رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 5 - 1 - السبت 23/11/2024
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الخامس
1
تم النشر السبت
23/11/2024
صدقا لا أعرف لماذا تقتحم خيالي....
رغم المسافات....
بيننا ما لا يفهمه الجميع
ليس الورد في الباقات
ولا الهدايا ولا اللقاءات
بيننا ما لا يفهمه الجميع
بيننا خيط من الكلمات
فيعجبني ذاك الغضب من حروفي في حروفك...
وتحيرني جسارة اختبأت من واقع حياة
وظهرت في كلماتك في حروف من خيال
بقلم فيروزة
❈-❈-❈
عادةً ما يكون النوم العميق من نصيب العقول الراقية والخالية ، التي لا يشغلها شيئًا والتي تخلو من الأحداث .
ولكن أحيانًا يتخذ الإنسان من النوم مهربًا من الحزن والضيق والألم والوحدة ولكنها خدعة ، احذر جيدًا فالنوم ليس مهربًا بل هو اجتماع مغلق بين عقلك الباطن وأفكارك والخاسر في كلتا الحالتين هو أنت ، عليك أن تستيقظ وتواجه أو تثور وإلا سيأتي يومًا ولا تستيقظ أبدًا .
لم يوقظها رنين هاتفه العالي ، لم تهتز بها خصلة حينما نهض من فراشه ليجيب على الاتصال .
ولكنها أبصرت حينما اخترق أذنها صوته وهو يجيب بنبرة متحشرجة :
- صباح الخير آنسة إلوا .
قالها وهو يتحرك نحو المطبخ ويستمع لحديث إلوا ويجيبها بهدوء ولكن هناك عينان لن تهدآ بعد الآن .
المكر الذي تُزين به ملامحها حينما تقف أمامه تبدل بملامح قاتمة عدائية لا ترحب قط بأي زائرة تدخل حياته .
نهضت تمسك برأسها حينما راودها الدوار ولكنها تحاملت واتجهت تجلس على الأريكة الموضوعة أمام المطبخ ، تطالعه وهو يعد الفطور بعدما أغلق المكالمة وعقلها يدور في فلك مظلم انتقامي لذا لم تحتمل أكثر وتساءلت دون مراوغة :
- ماذا تريد منك تلك المدعوة إلوا ؟
- لقاءً صحفيًا .
بثبات متناهٍ أجابها وهو يواليها ظهره لتظل نظراتها مصوبة عليه وعضلاته تهتزر نظرًا لتقطيعه للخضروات .
استكملت استجوابها :
- وهل ستذهب !
التفت بجذعه يطالعها بترقب ثم أجابها باستفهام :
- ما رأيك ؟
عاد يتابع عمله ونهضت تتجه إليه ثم وقفت خلفه ثم مدت يديها تعانقه من خصره وتضع رأسها على ظهره العريض مردفة بنعومة أفعوانية :
- يمكنني أن أقوم أنا به ، أو يمكنني بسهولة أن أحضر لك مجموعة صحفيين هنا ، قم بالإشارة فقط .
التفت لها فابتعدت عنه تطالعه وهو يحدق بها ويكمل عنها :
- ولكن ابتعد عن إلوا ، تلك الصحفية العشرينية التي تريد مقابلتي لأنني كاتبها المفضل ، أليس كذلك ؟
- دائمًا تفهمني .
قالتها وهي تتحسس وشمه بأصابعها وكأنها تريد إزالته ، لا تحب أبدًا النظر في عيون هذه المرأة الملثمة .
- توقفي مارتينا .
توقفت عن لمس وشمه وأطرقت ذراعها بإحباط تقول باستفاضة وتجهم :
- تعلم أنني لا أحبه ثائر .
- أنا لا أتحدث عن الوشم ، أتحدث عن تحكمكِ في حياتي ، أعلم جيدًا العواقب التي ستطول تلك الفتاة المسكينة لأنها فقط أعجبت بكتاباتي ، تبالغين كثيرًا وهذا ما يزيد الحواجز بيني وبينك .
