفالي أنتِ عارفه مرات عمي بقى ومش طايقاني في البيت وعايزه تخلص مني .


ضحكت داليا بيأس وهي تقول ببسمة صغيرة:


_ أنتِ مشكلة والله ، ده طنط صافي بتحبك يا بت أنتِ بس اللي بتعملي مصايب تشيب الرأس بطلي ظلم هاتوقعي في شر أعمالك. 


سخرت رحاب وهي تنفخ الهواء بحنق قائلة :


_ بتحبني ايوه أنا عارفه هتقولي لي ، المهم مالك مضايقة كدا ؟؟.


ما كادت داليا تجاوبها حينما شهقت رحاب فجأة وهي ترى منار وصديقاتها يدلفون إلى القاعة بحثًا عنها لتنزل بسرعة إلى أسفل البنش تختبأ وهي تقول بتوتر شديد:


_ داليا اتصرفي طبيعي أنا مجتش هنا ، روحي مشيهم. 


نظرت لها داليا بغيظ ثم قالت:


_ طيب بطلي فرك واقعدي ساكته دقيقه وجايه.


ذهبت داليا صوبهم وهي تكتم ضحكتها بصعوبه حينما وقعت عينيها على وجوههم لتقول ببسمة صغيرة:


_ بنات محدش شاف رحاب انهارده ؟؟.


نظرت لها منار بغضب وهي تقول بتهكم شديد:


_ صاحبتك لعبت مع الناس الغلط ومش هانسيبها وصليلها رسالتنا .


تصنعت داليا عدم الفهم وهي تقول باستغراب:


_ ليه هي عملت إيه ؟؟ أنا مش فاهمه حاجه ومال بشرتكم كدا ؟؟ .


ألقى الفتيات عليها نظرة ساخرة وتحدثت إحداهن بحنق شديد:


_ مش شايفه ولا إيه ؟ عموما هي بدأت والمرة جايه ده دورنا متبقاش تعيط بقى من اللي هيحصلها وأنتِ معاها علشان تبقي تساعديها حلو ، مشكلتكم إنكم بتلعبوا بالنار واحنا بقى بنحب الأغبياء أهو نتسلى شويه معاكم ونغير الروتين انتوا اتنين لكن احنا مجموعة ومش هنرحمكم هنخليكم تتمنوا الرحمه . 


وعندها هي كانت تجلس أرضًا تمسك بهاتفها وهي تلعب عليه إحدى الألعاب الإلكترونية بحماس شديد غير مبالية بالتهديدات التي تتلقاها داليا الآن من الفتيات بسببها ، ركزت أعينها على اللعبة أكثر ، وحينما قاربت من الفوز فجأة وقع الهاتف منها أرضًا حين ارتطمت قدمها مع أقدام أخرى .


صرخ الاثنان بصوت واحد ، جعل جميع من بالقاعة ينظرون صوب يوسف باستغراب شديد ، ليبتسم الأخير بتوتر شديد وهو يشير لهم بأنه ليس هناك شيء .


تراجعت رحاب ملتصقة في البنش خلفها وهي ترى يوسف يجلس أمامها مباشرة ، وأقدامه ملتصقة بأقدامها ، نطقا سويا في حنق شديد :


_ هو أنتِ !. 


_ هو أنتَ ! . 


نهض يوسف قائلًا بنبرة متهكمه والحنق يقطر من نظرات عينيه:


_ بتعملي إيه هنا يا كارثة ؟؟.


وضعت رحاب إصبعها السبابة أمام شفتيها تقول بنبرة متوترة :


_ اششش وطي صوتك ، استر عليا ربنا يسترها عليك !.


توسعت عينيه دهشة وقال ببسمة خبيثة حينما لاحظ أولئك الفتيات اللاتي شاهدهن اليوم ودعسن عليه :


_ اممم أنتِ مستخبية منهم صح ، أنا هروح اندهلهم خليهم ياخدوا قصاصي وقصاصهم منك ....


ابتسمت رحاب بسمة متوترة وهي تقول بغضب تخفيه:


_ وهي دي رجولة بردو يا .....؟


بتهكم شديد قال يوسف :


_ يوسف !.


_ أستاذ يوسف هي دي الشهامة بعدين قصاص إيه أنا أتفه من كدا ؟!.


رفع يوسف حاجبه بتشنج ينظر لها بسخرية قائلًا :


_ دلوقت بقيت أستاذ يوسف ، ومن كام دقيقه كنت ياض ؟؟. 


صمت يوسف لثواني ثم أكمل بوجه منفعل من الغضب :


_ ده أنا اتمسح بيا بلاط الكلية شوفي حالتي !. 


قبل أن ترد عليه سمعت أحدهم يناديه فانشغل معه بالحديث ، استغلت هي الفرصة وحاولت التسلل لتخرج من الجانب الآخر ، ولكنه أمسك بها حيث هبط لمستواها يجلس بجانبها وهو يسد عليها الطريق مع حفظ مسافة بينهما يقول بنبرة حادة:


_ مش هاتمشي بالسهولة دي ، تعملي المصيبه وتجري ها؟؟.


ابتلعت رحاب ريقها بوجل وهي تنظر له بغيظ شديد:


_ يعني إيه عايز مني إيه ؟؟ لا فوق لنفسك جو روايات بير السلم دي ما تمشيش معايا اسمع أما اقولك محدش قالك تطلع في طريقي ، أنت الغلطان بتطلع ليه في الوقت ده اللي أنا بجري فيه .


حدقها يوسف بعيون متسعة لا يستوعب نصف كلماتها حتى ، ثم دنا منها قليلًا يقول بسخرية :


_ بير سلم إيه وسطح إيه ؟؟ أنتِ نرجسية يا بت ؟ أي كل حاجه أنا غلطان وأنتِ البريئة اللي مبتغلطش مع إن الغلط راكبك من ساسك لراسك.


جادلت رحاب بنبرة أكثر حنقًا وهي من دون وعي تقترب منه بغضب يقودها:


_ آه غلطان ودلوقت عايز تناديهم وتكشف مكاني علشان تعرف إنك مستقصدني . 


أرجع يوسف رأسه للخلف يقول بضيق :


_ مستقصدك ايه ؟ ده أنتِ اللي مستقصداني ، بعدين تعالي هنا .....


قاطعته رحاب بعينين يشع منهم الغضب وهي تقول من تحت أسنانها :


_ اجي فين يا قليل الأدب أنت...


