-->

رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 3 - 2 - السبت 16/11/2024

  

قراءة رواية بحر ثائر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية بحر ثائر

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل الثالث

2

تم النشر السبت

16/11/2024



كلما جلست في المنزل بمفردها هبت عليها رياح الذكريات من كل حدبٍ وصوب لتشعر بالوحدة الداخلية والفراغ العاطفي الذي لن يملؤه رجلًا آخر  ،  لقد أحبته حتى فاض الحب حبًا وكان الجميع يضرب بحبهما المثل ولكن ما فعله بعد سنوات صبرها ودعمها ومساندتها له هو الزواج عليها بأخرى  ،  مكافئة عظيمة أودت بها في جوف الأرض وتركتها كالصحراء القاحلة لا سبيل ولا مياه ولا ظل  . 


وقفت في مطبخها تجلي الصحون وتفكر في الذكريات التي قضتها معه قبل أن يتبدل ويصبح أنانيًا مستبدًا  ،  لا تعلم أكان هكذا من قبل وقد أعماها حبه عن رؤية ظلامه أم أن هذه طباع جديدة اكتسبها من الأيام  . 


تتذكر لقبها الذي كان يناديها به  ( سلطانة  )   لا يناديها باسمها قط إلا حينما يكون غاضبًا  ،  ابتسمت وهي تتذكر مغازلته لها  ،  وتألمت حينما هجمت على عقلها فكرة تغزله بالأخرى بنفس الطريقة  ،  إلى الآن النار والآه في صدرها لم تنطفئ  ،  تزوج وعاش حياته وتركها تعيش مدمرة على بقايا ذكريات لم تزدها إلا دمارًا  . 


رنين هاتفها أخرجها من هذه الأفكار لتحمد ربها عليه لذا جففت يدها سريعًا واتجهت تلتقطه لتجيب ولكنها جحظت ودبت الرعشة فيها حينما وجدته هو  ،  تحفظ رقمه عن ظهر قلب ولكن  ...  لِم يهاتفها  ؟ 


ظلت متجمدة تنظر لشاشة هاتفها غير مستوعبة أنه هو  ،  يتصل بها  ،  إن ضغطت على هذا الزر ستسمع صوته  . 


من صدمتها وقفت مذهولة حتى انتهى الرنين ولكنه لم يتوقف بل أعاد الكرة مرة أخرى ولكن تلك المرة استقبلتها بصدمة أقل لذا مدت يدها المتيبسة تفتح الخط وترفعه إلى أذنها تترقب السمع فتحدث هو أولًا بنبرة هادئة  : 


- ألو  ؟ 


لم تجبه سريعًا بل نطقت بعد ثوانٍ  : 


- أيوة  ،  مين  ؟ 


ادعت عدم معرفته ولكنه علم جيدًا أنها عرفته  ،  يعلم أنها ضعيفة أمام سطوة أفعاله لذا تابع بنبرة مسترخية  : 


- أزيك يا منال  ،  عاملة إيه  ؟ 


- إنت مين  ؟ 


نطقتها بصوتٍ منزعج تخفي به كل ما مر على عقلها منذ قليل ليشعر بالضيق من نبرتها ويجيب بزفرة عبرت عن ضيقه  : 


- أنا محسن يا منال  ،  عاملة إيه  ؟ 


تمالكت نفسها بصعوبة ولكنها فعلت  ،  تلك الغريمة القابعة داخلها والتي تريد الثأر لكرامتها فعلت لذا أجابته بجمود  : 


- وإنت مالك  ،  وبتتصل بيا ليه  ؟ 


شعر بالضيق والغضب ولكنه غلفهما بنبرة هادئة كي يحصل على مبتغاه  : 


- مش أول مرة اكلمك بس إنتِ مش بتردي عليا  ،  كذا مرة حاولت ولما لقيتك مش عايزة تردي قلت خلاص  . 


