-->

رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 3 - 1 - السبت 16/11/2024

  

قراءة رواية بحر ثائر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية بحر ثائر

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل الثالث

1

تم النشر السبت

16/11/2024




غريب مغرم بغربته، وحيد مولع بوحدته، هذا أنا... 

مُحترِق، من كل ثقب من الألم مُخترَق، هذا قلبي.... 

بارد لا إحساس لا شعور، هذا أنا..... 

مهزوم مخذول من الأمل محروم هذا قلبي... 

وسيم، مشهور موهوب محبوب هذا أنا...... 

مسموم، مهموم ، مهزوم هذا قلبي

هناك في القمة، هذا انا... 

وهناك في الخطر والغرق والموت و السقوط كان قلبي... 

هذا أنا حاضرًا... وذاك قلبي ماضيًا


بقلم فيروزة ( صديقتي وقارئتي المميزة  ) 


❈-❈-❈


لينة بطبيعتها  ،  تتبع مشاعرها بعدما تستأذن عقلها لذا فهي تقود خلفه دون اعتراض  ،  برغم أنها ليست بحاجة لتصليحه سيارتها ولكنها تتبعه  ،  هناك احتمالًا كبيرًا أن عمها علم بما حدث ولهذا أرادت أن تتأكد  . 


وجدته يدلف من منعطفات غير مألوفة بالنسبة لها ثم دلف شارعًا  شعبيًا وهي خلفه  ،  على يمينها مقهى يحمل لافتة بعنوان قهوة السعادة لتتأمل هؤلاء الرجال الذين يجلسون يتبادلون أطراف الحديث ويحتسون الشاي  . 


على يسارها مطعم لبيع الأكلة المصرية الشهيرة ( الكشري)   يقف أمامه عدة أفراد ينتظرون الحصول على طلبهم  ،  تحركت قليلًا لترى معصرة لصنع عصير القصب تجاورها مكتبة حولها أطفالًا يتحدثون ويعرضون أدواتهم المدرسية على بعضهم البعض  . 


أجواء لم تشاهدها في الشوارع الراقية ظاهريًا  ،  تلك الشوارع التي تشعر فيها بالصقيع  ،  هناك دفءٌ غريب توغلها منذ أن دلفت  ،  هذه الأجواء تناسبها وتعطيها شعور الأمان الذي افتقدته منذ وفاة والديها  . 


لم تشعر براحةٍ قط في منزل عمها منذ أن وطأته قدميها  ،  تعلم نواياه هو و زوجته والشيء الوحيد الذي يهون عليها الحياة معهما هو ماجد ابنهما والذي لا يشبههما بل أنه يدافع عنها دومًا بعدما اتفقا أن يكونا شقيقين   . 


توقف داغر أمام ورشة عمله لتتوقف بسمة خلفه بالتبعية تتطلع نحوه وهو يترجل فيهرول نحوه صبية ينادونه ب ( هندسة  )  لتتساءل داخلها هل هو مهندس حقًا ؟ 


ترجلت حينما وجدت دينا تشير لها ليقف داغر قبالتها ويتحدث بنبرة رخيمة  : 


- اتفضلي يا آنسة ارتاحي لحد ما اخلصهالك  .


كان يشير نحو مقعد داخل الورشة نظرت له بسمة ثم توترت وقالت وهي تنظر حولها  :


- لاء عادي أنا هقف هنا  ، الموضوع مش هيطول أكيد صح  ؟


زفر داغر وتحدث بتريث موضحًا  :


- الموضوع مش هيطول بس ماينفعش تقفي كدة قدام اللي رايح واللي جاي  ، ادخلي جوة أو اطلعي مع دينا فوق عند أمي  .


شهقت بصدمة  ، ما هذه الألفة الزائدة  ؟ استرسلت بتعجب وهي تتحرك للداخل  :


- لاء اطلع فين  ؟ خلاص هقعد هنا  .