هذه المرة قاطعها يوسف وهو يقول بحنق:


_ يا غبيه اصبري واسمعي للآخر ، وشيلي الأفكار السوده دي من رأسك ، كلمة تعالي هنا مس قصدي بيها حاجه وحشه أقصد اقولك  أنتِ بجد مش عارفه أنا مين ولا هببتي إيه وبسببك كنت هروح في أبو زعبل .


تحاشت النظر له تقول بتوتر شديد:


_ لا مش فاكره وبعدين بقى قعدتك دي مش لطيفة اوعى خليني أطلع .


تنفس يوسف الصعداء ثم ابتعد للخلف يقول بغيظ شديد وهو يشير لها على قميصه الذي تمزق :


_ اسيبك تمشي بعد ما تشوفي لي صرفه في اللي هببتيه ده ، أروح لأمي كدا إزاي ؟؟ 


_ نعم ؟؟ عايزني أعمل إيه يعني مش فاهمه ؟؟ 


قال يوسف ببساطة شديدة:


_ تخيطي لي القميص ، مش هاينفع اخض أمي كدا ولا امشي في الطريق بالمنظر ده وسيادتك مجبرة بقى تشوفي لي حل أنتِ أصلا مش شايفه حالتي ؟؟.


رفعت رحاب حقيبتها خلسة ثم بلا أي مقدمات ضربته على رأسه ثم فرت هاربة وهي تقول ببسمة:


_ محدش يجبرني على حاجه مش عايزاها ، قال اخيط هدومه قال ، أنا لنفسي مش بخيط هخيط ليك.


تأوه يوسف بصوت مرتفع وهو يضع يده على رأسه بألم ينظر لاثرها بحنق شديد:


_ آه يا بنت المجنونه .


❈-❈-❈

بعد مرور عدة ساعات: 


كانت متسطحة على الأريكة تأكل بشهية وهي تقص ما حدث معها على أخيها التؤام ، الذي كان يجلس على المقعد المجاور يتناول بعض المقرمشات وهو يصغي لها بإصغاءٍ .


_ وبس يا سيدي ، كلامهم معاجبنيش يفكروني علشان غلبانه بقى هابقى هفأ واسيبهم يتنططوا عليا ، روحت دخلت الحمامات ولقيت شنطهم مسكت علب الميكاب بتاعتهم وعملتهولهم سلطه في بعضهم ومنهم كريم نوعه ( ...) خلطت عليه محلول ( ....) وأول ما حطوه على وشهم قلبوا زي السنافر بس على أخضر وكان شكلهم مسخرة يستاهلوا محدش ياجي على رحاب ويبقى مرتاح أبدًا . 


صفق لها أخيها والذي يدعى مازن بانبهار شديد بتفكيرها وذكاءها يقول ببسمة واسعه فخورة وهو يربت على رأسها :


_ عاش يا بت ، تربية أخوك أوعى تسيبي حقك .


ابتسمت رحاب بسمة صغيرة ثم عادت تأكل ومن حين لآخر تضحك بقوة ، كل ما تذكرت ملامحهم المصدومه ، تنهدت بصوت مرتفع وهي تضع الطبق من يدها تقول بنبرة خافته ضعيفه :


_ أنا يا مازن بمشي في حالي جنب الحيط وهما اللي بيجروا شكلي اكمني مسكينه ويتيمه ومكسورة الجناح  .....


قطع عليها حديثها صراخ أحد الجيران وهو يطرق على الباب بقوة وصوته يصدح بعنف .


_ هي فين ست رحاب ؟؟.


ضحك مازن بسخرية شديدة في حين نظرت له رحاب مبتسمة بحنق تقول :


_ أهو شوفت .


خرجت في تلك الأثناء زوجة عمها تقول وهي تنظر لها بعينين حانقتين:


_ عملتي إيه يا مصيبة ؟؟.


تصنعت رحاب البكاء ونهضت عن الأريكة تضع الطبق من يدها على الطاولة الصغيرة أمامها:


_ معملتش حاجه أرجوك يا مرات عمي ، ما تعاقبنيش وتأكليني المش أبو دود ولبنتك الحلو كله تبعتيهولها لحد عندها .


فغرت زوجة عمها فمها بصدمه من أفعالها تضع يدها على جبهتها وهي تشعر بالدوار :


_ أنا يا رحاب بعاقبك ، أنا باكلك مِش بدود ؟؟ يا بت في مرة هاتسجنيني بسبب عمايلك دي ؟ وبعدين بنتي في غربة وكليتها في محافظة تانيه ، أنا عمري فرقت بينكم ، أحسن حاجه بعملها ليك أومال مين من طلع النهار وهو معكوك في المطبخ بيعملك صنية المكرونة بالبشاميل ؟.


انمحى الحزن من على وجهها ورددت بصوت سعيد :


_ عملتيها ؟؟ حبيبتي يا مرات عمي ، مطلعتيش حرباية أهو امال التلفزيون مشوه صورتك ليه ؟؟؟.


نفخت زوجة عمها الهواء بغيظ شديد ثم انحنت تلتقط حذائها المنزلي تقول ببسمة مغتاظة:


_ حرباية ؟؟ طيب تعالي بقى نوريك الوش التاني منك لله يا بعيده .


كان مازن يضحك بشدة وهو يتابع ركضهم في الشقة خلف بعض ، وزوجة عمه صافي تحمل الحذاء ، بينما ازدادت الطرقات على باب الشقة ، فاتجه هو لفتحه لتقع عينيه على جارهم يحمل صغيره وهو يردد بصوت غاضب :


_ سنه عقبال ما تفتحوا الباب ، وبعدين بقى في تصرفات أختك كل يوم تضرب لي الواد ؟؟.


خرجت رحاب من الغرفة تقول بغيظ شديد:


_ ابنك قليل أدب ويستاهل علشان بيعاكسني .


رمقها الرجل بنظرة سخرية يقول :


_ بيــ إيه ؟؟ ابني أنا؟؟.


أكدت رحاب بغيظ شديد تنظر صوب الولد :


_ قوله بتقول إيه لما تشوفني في الشارع ؟؟ رحاب دي ..


هتف الولد سريعًا :


_ مزة طحن !.


بُهت وجه الرجل وهو ينظر لولده بنظرة حادة ، وهو لا يدري ما يقول ؟ رفع رأسه يبصر رحاب التي ترمقه بنظرات باردة وأخيها مازن الذي تحدث بصوت مرتفع غاضب :


_ المرة الجاية أنا بقى اللي هعلقهولك على رأس الشارع لو ما لمتش ابنك المشرد ده عن أختي !. 


