رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 2 - 2 - الثلاثاء 12/11/2024
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الثاني
2
تم النشر الثلاثاء
12/11/2024
الرفاهية والثراء مناسبان لعطلة راقية ولوجبة شهية ولملابس أنيقة ولعدة صور يحسدونك الناس عليها ، ولكنك لن تستطيع شراء الحب ، فالحب عملته الوحيدة هي الصدق ، والصدق طريقه الوحيد هو قلبك .
وقفت تنظر في عين عمها الذي يحدثها بنبرة مغلفة بالنصح والإرشاد :
- صدقيني يا بسمة أنا خايف عليكي ، وبلاش بقى الكلام الأهبل ده والعيون اللي براقبك بيها كل ده علشان مصلحتك ، إنتِ شابة غنية وجميلة وألف واحد ممكن يستغلك ويضحك عليكي علشان كدة لازم أأمنك كويس .
أخفت سخريتها أسفل رداءٍ من البرود وتحدثت بهدوء :
- تمام يا أونكل المرة دي مش هقول كلام أهبل ، بس على الأقل احترم ذكائي شوية ، يعني إيه حد يضحك عليا أو يستغلني ! أنا مش غبية .
تحدثت زوجته التي نهضت من جلستها بعدما لمحت ثقة بسمة تلوح حولها :
- إيه الكلام ده يا بسمة ؟ إنتِ عارفة ومتأكدة إن عمك بيخاف عليكي وهو على دراية بالناس أكتر منك ، وبعدين يا حبيبتي محدش قلل من ذكائك بس هو ذكائك ده ليه مش قادر يتقبل ماجد ؟
حاصرتها زوجة عمها بالقيود التي تقبض على أنفاسها لتزفر بقوة وتجيبها بترجٍ مبطن بالجدية :
- طنط لو سمحتِ ، قلت لحضرتك مليون مرة إن ماجد أخويا ، عن اذنكو .
قالتها والتفتت لتغادر الفيلا بشعورٍ مختنق وتركتهما ينظران لبعضهما نظرات ذات مغزى ، كلٍ منهما يخطط للاستيلاء على ثروتها التي ورثتها من أبويها بأي وسيلة ، ربما ظن عمها أنه الأحق بها ، هو يعاملها بجدية لا بقسوة ولا بحنان ، فقط بعض المشاعر التي تم انتشالها من أسفل ركام العائلة خاصةً بعدما توفي شقيقه وزوجته ولم يتبقَ لابنة أخيه سوى ورثها الكبير وهو .
لم يخطئ حينما طلبها لابنه بل يجب أن تسعد وتشعر بالامتنان ولكنها شامخة لا تنحني مثلها مثل والدها ، لتفكر زوجته بدلًا عنه في كيفية هدم قلعة الشموخ هذه بينما يتركها هو تفعل بها الأفاعيل ما دام هذا سيصب في مصلحتهم ولكن ما يمنعهما من تحقيق حلمهما هو ابنهما ماجد الذي يرى أن بسمة بمثابة شقيقته .
❈-❈-❈
( نبرع في شرح ما يعتلينا للبحر ، نجلس أمامه ومن نظرة واحدة للأفق نعترف بكم الآهات والصراعات التي حبسناها داخلنا والتي لم نتفوه بها أمام البشر حتى لا ننتقص من أنفسنا ولكن .. هل فكرت يومًا أن تبدل الأدوار وتستمع أنت إلى البحر ؟
ذلك الذي تبوح له بكل أحزانك ألم تسأل نفسك عن مشاعره هو ؟
ربما هو حزين ويبكي وما أمواجه هذه إلا دموعًا فائضة ظننتها طبيعته ، تحبه هادئًا وديعًا مطيعًا لك وتخشاه حينما يثور برغم أن ثورته هذه ربما كانت صرخة تحمل شكوى متنكرة لأنه قرر من البداية أن يظل شامخًا مهيبًا لا يدركه أحد )
وضع نقطة بعدما خطّ بقلمه هذه الكلمات في دفتره الخاص ثم التقط لفافة تبغه من بين شفتيه ونفث دخانها للبعيد وعاد يضعها مجددًا بين شفتيه بعدما قرأ ما كتبه ، دومًا يعيد قراءة ما يكتبه بنظرة مختلفة فيصبح هو الكاتب والناقد في آنٍ واحد لذا فهو لا يتقبل أي نقد ، عُرف في الوسط الأدبي بهجومه على ناقديه ، شيد لنفسه قلعة شامخة يُنظر لها بإعجابٍ فقط ، ولهذا هو له أعداءً كُثر وله أيضًا جمهورًا خاصًا به ، جمهورًا حول العالم أحب الغرق في دوامة كلماته ، كلماته التي لم تمس سوى المغتربين ، الساكن في قلوبهم هجرة وظُلمة ، الباحثين عن وطن ، المتلهفين للدفء .