جلست على المقعد فتنهد داغر ونظر نحو دينا التي تقف قبالته تطالعه بثقب فحدثها وهو يشير لها نحو للأعلى  : 


- يالا اطلعي إنتِ يا دينا وشوية وهحصلك  . 


هزت رأسها برفضٍ وتحدثت بخفوت وهي تغمز له  : 


- لاء أنا هروح اقعد مع المزة قصدي الآنسة مايصحش نسيبها تقعد لوحدها  . 


قالتها وابتسمت بخبث على ملامحه وتحركت من أمامه نحو الداخل تسحب مقعدًا وتجاور بسمة التي تعجبت منها  ،  دينا لا تبدي مرحًا مع أي شخص بل تبدي انطباعًا جادًا مع الغرباء ولكن الوضع هنا يقترب من التعارف الجاد من قبل شقيقها لذا فهي تستعمل وسائلها في التعرف على شخصية بسمة  . 


تساءلت بنبرة متفحصة وابتسامة هادئة  : 


- ها قوليلي بقى اسمك إيه  ؟   أنا دينا أخت الباش مهندس داغر اللي هناك ده  . 


قالتها وهي تشير على شقيقها الذي بدأ في التصليح لتتحمحم بسمة وتجيبها برزانة  : 


- أنا بسمة الراوي  . 


أومأت لها دينا مبتسمة وتمعنت فيها  ،  ثيابها راقية من ماركة مشهورة وساعة يدها حتى حذاءها وخصلاتها المهندمة  ،  ترتدي ثروة تساوي شهرية نصف رجال الحارة وهذا ما يدور في رأس دينا  ،  على ما يبدو أنها من عائلة ثرية  . 


أومأت دينا تقول بهدوء  : 


- أهلًا يا بسمة  ،  على فكرة عربيتك حلوة أوي ولونها حلو أوي  . 


- ميرسي  . 


أجابتها بهدوء وجلست تتطلع على داغر وهو يباشر عمله ويضحك ويتحدث مع الصبية الصغار بود وهم يبادلونه أطراف الحديث  ،  ابتسمت عليهم تحت أنظار دينا التي وضعت كفها أسفل ذقنها قائلة  : 


- لاء ده هيعجبك أوي  . 


انتبهت لها بسمة لتلتفت مسرعة تطالعها بجبين مقطب متسائلة عن مقصدها فتابعت بخبث  : 


-  شغل داغر هيعجبك  ،  وأنا متأكدة إنك هتجيلنا تاني لو حصل أي عطل في العربية  . 


- إن شاء الله  .


هكذا أجابتها بهدوء بعدما لاحظت مكرًا يلوح في عيني دينا برغم أنها أحبت الأجواء هنا  . 


❈-❈-❈


الذي يرى نفسه محقًا في كل شيء هو في الحقيقة لا يفقه شيئًا   ،  الذي ينتشل من الناس سعادتها دون أن يهبهم أي شيء ما هو إلا أناني . 

الذي يتخذ من الدين ما يروق له ويترك حقًا يؤرقه ما هو إلا منافق  ،  والذي يظن أن واجباته فضل ومنة ورحمة منه على شريكه ما هو إلا غليظ القلب لا يعرف عن الحب شيئًا   .    (بقلم آية العربي  ) 


دلف بيته يحمل في يده كيسًا ورقيًا يترقب السمع  ،  كان يخطو بحذر حتى لا تعلم والدته بعودته  . 


كان ينتظر أن يرى ديما تتصفح هاتفها كي يبدأ جولة  لاذعة من النقد ولكنها أحبطت مخطته بمكوثها في المطبخ إلى الآن  . 