اعتذر الرجل وهم بضرب ولده فمنعته زوجة عمها صافي معقبة بتحذير :


_ آخر مرة وفهمه إن ده غلط وما تضربوش .


ذهب الرجل ودخلت صافي إلى غرفة المطبخ تتابع إعداد الطعام لهم ، في حين بقت رحاب وأخيها في الصالة ، وقبل ذهابها إلى غرفتها أمسك أخيها بخدها يضغط عليه وهو يقول :


_ بيعاكسك بردو ؟؟؟.


ضحكت رحاب بقوة وهي تبعد يده عنها :


_ آه بيعاكسني  .


أمسك مازن ذراعها ونظر لها بشك قائلًا :


_ قولي الحقيقه السبب الحقيقي إيه ؟، أنتِ مش هتضربيه علشان عاكسك ده عيل صغير ، ده أنتِ لو اتجوزتي كنتي جبتي قده ، ضربتيه ليه يا رحاب ؟؟.


دبدبت رحاب بقدميها في الأرض بانزعاجٍ واضح ثم صرخت بتهكم :


_ بيخوني ارتحت !.


أنهت حديثها وفرت هاربة داخل غرفتها ، فتح مازن عينيه بصدمه وتشنجت ملامح وجهه يردد باستنكار وهو يتجه إلى غرفتها :


_ بيخونك يعني إيه ؟ بت أنتِ متجوزاه من ورايا ؟؟ 


تزامن ذلك الحديث مع خروج صافي من غرفة المطبخ ليقع الطبق من يدها على الأرض وهي تقول بصدمه :


_ آخرتها تتجوزي من ورانا يا مقصوفة الرقبه .


اتجه إليها مازن يضع يده على كتفها وهو يبتسم بسمة غبية :


_ تتجوز إيه ؟ دي عبيطه ومحدش هيرضى بيها ، أنتِ مش عارفاها دي هبله .


فتحت رحاب الباب نصف فتحه و أخرجت رأسها تقول ببسمة مغتاظة:


_ هبله زيك ، وآه وعدني بالجواز الواطي وخلي بيا شوفته بيلعب مع مرام وهو عارف إني مبطقش أختها الملزقه دي وشوفته بيعاكسها واللي كان بيقولوا ليا بقى يقولوا ليها المجرم لا ومش بس كدا يا مازن ده أخد الطيارة وعطهالها اللي كان بيعملها ليا .  


وضعت صافي يدها على جبهتها مغمغمة بصوت منخفض :


_ لا أنا لو وقفت زيادة هتشل ، منك لله يا رحاب ، مش هاتعقلي أبدًا دخلتي الجامعه ولسه زي ما أنتِ ربنا يهديك ، ربنا يهديك أنا لو عمك رجع ولقيني مجلوطه هتكون هي السبب .


نظرت لها رحاب بقرف وهي ترفع حاجبها الأيسر بتهكم :


_ ايوه ادعي عليا طلعي الوش الحقيقي أنتِ أصلا بتكرهيني يا صافي .


نظرت لمازن تقول وهي تتصنع الانكسار :


_ هتجوزني لأول كلب ياجي ، راجل عجوز وكرشه كبير يا مازن هاتبيعني ، قولتلك الوليه دي بتكرهني يالا نمشي من البيت ده.


كانت صافي تستمع لحديثها وهي تفغر فمها بذهول شديد ثم نظرت لمازن قائلة بنبرة متهكمه:


_ شوف البت وعمايلها ناقص تقوليله بسرحك في الشوارع كمان ، ده كله علشان قولتلك جيبالك عريس ؟؟.


امتقعت ملامح وجه رحاب مرددة بتهكم وهي تنظر لمازن  :


_ أهو مش قولتلك عايزه تخلص مني ، ده بُعدك يا صافي مش هاسيبلك البيت وهفضل قاعده على قلبك كدا !.


انحنت صافي تلتقط حذائها ومازن يمسك بها في حين أغلقت رحاب الباب تواري ضحكاتها تعشق إثارة حنقها واللعب بأعصابها ارتمت على الفراش تكتم صوت ضحكتها بصعوبه.


وخارج الغرفة كانت صافي تتنفس بصوت مرتفع وهي تضع يدها على قلبها ثم نظرت لمازن الذي يمسك بها :


_ أختك هتجنني بتجيب الكلام ده كله منين لو عمك سمعه فيها طلاقي ، وشوف بتضحك إزاي بتفرسني ؟ على ايمتى وتغوري من البيت ده ، بس يا خوفي ترجعي لي تاني يوم بالكحكتين على رأسك يا بعيده .


_ معلش يا مرات عمي الروايات لحست عقلها ، ادعي لها ربنا يهديها .


طالعته صافي بتهكم وهي تضرب على ملابسها بغيظ :


_ يا اخي ربنا ياخدكم انتم الاتنين .


اتسعت عيني مازن بصدمه يقول بسخرية :


_ الله وأنا مالي يا لمبي !. 


                              ****


كانت تجلس بجواره وهي تضع يدها على خده ليطلق مزيدًا من التأوهات وهو يتنفس بصوت مرتفع ، حركت والدته رأسها بياْس ، ثم وضعت لصاقة طبية أعلى عينيه وهي تسأله :


_ أنا مش فاهمه إيه اللي بهدلك بالمنظر ده أنت كنت في الجامعه ولا بتحارب يا يوسف ؟؟ 


نظر لها يوسف يقول متهكمًا وهو يتذكر تلك الفتاة :


_ بنت يا رجاء من يوم ما شوفتها والمصايب نازله ترف على دماغي .


حركت رجاء فمها في حركة شعبية وهي تغمغم بسخرية :


_ أنا قولت بردو الحكاية فيها بنت ، آخرتها تتخانق علشان بنت مودياك الجامعه أنا تتعلم ولا تتخانق وترجع لي بالمنظر ده ، ده أخوك الصغير ما عملهاش .


أعقبت حديثها وهي تمسك بقميصه أوه عفوًا المتبقي منه تقول بسخرية :


_ ده شكل قميص ده ، كنت بتمسح بيه الكلية ولا إيه ؟؟.


ضحك يوسف متهكمًا وهو يقول متجهًا إلى غرفته :


_ لا ده ابنك هو اللي اتمسح بيه بلاط الكلية انهارده .