أعلن هاتفه عن مكالمة مرئية من والدته التي اشتاقت له حتى جفت ينابيع الاشتياق ، هذه السيدة التي في كل مرة تحدثه تستطيع إضاءة غرفته المظلمة لعدة ثوانٍ فقط فيصبح أمامها مرئي الأركان ثم يعود بعد ذلك لانطفاءه وغموضه .
نزع سيجارته وسحقها في المطفأة ثم حمل الهاتف يجيبها بملامح جادة ونبرة شبيهة قال بها بالفرنسية :
- صباح الخير يا أمي ، كيف حالك ؟
تعمقت في ملامحه قبل أن تجيبه ورأت في عينيه الصراعات كما تراها دومًا ولكنها ابتسمت الابتسامة التي يتخذها درعًا يحتمي خلفه وقالت بنبرتها العاطفية تجيبه بالفرنسية المماثلة :
- بخير يا ثائر ، لِم لم تهاتفني أمس ؟
استدار بوجهه عنها يبحث عن كذبة سريعة ثم عاد يطالعها بعد لحظات ويجيب بنبرة فاترة :
- انشغلت قليلًا يا أمي ، كيف حال أبي ؟ هل هناك من جديد ؟
تنهيدة حارة خرجت من جوفها وهي تخبره بما حدث أمس ولكن تلك المرة بلهجتها :
- طلبت من أمجد أجيلك فرنسا بس قالي مش هينفع ، نفسي اشوفك والمسك بإيدي وأحضن معاذ يا ثائر ، خلاص اتحكم عليا اتحرم منكم ؟ حد يفهمني إيه اللي بيحصل ومش هينفع ليه ؟
نهض من مقعده واتجه نحو النافذة يفتحها ويمد يده خارجها كأنه يرحب بالمطر الذي هطل فجأة لينتشله من تساؤلات والدته لذا لف الهاتف للجهة الأخرى واسترسل بنبرة تعمد بها تجاهل كل ما قالته علياء ظاهريًا ولكنها مبطنة بمغزى فهمته جيدًا :
- انظري إلى المطر الذي هطل فجأة برغم سطوع الشمس ، الطبيعة دومًا تدهشني يا أمي ، لا أحد يعلم ما يمكن حدوثه بعد لحظات من الآن .
تنفست علياء بقوة وأومأت ثم ارتدت قناع الجدية فهي تعلم جيدًا أنها لن تجد الجواب لا عنده ولا عند أحد لذا تابعت تواري اشتياقها في جوف الصمت لتردف حسب الرغبة :
- أيوة امبارح بردو مطرت فجأة عندنا ، كنت أنا وباباك قاعدين بنشرب القهوة في الفراندا ومطرت ، أمجد دخل بس أنا لاء ، إنت عارف إني بحب المطر جدًا .
وهو أيضًا يحبه وهذه صفة ورثها منها لذا قال :
- نعم أعلم لذا أردت أن أريكِ مطرًا فرنساويًا برائحة القهوة التي تناولتها منذ قليل .
- وفطرت ولا شربت قهوة على معدة فاضية زي عادتك ؟
سألتها علياء باهتمام ليبتسم ثائر ويتجه نحو المطبخ الخاص به ويبدأ في تحضير شطيرة أمامها كي يريحها قليلًا ، راحة جزئية مجردة من السكينة .
ظلت معه إلى أن أنهى تحضيرها واتجه يعود لجلسته ثم تساءل بسخرية حينما وجدها صامتة فقط تطالعه :
- هل ستظلين تحدقين بي هكذا ؟ أليس لديك رجلًا جائعًا ينتظر إعدادكِ للطعام ؟
- عايز تقفل ؟
لم يجبها وكان هذا جوابًا تفهمه لذا تساءلت حينما تذكرت أمر منشوراته على وسائل التواصل :
- مش هتبطل بقى منشوراتك دي ؟ ، بتستفاد إيه من إثارة الجدل نفسي افهم ؟ ماتعلمتش حاجة من كل اللي حصل ؟
قضم قطعة من الشطيرة يلوكها في فمه ثم استرسل قبل أن ينتهي منها :
- هذا رأيي يا أمي من تقبله مرحبًا به ومن لم يتقبله فالحظر أفضل خيار .