استولت عليها نوبة جنون هستيرية وهي تصرخ في وجهه باندفاع :
- أتريدني أن أتركك تتعرف على إحداهن وتعجب بها وتواعدها ؟ هل أنا معتوهة أمامك لأجلس في الزاوية أبكي وأنت تمرح مع النساء ؟ هل تظنني غبية لأترك شيئًا يعود لي ولن يكون يومًا لغيري ؟
مد يده يتلمس خصلاتها فهدأت على الفور كحية سامة ناداها مروضَا محترفًا ليتابع بنبرة تحمل في طياتها تهديدًا غير مباشر وهو يردف بثبات وثقة :
- أنا ثائر ماترينا ، ثائر ذو الفقار ، لست شيئًا يعود لكِ ، أنا ملك نفسي فقط ، فهمتِ ؟
أغمضت عينيها إثر لمسته ونبرته ثم أبصرت وتحدثت بضعفٍ توغلها :
- أنت تعلم أنني أحبك كثيرًا وأغار كثيرًا ، لِم تفعل بي هذا ؟ هل أنحني وأقبل قدمك لنعود ؟ أنا مستعدة لفعلها .
شرد لثوانٍ يطالعها ثم استرسل بغموض :
- وأنا لست مستعدًا لأي شيء الآن سوى اللقاء الصحفي مع إلوا ، ومن بعدها يمكنني التفكير في عرضك ، لذا إياكِ وأذيتها مارتينا .
عاد يلتفت ويحضر الشطائر والقهوة وتركها تطالعه بنظرة جمعت مكر العالم ، هل تهديده سيجعلها ترضخ لدخول أنثى أخرى في حياته ، خاصةً لو كانت معجبة به وبكتاباته ؟
لقد دلف حياتها ليجعلها تجن أكثر ، غموضه وهيبته والهالة المحيطة به جعلتها تجن إن اقتربت منه أنثى أو أعجبت به ، يكفيها هؤلاء اللاتي يعجبن بكتاباته ولحسن حظهن وحظه أنها لا تفضل القراءة وإلا كانت احتلت جميع كتبه وكلماته لها .
❈-❈-❈
المرأة التي يشتهيها الشخص المؤذي ليست تلك الضعيفة ولا التي تتسم بالليونة والتسامح ، لا يشتهي المرأة العفوية .
تلك التي تتخذ من حنانها وضحكاتها قاربًا للنجاة ، هذه لن تشبع رغباته ومتطلباته وسماته النرجسية .
بل أنه يشتهي تلك التي تفوقه إيذاءً وقسوة ، التي لا تهتم بالمشاعر ولا تعترف بالتضحيات ، إن أحب نفسه شطرًا أحبت نفسها أضعافًا ، التي تشبه تمامًا الحلوى نشتهيها ونأكلها بشراهة وكل ما تفعله بنا هو تدمير صحتنا والاختيار في النهاية لنا .
دهشة ظهرت على وجهه من جرأتها وملاحظتها لذا ضحكت بتباهٍ وتحدثت دون شعور بالخجل :
- أصل يعني إنت اللي فتحت لي الباب ووشك كان باين عليه إنك لسة صاحي ، وكمان السرير اللي هناك ده شكله مش مترتب وده المفروض للعرض ، بس تصدق السرير ده شكله حلو ومريح ، بكام ده !
نطقتها وهي تشير على السرير المنشود وتتلاعب بالنظرات والابتسامات ليتحمحم ويقول بجدية ظاهرية بينما عقله يحتله التعجب من جرأتها :
- شوفي اللي إنتِ عايزاه وهنعملك تخفيض ، قولتيلي عنوانك فين ؟
سألها ليتهرب من سؤالها ولكنها استرسلت بغنج :
- ماقولتش لسة ، بس هقول ، علشان تيجي تشوف العفش وتشتريه ، وبعدين نبقى نشوف السرير والتخفيض اللي قلت عليه .
قالتها ونهضت تقف وتطالعه بنظراتٍ ماكرة واسترسلت بجرأة أثارت انتباهه أكثر :
- قوم هاتلك ساندوتشين واطلب كوباية شاي ولا حاجة علشان تفوق قبل ما العمال ييجوا ويعرفوا إنك نايم هنا ، مايصحش بردو دي أسرار بيوت مهما كان .
ابتسمت وانحنت قليلًا تلتقط قلمًا وورقةً من فوق المكتب ثم دونت رقمها وعنوانها واعتدلت تناوله إياها مستطردة :
- شوف الوقت اللي يناسبك علشان تيجي تشوفهم ورن عليا .
لوحت بيدها مودعة والتفتت تغادر وتركت خلفها رجلًا يشتهي هذه الأفعال ، محرومًا من التحايل والتلاعب ، حياته كئيبة عبارة عن صدقٍ ووضوح .
واعتدنا في قانون الحياة العادل أن من يشتهي شيئًا يجب أن يحصل عليه .