صوت قهقهاتها يملأ المكان لذا ترك ما في يده جانبًا وتحرك نحو المطبخ حتى توقف على عتبته يشهق بفزع ويصرخ متناسيًا أمر والدته قائلًا  : 


- إيه اللي إنتوا عاملينه ده  ؟  


انتفضت رؤية على صوته بينما تصنم مالك يطالعه بخوف لتلتفت له ديما متسائلة بتعجب  : 


- فيه إيه بتزعق ليه  ؟ 


تحرك نحو الرخامة حيث تجلس صغيرته فالتقطها وأنزلها أرضًا ثم صفع مالك على مؤخرة رأسه قائلًا بنبرة معنفة  : 


- إيه اللي إنتوا عاملينه ده  ؟    بتلعبو بالنعمة  ؟  الغلط على الهانم الكبيرة اللي واقفة بتشجعكو وتضحك بدل ما تعرفكو إن كدة غلط  . 


ابتلعت لعابها وزفرت بقوة ثم اتجهت تحتضن صغيريها بحماية وتردف مدافعة وهي تقف أمامه بشموخ يضاهيه خوفها  : 


- كمال وطي صوتك الولاد خايفين  ،  كنت بعملهم كيكة والدقيق وقع من رؤية من غير قصد وهزرنا شوية  ،  ماتكبرش الموضوع   . 


جحظت عيناه كأنه على وشك الفتك بهم واسترسل بغضب  : 


- أيوة مانتو هتشيلو هم إيه  ؟   كل طلباتكم بتجيلكم لحد عندكم وانتو قاعدين مرتاحين  ،  غيركو بياكل من الزبالة  وأنا يطلع ميتين أمي علشانكم وانتو هنا تلعبو بالنعمة ؟ بدل ماتفهميهم يا هانم إن كدة غلط وحرام بتضحكيلهم ؟  ماهما كدة هيكبرو على قلة الأدب وقلة تقدير النعمة  ،  أنا من صغري أمي علمتني ماهنش النعمة ولا اقل منها  ،  صوني النعمة تصونك يا هانم يابنت الحسب والنسب  . 


نطق الأخيرة ساخرًا ومقللًا من شأنها فتظاهرت باللا مبالاة ووقفت أمامه تطالعه ببرود وقررت الصمت  ،  إن تفوهت بحرف الآن ستبكي وهي منذ زمن تخلت عن البكاء  ،  وقفت تطالعه وهو يصب باقي كلماته المشتعلة على جليد ملامحها  ،  الجليد الخارجي لبيتٍ أحرقته كلماته وهدمت أركانه دون رأفة  . 


انتهى من نوبة غضبه والتفت يغادر المطبخ قائلًا وهو يلوح بيديه   : 


- منكم لله حرقتو دمي  . 


اندفع بعدها يغادر من حيث أتى متجاهلًا صرخات أمه باسمه ونداءها المتكرر عليه  . 


انحنت تحتضن صغيريها وتداري وجهها بينهما قائلة بنبرة انتشلت فيها قطرات من الأمان  : 


- ماتخافوش هو متعصب بس شوية  ،  هيهدى ويبقى كويس  . 


تحرر مالك من قبضتها يطالعها ويطمئن عليها أولًا ليمد يده يمسح أسفل عينيها برغم أنها لم تسقط دمعة واحدة ولكنه قال بحنان  : 


- ماتزعليش يا ماما  . 


قبلته قبلة قوية وضحكت له تردف مؤكدة  : 


- مش زعلانة يا روح ماما  . 


فعلت رؤية مثله فقبلتها أيضًا ونهضت تردف وهي تلتفت حينما شعرت أن دموعها ستتآمر عليها  : 


- يالا روحو العبو برا وانا هخلص المطبخ واجيلكو    . 


ركض الاثنان نحو الخارج ووقفت تتنفس بعمق وقد أيقنت أنها لن تذهب مع يسرا إلى أي مكان لتومئ محفزة نفسها وتردد بهمس ويدها تملس على صدرها التي تستشعر وخزاته  : 


- اهدي يا ديما  ،  اهدي وكل حاجة هتبقى تمام  ،  هيرجع بليل وهتتكلمي معاه  ،  معلش يمكن متعصب من حاجة  . 


