رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 2 - 1 - الثلاثاء 12/11/2024
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الثاني
1
تم النشر الثلاثاء
12/11/2024
من يخبرك أنه يشعر بك كاذب ، هي فقط كلمة خُلقت للمواساة ولكن شتان بين الكلمات والتجربة ، لن يشعر بك سوى من عاش تجربتك كاملة .
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
أكثر ما يثير جنونها هو التجاهل ، خاصة إن كان مصدر التجاهل هذا هو طليقها الذي تتملكه أو تريد ذلك .
تشعر بالأدخنة تتصاعد من رأسها ، تتمنى لو تعبر عن غضبها بردة فعل قوية ولكن كيف بعدما نالت الأغراض المنزلية نصيبها منها وقد قرر والدها منذ فترة ألا يعاود وضع تحفًا أنيقة مادامت على جنونها هذا .
يجلس على مقعده يضع ساقًا فوق الأخرى ويدخن لفافة تبغه ببرود ، يطالعها وهي تجوب البهو جيئًة وذهابًا وتسب بألفاظ فرنسية مجردة من الأدب .
يطالعها بهدوء وصل ذروته ليتخلى عن صمته بالأخير ويردف بلا مبالاة :
- أرى أن هاتفكِ مازال سليمًا ، أنا مندهش .
لم يكن على وجهه أية علامة اندهاش ولكنه قالها ليستفزها لذا توقفت تطالعه بغيظ وتحدثت من بين أسنانها :
- أنت السبب ، بسببك أنت وبسبب عملك اللعين انفصلنا ، لا تتحدث الآن .
نفث دخان سيجارته للأعلى ثم استرسل دون أن يرف له جفن :
- السبب الرئيسي هو جنونكِ مارتينا ، لا تلقي باللوم علي ، تعلمين أن ثائر رجلٌ يحب الهدوء وأنتِ امرأة تثيرين الجنون .
تمسكت بجانبي رأسها بعدما شعرت أنه سينفجر ثم صرخت به غير عابئة أنه والدها :
- اصمت لا تتكلم الآاااان ، لا أطيق سماع صوتك .
قطع جنونها رنين جرس المنزل لتسرع الخطى نحو الباب وتفتحه بعنف لم يهتز له كلًا من ثائر وابنه بل وقفا يطالعانها ببرود أثار حنقها أكثر ولم تنظر نحو ابنها بل نظرت نحو ثائر قائلة بغضبٍ أعماها عن العواقب :
- إن أخرته مرةً أخرى لن تراه مجددًا .
باغتها بنظرة تحمل على متنها أنواعًا لا حصر لها من التوعد ثم تجاهلها ونزل بنظره لابنه يحدثه بهدوء ويده تحثه على الدخول :
- هيا يا معاذ ادخل وسأراك غدًا .
- لا لن يحدث .
قالتها بتحدٍ غير متكافئ ولكنه تحامل ينتظر إلى أن دلف معاذ وذهب مسرعًا إلى غرفته ليقف ثائر يدس يده في جيبه وينتشل علبة سجائره ليستل منها واحدة يضعها في فمه ثم أشعلها بقداحته وسحب منها نفسًا واحدًا قبل أن يلقيها ويدعسها بقدمه تحت أنظار مارتينا ثم رفع نظره يطالعها وأردف بنبرة ثاقبة وهو يحك ذقنه :
- كيف لن يحدث ؟
تضاءل غضبها وانسحب في ركنٍ بعيد وحل محله الاشتياق ، اشتاقت لهذا الجزء المظلم منه لذا تقدمت منه خطوة حتى باتت ملتصقة به لترفع وجهها وتصبح عينيها أمام شفتيه فسلطتهما عليهما واسترسلت بنبرة متلهفة يعلمها جيدًا :
- ما رأيك أن تدخل ونتحدث ، يمكننا أن نصل إلى حلٍ وسط وبإمكانك أن تظل هنا وقتما تريد .
لم يبتعد بل اقترب منها أكثر لتصبح شفتيه بين عينيها وتابع بخفوت ضاغطًا على أحرفه :
- نحن انفصلنا مارتينا ألا تتذكرين ؟ انفصلنا بعدما كدتُ أن أخنقكِ حينما رفعتِ يدكِ تنوين صفعي ، أخبريني الآن كيف يمكننا الوصول إلى حلٍ وسط ؟ الأفضل أن تتجنبيني حتى لا تتأذي .
نزع نفسه عنها فجأة ليبتعد خطوة ثم أردف بثباتٍ عرف به :
- غدًا سأصطحب معاذ ، لدينا زيارة إلى متحف اللوفر ، وداعًا princesse .
التفت يخطو نحو سيارته يستقلها ويغادر وتركها تقف تتحسر على انفصالها منه بعدما تملكها الكبرياء ووافقت ولكنها الآن نادمة ، ليتها لم توافق وقتها .