ترقبت نبرته وأدركت أن هذه المكالمة خلفها مغزى آخر لذا تساءلت دون مراوغة  : 


- خير عايز إيه  ؟ 


حاول أن يتلاعب على وتر مشاعرها تجاهه لذا نطق بعبثية خبيثة  : 


- بطمن عليكِ وعلى الأولاد  ،  أنا بكلم ديما اطمن عليها وقلت اطمن عليكو انتو كمان  . 


- لا اطمن ومالوش لزوم تشغل نفسك بينا  ،  خليك في حياتك بعيد عننا  . 


استشف من جوابها التجاوب حتى لو لم تُظهِر لذا ابتسم وتابع وهو يعتدل في جلسته في محله التجاري  : 


- مهو انتو جزء من حياتي بردو يا منال  ، ولآخر لحظة أنا كنت متمسك بيكي لولا قضية الطلاق اللي رفعتيها . 


ابتسمت بألم وسخرية ونطقت لتنهي هذا الجدال العقيم  : 


- ماتقول يا محسن عايز إيه وخلصني ! 


تحمحم وتابع بترقب ليبصق ما في جوفه وليحدث ما يحدث  : 


- طول عمرك بتفهميني  ،  بس المرة دي بجد فيه موضوع كدة كنت هكلم داغر فيه بس جبته حجة علشان اسمع صوتك  ،  ع العموم كنت محتاج من داغر ٥٠ ألف جنيه سلف وهردهمله علطول  ،  بس لو تكلميه إنتِ كدة وتجسي ميته  . 


ها هو يسدل الستار عن حقارته المرئية بوضوح للجميع  ،  لذا لم تحتمل ما سمعته وبصقت الكلمات باندفاع  : 


- دا إنت راجل ماعندكش ريحة الدم  ،  داغر مين اللي يسلفك  ؟   بأمارة إيه أصلًا  ،  روح ياخويا دور على حد من حبايبك واستلف منه ولا من أهل حرمك المصون  . 


أغلقت الخط في وجهه وجلست تسبه بهمس وتسب تلك الغريمة الخائبة التي تختبئ الآن في جوفها خوفًا من الظهور أمام طوفان غضبها  . 


ظلت تتنفس بصخب إلا أنهت سمعت صوت الباب يفتح ويندفع منه الصغيرين اللذان أتيا مع دينا  ،  ركضا نحوها يرددان بسعادة  : 


- تيتاااااااا  . 


انحنت تلتقفهما وتعانقهما بتعجب وترحب بهما بعدما تركت ما حدث جانبًا لتعتدل وتنظر نحو دينا التي ارتمت على الأريكة في الصالة فسألتها  : 


- أولاد اختك جايين منين  ؟ 


تعجبها هذا نابع من عدم رؤيتها لهما باستمرار لذا أجابتها دينا وهي تفرد ظهرها وتستريح  : 


- من بيتهم يا ماما ديما كلمتني وأنا في الورشة مع داغر وطلبت مني أروح أجيبهم يقعدوا معانا شوية  . 


ابتسمت لهما بفرحة الجدة المعهودة ثم تحدثت وهي تحتضنهما وتقبلهما  : 


- وحشتوني أوي  ،  داغر هيفرح أوي لما يشوفكم  .


❈-❈-❈


وقفت أمام مرآتها تنظر لهيأتها بشرود  ،  ملامحها بهتت قليلًا برغم انتفاخ أوداجها  ،  ولكن عينيها تحمل حكايات جميعها تصنف ضمن قسم المعاناة  . 


ارتدت ما جاء به  ،  قميصًا قصيرًا بتفصيلة تعجبه هو  ،  نثرت من العطر ذو الرائحة النفاذة الذي يعجبه هو . 


وقفت تتأمل نفسها وتنتظر مجيئه بجسدٍ مستنكر أفعالها  ،  اضطر  للذهاب إلى والدته التي كانت تصرخ باسمه حتى وصل صوتها إلى الجيران  . 


جاء من عندها بعدما نامت ليكور فمه ويزفر بقوة كأنه بذل مجهودًا مضاعفًا ولكن رسم على  ملامحه الانبهار وأطلق صافرة وهو يتطلع عليها ويغلق باب غرفتهما قائلًا بتباهٍ يمدح نفسه   : 


- اوووووو  ،  كنت متأكد إن اللون ده هيطلع تحفة عليكِ ، اختياراتي دايمًا صح  ،  بس تخنتي شويتين  . 


