-->

رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 5 - 4 - السبت 23/11/2024

 

قراءة رواية بحر ثائر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية بحر ثائر

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل الخامس

4

تم النشر السبت

23/11/2024



كعادته يباشر عمله في ورشته وسط الصبية  . 


كان يجلس يحتسي كوبًا من الشاي الذي أحضره له دقدق من المقهى  ،  يستريح قليلًا ويفكر بشرود في حاله وحال عائلته ومتطلبات الحياة التي لا تنتهي  ،  يسعى ليطمئن عليهن وخاصةً شقيقته الصغرى ويسلمها لرجلٍ يحبها بصدق ويراعيها ليس كما حدث مع شقيقته الكبرى  . 


زفر بقوة وعاد يرتشف الشاي ليتفاجأ بظهور شاب أمامه يطالعه ويلقي السلام قائلًا بملامح شامخة : 


- السلام عليكم  ،  يعطيك العافية  يا باش مهندس  ،  أنا جايلك بعد ماناس كتير دلوني عليك  . 


قطب داغر جبينه حينما استمع للكنة الشاب ونهض يتقدم منه متسائلًا بشك  : 


- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته  ، اتفضل خير  ؟ إنت منين  ؟ 


تمعن الشاب فيه وبعزة نفسٍ تعد جزءًا لا يتجزأ منه قال وفيه عينيه ألف رواية حزينة  : 


- أنا فلسطيني  ،  من غزة  . 


لم تمر لحظات حتى أسرع داغر يرحب به بحبور وتجلت على ملامحه الفرحة  : 


- أهلًا يابن البلد الطيبة  ،  نورت ياخويا اتفضل  . 


سحبه معه للداخل واستل له مقعدًا ثم جلس وحثه على الجلوس ونادى على الصبي يردف  : 


- حاجة ساقعة يا دقدق بسرعة  . 


ركض دقدق يحضر طلبه بينما تعامل داغر مع الشاب الذي لم يسعه الشكر لذا أردف  : 


- شكرًا يا باش مهندس تسلم  ،  أنا اسمي صالح  ، بقالي شهرين هان بمصر  ،  كنت چاي أدور على شغل والناس دلوني عليك  . 


بالرغم من كونه كان يفكر منذ قليل في كيفية سد متطلبات الحياة إلا أنه أومأ دون تردد يردف بلطف  : 


-  تمام بسيطة ومحلولة يا صالح  ، أؤمر وأنا عنيا ليك مش هتأخر  . 


-  تسلم يا باش مهندس  ،  انت فعلا زي ما الناس حكت عنك  . 


ربت داغر على كتفه يردد برصانة  : 


- سيبها على الله ربنا يصلح حالنا جميعًا ،  المهم قول لي إنت عامل إيه  ؟  ووصلت مصر إزاي  ؟ 


تنهد الشاب وبدأ يسرد قصته موضحًا  :


- أنا كنت أدرس هانا بالأزهر تخصص هندسة ميكانيكا ورجعت ع غزة واشتغلت مع عيلتي في المصنع تبعنا بس للأسف كل شيء راح وأهلي واخواتي استشهدوا وما ضل غير أنا وابويا اللي اتصاوب واصابته كانت خطيرة فأجينا على مصر علشان اعالجوا وقلت أدور على شغل هانا  . 


تمعن داغر فيه وانفطر قلبه على حال الشاب الذي يبدو أن الرفاهية نالت من حياته ما نالت ولكن الألم والحزن كان له نصيبًا أكبر لذا زفر بقوة يومئ مجيبًا  : 


- ربنا يرحمهم جميعًا ويشفي  والدك  ،  ماتحملش هم زي ما قلتلك محلولة  .



❈-❈-❈


ابتعاده عنها لم يكن نفورًا أو كرهًا بل ابتعد لأنها باتت حملًا عليه بعدما كانت حملًا له  . 

إهماله لها لم يكن عن عمدٍ بل لأنه لم يعتد تحمل مسؤولياته 

انزعاجه منها لم يكن ثقلًا بل كان من تصرفاتها التي لا تروق له  . 


لذا كان يركض ويتعثر وصوت أنفاسه تتلاحق حتى وصل بيته ليندفع إلى غرفة والدته حيث زوجته تبكي وتجلس جوارها تمسك بكفها وتتلو آيات القرآن . 


انعكست الصورة في عينيه وهو يقترب ثم سقط أرضًا عند رأسها يصرخ بصوت باكٍ يقطع أنياط القلوب  : 


- مامــــــــــا ،  قومي يالا قومـــــــــي  ،  قومــــــــي أنا جيت أهــــــو . 


جلست ديما بجواره تبكي وتواسيه وتنظر لحماتها نظرة وداع ومازالت لا تستوعب أن ماتعيشه حقيقة  . 