تمعنت فيه بنظرة متفحصة ثم استرسلت :
- تمام اعملي حظر يا ثائر ، مهو أنا مش هتقبله أبدًا ، هو انت ناسي إني عربية مسلمة ومحجبة ؟ معقول شايفني بلا عقل ؟
بدأ يشعر بالضيق لاحظته جيدًا لذا أسرعت تتابع :
- اقفل اقفل ، بدل ما تعملي بلوك بجد ، وابقي طمني عليك ولما معاذ يبقى معاك خليني أكلمه ، مش عايزة أكلمه واتفاجئ بمارتينا طلعالي من المكالمة تشوح وتلوّح .
ابتسم حينما أفلتت قبضتها من حوله لذا استرسل :
- حسنًا يا أمي ، هيا اذهبي واطمئني على زوجكِ ودعيني أكمل عملي ، سلام .
أغلق معها وعقله تعلق بحديثها عن منشوراته التي يهاجم بها المجتمع العربي وخاصة المصري وتحديدًا النساء التي تعد والدته واحدة منهن .
ابتسم بخبث وهو يستعد ليكتب منشورًا آخر من هذا القبيل متذكرًا كلمات تلك المصرية التي ظنت نفسها تهاجمه .
أسرع يعبث بهاتفه لتظهر أمامه صفحتها التي حفظها ، للمرة الأولى تكتب إحداهن تعليقًا باللغة العربية فمن أين أتتها الثقة أنه سيهتم به ؟ وكأنها تعلم مسبقًا .
وقفت عينيه أمام منشوراتها والتعريف الخاص بها يقرأه مرة تلو الأخرى ويردد بهمس :
- ديما الصابر
مصرية مسلمة
متزوجة ولدي شمسًا وقمرًا
كوكبي قابل للعيش بسلام .
لم تضع صورتها بل وضعت صورة خيل من السلالة المصرية الأصيلة ، كلمة متزوجة لم تشفع لها ليتوقف عن البحث بل أراد الهبوط على كوكبها ليستكشف السلام الذي قالت عنه لذا بدأ يقرأ تدويناتها واحدة تلو الأخرى وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة ساخرة وهو يردد داخله :
( من هذه المرأة التي تظن الأرض خلقت للسلام ، بالنسبة له هي زوجة مصرية تعيش حياة هادئة مرفهة لا تفقه شيئًا عن العالم من حولها ، فليتركها في أحلامها الوردية ويذهب إلى الواقع )
ابتسم حينما جعلته يستلهم منشورًا جديدًا بسببها لذا أسرع يدون لمتابعيه الذين تخطوا الملايين :
( نساء العرب تعتقدن أنهن يمتلكن النعيم الذي يبحث عنه أي رجل ، والحقيقة أن إحداهن تقرأ رواية عن زعيم عصابات فيصبح بطل أحلامها ، وإحداهن تقرأ عن رجلٍ يتزوج امرأتين فتهيم به عشقًا وتتمنى أن تصبح الثالثة ، وأخرى تقرأ عن رجلٍ يعاني من باقة أمراضٍ نفسية فتتخذه قدوة أمام صديقاتها متباهيةً بأفعاله ، نساء العرب لا يمكن الوثوق بهن فخيالاتهن مليئة بالرجال المنحطين وفي النهاية يحدثونك عن كوكب السلام ! )
دون منشوره وأرفق معه صورة ساخرة و... تم النشر بنجاح وعلى محيّاه ابتسامة متحدية وكأنه يدوّن هذا المنشور لها .
❈-❈-❈
استمعت إلى رنين هاتفه وهي تقف في المطبخ واستشعرت هوية المتصل دون أن ترى .
ترقبت السمع جيدًا ليصدق حدسها حينما سمعت زوجها يجيب بنبرة صلدة قائلًا :
- أهلًا يا حاج محسن .
شعرت بعصرة تقبض صدرها لذا حاولت سحب الأوكسجين بالقدر المستطاع وصبت اهتمامها على القهوة قبل أن تفور وأحضرت فنجانًا تصبها به ثم أحضرت صينية صغيرة تضع بها الفنجان وبجواره صحنًا احتوى على قطع الشوكولاته والبسكويت المحشي .
انتظرت قليلًا تستمع إلى زوجها يتحدث بصوتٍ مرتفع صاخب يثير حنقها ولكنها اعتادت ، ما إن أنهى مكالمته حتى حملت الصينية واتجهت نحو غرفتهما حيث يجلس .
وضعتها أمامه على الطاولة واعتدلت تردف :
- اتفضل القهوة .
- أبوكي بيكلمني على فلوس سلف ، هو مفكرني قاعد على بنك ولا إيه ؟
لم يسعَ يومًا لمحاولة تجنيبها الخوض في مواجهات مرهقة ، لم يقدّر يومًا طبيعة شخصيتها التي تجنح للسلم بل يتعمد أن يضعها وسط ساحة قتال لا تحمل فيها درعًا وليس لها فيها ذنبًا .
