-->

رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 5 - 3 - السبت 23/11/2024

  

قراءة رواية بحر ثائر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية بحر ثائر

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل الخامس

3

تم النشر السبت

23/11/2024



يقف في شرفته يحتسي قهوته الصباحية وفي يده هاتفه يتصفحه ويقرأ اللقاء الصحفي الذي عُرض صباحًا وخلفه التلفاز يبث أخبار اليوم الفرنسية . 


بملامح ثابتة لا تعبر عن أي شيء ، وضع الهاتف على حافة النافذة وشرد ينظر أمامه ويفكر ، حياته باتت عبارة عن لغز كبير ولقاء مع تلك الفتاة جعله يستعيد ذكريات كثيرة ، ذكريات مرت عليها سنوات ولكنه توقف عندها لذا قرر التحدث مع والده . 


عاد يمسك بهاتفه ويهاتف والده مكالمة مرئية . 


في هذه الأثناء كان أمجد ينام حينما اهتز هاتفه لذا استيقظ بسهولة يلتفت يلتقطه وينظر له فظهر له اسم ابنه فنهض ينظر لزوجته النائمة ثم تحرك يغادر الغرفة ويتجه نحو غرفة مكتبه . 


أغلق بابه وفتح المكالمة يطالعه بملامح هادئة ثم ابتسم قائلًا بنبرة مبهمة : 


- تقريبًا كدة حلمت بيا ، مهو مش معقول بتكلمني عادي كدة . 


تعمق في ملامح والده التي يشوبها النعاس ثم أجابه بهدوء ينافي ضجيج أفكاره : 


- أجل رأيتك في أحلامي فقلت أطمئن عليك ، كيف الحال ؟ 


تنفس أمجد بقوة وقرر مبادلته الحديث بالفرنسية لعلمه أن ابنه تخلى عن العربية منذ زمن : 


- بخير ، ولكن والدتك ليست ، تريد أن تراك بأي وسيلة ، باتت لا تحتمل بعدك وكلما مر الوقت ازداد الأمر صعوبة وأنا بالكاد أطمئنها ، ما رأيك لو ترتب أمورك وتذهب إلى دبي ونقابلك هناك ، دعها تراك يا ثائر . 


- لا ، لا يمكنني مغادرة فرنسا الآن ، هيا يا سيد أمجد استخدم سطوتك عليها أم أنك بت لا تعرف كيف تحتويها . 


قالها ثائر مشاكسًا لوالده الذي يعلم جيدًا أنه يحب والدته ، يحبها ويقدرها ويدللها لذا أجابه أمجد بنبرة مماثلة : 


- ومن الذي احتواها كل تلك السنوات أيها العاق ، ليتها أنجبت إناثًا بدلًا عنكما ، أنت لا تبالي وشقيقك أوشك على التبري منا . 


بدأ أمجد مازحًا ثم أنهى جملته بملامح حزينة حينما تذكر ابنه ليقول ثائر وهو يتجه يجلس على الأريكة : 


- لا أحمد لن يفعلها اطمئن ، حتمًا سيعود ، وبالنسبة لي فأنت تعلم أسبابي ، لا تمزح أبدًا في الأمر الذي يؤرقني ، أتركني أقاوم أبي . 


شعر أمجد أنه زادها عليه لذا زفر بقوة وقال وهو يستريح منفردًا على مقعده : 


- كيف حال معاذ ، هل هو بخير في ذلك المنزل ؟ أرجو ألا ينشأ على طباعهم ثائر . 


كان قد انتبه ثائر لشيءٍ آخر ، شيئـا يعرض أمامه على شاشة التلفاز ، سيارة يتم انتشالها من النهر بعدما وقعت به وأرفق في شريط العنوان أن السيارة تعود لفتاة عشرينية تعمل صحفية عثر عليها داخلها وكانت جثة هامدة ، تدعى إلوا إيفريا . 


تجلت الصدمة معالم وجهه وأبعد الهاتف يعاود قراءة الخبر ويشاهد السيارة التي وضعوها على جانب الطريق وبدأوا بفحصها ليتبين لهم كفحص أولي عدم وجود مكابح  . 


خرج من شروده على نداء والده لذا طالعه فتساءل الأول : 


- ماذا هناك ثائر ؟ 


- مارتينا . 


نطقها بملامح متجهمة وهو يحدق في والده ثم أغلق معه ونهض يرتدي ثيابه على الفور . 


❈-❈-❈


أحيانًا تخطو نحو نهاية سعادتك بقدميك وبإرادتك الكاملة ودون أن يرف لك جفن ، بل أن غباءك صور لك أنك تعبر من بوابة الكآبة إلى الجنة . 


وصل إلى العنوان المنشود بعدما هاتف تلك المدعوة زينة ، منذ يومين وهما يتحدثان عبر الهاتف ليذهب ويرى ما تود بيعه لتخبره أن ينتظر قليلًا فوالدتها متعبة ولكنها حدثته ليلًا كأنها تعرفه منذ أمد . 