هكذا كانت تقنع الجزء الذي أبى أن يقتنع بهذا الحديث ،  ولكنه اعتاد  . 


❈-❈-❈


شاردة كعادتها تفكر في أولادها  ، مجبرة على تلك الزيارة المتجهة إليها الآن مع زوجها ولكنه ترجاها ولم تعتد رفض طلبٍ له  .


لقد كان ومازال مراعيًا لمشاعرها وتقلباتها حتى عصبيتها يحتويها  ، نعم إنه خير سند وأنس لعمرها الذي سيبدو أنه سينتهي دون أن تقر عينيها وتشبع روحها بعناق صغيرها الغالي ثائر وابنه  .


تحدث أمجد وهو يقود قاطعًا هذا الصمت الذي لا يفضله  :


- مالك يا علياء ؟ بردو زعلانة علشان طلبت منك تيجي معايا  ؟


زفرت تعتدل في جلستها وتحدثت بصدق  :


- لا أبدًا يا أمجد مش زعلانة  ، زيارة المريض واجب  ، بس أنا بحس إن وائل مش بيحب ثائر  .


تنهد بقوة يستنشق ذكرياتٍ مضت ويتابع مبررًا  : 


- لا إحساسك غلط على فكرة  ،  هو بس وائل أخويا طول عمره ناشف شوية وأسلوبه صارم  ،  طبيعة شغله بقى  وحبه لبلده مخليينه متعصب شوية  . 


التفتت تطالعه بعتاب وتحدثت باندفاع  : 


- وهو ابني كان عمل إيه يا أمجد ؟  كل ده علشان قال كلمتين بيعبر فيهم عن رأيه  ؟  يستاهل كل الظلم اللي حصل معاه ده  ؟ 


زفر بقوة وتحدث بنبرة مقنعة  : 


- يا علياء وضعنا غير أي حد في البلد وطبيعة شغلنا تحتم علينا واجبات كتير أوي ثائر مالتزمش بيها  ،  وبعدين الحمد لله إنها جت على أد كدة ولولا تدخلي كان زمانك حتى مش عارفة تكلميه  ،  وخلاص بقى قفلي ع الموضوع ده علشان وصلنا  . 


توقف بسيارته أمام فيلا شقيقه وانتظر الحرس وهم يهمون بفتح البوابة له ويرحبون به وبزوجته  . 


دلف فكان يقف في استقبالهم ابن شقيقه الضابط مهاب ذو الفقار يبتسم لهما ويرحب بحفاوة قائلًا  : 


- ده إيه النور ده يا سيادة اللوا  ، اتفضلو يا مرحب  . 


ابتسمت علياء وحل عنها العبوس خاصةً وأنها تحب مهاب كثيرًا وسعدت باستقباله لهما لذا تحدثت بود وبشاشة  : 


- تسلم يا مهاب  ،  وكويس إنك هنا  . 


ابتسم واتجه يتأبط ذراعها ويتحدث معها باستفاضة وود  : 


- طبعًا لازم آجي يا طنط لإني متأكد لو ماجتش مش هتضحكي كدة  . 


- صح  . 


قالتها وهي تومئ وتتحرك معه للداخل ويجاورها أمجد يهز رأسه عليهما وينتظر لقاء شقيقه وزوجته  . 


❈-❈-❈


توقعت كل ردود الأفعال الواردة منه على مدار سنوات إلا أن يعود للمنزل بعد عدة دقائق حيث أنه لم يغادره بل صعد للشقة العلوية  ،  لذا حينما فتح ودلف يطالعها وهي تجلس في ركنها تتصفح هاتفها انتفضت بتوترٍ ونهضت تطالعه بعدما تركت الهاتف بإهمال على الأريكة فاتجه إليها ووقف قبالتها يتحدث وعينيه تدور حولها كأنه كسر كوب ماء وليس خاطرها   : 


- معلش بقى اتعصبت عليكي وعلى العيال بس إنتِ عارفة كويس الحاجات اللي بتضايقني  خصوصًا لو لقيت الدنيا مقلوبة ومش نظيفة  ، ده غير اللعب بالنعمة  ،  بخاف تزول مننا  . 