وقفت تبتلع لعابها وهو يقترب منها حتى التصق بها وحاوطها بذراعه ينحني نحو رقبتها ويشمها مستمتعًا ومتمتمًا يكمل تباهيه بنفسه  : 


- البرفان ريحته تحفة  ،  لا بجد تسلم إيدي  . 


أبعدته عنها قليلًا تنظر له بضيق ولم تحتمل استهتاره بلقائهما لذا قالت  : 


- كمال ممكن تدخل تستحمى وتغير هدومك دي الأول ؟ 


نظر لهيأته فوجدها محقة  ،  هو لم يبدل ثياب عمله منذ أن عاد وتلك النقطة تحديدًا يبغضها في نفسه خاصةً حينما تذكره هي بها لذا أومأ وتجهمت ملامحه يقول بتبرير كاذب بعدما ابتعد  : 


- أنا كنت رايح فعلًا استحمى بس لما شوفتك نسيت نفسي  ،  هروح وراجعلك  . 


فتح الباب واتجه نحو الحمام فالتفتت تنظر مجددًا نحو المرآة وتلك المرة تستكشف نفسها وتتساءل هل حقًا زاد وزنها  ؟   أومأت حينما وجدت انتفاخًا أكثر من المعتاد ظاهرًا عند بطنها لذا تنهدت بضيق ورفعت نظرها تحدق بنفسها وتقول بنبرة تشجيعية  : 


- ده جوزك يا ديما  ،  بلاش شعور الخنقة والنفور ده  ،  مهما كان ده جوزك  . 


❈-❈-❈


أثار فضولها في تلك المدة البسيطة التي جلست تحدق بها في طريقته وأداءه وحديثه مع الصبية  . 


انتهى ونهض يمسح يده في قطعة قماش قطنية معبأة الشحوم والزيوت واتجه إليها يقول بأثر ابتسامة علقت على شفتيه  : 


- كله تمام يا آنسة والعربية بتاعتك ولا كإن حصل فيها أي حاجة  . 


نهضت ثم فتحت حقيبتها ومدت يدها تنتشل عملات ورقية بعددٍ معين ثم مدتهم إليه ورفعت نظرها تطالعه قائلة بامتنان وابتسامة هادئة  : 


- شكرًا يا باش مهندس اتفضل  . 


نظر للنقود في يدها ثم رفع نظره يحدق في عينيها ولأول مرة يُمعن النظر فيهما لتأخذه عينيها إلى مسرح الحكايات التي تخفيها لذا توترت نظرتها سريعًا وأخفضتها وحركت يدها مسترسلة  : 


- اتفضل ده حقك  ،  إنت تعبت فيها وكمان علشان خاطر الشباب اللي تعبو معاك  . 


تحمحم ولف بجذعه ينظر للصبية ويتساءل بغمزة من عينيه فهمو مغزاها   : 


- انتو تعبتو يا شباب  ؟ 


- لا يا هندسة مافيش أي تعب  . 


قالها ثلاثتهم ليلتفت لها ويتابع بنبرة مرحة  :


- بيقولوا لاء أهو أومال فيه إيه بقى  ؟


نظرت له بثبات فاسترسل بنبرة جدية لا تقبل نقاش  : 


- عيني الفلوس يا آنسة محدش هنا تعب  ،  وبعدين اعتبرينا بنجر رجل الزبون لورشتنا تاني  ، بس المرة الجاية هنتعب أنا والشباب  .


ابتسمت على مقصده وعادت تضع النقود في حقيبتها وأردفت بملامح مشرقة  :


- تمام يا باش مهندس  ، يبقى تتعوض  ، وميرسي على اللي عملته  .


- قصدك الخبطة ولا تصليحها  ؟


نطقها بمشاكسة غير متعمدة ولكن رؤيته لابتسامتها الساطعة جعلته يشاكسها ليراها تبتسم ولكنها ارتدت قناع الجدية وتحدثت بثبات أحبطه :


-  الاتنين  . 