❈-❈-❈
( لا ترحل ، لا تدير ظهرك للمشكلات وتمضي قدمًا ، إن كانت بحاجتك لا تتركها ، حتى وإن آلمتك لا تغادر ، لا تصفع الباب وتمضي وتنصر غضبك عليها وإلا فاحذر لأنك لن تستطيع العودة مجددًا أو ستعود غريبًا )
استوقفتها هذه النصيحة التي يقدمها ثائر في كتابه الذي إلى الآن لا تفهم من يقصد ، هل يقصد الرجل أم المرأة أم الغربة أم الأم أم يتحدث عن المواقف عامةً ؟!
كتاباته تحمل غموضًا مشفرًا لا يحتاج سواه كي يشرحه ولكنها اتخذت نصائحه بشكلٍ عام .
كانت تتكئ على رخامة المطبخ وتقرأ إلى أن ينتهي نضج الطعام ، زفرت بقوة وأغلقت الكتاب والتفتت لترى الموقد وعقلها يفكر فيه .
برغم أنها المتضررة إلا أن قلبها يمتلك من العاطفة ما يجعلها تفكر أين هو وأين نام وماذا أكل وكيف حاله ؟
ترى هل سيأتي لتناول غداءه ، وكيف ستستقبله بعدما انفجرت به أمس .
انفجارها نتج عن ضغطٍ وصمتٍ طال أمدهما ولكنها كانت تتمنى لو لم تنفجر قط ، ليتها ظلت كما هي الصامتة التي اعتادت الكتمان فهي تعلم جيدًا نتيجة ما حدث ، سيهجرها ويهجر طفليه ويعاملها كشيء غير ملموس وهذا أكثر ما تبغضه ، تبغض تكبره ودلاله في خصومته ، تبغض تسلطه وتعمده لاستفزازها بأي شكل ولا يهتم بنفسية أطفاله ولا بسكينة البيت .
زفرت بقوة وأطفأت الموقد واتجهت لترى صغيريها حيث كانا يلعبان في غرفة جدتهما والأخرى تحدثهما كاثنين عاقلين يدركان حديثها .
وقفت على حافة الباب وابتسمت لهما ثم تساءلت بترقب :
- اجيبلكوا تتغدوا يا ولاد ؟
أومأ مالك وفعلت رؤية مثله بينما تحدثت حماتها مثلهما :
- أيوة هاتلنا ناكل يالا يا عايدة .
- حاضر .
قالتها وتحركت عائدة لتحضر الطعام لهما ودقائق عدة حتى عادت تحمل صينية الطعام لصغيريها ثم وضعتها على الطاولة الجانبية وأردفت وهي تسحب لهما المقاعد :
- يالا تعالوا .
اتجه الطفلان نحو الطاولة يجلسان عليها بحماس بينما توغل العبوس وجه حماتها ونظرت لها بحزن متسائلة :
- وأنا ماجبتليش ليه ؟
- حالًا يا ماما هجيب الأكل وجيالك .
اتجهت تحضر طعام السيدة ثم عادت تجلس أمامها وتضع الصينية فوق ساقيها قائلة وهي تنفض منشفة قطنية لتضعها على صدر حماتها التي بدأت تعبث بالطعام لتوقفها ديما بانزعاج :
- ثواني يا ماما أنا اللي هأكلك .
لم تتوقف السيدة بل استمرت في عبثها بالطعام لتزفر ديما بضيق وهي تمسك بكفها وتبعده ثم طالعتها بنظرة ثاقبة وأردفت بجدية :
- استني ، كدة غلط .
توقفت السيدة عن العبث بالطعام وعبست ملامحها فبدأت ديما تطعمها والأخرى تأكل منها وهي مشيحة بوجهها عنها إلى أن انتهت .
جففت لها فمها ثم نهضت تحمل الصينية واستعدت لتخطو ولكن السيدة أوقفتها وهي تمسك بمعصمها فطالعتها ديما بترقب لتردف الأخرى بنظرة مترجية :
- اقعدي عايزاكي .
تعجبت ديما ولكنها وضعت الصينية على الكومود وعادت تجلس أمامها فتابعت السيدة بنبرة تحمل غموضًا لم تره من قبل :
- إنتِ زعلانة مني ؟
سؤالها يبدو سطحيًا ولكنها أعاد ديما لسنوات الحطام ، أعادها للدمار الذي حل على زهرة حياتها ، لا تعلم هل تسأل هذا السؤال لأنها عبثت بالطعام الآن أم لأنها عبثت بحياتها منذ أن تزوجت ونتج عن ذلك العبث زوجًا قاسيًا متعجرفًا لا يرى سوى نفسه .