صدمتها في نبرته واعتذاره جعلتها تحدق به كما لو كانت تتوهم  ،  كأنها تحلم بهذه المعاملة منه لذا تساءلت بترقب وملامحها مشبعة بالصدمة   : 


- يعني إيه  ؟   إنت بتعتذر  ! 


تملكه التعالى ونطق مصححًا وهو يشير بسبابته  : 


- لاء مش اعتذار  ،  اعتذار ده لو غلطت إنما رد الفعل كان زايد شوية وأنا أصلًا كنت راجع مزاجي رايق ومبسوط وجايبلك هدية وناوي نقعد أنا وإنتِ قاعدة حلوة بعد الغدا   .


زفر يلتفت ناظرًا نحو غرفة والدته التي هدأت ولمح صغيريه يلعبان معها لذا عاد ينظر نحو ديما واسترسل يهمس وهو يلكزها في كتفها ليحصل على ما يريده  :


- بس لو تبعتي العيال عند أمك يبقى حلو أوي   . 


تناقض اجتاحها فجأة بين فرحة وضيق  ،  جعلها تواجه عاصفة من الحيرة والصمت وتفكر أتجاريه في رغباته أم تثور ؟ أترضخ بعد ما فعله وتدفع سفينتها الغارقة في الوحل أم تتخذ من الوحل أسلوب حياة معه ؟ 


ولأنها لم تعتد اتخاذ مواقف قوية أمام اعتذار أحدهم  ،  ولأنها أحيانًا تحزن على امتلاكها قلبًا عفوًا متسامحًا ومتغاضيًا عن أخطائه في حقها لذا كان قرارها هو القبول  ،  أومأت له بملامح حزينة وعينين لامعتين يختبئ خلفهما فيضانًا من الدموع أقسمت ألا ينهار سدهما أمامه أبدًا لذا رسمت ابتسامة تميزت بها وأردفت تتصيد استغلالًا لنفسها متذكرة كلمات يسرا : 


- تمام يا كمال هكلم دينا تيجي تاخدهم دلوقتي  ،  بس ليا عندك طلب  . 


وضع كفيه على بعضهما ووقف يطالعها بعيون ضيقة وترقب فتابعت بتوتر   : 


- هنزل بليل أنا ويسرا نشتري شوية طلبات  ،  هنروح المول وبالمرة اشتري حاجات الحضانة لمالك  . 


- ماتجبيش بقى حجتك في حاجات الحضانة  ،  قولي إن صحبتك عايزاكي تخرجي معاها وخلاص  . 


نطقها بنبرة متجهمة ومتباهية بذكائه في كشفها لتومئ له مسترسلة  : 


- تمام بس فعلًا كنت هشتري حاجات مالك بالمرة  ،  ومش هتأخر  . 


رفع يده يملس على وجنتها وقد قرر القبول كثمنٍ لما يريد أن يحصل عليه وابتسم يقترب منها حد الالتصاق يسترسل برغبة وهمس  : 


- خلاص موافق بس يالا ابعتي لاختك تيجي تاخد العيال  ،  جايبلك حاجة أول ماشفتها اتخيلتك فيها  ،  شوفتيها ولا لاء  ؟ 


قطبت جبيتها ثم تذكرت أمر الكيس الذي رأته هنا منذ قليل وأدخلته الغرفة دون شغف لرؤيته لذا نطقت متذكرة  : 


- أه قصدك الشنطة اللي كانت هنا؟   لا لسة ماشفتهاش  . 


