رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 1 - 2 - السبت 9/11/2024
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الأول
2
تم النشر السبت
9/11/2024
يجلسان في شرفتهما بعدما بلغ الكبر منهما وأخذ العمر حقه من ملامحهما وأجسادهما ، لم يجدا ونيسًا ولا أنيسًا سوا بعضهما البعض ، ولكنها دومًا تحن لولديها وتشتاق لرؤيتهما ، تشتاق لعناقٍ يشبع عاطفتها ، أحدهما لم تره منذ عامين والآخر لم تره منذ اثناعشر عامًا .
قلبها ملتاع على رؤية صغيرها وتخشى أن تموت دون رؤيته ، تراه فقط من خلال أجهزة التواصل اللعينة التي تمنعها من ضمه داخل صدرها واستنشاق أنفاسه كما كانت تفعل في صغره وصباه .
عادت عينيها تلتمع أمامه كما تفعل بشكلٍ يومي ليترك فنجانه ويمد يده يربت على ساقها ثم تحدث بنبرة مستكشفة :
- يظهر كدة إنك حالفة كل يوم تشربي قهوتك بدموعك يا علياء .
زفرت بقوة ثم طالعته وتحدثت بنبرة يسكن بها الشوق والحنين :
- وحشوني أوي يا أمجد ، وثائر وحشني أوي أوي ، ماتسفرني ليه يا أمجد أشوفه وأحضنه ، خايفة أموت من غير ما اشوفه ، اتناشر سنة يا أمجد محرومة منه حتى ابنه كبر من غير ما اشيله ولا ادلعه ، يرضي مين ده بس ؟
زفر بقوة وأطرق رأسه يعاود حمل فنجانه ثم استرسل بنبرة تخفي في طياتها الكثير :
- ماينفعش يا علياء تسفريله ، هو اختار حياته بعيد عننا ، واحمدي ربنا انك قادرة تشوفيه وتتواصلي معاه ، لكن سفر مش هينفع صدقيني .
شعرت بالقهر والعجز يتملكانها ، دومًا يجيبها بنبرة صلدة حينما يتعلق الأمر بثائر ، كيف لها أن تتحمل مرور كل تلك السنوات دون رؤيته ؟ لقد بلغ الشوق منها مبلغه .
تنهيدة حارة خرجت من جوفها ولم تتمالك نفسها أكثر بل أصبحت تبكي بفطرة واسترسلت :
- لا ينفع هو ينزل مصر ولا ينفع أسافرله وانكتب علينا أنا وهو مانتقابلش أبدًا ، فوضت أمري ليك يارب ، فوضت أمري ليك إنت وبس .
حدق بها لثوانٍ ثم التفت ينظر أمامه يرتشف قهوته بصمت وعقله يصارعه في حلبة أفكار لا أحد يعلم عنها شيئًا .
انتبها لرنين هاتف علياء فحملته لتجده ابنها الأكبر أحمد لذا كفكفت دموعها وتحمحمت ثم أجابت على المكالمة المرئية تنظر لصورة ابنها قائلة بحبٍ وابتسامة هادئة تخفي حزنها عنه :
- أزيك يا أحمد ، عامل إيه يا حبيبي ومراتك وأولادك عاملين إيه ؟
ابتسم أحمد لها ابتسامة هادئة وتحدث مستفسرًا :
- ازيك إنتِ يا ماما عاملة إيه ؟ وسيادة اللوا أمجد عامل إيه ؟ .
نظرت علياء لزوجها الجالس بشرود كأنه لم يستمع إلى المكالمة وعادت تنظر إلى ابنها قائلة بإيماءة بسيطة :
- كويسين يا حبيبي ، بابا بيشرب قهوته جنبي أهو ، طمني على سها وسامر ولوليتا عاملين إيه ؟
التفت أحمد ينادي بصوتٍ عالٍ على زوجته سها التي كانت تتحدث عبر الهاتف وأتت على صوته تحادثه بنزق بعدما أنزلت الهاتف عن أذنها :
- في إيه يا أحمد عايز إيه ؟ معايا مكالمة .
أشار برأسه نحو الحاسوب واسترسل بثقب :
- طيب اقفلي لو سمحتِ ونادي على الأولاد وتعالوا كلموا ماما عايزة تسلم عليكوا .