طالعت رجاء ظهره بتحسر تردف بنبرة متهكمه :


_ يا ميلة بختك في ابنك يا رجاء .


استدار لها يوسف يقول بحنق شديد:


_ ايوه اقعدي ولولي عليا بقى .


_ يا ابني سيبك من اللي أنت فيه ده ، وركز على مستقبلك من أسبوع رجعت لي بنفس المنظر ده وبردو بسبب بنت وكل يومين بمنظر شكل لا حول ولا قوة إلا بالله .


تنهد يوسف بصوت مرتفع وهو يتذكر ذلك اليوم حيث أول مرة رآها فيها .


كان خارجًا من باب المرحاض والطرقة خالية تمامًا منظر ذكره بكل أفلام الرعب التي شاهدها على مدار حياته الثالثة والعشرين ، ابتلع لعابه يردد في داخله بضع آيات القرآن الكريم لما رأى اهتزاز الإضاءة ، رفع بصره للسقف يرى المصابيح تضوي بضوء خافت ، نظر عن يمينه ويساره لم يكن هناك أحد ، حدث نفسه ليقويها :


_ أهدى يا يوسف مفيش حاجه ، أكيد ده عطل فني وهيصلحوه .......


قطع عليه حديثه انطفاء المصابيح تمامًا ليعم الظلام ، ابتسم لنفسه بسخرية وهو يقول :


_ طيب أكيد الوضع مش هايزداد سوء دلوقت والاقي جنية طالعالي ......


ما كاد المسكين يكمل حديثه وإذ فجأة شعر بحركة هوجاء في المكان وصوت يصرخ بقوة و بخوفٍ شديد .


صرخ يوسف بصوت مرتفع ثم أخذ يركض بأقصى سرعته وهو يخرج هاتفه الذي وجده منخفض البطارية ليلعن تحت أنفاسه ، وصل إلى نهاية الطرقة وهاتفه يوشك على النفاذ واصطدم جسده بشيءٍ ما ليعلو الصراخ في المكان ولكنه تمالك نفسه يقول بصوت هادئ بعض الشيء حينما تعرف على مصدر الصراخ إنها فتاة وتبدو مرتعدة بشدة :


_ اهدي وبطلي صراخ هاتخليهم يقطعونا .


هدأت حركة رحاب قليلًا وقالت بصوت باكي :


_ هما مين دول وأنت مين ؟؟ مين قفل سكينة الكهربا ؟؟.


أجابها يوسف بنبرة هادئة:


_ مش عارف بس شكل في عطل فيها .


كانت رحاب تبكي بشدة  وهي تلعن وتشتم في منار ورفيقاتها فلا شك هن من فعلن ذلك ، لقد فعلوها مجددًا. 


_ عطل ؟؟ ده كله منهم العمايل دي أنا عارفاها ، داهية تحرقهم أنا واقفه هنا علشان ازغفهم وفضلت مستخبيه في الحمامات وفي الآخر أنا اللي اتزغفت واتحبست كمان والله ما أنا سيباهم ولاعلمهم الأدب بس يصبروا .


هذه المرة صرخ يوسف مستنكرًا وهو يرفع شاشة هاتفه أمام وجهها ينظر لملامحها المتهكمه :


_ نعم يعني ده لعب بنات بقى ؟ وأنتم جايين هنا علشان تعملوا في بعض مقالب ، منك لله يا شيخه أنتِ وصحباتك دول نطلع إزاي احنا دلوقت ، أنتِ إيه اللي جابك حمام الرجال أصلا ؟؟. 


بحرج ردت رحاب وهي تنتفض بشهقات خافته وتمسح دموعها :


_ هما حبسوني قبل كده في الحمام ولما جيت ادخل لاحظت إنهم ماشيين ورايا سرعت خطواتي ودخلت استخبيت هنا وقولت شوية وهخرج وأنا المرة دي اللي هرد الضربه ليهم بس اهو هما اللي حبسوني تاني والمرة دي أسوأ .


_ طيب وفتحولك بعد قد إيه ؟؟ 


_ بعد ساعتين ولاد الـ .....


صرخ يوسف بصوته كله يقول بأعين متسعة:


_ نعم ساعتين ؟؟ 


ازداد صوت بكاءها وهي تقول بخوف :


_ بقولك إيه بطل تصرخ بقى هتلبسنا واتصرف روح اكسر الباب يا مصيبتي السودة لو فتحولنا وأنت معايا ، لازم تستر عليا .


كان يوسف ينظر لها من خلال الاضاءة الخافته الصادرة عن هاتفه يقول ساخرًا:


_ ايوه يعني أستر عليك اعمل إيه ؟ أنتِ اللي غلطانه .


رفعت رحاب الدلو الذي تحمله ومملوء بالمياة تسكبه فوق رأسه بحنق شديد:


_ هما اللي بدأوا وأنا مش غلطانه ها أنا بدافع عن نفسي منهم فاهم.


تجمد يوسف في مكانه ينظر لها بعيون متسعة والماء يتصبب من رأسه حتى أخمص قدميه يقول بنبرة حادة :


_ يا بنت المجنونه طب وبتغرقيني ليه ؟.


_ عايزه افش غلي في حد بقى وأنت اللي طلعت قصادي .


أنهت حديثها وهي تركض خارج الحمامات ورغمًا عنها كانت تضحك بقوة على شكله المصدوم ولكنها فجأة صرخت بأعلى صوتها حينما ارتطمت رأسها بالحائط البلهاء نست أنها لا ترى شيئًا وأن الباب مغلق .


نفخ يوسف الهواء بغيظ شديد وهو يستند على الحائط ويرفع بيده هاتفه يقول ساخرًا:


_ لسه عايشه ولا موتي ؟؟؟. 


بكت رحاب بقوة وهي تنادي على أخيها :


_ يا مازن .


دنا منها يوسف يجلس القرفصاء يقول بنبرة هادئة كي لا يزيد من رعبها:


_ طيب بصي أنا هقرب من الباب وهنادي على حد يمكن حد يسمعني واول ما يفتح الباب أنا هخرج وبعد ما اطلع هرجع تاني اراقب لك الجو علشان تخرجي وياريت تخلي بالك من تصرفاتك بعد كدا .


أومأت رحاب برأسها بصمت وهي تنتفض من البكاء ، انطفأ هاتفه المحمول لتصرخ رحاب برعب شديد ، وهي ترى المكان اظلم بالكامل :


_ لا ...لا ماتسبنيش لوحدي أنا خايفه .