غمزها وقال بمغزى وقح يشعرها بالصد الذي يحاوط قلبها ومشاعرها عنه  : 


- طب يالا خلصي وتعالي  ،  وماتعرفيش أمي إني جيت خالص  . 


أومأت له وتركته يتجه نحو غرفته  ،  دومًا ما تخبره عند عودته إلى المنزل أن يتجه أولًا ليغتسل من أثر العمل ولكنه لا يهتم برغم أنه مهووس بالترتيب ونظافة المكان من حوله ليصبح بعد كل هذه السنوات مجهولًا بالنسبة لها لا تستطيع تفسير شخصيته التي تحمل عجائب وغرائب الصفات  .   (بقلم آية العربي) 


تنفست بقوة ثم اتجهت لتهاتف شقيقتها كي تطلب منها أن تأتي لتأخذ الصغار كما يريد   . 


❈-❈-❈


جلست علياء تفرك كفيها وتطرق رأسها بصمتٍ بعدما لاحظت ملامح وداد المتجهمة  ،  كعادتها لا تفضل التعامل معها  . 


كان أمجد يتحدث مع وائل شقيقه ويسأله عن النظام الجديد في العمل خاصةً وإنه قد أصبح متقاعدًا وقد اندمج معهما مهاب  . 


بين الفينة والأخرى كان وائل يسعل ويتنفس بقوة بعدما أصيب بوعكة صحية ولكن حالته ليست سيئة لذا كانوا يصمتون قليلًا كي لا يتعب أكثر  . 


وحينما عم الصمت لثوانٍ قطعته وداد وهي تنظر في عين علياء ونطقت بنبرة استفزازية متعمدة  : 


- شوفتو آخر بوست ثائر ناشره  ؟ 


تنبهت حواس علياء لذا رفعت رأسها تنظر في عين وداد نظرة ثاقبة ليتذكر وائل ذلك المنشور الذي عرضته زوجته عليه منذ بضع ساعات لذا تابع بنبرة مستنكرة وهو ينظر لشقيقه  : 


- لا زودها أوي  ،  مش لدرجة إن يتريق علينا  ،  أنا مش قادر أصدق إن ده ابن أخويا وابن عيلة ذو الفقار  ، أنا أسف يا أمجد بس بقيت بستعر منه  . 


زفر أمجد بضيق وعلم أن الرد سيأتي من جواره حيث اندفعت علياء تجيب بنبرة ثابتة وهي تنظر إلى وجه وداد  : 


- وإنتِ ليه مهتمة بمنشورات ثائر يا وداد  ؟    مش بتستعرو منه يبقى الأفضل تعملوله بلوك وتبعدو عنه  . 


تجهمت ملامح وداد فوق تجهمها وجابهتها باستفزاز خبيث  : 


- ده اللي حصل فعلًا  ،  بس قرايبنا بيبعتولي منشوراته خصوصًا إنه دايمًا بيتعمد يثير الجدل  ، بيقولولي شوفي قريبك بيقول إيه  . 


نهضت علياء تقف وتحمل حقيبتها وتحدثت بمشاعر الغضب التي أفرزتها غريزتها الأمومية  : 


- رأيه وهو حر فيه  ،  واللي مش عاجبه كلامه يعديه يا وداد  ،  وشكرًا على المقابلة اللطيفة دي يا مهاب  ،  وسلامتك يا سيادة المستشار  ،  عن اذنكو  . 


اندفعت تغادر ليقف أمجد يتبعها بقلة حيلة وهو يعلم جيدًا أن هذا ما سيحدث عندما يتعلق الأمر بثائر  . 


أما مهاب نهض خلفها ليحاول تهدئتها والاعتذار منها بينما نظر وائل لزوجته بحيرة لا يعلم أيعاتبها أم يشتكي لها اندفاع علياء ولكنه بكل تأكيد يدعمها في حديثها عن ثائر  . 


الصفحة التالية