- احنا في الخدمة  . 


نطقها بجدية مماثلة فهو لم يعتد التنازل عن مثقال ذرة من كرامته لتودعه برتابة وتتجه تستقل سيارتها وتغادر بهدوء ولكنها ودت لو تعيش هنا في هذا المكان وبين هذه الأسرة التي استشعرت الدفء بها  .


زفر بقوة والتفت ينظر للصبية ويتحدث وهو يستعد لمغادرة الورشة  : 


- تعالى معايا يا بلية يالا علشان ابعت معاك الغدا  . 


أسرع بلية يركض خلفه ويتجهان نحو منزله القابع في آخر الشارع ليأتي بالطعام له ولزميليه والآخر يخطو معه يفكر في هذه الآنسة وما قصتها   . 


❈-❈-❈ 


مكوثها في مطعم عام أمام زوجها وأولادها لم يشفع لهم لتترك هاتفها  ،  لقد جاء بها إلى هنا كي يتناولوا وجبة الغداء كأسرة ولكنها كالعادة تلتهي بهذا الجهاز عنهم  .  ( بقلم آية العربي  ) 


قضم أحمد قطعة اللحم المعلقة في شوكته ثم اعتدل يلوكها ويطالعها بضيق إلى أن ابتلعها ثم تحدث باعتراض  : 


- مش تسيبي الموبايل بقى وتاكلي  . 


لم تعطِ أهمية لحديثه بل استلت حديثًا أكثر أهمية بالنسبة لها وهي تقول وعينيها منكبة على الهاتف  : 


- شوفت ثائر أخوك كاتب إيه  ؟ 


قلب وجه للجهة الأخرى وتعكر صفوه مستغفرًا ثم نظر لولديه اللذان يتناولان وجبتهما بصمت فعاد إليها يقول من بين أسنانه بضيق  : 


- إيه اللي يخليكي تدخلي على أكونت ثائر يا سها  ؟ 


هزت كتفيها بلا مبالاة وتحدثت بنبرة اعتيادية  : 


- مادخلتش هو ظهر قدامي لإني   I follow him   . 


تعجب من نبرتها العادية ليردف بانزعاج  : 


- ومن امتى إن شاء الله  ؟    ما انتِ علطول مش طيقاه ؟ 


زفرت بتجهم ووضعت الهاتف على الطاولة بعنف ثم تابعت وهي تطالع زوجها وتبدأ بإمساك الشوكة والسكين  : 


- دايمًا تسيب المواضيع المهمة وتمسك في الحاجات التافهة  ،  المفروض تنتبه للي اخوك بينزله لإنه ممكن يضرنا  . 


بدهاء تميزت به استطاعت إعطاءه سببًا أقنعه ليتساءل بترقب  : 


- يضرنا  ؟ 


تمسكت بالشوكة بين أصبعيها ورفعتها نحو فمها وتحدثت قبل أن تأكلها بابتسامة لعوب  : 


- طبعًا  ،  إنت هنا مدير شركة معروفة واسمك معروف وأكيد واضح جدًا إن أخوك يبقى هو نفسه الكاتب الفرنسي ثائر ذو الفقار المعروف واللي معظم مقالاته مثيرة للجدل ضد العرب . 


وضعت قطعة اللحم في فمها تلوكها وتركته يصارع أفكاره  ،  دومًا هكذا تنأى بنفسها من بحر الشكوك وتتركه يواجه عواصف الصراعات مفرده  . 


بالطبع ليس كارهًا لأخيه ولكنه يحمل له الاستنكار والغضب مما فعله منذ سنوات ومما مستمر هو في فعله  ،  خاصةً وإنه يلاحظ جيدًا في أي جهة تميل مشاعر والديه وتؤكد له سها ملاحظته لذا قرر الابتعاد عن أي شيء يخص ثائر بعدما كان هو الأقرب له على الإطلاق  ،  والآخر لم يعترض ولا يسعَ للتقرب من أخيه  . 


الصفحة التالية