_ يا بنتي بطلي صراخ بقى ، اهدي متخافيش أنا هنا معاك ، بس مش شايفك ، معاك تلفون طيب أو حاجه لأن تلفوني فصل.


فغرت فمها بذهول وهي تخرج هاتفها من جيب سترتها تقول ببسمة متوترة :


_ تلفوني أهو.


ضرب يوسف على جبهته بغيظ يقول :


_ طب نوري يا ذكيه .


_ طيب ما تزعقش كدا هشغله .


أضاءت رحاب ضوء الهاتف ثم سلطته على يوسف الذي رأى أخيرًا الباب ووقف يطرق عليه بقوة ، وهو ينادي بأعلى صوته مرت عدة دقائق وما من مجيب .


وضعت رحاب رأسها بين يديها وهي تبكي بعنف ، توقف يوسف ينظر لها بحنق:


_ بتزعقي لي لما اصرخ وأنت عماله تنوحي ، ما تعرفيش إن العياط هنا غلط .


وضعت رحاب يدها على فمها وهي تقول:


_ خلاص سكت أهو ، بس هما مفتحوش ليه لغاية دلوقتي ، يخربيتهم فلنفترض إني موت من الرعب وذنبي بقى في رقبتهم ، ليه اتأخروا كدا ؟؟ والله لما اطلع من هنا ما هرحمهم .


زفر يوسف الهواء بغضب معبرًا عن انزعاجه ثم جلس أمامها يتكأ بظهره على الحائط الآخر يقول بتوتر :


_ مفيش حد رد عليا ، مقدمناش حل غير إننا نستنى إن صحباتك الهبل دول ياجوا يفتحوا . 


_ مش صحباتي دول بنات غتاتين. 


بالفعل جلسوا لمدة ساعة ونصف حتى عاد الضوء أخيرًا نظر لها يوسف متحدثًا بهدوء:


_ ما دام النور رجع يبقى هياجوا يفتحوا ، لو لقينا اللي فتح الباب بنت هاستخبى أنا عقبال ما تخرجي ولو العكس هخرج واراقبلك الجو اتفقنا .


هزت رحاب رأسها بهدوء ، ما هي إلا دقائق وشعروا بحركة المفتاح داخل القفل ولكن من بالخارج لم يدخل .


تبادل هو و ورحاب النظرات وأشار لها يوسف بالصمت ، فوافقت وهي تبكي بلا وعي ، نهض يوسف واتجه صوب الباب يضع أذنه عليه عله يستمع لأي شيء ولكن عبثًا لم يسمع شيئًا .


عاد لها يقول ببسمة صغيرة وهو يرى انهيارها :


_ اهدي عدت على خير أهو قومي يالا هافتح الباب واخرجي وانا هطلع بعدك ولو قابلك حد قولي إنك دخلتي هنا بالغلط والباب حد قفله عليك .


نظرت له رحاب بامتنان لمحاولاته المحافظة على صورتها وكرامتها ، وهي تبتسم بسمة صغيرة شاكرة ثم فتح يوسف الباب وأشار لها بالخروج .


خرجت رحاب وهي تتنفس الصعداء وقعت عينها على ورقة ملقاة بإهمال على الأرض انحنت تلتقطها ضغطت على الورقة بغضب في يدها ، مما قرأته لقد خططوا لكل شيء بعناية ، كانت الورقة مكتوب عليها مغلقة للصيانة الصرف الصحي ليضمنوا ألا يجيء أي أحد ويخرجها غيرهم حينما يأذن مزاجهم .


زفرت الهواء بحنق وهي تتوعد لهم و ما إن ابتعدت عن منطقة الحمامات أطلقت لساقيها الريح ، وهنا وقعت عينيها على منار تقف وهي تضحك بقوة مع بعض الفتيات ليشتعل الغضب في قلبها بحثت بعينيها عن شيء ما حتى عثرت على بعض قطع الحجارة صعدت إلى الطابق الثاني ، ثم أخذت تطلق عليهم الحجارة وبدأت تصيب أجسادهم وحينما حاولت استهداف منار خرج في تلك الأثناء يوسف وهو يستنشق الهواء وما كاد يزفر الهواء إذ وفجأة أصابت إحدى قطع الحجارة رأسه.


ليقع على الأرض كل ذلك ورحاب لم تره بالأساس ، فقد كانت تنحني تلقي بالحجارة ثم تجلس أرضًا ،  وضع يوسف يده على رأسه الذي بدأ ينزف وهو ينظر لها بعيون متسعة ثم صرخ في وجهها بحنق شديد:


_ أنتِ يا حوله خلاص مشيوا ، منك لله يا بعيده . 


ومن بعد هذا الموقف توالت المصائب على رأس يوسف ، وبات الوعاء الذي تفرغ فيه مقالبها ، تذكر أنه في مرة كان يسير أسفل مبنى الفنون الجميله حينما شعر بسوائل تهبط فوق رأسه حيث أوقعت عليه دلو مملوء بالألوان بدلًا من رميه على هدفها ومرة أخرى كان يجلس ليأكل طعامه حينما مرت من أمامه بقوة وهي تركض كالعادة من بعض الفتيات ليسقط طعامه على الأرض وعلى ملابسه.


وغيرها من المواقف وآخرها موقف اليوم ، آفاق يوسف من شروده وهو يتوعد لها ثم غاب صوته مع دخوله إلى غرفته .


❈-❈-❈

مساءًا ....


كانت تجلس في شرفة منزلها تحتسي كوبًا من القهوة وهي تتطلع إلى النجوم في السماء وتلقائيًا ارتسمت بسمة صغيرة على شفتيها حين برزت صورته أمام عينيها ، لقد عرفته منذ اللحظة الأولى لا تدري لماذا يقع دائمًا في طريقها ليتحمل مشاكلها تلك ؟ لا تنسى ذلك الموقف الذي رأته فيه لأول مرة وكل ما تذكرت ما فعلته تضحك من أعماق قلبها لا تدري حقا لما فعلت ذلك به .


تنهدت بحزن شديد فأين ستعثر على من يتحمل جنونها وعفويتها تلك من يتقبل كل تصرفاتها برحابة صدر ، من يشاركها ولا يسأم منها وتبقى في قلبه وعقله محفورة .