ليحني رأسه بانهيار، يصرخ ويهتز ويهزها بهستيرية  ،  ماتت جيشه الوحيد ولم يعد له أحد  ،  ماتت من كانت قوته ،  حتى في نومتها كانت تمده بالقوة ومن الآن وصاعدًا لن تكون موجودة لذا فعليه أن يبحث عن ركنٍ جديد يمتص منه قوته  . 


❈-❈-❈


القتل بالنسبة له أصبح أمرًا اعتاديًا بات يمر عليه مرور الكرام ولكن أن تقتل فتاة عشرينية كل ذنبها أنها أجرت معه لقاءً صحفيًا  ؟  هذا مالم يتحمله  . 


وصل أمام فيلتها وترجل من سيارته يسيطر على اندفاعه بخطوات هادئة متزنة ثم وقف أمام الباب يطرقه لم ينتظر كثيرًا حيث فتحت له العاملة ترحب به فسألها دون إطالة  : 


- أين مارتينا  ؟ 


- إنها في الداخل سيد ثائر تأخذ حمامًا  ،  تفضل  . 


زفر بقوة وألقى لفافة تبغه يدعسها بقدمه قبل أن يلج وتتبعه العاملة حتى وقف في البهو يتطلع على المكان من حوله ثم تساءل بترقب   : 


- هل السيد جيلر موجود  ؟ 


- إنه على وصول  . 


- حسنًا سوف أصعد لها  . 


قالها وتحرك يصعد غرفتها قبل أن يراه ابنه الذي يعلم جيدًا أنه بغرفته  . 


وصل الغرفة وفتح الباب يندفع للداخل يبحث بعينيه فسمع صوت المياه المتدفقة لذا اتجه يقف أمام مؤخرة السرير ويتكئ عليه وعينيه مسلطة على الباب منتظرًا خروجها  . 


لم تطل كثيرًا حيث مر حوالي ثلاثة دقائق وخرجت ترتدي مئزرها وتجفف خصلاتها  . 


انتفضت حينما وجدته أمامها ولكنها أسرعت تبتسم وتقترب منه وهي تلقي المنشفة أرضًا ثم وقفت أمامه قائلة بعيون ماكرة وملامح سعيدة يختبئ خلف ستارها الجنون  : 


- ثائر  !    ما هذه المفاجأة السارة  ؟ 


- أنتِ قتلتِ إلوا  ! 


أومأت واتسعت ابتسامتها تجيبه بفخر  : 


- نعم فعلت  ،  وسأفعلها مع كل من تقترب منك  . 


فارت دماؤه لذا رفع كفه يقبض على عنقها فجحظت وفرغ فاهها وهو يحركها حتى اصطدمت بالجدار المقابل وحاصرها ينطق بنبرة يختبئ الغضب في رحالها  : 


- أنتِ مكانكِ ليس هنا بل في مشفى الأمراض العقلية  ، وسأعمل على ذلك مارتينا  . 


حاولت الإفلات منه ولكن قبضته كانت متعمدة  ، قوية وليست مميتة لذا استرسل بملامح قاسية  : 


- ما ذنب تلك الفتاة أيتها الحقيرة  ؟    ما ذنبها  ؟ 


نطق الأخيرة وهو ينفضها ويبتعد عنها لتتعثر وتسكن قليلًا تلتقط أنفاسها ثم اعتدلت تطالعه بنظرات حادة وقد توحشت ملامحها ثم نظرت حولها لتعبر عن جزءٍ من غضبها والذي كان من نصيب تلك المزهرية البائسة وهي تقبض عليها وتلقيها نحوه بجنون فتفاداها ينحني فبدأ جنونها وهي تصرخ وتثور بهجمية وتهشم كل ما تطوله يديها  : 


- أنا الحقيرة  ؟    تنعتني أنا بالحقيرة لأجل فتاة تحبك وكانت تريد منك مواعدة  ؟     هل أغرمت بها  ؟   هل أعجبتك  ؟ 


وقف أمام جنونها مقيدًا  ،  هذا الجنون الذي دومًا ما يعجزه ويقيد حريته  ، ابتسمت بتلاعب حينما لاحظت شروده وقلقه حيال نوباتها لذا اتجهت نحو مرآتها تنتشل كل ما فوقها وتهشمه إما أرضًا أو في الجدار لذا رفع يديه يحاول السيطرة على نوبة جنونها مردفًا بهدوء يحمل وعيدًا  : 


- اهدئي مارتينا  . 


ثارت أكثر وهي تتابع بصريخ  : 


- لست مجنونة  ،  لا تطلب مني أن أهدأ  ،  أنا أعشقك أيها الغبي  . 


أغمض عينيه ثم بسرعة بديهية فكر  ،  ربما اعتاد ابنه على جنونها وتكسيرها لذا فهو لن يهتم ولكن والدها على وشك القدوم وإن علم أن نوبتها هذه بسببه فسيحدث مالا يحمد عقباه لذا تقدم منها يخطو فوق زجاجات العطور وأدوات التجميل المهشمة فرفعت إحدى الزجاجات للأعلى تردف بتحذير  : 


- إياك أن تقترب  . 