تشتكي له القهر الذي تعرضت له وتخبره بمزاياها التي لم يقدرها طليقها ليستفيض ويبدأ إخبارها أيضًا عن مشاكله مع زوجته التي لا تطيعه ودومًا تكون سببًا لافتعال المشاكل . 


مكوثه في الشقة العلوية لم يكن هباءً بل لينفرد بمكالمات ليلية بينه وبينها وكلٍ منهما يشتكي للآخر عن كم الظلم الذي تعرض له من شريكه . 


هي تخبره بمعاناتها خلال شهرين فقط من زواجها ، تخبره كم أهملها زوجها وكيف كان بخيلًا بل شديد البخل للدرجة التي كان يتركها فيها دون طعام . 


وهو يخبرها بمعاناته مع زوجته التي لا تشعر بكم النعيم والبذخ اللذان تتقلب فيهما ، سرد لها تفاصيل عن حياته ، وتفاصيل أخرى يجملها عن شخصيته وتفاصيل كاذبة ليسيىء إلى زوجته . 


والحقيقة أن الأمانة عبئا عليه ، الأمانة التي أبت أن تحملها الجبال وحملها الإنسان لم يكن بمقدوره حملها . 


طرق الباب ففتحت له بابتسامة مزينة كحال وجهها وهي ترحب به وتبتعد عن طريقه قائلة : 


- أهلًا اتفضل يا كمال نورت . 


ابتسم لها ودلف ينظر حوله حيث المكان عبارة عن منزل رديء ، تجلس والدتها على أريكة جانبية تطالعه بتفحص ثم تحدثت بترحاب : 


- أهلًا أهلًا يابني اتفضل . 


أشارت جانبها ليجاورها فجلس يتطلع على زينة التي جلست أمامه ترحب به بحفاوة وتركت والدتها تسرد له سبب بيعها للأغراض . 


❈-❈-❈


انهت ديما الغداء وحملته واتجهت لتوقظ حماتها وتطعمها وحينما وصلت إلى غرفتها لم تسمع صوت أنفاسها لذا وضعت الصينية جانبًا واتجهت تهزها ولكنها تفاجأت بتصلب جسدها . 


اتسعت عينيها وهي تحاول لفها لتصدم من التفاف السيدة معها ، بوجهٍ بارد وشاحب مفارق للحياة . 


شهقة قوية ودموعًا انهمرت كالشلال ويدان مرتعشتان وضعتهما على فمها وهي ترى أمامها جثة حماتها . 


لا تصدق ما رأته وقد شل عقلها عن التفكير ليأتي من خلفها مالك يتمسك بقميصها ويهزه متسائلًا بطفولية : 


- ماما في إيه ؟ 


انتبهت لطفلها والتفتت تطالعه بجحوظ وبكاء ثم عادت تقترب من السيدة وتردف بترجٍ ونشيج : 


- ماما افتحي عيونك لو سمحتِ ، لاء مش ممكن لاء . 


بكى الصغير وهو يرى والدته تبكي لتأتي على صوتهما رؤية وتعانقهما وتبكي أيضًا دون أن تعلم السبب . 


حاولت التحامل وتمسكت بصغيريها تحتضنهما وتهدهدهما مردفة بحزنٍ شديد : 


- إنا لله وإنا إليه راجعون ، لا حول ولا قوة إلا بالله . 


سحبتهما وخرجت من الغرفة تبحث عن هاتفها ، تركتهما في الصالة وانتشلت الهاتف من فوق السفرة بيدٍ مرتعشة ودموعٍ لم تتوقف وصوت نشيجها يعلو تحاول الاتصال بزوجها 


❈-❈-❈


كانت قد انتهت السيدة من إخباره بالحديث الذي زاده عبوسًا لتتحدث زينة بغنج حينما لاحظت ضيقه : 


- ها تحب تشرب إيه يا كمال ؟ 


بنظرة ذات مغزى أجابها : 


- لا شكرًا ، خلينا نشوف بس الحاجة اللي قولتي عليها . 


ابتسمت وأشارت له ليتبعها فنهض واتجه خلفها حيث تحركت نحو غرفة فتحت بابها وأشعلت إضاءتها ليظهر له أثاثًا وأدواتًا منزلية مكومة فوق بعضها ، تعجب ونظر لها بصمت فأردفت موضحة بتغافل عن نظراته : 


- هما متكومين على بعض كدة علشان الأوضة ضيقة بس ماتقلقش كل حاجة سليمة وجديدة . 


أومأ لها ثم أردف بهدوء بعدما شعر بالاستغلال يلوح من عينيها : 


- طيب ماشي أنا هروح المحل وأبعتلك حد من العمال ييجي ياخدهم في عربية وهناك هعرف أشوفهم كويس . 


تحرك خطوة ولكنه توقف حينما نادته وحينها رن هاتفه ليلتفت لها وينتشل هاتفه في نفس اللحظة . 


كانت تبتسم وتقترب منه بخبث لذا فتح الخط يجيب مسرعًا على زوجته : 


- أيوة يا ديما ؟ 


- الحقني يا كمال ، تعالى بسرعة ماما مش بتنطق .


الصفحة التالية