لها النصيب الأكبر فيما وصل إليه كمال ، لقد توفي والده منذ الصغر بعدما طلقها وهي من زرعت فيه الخصال الذكورية والأنانية ، دومًا أخبرته أنه رجل والرجل لا يعتذر بل يُعتذر منه ، الرجل لا يراضي بل يُطلب رضاه ، الرجل لا يلين بل القسوة سمة أساسية ليكن شامخًا متعاليًا كالجبل ، أنبتته على أحقيته في التحكم بالزوجة وأحقيته في اتخاذ القرارات بدلًا عنها وإجبارها على تنفيذها دون جدال أو نقاش ، روَته بالأنانية والانفراد وتنفس حب الذات حتى بات لا يرى مشاعر من حوله من كثرة علو جبال الـ أنا لديه .
ربما لهذا السبب تلتمس له العذر أحيانًا ، ربما تحاول معه كثيرًا لتصلح ما أفسدته هذه السيدة ولكنها مخطئة ، فأثناء محاولاتها إصلاحه دهستها طباعه فباتت تحتاج لإصلاحٍ داخلي يعيد إليها الحياة ، لا يمكن إصلاح زرعة برعمها فاسد وكان يجب أن تعلم ذلك جيدًا .
- سامحيني يا ديما .
أجفلتها بجملتها التي أضاعت أي ذكرى وجعلتها تحدق بها ولا تصدق ما تفوهت به لتوها ، أتطلب منها السماح ؟ هذه المتكبرة التي سقتها كؤوسًا من المُر وأطعمتها أطنانًا من المعاناة تطلب منها السماح ؟ وهل تمتلك المقدرة لتسامح ؟
والأهم كيف نطقتها ونطقت اسمها ؟ لقد نسيت اسمها منذ فترة وتناديها دومًا بـ عايدة ؟ هل اقتربت النهاية ؟
ظلت جاحظة تطالعها بصمت وصدمة أما الأخرى فالتفتت لتنام على جنبها الأيسر ومدت يدها تحك ظهرها فلم تستطع الوصول إليه لذا عادت تنطق :
- اهرشيلي هنا يا عايدة .
التفتت ديما تنظر إلى صغيريها فوجدتهما ملتهيان بطعامهما لذا عادت تبتلع لعابها وتزفر زفرة خرجت من أعماقها ثم مدت يدها تملس على ظهر السيدة بهدوء وعقلها يصارع الماضي والحاضر ولا تصدق إلى الآن أنها طلبت منها السماح .
❈-❈-❈
بسمة في الشركة
الحزن في عينيكِ لا يمكنكِ إخفاؤه عن ثلاث
أمًا يشعر قلبها بكِ دومًا
وحبيبًا تمناكِ في يقظته وأحلامه
وأخًا تعهد بحمايتكِ مدى الحياة .
اتجه داغر إلى متجر كمال كي يراه ويتحدث معه أو يحذره ، لم تغب عنه دموع شقيقته المعلقة في عينيها ، لم تخفَ عنه ابتسامتها الباهتة وملامحها الحزينة ، لم يواجه كل تلك الصعوبات في حياته والتحديات لأجلهن وبعد ذلك يسمح لرجلٍ لا يمت للرجولة بصلة أن يحزنهن .
اتخذهن كنزه وتعهد أن يحافظ عليهن ثلاثتهن ، ربما لم يكن قويًا كفاية حينما تزوجت ديما بهذا الكمال الناقص ولكنه الآن يمتلك القوة الكافية ليوقفه عند حده .
دلف المتجر يلقي السلام فردوا عليه العمال عاداه .
اتجه يجلس أمامه وتحدث بثبات ودون مقدمات لا تسمن ولا تغني من جوع :
- لو اختي غلطت في حقك وزعلتك تعالى لي ونتفاهم ولو ليك حق تاخده ع العين والراس ، إنما تزعلها بعد كل اللي شافته معاك يبقى كدة إنت عداك العيب وأنا كمان عداني .
تكتف كمال وطالعه بعدم اكتراث ثم قال ساخرًا :
- يا راجل ؟ هو حد قالك إني ضربتها ولا رنيتها علقة وأنا مش واخد بالي ؟ ولا هي اشتكتلك من جوزها اللي معيشها في جحيم ؟
استشعر داغر سخريته التي زادت من غضبه وأردف باندفاع :
- ولا اشتكت لي ولا هتشتكي ، ولو لفيت الدنيا كعب داير على واحدة زي اختي مش هتلاقي ، ومش ديما أخت داغر اللي تتضرب عارف ليه يا كمال يا وراق ؟
تنفس بتباهٍ ثم استرسل بعيون محذرة :
- علشان أختي ست الستات ، واحدة صاينة بيتها وأولادها وجوزها وحماتها ولا بتطلب ولا بتشتكي ، يعني نصيحة مني اعرف قيمة النعمة اللي في إيدك بدل ماتزول منك وساعتها هتبكي بدل الدموع دم ومش هتعرف ترجعها لو سفيت التراب .