لم يبالِ بل تقدم حتى وصل إليها ولم تستطع ردعه بل هذا ما أرادته  ،  مد يده يلتقط منها الزجاجة فباتت تهتز بين يديه بعنف وتدعي دفعه ظاهريًا ولكنها تسعى للالتصاق به مردفة بصراخ حاد  : 


- ابتعد عنــــــــــــــــــــــي  ،  إيـــاك ولمســــــــــــي  . 


حاول تقييدها فتلوت بين يديه لذا دفعها نحو الجدار واتجه يقيدها بجسده ويردف بعيون تحذيرية  : 


- اخرسي  ،  كفي عن الصراخ  . 


كشرت عن أنيابها لتحصل على ما تريده وتعالى صراخها وهي تجيبه  : 


- لن أتوقف  ،  هيا قل لي  ،  هل أعجبتك تلك ال****  ،  هل كنت ستواعدها  ؟ 


كانا ملتصقان بالشرفة لذا سمع صوت سيارة والدها فمال ينظر سريعًا من خلف الستار فوجده يدلف الفيلا لذا عاد يطالعها ويردف بخفوت ونظرة ثاقبة  : 


- قلت أخرسي  ،  أنتِ مجرمة  . 


اتسعت عينيها وهي تبتسم وتومئ له بتوعد ثم أفرغت فاهها لتعاود الصراخ فهجم عليها يكمم فمها بشفتيه ليعطيها ما تريده  ،  يعلم جيدًا نواياها ويعلم ما تسعى إليه ولكنه مقيدٌ بجنونها الذي سيقلب الأمور رأسًا على عقب  ،  لم يُسمح له بالثورة بعد بل أنه يحتاج عشقها هذا لذا قبلها لتبادله سريعًا باحتراف ومهارة وباتت تحاول فك أزرار ثيابه ولكنه قبض على يديها ثم ابتعد إنشًا وهمس   : 


- توقفي  . 


ابتعد خطوة يطالعها فوجدها تتلوى احتياجًا له لذا زفر بقوة ثم أردف  : 


- لم ينتهِ حديثنا  . 


فتحت عينيها تطالعه بمكر يتلاعب على محيّاها ثم حاولت الاقتراب وهى تقول بنبرة هادئة تنافي تمامًا ما كانت عليه بعدما امتصت قبلته جنونها  : 


- دعنا لا ننهيه ثائر  ،  فلتخرسني مجددًا  . 


وقف يطالعها بثبات فابتسمت وامتدت يدها تحل عقدة رباط مئزرها وأسقطته أمامه تردف بإغواء  : 


- ألم تشتاق؟  


عهدها جريئة بل تتصدر قائمة الوقاحة لذا لم تهتز به شعرة حتى وإن تحركت غرائزه ولكنه بارع في التخفي لذا رفع سبابته قبل أن تلتصق به وعاد خطوة للخلف وهو يسترسل بنبرة مبهمة  : 


- توقفي الآن  ،  أخبرتكِ ألا تخطئي وفعلتِ لذا ستعاقبين  ،  هذه المرة ليست كغيرها مارتينا  ،  أنتِ قتلتِ فتاة بريئة  . 


هزت كتفيها تردف بابتسامة خبيثة  : 


- لا أهتم  ،  وإن كان العقاب منك سأفرح  ، واعلم أنني سأفعلها دومًا وسأقتل أي أنثى تقترب منك  .


-  أنتِ تكثرين من وضع الحواجز بيننا  ، بعد كل تلك السنوات لم تعرفيني بعد  .


- لطالما كانت هذه رغبتك  ، أنت لا تسمح لأحدٍ بالغوص في بحرك ثائر ولهذا قتلت تلك الفتاة  ، فأنا لا أعلم هل ستحبها أم لا ولن أجلس بهدوء وعقلي يهيئ لي أنك ربما تفكر بها أو تعجب بها .


قالتها وانحنت تلتقط مئزرها وترتديه أمامه ثم أردفت بثقة وتباهٍ وعينيها عليه وهي تغلق رباطها :


- لا تقلق  ، لن يعاقبني على مافعلته أحد سواك  ،  مازال هناك شيئًا مميزًا انتفع به من والدي وهي نفوذه  ،  لذا اطمئن  ،  هيا لنخرج ونرى معاذ سيفرح حينما يرانا سويًا  . 


وقف يتأملها لبرهة  ،  لم تكن قط تلك المرأة الهينة  ،  لم تكن يومًا مسالمة بل هي امرأة الخراب ذاته  ،  جنونها زاد من قوة الضغط عليه لسنوات وبرغم ذلك يكتم ثورته في أعماق بحره .


  زفر بقوة ثم تحرك يغادر الغرفة وهي خلفه تبتسم بانتصار وهو أمامها عقله ملغمًا بالأفكار ولسان حاله يردد  ؛  كيف ومتى ستكون ثورته  . 


الصفحة التالية