تابعت ارتشاف كوب القهوة خاصتها حتى انتهت ونهضت متجهة إلى داخل الغرفة تستذكر بعض الدروس ومن حين لآخر تطفو صورته أمام عينيها لتبتسم بصمتٍ ثم تعاود التركيز على الكتاب الذي بين يديها .


بعد مرور بعض الوقت ، أنهت فيه نصف دروسها ، أرجعت ظهرها على المقعد تسترخي بكامل جسدها وهي تغمض عيونها ، تنعم ببعض الهدوء ، أخرجها من تلك الحالة رنات هاتفها المستمرة ، فتحت عينيها بملل تنظر إلى الإسم الذي يتصدر أعلى شاشة هاتفها لثواني قبل أن تقرر مد يدها لأخذه .


ضغطت على زر الإجابة وتنهدت بهدوء تضع الهاتف على مكبر الصوت ، فجاءها صوت صديقتها المقربة داليا والتي تكبرها بعام واحد وهذه سنتها الأخيرة في الجامعه ، في حين تبقى لها هي عام آخر فهي في سنتها الثالثة ، لا تدري ماذا تفعل حين تتخرج داليا ؟؟ وكيف لها أن تتحمل الجامعه بدونها ؟.


_ رحاب ؟.


همهمت رحاب بصوت خرج فاترًا وهي تقول :


_ ايوه يا داليا معاك.


وصل لها صوت داليا معاتبًا :


_ آه يا واطيه بقى تسيبيني في وش المدفع وتخلعي يالا هقول إيه عادتك ولا هتشتريها ؟ 


ضحكت رحاب بمشاكسه وهي تقول ببسمة صغيرة:


_ اتعودي بقى ، بعدين أنا والله مسكينة المشاكل هي اللي بتحبني يا داليا .


حركت داليا رأسها بيأس منها ثم اتكأت على فراشها تسحب إحدى الوسائد تضعها خلف ظهرها وهي تقول بنبرة متهكمة:


_  مسكينة فعلا ، المهم ايه اللي عملتيه في يوسف  ده حرام عليك يا رحاب ، تعوريه بالشكل ده ، إيه يا بت العنف ده اللي بقيتي فيه ؟؟.


أمسكت رحاب إحدى خصلات شعرها تلعب بها وهي تردد بصوت حانق : 


_ يستاهل ، قال إيه عايزني اخيطله هدومه كنت الخادمة بتاعته ولا مراته ؟؟ بعدين أنا مش عارفه إيه حكايته معايا كل شوية الاقيه في وشي حظه كدا ، ده اتمرمط حتت مرمطه انهارده وشلة منار فعصوه تحت رجليهم يا قلب أمه ، نرجس حكتلي وكنت هموت من الضحك. 


ابتسمت داليا بيأس وهي تسألها :


_ أنت عارفاه من زمان بقى ؟؟. 


ردت رحاب بصوت هادئ:


_ آه بس مكنتش أعرف اسمه ، حصل معايا حوار كدا من أسبوع ومسكت جردل الماية غرقته بيه في الحمامات ، كنت هرميه على منار أما طلع هو قصادي بقى وأنا مش بعد ما جهزت المقلب وفضلت مستخبيه في الحمامات علشان ازغف اللي ما تتسمى أروح على فشوش يرضيكِ يعني  ؟؟.


اتسعت عيني داليا ثم هتفت بضيق شديد:


_ يخربيتك يا رحاب يا بت أنتِ معجونة بمياة شياطين . 


قلبت رحاب عينيها بسخط مرددة ببسمة متهكمه :


_ قولتلك هما اللي بيجروا شكلي ، المهم كنتي متصله بس علشان تشتميني ولا في حاجه مهمه ؟؟. 


_ في إن منار مستحلفالك بكرا وبتقول لو جيتي هاتخليك مسخرة الجامعه وأنا معاك يا اللي تنشكي ما بخدش منك غير وجع الرأس.


ابتسمت رحاب بملء شفتيها وهي تقول :


_ أعلى ما في خيلها تركبه ، وأنتِ متخافيش مش هاتعملك حاجه وإن عملت أنا هربيها.


_ ربنا يستر أنا مش مطمنه !.


❈-❈-❈

صباح اليوم التالي ...


وقفت أمام المرآة تنهي لف حجابها وهي تتنهد بصوت مرتفع تفكر في حديث داليا بجدية ، ترى ماذا ستفعل تلك الفتاة هذه المرة ؟؟. 


خرجت من فقاعة أفكارها على صوت أخيها مازن يسألها عن الشاحن الخاص به ، التمعت عينيها بالمكر ثم هرعت نحوه تقول بملامح مترجية :


_ مازن تعالى معايا الجامعه انهارده أرجوك.


نظر لها مازن بطرف عينه ثم تابع إغلاق أزرار قميصه يقول ببرود شديد:


_ مش هينفع ، عندي سكاشن مهمه انهارده .


مطت رحاب شفتيها تقول بسخرية:


_ سكاشن بردو يا مازن ؟ وسكاشن دي اسمها بيبدأ بحرف الجيم ؟.


_ طيب رايح أشوف جميلة أنتِ عارفه إني بحبها وهي مش بطيقني أصلًا ، وهفضل وراها لحد ما توافق .


مصصمت رحاب شفتيها تقول بسخرية لاذعة :


_ أين الكرامة أنا لا أراها ؟؟. 


استدار لها مازن ينظر لها ببسمة صغيرة وهو يقرص وجنتيها بقوة طفيفة بعض الشيء يقول :


_ بكرا نشوف كرامتك أنتِ هتمرمطيها إزاي ؟ ابعدي بقى من وشي ، مش قد المشاكل ما تدخليهاش وريحينا .


_ يا مازن هيقطعوني .


رد مازن ببسمة ينبعث منها المكر : 


_ يالا ياكش تتربي شوية .


ضربته رحاب بقوة على كتفه تقول ساخرة:


_ اومال انبارح كنت مبهور وتقولي تربيتي ومش عارف إيه ؟؟ 


_ كنت بسايرك علشان اخد الشامبو بتاعك بالمناسبة العلبة خلصت .


بُهت وجهها وقبل أن تنطق بحرف كان مازن قد فر هاربًا من أمامها لدرجة كاد يوقع صافي أرضًا والتي وضعت يدها على قلبها وهي تقول بضيق : 


_ شوية مجانين ، منكم لله طهقتوني في عيشتي .


خرجت رحاب من صدمتها بتخلي مازن عنها وسرقته للغسول خاصتها وهي تقول بغضب حينما وصل لها حديث زوجة عمها :


_ ايوه طلعي الوحش اللي جواك يا صافي .