نظرت له بغرابة ثم ابتسمت بتهكم ساخرة وهزت رأسها بلا مبالاة ثم التفتت تعود لغرفتها متجاهلة حديثه لذا ابتلع لعابه بحرج أمام والدته ولكنه تجازوه بسرعة اعتاد عليها وبات ينادي هو على أولاده اللذان لم يجيباه لذا تحدثت علياء ترفع عنه الحرج :
- خلاص يا أحمد معلش يمكن مشغولين ابقى اكلمهم وقت تاني ، بس قولي مش هتنزل مصر قريب ؟
تجهمت ملامحه وتحدث بضيق من أفعال زوجته التي تتعمد إحراجه وأفعال أولاده فصب غضبه في حديثه ونبرته قائلًا :
- انزل مصر اعمل إيه بس يا ماما ؟ إنتِ عارفة إن شغلي كله هنا في دبي ونزولي مش هيفيد بحاجة .
كأنه طعنها بسكين في قلبها المنفطر على رؤيتهما لذا تحدثت بنبرة هجومية بعدما طفح كيلها :
- تنزل اشوفك ، تنزل تشوفنا ، ولا مالناش حق عليك ؟ هتبقى إنت واخوك ؟
عند ذكرها شقيقه احتدت نبرته أكثر وتحدث بملامح متجهمة :
- أنا ماليش دعوة بخويا ، ده واحد بايع ورمى كل حاجة ورا ضهره وراح دور على نفسه وبس ، وماهموش المشاكل اللي حصلت معانا بسببه ، كفاية إني لحد دلوقتي بتعاير بسببه .
قطبت جبينها بعدما نطق الأخيرة باندفاع لتتساءل بشك :
- بتتعاير بسببه ؟ مين ده اللي بيعايرك باخوك يا احمد وليه ؟ هو إنت ماتعرفش ثائر ؟ دانتو اتربيتو في بيت واحد 30 سنة وربيناكم على الحب والود والرضا ، ليه يابني ده مهما كان اخوك .
-
- قوليله هو الكلام ده يا ماما ، ومعلش أنا هقفل علشان نازل أنا والولاد ، ابقي سلمي على بابا .
أغلق قبل أن تستوعب ليزيد من حزنها ، افترق الأخوة بعدما كان يجمعهما بيتًا واحدًا تعالت فيه الضحكات والمودة ، افترقا وأصبح لكلٍ منهما دربًا خاصًا به اختاره بإرادته .
تحدث أمجد وهو يطالعها بطرف عينه بعدما أنهى قهوته :
- ارتاحتي كدة ؟ 100 مرة قلتلك ماتفتحيش مع أحمد سيرة ثائر ، أحمد متعبي من أخوه ، منها لله سها بنت اخوكي .
تنفست بقوة لتدعم رئتيها بعدما شعرت بالضيق ولكنها أومأت مقتنعة بحديث زوجها ، تعلم أن سها زوجة أحمد وابنة شقيقها قد دست سمومها في نفس أحمد حتى بات لا يحتمل سيرة شقيقه الأصغر .
❈-❈-❈
جلست على أريكتها القريبة من مطبخها تتصفح هاتفها وتتابع أخباره بفضول لا تعلم مصدره ، ربما أرادت أن تراه يعلن عن ندمه لما فعله بها وبأولادها ، وربما أرادت أن تُرضي فضولها في البحث والمعرفة عما يعيشه ويمر به ، وربما لتُرضي غرورها الذي يؤكد لها كم هو كاره لحياته الحالية .
لا تعلم سببًا محددًا ولكنها تعلم أنها مخطئة فيما تفعله ، مخطئة للحد الذي يجعلها تلوم نفسها دومًا ، تعيش داخل شخصيتين متناقضتين إحداهما تكرهه وتريد أن تنتقم منه والأخرى تريده أن يعود إليها معترفًا بذنبه نادمًا .
انتفضت فجأة حينما هدرت ابنتها دينا من خلفها بصوتٍ تجلت فيه الصدمة :
- إنتِ بتعملي إيه يا ماما ؟
ارتبكت منال وانسحبت الدماء من وجهها خاصة وهي ترى ابنتها تطالعها بصدمة وقد رأت ما تفعله لذا قالت بتلعثم واضح :
- أبـ أبدًا يا دينا كـ كنت بقلب في الموبايل وظهرلي البوست ده .
انتشلت دينا الهاتف من يد والدتها تتأكد مما تراه لتجحظ بعدما تأكدت لذا نظرت لوالدتها بخيبة واسترسلت بعدم استيعاب :
- ماما حضرتك اللي باحثة عن اسمه ؟ إزاي تعملي كدة يا ماما بعد كل اللي عمله ؟ فهميني لسة منتظرة من إنسان زي ده إيه ؟
نهضت منال تواجهها وتحاول تبرير موفقها ولكن خانها لسانها فبأي تبرير ستردف وهي بالأساس لا تعلم ولكنها أردفت بتوتر تشعر أن أصابع الاتهام مصوبة نحوها :
- أيوة بحثت بس مش علشان حاجة صدقيني يا دينا ، باباكِ أنا خرجته من قلبي ومن حساباتي من زمان ، اوعي تفكري إني ممكن اسامحه على جوازه عليا واللي عمله معايا ومعاكم ، بس أنا نفسي اشوفه ندمان ، نفسي اشوف حقي بيرجع منه ، صدقيني يا دينا هو ده اللي بيخليني ابحث وادور على صفحته .