لقد ظنت وخدعها غرورها بأنه لن يستطيع العيش بدونها وبدون نفوذ والدها ، لقد فتحت له أبواب الأمنيات على مصراعيه ، أدخلته عالمها ، فرضته عنوةً على عائلتها ، عرفته على الطبقة المخملية و ... أحبته ، ألم يكن من السهل عليه أن يتغاضى عن جنونها لأجل كل تلك المميزات ؟
زفرت بقوة ثم التفتت تدخل وتغلق الباب ليقابلها والدها قائلًا قبل أن يتجه لغرفته :
- ما رأيك ؟ يمكنني أن أجلبه تحت قدميكِ ، هل تودين ذلك ؟
حدقت في عيني والدها لثوانٍ قبل أن تردف بنبرة متجهمة :
- لا تتدخل في شؤوني ، أنت من أفسدها لذا لا تتدخل .
اندفعت تصعد غرفتها والغضب يلحق بها ، الشيء الوحيد الذي يقيد وحوشها هي عزوبية ثائر ، منذ أن انفصلا وهو لم يقترب من إحداهن على الإطلاق بل يعيش وسط كتبه وجولات ملاكماته لتظن أنه يعيش على أطلال حبها .
❈-❈-❈
إشراقة الصباح في وجهها ، الابتسامة التي توزعها على طفليها وابتسامات طفليها لها هما الترياق من عثرات اليوم وكل يوم .
لم تيأس يومًا برغم ما تمر به من ضغوطات بل مفعمة بالأمل دومًا ، أو ربما هناك جزءًا منكسرًا منها يختبئ خلف الأقنعة الكثيرة التي لم تعد ترتديها بل التصقت بها حتى باتت جزءًا لا يتجزأ منها .
نادتها حماتها فاتجهت إليها تطالعها بتفحص متسائلة :
- أيوة يا ماما ؟ عايزة حاجة ؟
أشارت السيدة نحو التلفاز تشير لها على الممثلين موضحة بعقلٍ مفقود :
- شايفة اللي لابسة أحمر دي ؟ تبقى بنت خالتي ، واللي جنبها دي تبقى أختها اللي أخويا علي كان هيتجوزها .
حولت ديما نظرها نحو التلفاز ثم تنهدت بقوة وعادت إليها تتعمق في عينيها وتتعجب مما أصابها ، الأيام غدارة والزمن يشبه الدائرة ، تتخيل نفسها مكانها عند الكبر وتفكر ماذا سيكون مصيرها لذا ... ابتسمت لها بلطافة وتحدثت تستجيب معها :
- بس إنتِ أحلى منهم على فكرة .
ابتسمت العجوز وانفرجت ملامحها تجيبها بلهفة :
- أيوا ماهما كانوا بيغيرو مني ، بس خلاص بقى أنا كبرت ، أومال كمال فين ؟
ثم نظرت حولها واسترسلت بصياح :
- كمــــــــــــال ، يا كمــــــــــال ؟
اتجهت نحوها ديما تمنعها قبل أن يستيقظ الآخر غاضبًا وتقول بتريث وهي تربت على كفها :
- لسة نايم يا ماما ، هروح أصحيه واخليه يجيلك .
أومأت السيدة وعادت تتحدث مع نفسها كأنها تجلس وسط عائلتها وتحركت ديما نحو غرفة نومها ثم إلى السرير حيث ينام زوجها فمدت يدها تضعها على كتفه بخفة وتوقظه بنبرة هادئة بملامح ثابتة :
- كمال يالا اصحى الساعة داخلة على عشرة .
- عملتي الفطار ؟
هكذا كان سؤاله قبل أن يبصر حتى لتومئ مجيبة بشفاه ملتوية :
- أيوة عملته ، قوم يالا .
فتح عينيه يطالعها فوجدها تنظر له بترقب ليبعد عينيه عنها ويسترسل بنزق وتجهم :
- أقولك امبارح تعالي وماتجيش ؟ خلي بالك أنا مطوّل بالي عليكي أوي .
وقفت أمامه كالمتهمة وانعقد لسانها عن إجابة مناسبة ، هو لن يفهمها قط مهما حاولت الشرح ، لذا تنهدت بقوة وأردفت وهي تغمض عينيها وتومئ بكلمات تتناسق مع حديثه :
- تمام ماشي شكرًا إنك مطول بالك عليا ، قوم الأول نفطر وبعدين نتكلم .
نفض نفسه ووقف يتحرك للخارج بعدما لكمها في كتفها بحركته المتعمدة لترتد على أثرها لذا باتت تؤدي تمارين التنفس كي تهدأ ، كل ما تريده هو الحصول على مخزون كافٍ من الهدوء ليمر اليوم كغيره .