نظرت لها صافي بقرف وهي تدفعها من أمامها متجهة إلى داخل المطبخ :


_ يا شيخه حِلي عن دماغي بقى ، على ايمتى وتتجوزي واخلص منك .


أخرجت رحاب لسانها تقول ببسمة واسعه:


_ بعينك ، هفضل وراك كدا .


زفرت رحاب أنفاسها في ضيق شديد وهي تقول مشجعة لذاتها :


_ يالا هي علقه تفوت ولا حد يموت والله اللي هتقرب ليا منهم لأكون شكياهم للعميد .


❈-❈-❈

بعد مرور بعض الوقت....


ترجلت من الباص وهي تضغط على حقيبتها أعلى كتفها وكأنها تستمد منها قوتها ثم خطت خطوات بسيطة في طريقها إلى الجامعة ، أخرجت نظارتها الشمسية ووضعتها على عينيها وهي تسرع الخطى .


وقفت أمام حارس الأمن الخاص بالجامعه تخرج الكارنية الخاص بها وهي تقول له ببسمة متوترة :


_ عم أمين بقولك سمعت إن طلاب الفرقة التالتة في مبنى علوم ناويين يعملوا شغب خد بالك بقى وبلغ سيادة العميد .


نظر لها العم أمين حارس البوابة يقول بنبرة بها شيء من السخرية وهو يدنو منها قليلًا برأسه:


_ شغب ؟؟ والله ما في حد بيعمل شغب غيرك هنا ، سبحان ما مصبر العميد على بلاويك وكل مرة تخرجي منها زي الشعرة من العجين.


رفعت رحاب يدها في وجهه وهي تبتعد خطوة عنه تردد بصوت حانق :


_ أعوذ برب الفلق ، ماتقطعش بس شكلي المرة دي مش هانفد منها ، ادعي لي ...ولا اقولك لا ما تدعيش كفاية نظرات الشماتة اللي شيفاها في عيونك دي .


ختمت حديثها وهي تبتعد عنه لتدخل إلى محيط الجامعة وقفت في منتصف الساحة والكل ينظر لها بعيون مترقبه ، ابتسمت هي بتوتر شديد ثم تابعت السير وما كادت تتقدم خطوة أخرى إذ وفجأة فُتحت عليها أبواب جهنم ووجدت نفسها في المنتصف ومن حولها التفت مجموعة من الفتيات الغاضبة ذوات البشرة المحمرة للغاية، شعرت رحاب بحلقها قد جف فجأة ، بحثت عن شيء لتقوله ولكن عقلها قد فر هاربًا .


وقعت عينها على غريمتها تبتسم بشر وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها تقول ببسمة صغيرة ينبعث الخبث من نظرات عينيها:


_ والله ووقعتي يا رحاب ومحدش سمى عليكِ  .


حاولت رحاب الثبات ثم قالت ببسمة صغيرة وهي تقبض على كف يدها :


_ اهدي يا منار يا حبيبتي ده شيطان ودخل بينا .


تحسست منار بشرة وجهها وهي تقول ببسمة مقهورة :


_ شيطان بردو ، ده أنا هندمك على اللي عملتيه فينا وزي ما ضحكتي علينا الجامعة كلها هامسح بيك بلاطها وهخليك عبرة لمن يعتبر .


نقلت رحاب عينيها على الجمع المجتمع والكل يراقب بصمتٍ شديد ، دعت في داخلها أن يحدث أي شيء وينقذها من بين براثينهم ، العميد  ، الأمن ، أي أحد ، يوسف أين يوسف ؟ لطالما أنقذها في كل مرة ، ولكن ليس هناك أحد الجميع قد تواطأ على قتلها اليوم .


رمتهم بنظرات مُشتعلة وهي ترتعد من داخلها ، أبصرت عينيها نظرات منار لبعض الفتيات ليمسكن بها وتقدمت إحداهن صوبها أمسكت بها من جهة والأخرى من الجهة الأخرى ضغطن بأيديهن على كتفيها .


حاولت رحاب التملص منهن ولكن تمسكن بها جيدًا ، همست منار بشر وهي تتقدم منها وفي يدها مقص حاد ، توسعت عيني رحاب رعبًا وهي تقول بغضب شديد:


_ أنتِ هتعملي إيه ؟؟ اياك تقربي مني !.


بسخرية شديدة أردفت منار وهي ترفع المقص أمام وجهها:


_ اقرب بس ؟ ده أنتِ هتشوفي دلوقت هعمل إيه ؟؟.


وزعت رحاب نظراتها على الجميع وهي تصرخ بغضب :


_ انتوا هتقفوا ساكتين ، أنا معملتش اللي عملته إلا لأني بدافع عن نفسي وهما اللي غلطانين وبدأوا بالغلط هي اللي حبستني في الحمام ومرتين مش مرة واحده ، ونزلت سكينة الكهرباء وقبلها اتكلمت عني بطريقة مش كويسه ، تنمرت عليا وخلتني مسخرة قدامكم ، أنا دافعت عن نفسي .


صمتت لثواني ثم ابتسمت بسخرية على ملامحهم ، قائلة بتهكم :


_أنا مابفتعلش المشاكل ، أنا بحاول اخد حقي من اللي بيأذيني وما يهمنيش هو مين ولا أبوه مين ؟؟ بس يا خسارة بقينا في زمن كله بيطاطي رأسه للظلم ويقف ساكت أخرس ، ويهدر حقه ويتذل ، ياما البنت دي ضحكت عليكم واتنمرت وخلتكم مسخرتها وانتم فضلتوا ساكتين.  


أخفض الشباب والفتيات أعينهم أرضًا يتهربون من سماع كلماتها ، فـ والد منار أكبر مساهم في الجامعه وصديق للعميد نفسه ، وله علاقات قوية في البلد .


رفعت منار يدها وقامت بصفعها بقسوة وقبل أن تجذب حجابها ، لتنزعه عن رأسها أمامهم ، شعرت بيد قوية تمسك بمعصمها تضغط عليه ، رفعت بصرها له ترمقه بنظرات غاضبه وهي تقول :


_ أنت مين سيب أيدي ازاي تتجرأ وتمسكها ؟؟ .