نهض بعدها يحدجه بنظرات مشتعلة ثم التفت يغادر من حيث أتى والغضب يلتهمه وهذا يعد أسوأ ما فيه ، يغضب سريعًا ولكنه يمتلك قلبًا مثل الجواهر .
ظل الآخر ينظر إلى أثره والضيق والغرور اجتمعا على الانتقام ، سيريه من سيندم ، يتباهى بشقيقته التي لا تفعل سوى واجباتها ويخبره أنه سيندم ؟ ألا يعلم من هو كمال الذي تتمناه أي امرأة ؟
يشتري الهدايا والعطور ويوفر لها المسكن والملبس والطعام الجيد كما أنها ترتدي أفخم الثياب وتمتلك هاتفًا تتمناه الكثيرات ، حسنًا سنرى من سيبكي بدل الدموع دمًا يا داغر يا ابن محسن الصابر .
❈-❈-❈
حل الليل ولم يأتِ
دومًا يجعلها بين شقي الرحى وتتساءل برغم يقينها بالحقيقة هل هي أخطأت في حقه ؟
حسنًا ربما رحلت المشاعر بينهما كزوجين ولكنه سيظل والد طفليها لذا فهي تريد الاطمئنان دون أن تبادر باتصال تعلم جيدًا أنه لن يجيب عليه .
كانت تجلس في الصالة تقرأ في بحر ثائر ولكن ليس بالتركيز الذي تفضله بل عقلها منشغل به ، توغل إليها صوتًا خافتًا يأتي من الخارج فتركت الكتاب ونهضت تفتح الباب لتتفاجأ به يصعد للطابق الثالث فنادته بتعجب :
- كمال !
لم يجبها بل أكمل صعوده متجاهلًا إياها فوقفت تتعجب لما يفعله وانتظرت قليلًا ربما سيحضر غرضًا ما وسيعود ولكنه لم يعد .
زفرت بقوة وقررت الصعود لتراه وبالفعل ارتدت خفها وصعدت تطرق الباب فلم يجب ولكنها وجدت المفتاح في فوهته ففتحت ودلفت تنظر حولها فوجدته يجلس على الأريكة التي تتوسط المكان ويفرد ظهره وذراعيه ويرفع رأسه للأعلى فاتجهت تناديه بتوتر :
- كمال إنت قاعد هنا ليه ؟
- انزلي تحت .
نطقها دون النظر إليها بل كان مغمض العينين لتتنفس وتبتلع أمره دون تنفيذ بل أردفت بهدوء :
- تمام هنزل بس مش هينفع تفضل هنا ، الولاد سألوا عليك وماما طول اليوم بتصرخ وعايزة تشوفك ، ماتخليش اللي حصل بينا يأثر عليهم .
أعاد رأسه ينظر لها ثم بصق سؤاله متجاهلًا كلماتها :
- انتِ قولتي حاجة لاخوكي ؟
قطبت جبينها وتيقنت أن داغر تحدث إليه لذا تنهدت وأجابته بصدق :
- إنت عارف إني مش بقول ، بس هو جه لإنه رن عليا والموبايل كان مقفول ، واداني موبايله .
- هيرجع .
نطقها بحدة أجفلتها لتطالعه بنظرة انكسار وصمت بينما هو اعتدل يكمل :
- علشان كدة جاي يكلمني وشايف نفسه أوي عليا ، رجعيله الموبايل وأدبًا ليكي هتفضلي من غير موبايل لحد ما مزاجي يروق ، ويالا خدي بعضك وانزلي وبعد كدة تطلعيلي الأكل هنا وملكوش دعوة بيا نهائي .
هل تثور مجددًا الآن وتنهي هذه المعاناة ؟ هل تهدم سدها وتفيض بمخزون السنوات والأيام ؟ أم تعتد الصمت والتجاهل ، التجاهل الذي لا يريحها ولكن يجنبها معارك جديدة معه فهو لن يفهمها أبدًا لذا استعملت مخزون الأوكسجين الموجود في المكان واسترسلت بهدوء شديد :
- تمام .
التفتت تغادر من حيث أتت ولم تعد تندم على فعلٍ قامت به ، لن تندم على صعودها خلفه فكلما تقدمت منه خطوة أبعدها عنه أميال وهذا ما تريده وتتعمده حتى يكتمل مخزون ثورتها .