تعلقت بذريعتها وهي تنظر في عيني ابنتها التي تدينها لتسترسل دينا وهي تهز رأسها نفيًا :
- لا يا ماما ، مش مبرر ، ندمه من عدمه مش هيفيدنا بحاجة ، الإنسان ده مافيش بينا وبينه أي شيء بعد ما راح اختار حياته ونفسه ودمرنا وسابنا ، حضرتك محتاجة إيه ؟ لو على الفلوس داغر مش مخلينا محتاجين أي حاجة ، ولو على الونس إحنا حواليكي ومعاكي علطول ، ولو على الكلام تقدري تتكلمي معايا في أي وقت أو مع ديما بس علشان خاطري ماتعمليش في نفسك كدة .
ارتدت منال على المقعد تضع رأسها بين كفيها بحزن فحديث ابنتها وضعها أمام المرآة ، جردها من ثوب اللا مبالاة الذي تعيشه ، ابنتها محقة ولكن تلك العنيدة بداخلها دومًا تخبرها بعكس ذلك وخاصة في الليل حينما تختلي بنفسها .
اتجهت دينا تجلس قبالتها وتعمدت ألا تتوقف وتابعت تضع كل سيئاته أمام والدتها على طاولة التفاوض :
- حضرتك نسيتي اللي عمله مع ديما لما غصبها تتجوز كمال وتسيب دراستها ؟ نسيتي تعنيفه لداغر علشان مايكملش تعليمه ويساعده في المصاريف ولولا تصميم داغر كان زمان مصيره زي ديما كدة ؟ لو سمحتِ يا ماما لو إنتِ حابة تظلمي نفسك مرة تانية بلاش تظلمينا .
رفعت منال رأسها تطالع ابنتها بعيون باكية وهزت رأسها تردف بعزيمة بعدما تلبستها روح الاعتزاز بما تبقى منها :
- لا يا دينا ، مانستش أي حاجة عملها معاكو ولا معايا ، مانستش جوازه عليا من غير سبب ، مانستش ظلمه لينا أول ما اتجوز ، ولا نسيت اللي عمله في ديما ولا عمري هنسى ، اعتبريها غلطة مني ومش هتتكرر تاني .
زفرت دينا تسعى للبحث عن الهدوء ثم حدقت في والدتها فلمحت الخزي لذا نهضت تتجه نحوها ثم جلست على مخدع الأريكة تعانقها وتابعت بنبرة جعلتها لينة :
- حقك عليا ، أنا بس أي حاجة فيها سيرته بتعصبني ، وبعدين أنا كنت جاية ابلغك خبر حلو جدًا ونسيت .
تنبهت حواس منال لتسمع أخبار ابنتها بترقب بعدما جاهدت لتندمج معها لذا تساءلت :
- خير يا دينا قولي .
زفرت دينا تطرد الغضب والحزن بعيدًا ثم أردفت بنبرة فرحة طفولية :
- أنا اتقبلت في الشركة الصينية اللي في العاصمة الإدارية ، هما عايزين شباب وبنات متخرجين جديد ، وبكرة إن شاء الله هروح اقابل المدير .
هذا هو العوض ، هذا الخبر باستطاعته ضرب ذكرى ذلك الرجل بعرض الحائط ، نظرت لابنتها بعيون يملؤها الفخر وتساءلت لتتأكد :
- صحيح يا دينا ؟ يعني بجد اتقبلتي وهتشتغلي ؟
أومأت لها دينا تجلس بفخر وتباهٍ مردفة :
- هل عندك شك في قدرات بنتك ولا إيه يا منال هانم ، حضرتك أنا الأولى على دفعتي وكنت لبلب في الصيني .
تملكها الامتنان وتابعت بحنين :
- بصراحة لو قعدت عمري كله اوفي دين داغر عليا عمري ما هقدر ، ربنا يخليكو ليا .
فتحت لها منال ذراعيها لتستقبلها في عناقٍ آخر معربة عن سعادتها وفخرها بابنتها الصغرى دينا التي كانت محظوظة بما يكفي على عكس ديما التي نالت من المعاناة جزءًا كبيرًا ومع ذلك تجدف بقاربها ضد تيار الحياة على أمل الوصول لبرٍ آمن .