تحدث هو بسخرية شديدة ثم أفلت يدها بقوة ، وضع رحاب خلف ظهره بدون أن يلمسها ، فكل ما فعله أنه وقف أمامها :


_ أنتِ فاكره نفسك مين ؟ علشان تعملي اللي بتعمليه ده ؟؟.


بغضب شديد قالت منار وهي تحاول جذب رحاب من خلفه :


_ بقولك إيه أوعى من طريقي أنت متعرفش أنا مين وأقدر أعمل إيه ؟؟ ومتدخلش في اللي ملكش فيه يا شاطر اقف اتفرج وأنت ساكت . 


همست رحاب بصوت منخفض :


_ يوسف أوعى تسيبني ليهم .


نظر لها يوسف يطمئنها ثم قال :


_ متخافيش أنا دايمًا في ضهرك .


صاحت منار بغيظ شديد وهي تشير صوبهم :


_ المشهد الرخيص ده شوفته فين قبل كدا ، بقولك ايه دي مشاكل بنات فاخلع منها بدل ما أمسح بكرامتك الأرض.


رفع يوسف يده وكاد يصفعها فأمسكت رحاب بيده سريعًا تمنعه حينما لاحظت إحدى صديقات تلك المغرورة تصور ما يحدث ، تقول بتوتر شديد :


_ لا يا يوسف ماتلوثش ايدك بيها وزي ما بتقول دي مشاكل بنات أخرج أنت منها .


قالت ذلك لأنها تدرك خطر تلك الفتاة وما يمكنها فعله وهي لا ترضى له الأذية يكفيه ما حصل له حتى الآن منها ، وكما يقول المثل الذي لا تعلم أين قرأته حتى 

واجه مشاكلك بشجاعه ولا تتهرب منها ، استغلت انشغالها بالحديث مع يوسف وأخرجت رزاز الفلفل الذي لا يغادر حقيبتها ثم قالت بتهكم شديد:


_ اللي هتقربلي منكم تودع وشها اللي في أيدي ده ماية نار يالا غوروا من هنا .


نظرت لها منار باستخفاف وقبل أن تنبس بحرف ، قالت رحاب :


_ مش بهزر ابعدوا يالا ، ولو هتهدديني هقول إني معرفش الماية دي جات منين وانك أنتِ اللي جبتيها وحتى لو لبستها متقلقيش هعرف أخرج منها إنما أنتم بقى يا خسارة هاتبقوا مشوهين يعني ، ثانية لقيت حد منكم هنا هرشها وابقوا امسكوني لو عرفتوا . 


بعد كلمتها انتشر الكل من حولها وتبقى بضع فتيات المقربين فقط من منار ، ومنار التي قالت بحنق شديد:


_ مش هاسيبكم في حالكم أوعى تفكري نفسك غلبتيني اللعبة لسه في أولها ولينا جولة تانيه .


ابتسمت رحاب بتهكم وهي تقلب عينيها بفتور :


_ يا مرحبا بيك وبجولاتك .


                              **** 


بعد مرور بعض الوقت ....


نظرت له وهي تفرك في أصابع يديها بتوتر تردف بصوت منخفض به شيء من الخجل : 


_ أنا آسفه إني ضربتك بالشنطه انبارح ، وبشكرك على وقفتك دي معايا .


وضع يوسف يده على رأسه حيث ضربته ، يقول بنبرة مرحه :


_ ولا يهمك اينعم اتبهدلت انبارح بس .....


غمغمت رحاب بخجل تقاطعه:


_ أنا آسفه والله ، معرفش عملت كدا إزاي ؟؟. 


أخفى يوسف ابتسامته وهو يقول بمكر وقد أعجبه خجلها ذلك :


_ وجردل المايه والطوب والألوان وغيرها مش عارف اقولك ايه ولا ايه أنتِ مرمطيني حرفيا ؟؟.


ضغطت على يديها أكثر من شدة الخجل تقول :


_ آسفه بردو على كل حاجه ، معرفش والله ليه بتطلع قصادي في كل مرة والمقلب بيبقى من نصيبك  ، وده حظك بقى يعني أنا مليش دخل . 


ابتسم يوسف بسمة صغيرة جعلت رحاب تحملق فيه بذهول قبل أن تخفض بصرها أرضًا حينما وصل لها صوته يردف بنبرة هادئة:


_ خلاص حصل خير ، عموما مفيش داعي تتشكريني ، أنا عملت اللي لازم يتعمل ، بس أنتِ ماتحتكيش بالبنت دي ، حاولي تعيشي في هدوء شوية بعيد عن المشاكل.


ضحكت رحاب بخفوت تقول ببسمة صغيرة:


_ فيا مغناطيس بيجر المشاكل ليا .


_  تتجوزيني طيب ونحل المشكله دي !. 


نظرت له رحاب بتفاجىٔ وهي تفتح عينيها على وسعها ، احمرت وجنتيها وخرج صوتها خافتًا وهي تقول :


_ أنت بتهزر ؟؟.


ابتسم يوسف بسمة واسعه وهو يتنهد بقوة قائلًا وأعينه عليها :


_ لا مش بهزر ، قولي ليهم في البيت إني هاجيب والدتي إن شاء الله على الساعه تسعه سلام . 


ختم يوسف حديثه ثم غادر من أمامها ، بقت رحاب تنظر لأثره بذهول وابتسامة بلهاء رُسمت على شفتيها .


                          ***** 


مر اليوم الدراسي على خير ، وعادت رحاب للمنزل وكان مازن وصافي يحدقان بها بملامح جامدة وهما على أعصابهما من صمتها الغريب بعد أن جمعتهم .


كان أول من نطق هي زوجة عمها صافي :


_ يا بت سيبتي أعصابنا عملتي إيه ؟؟ نلحق نتصرف ونتويكِ .


شاركها مازن في الحديث يقول بنبرة متهكمه :


_ آه اخلصي قولي ، قتلتي منار وأبوها هياجي يسجنك ؟؟.


فتحت رحاب فمها تقول بنبرة خجوله وهي تفرك في أصابع يديها:


_ أنا متقدم ليا عريس .


وقعت صافي مغشي عليها من الصدمه ، رمقتها رحاب بملل ، في حين كان مازن يطالع وجهها بتشنج وهو لا يصدق ما تفوهت به فمن المجنون الذي يرضى بأخته ؟؟ 

فكل مرة يتقدم لخطبتها أحدهم يهرب بعد مقابلتها وتخرج هي بكل بساطة تخبرهم أنها غير موافقه وأنه راسب في الامتحان .


يتبع ...

الصفحة القادمة