زفرت واتجهت تجلس في مقابلته واسترسلت بنبرة جعلتها لينة كطبيعتها :
- قوله مش معايا وخلاص يا كمال ، مالوش لزوم الدخول في جدالات .
تجاهل قولها وحمل قهوته يرتشف منها ثم نظر للأمام يستعيد ذكريات مضت منذ سنوات ويردف بنبرة صلدة قاسية استهدفت روحها :
- كان عامل لي فيها ياما هنا وياما هناك وعمال يتشرط ويتأمر وأنا بطلبك وقُرب الجواز كل شوية يكلمني هات كذا انت يا كمال ، ومعلش أصل وفصل وفي الآخر شيلني الحاجات اللي المفروض انتوا اللي تجيبوها .
هكذا أقنعته والدته قبل أن تمرض ، بل أنه ترعرع على الذكورية المطلقة والأنانية التي جعلته يتربع على عرش اللا مبالاة بمشاعر من أمامه .
ومع ذلك هذا الحديث كان يحطمها في السابق وتسبقها دموعها أما الآن فباتت تبدو فولاذية لا يكسرها شيئًا ظاهريًا
فقط لذا تحدثت باندفاع تدربت عليه لسنوات :
- إنت بتتكلم في إيه دلوقتي ؟ حاجة راحت من سنين وعدت لسة بتحكي فيها ليه ؟ واحد طلب منك مبلغ وقلتله لاء ، خلصنا .
حينما تجابهه ينتبه لها ويستشعر ثورتها لذا يخمدها سريعًا وهذا ما حدث حينما التفت يطالعها لثوانٍ ثم تبدلت نبرته وهو يلتقط إحدى قطع الشوكولاتة ويتابع :
- ماقصدش حاجة يا ديما يعني وبعدين هو إنتِ تايهة عن جوزك ؟ مابيعرفش ينسى بسهولة ، وبعدين إنتِ زعلانة عليه ولا إيه ؟ مش هو ده اللي سابكو وراح دور على مزاجه واتجوز على أمك .
ألقى عليها قنبلة كلماته التي هدمت كل دفاعاتها ، هذه النقطة تحديدًا لا تتحملها ، تستنكرها وتستنكر ذكراها ويظل هو يذكرها بها ، دخول صغيرتها كان رحمة لها حيث حاولت البحث عن شاطئ الهدوء وأثناء ذلك اقتربت الصغيرة منها تسألها مشيرة بإصبعها نحو صحن الحلوى :
- ماما عايزة شوكلت .
مد كمال يده يأخذ واحدة وناولها لصغيرته يقول بفظاظة تحذيرية :
- خدي واحدة أهي بس ماتعمليش كدة قدام حد غريب ، اوعي .
أومأت الصغيرة وهي تأخذ منه القطعة وعادت من حيث أتت فنظرت ديما إليه وتحدثت بجدية موضحة :
- اسمعني كويس يا كمال ، مش كل شوية هتعيد نفس الكلام قدامي ، اللي عمله أبويا لهو عيب ولا حرام ده مهما كان شرع ربنا ، ماتتكلمش تاني معايا في الموضوع ده .
مد يده يتحسس وجنتها وهو يتابع بنبرة تمثيلية متظاهرًا بالود :
- إنتِ زعلتي ولا إيه ؟ ياستي سيبك منه إنتِ محتجاله في إيه يعني ؟ أنا جنبك أهو اعتبريني أبوكي وجوزك وحبيبك وكل حاجة ، مع إنك مزعلاني إمبارح بس إنتِ عارفة مابتهونيش عليا .
عادت لطبيعتها الهشة ، طبيعتها التي تستنكر ما قالته منذ قليل ، تعلم يقينًا أن والدها أخطأ ولم يلتزم لا بشرع ولا بحلال ، تعلم يقينًا أن والدها باع الغالي واشترى البخس وخسر معركة الأبوة معهم ولكنها أبت أن تنحني أمام هجوم كلماته القاسية التي سيتخذها كسلاحٍ يصوبه نحوها بعد ذلك .
أبعد يده عنه حينما لم يجد منها ردًا على كلماته الودودة التي قالها لذا نهض يزفر باختناق واسترسل بتجهم :
- هاتيلي هدومي يالا علشان البس وانزل .
نهضت تتجه لخزانته تفتحها وتنتزع منها إحدى الأطقم المهندمة وتساعده على ارتدائها بصمتٍ استحوذ عليها كليًا فقط تؤدي واجباتها .