رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 4 - 2 - الثلاثاء 19/11/2024
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الرابع
2
تم النشر الثلاثاء
19/11/2024
إياك واتهامي
إياك واحتقاري
إياك وظلمي
إياك والاستهانة بقوتي
فالكل مثالي ما لم يختبر . ( بقلم آية العربي )
دست المفتاح في فوهة الباب تديره ونبضات قلبها تكاد أن تخترق السمع نسبةً لتوترها ، فتحت الباب ودلفت تتمسك بصغيريها وتترقب القادم بشق الأنفس ، استمعت إلى بكاء حماتها لذا انحنت على صغاريها تهمس لهما بقلق :
- ادخلوا أوضتكوا واقفلوا عليكوا وماتطلعوش منها غير لما اندهلكم .
استشعر مالك الصغير خوف أمه لذا قال بغريزة دفاعية وهو يتمسك بها :
- لاء يا ماما أنا هقف معاكِ علشان بابا مايزعقلكيش .
قبلت يده بحنان وابتسمت حتى انفرجت ملامحها تجيبه :
- يا مالك يا أسد ، اسمع الكلام وخد اختك وادخلوا يالا وماتقلقش أنا وبابا هنتكلم ولو زعق بردو ماتطلعش .
أطاعها الصغير وتمسك بشقيقته ودلف غرفتهما يغلق الباب خلفه فاعتدلت تبحث بعينيها عن زوجها وتسمع بكاء حماتها الناحب ليتأرجح ضميرها .
لا تعلم هل تذهب إليها أولًا أم تراه ؟ ليأخذها خوفها نحو غرفتها لتراه أولًا ولتتحدث معه .
دلفت غرفتها لتجده يستند على الفراش يُدخن بشراهة وملامح وجهه لا تبشر بخير ، خطت نحوه حتى جلست أمامه وتحدثت متسائلة بهدوء :
- فيه إيه بس يا كمال ؟ إيه اللي حصل وليه ماما بتعيط ؟
نظر لها والغضب يتفجر في عينيه وعلى ملامحه ، ليتجاهل ما تفوهت به ويتساءل بهدوء سابق للعواصف :
- موبايلك فين ؟
نظرت لحقيبتها ثم دست يدها تخرج منها الهاتف وتناوله إياه بنية صافية مردفة :
- أهو .
نزعه منها بقسوة أجفلتها ولم تفق سوى على ارتطام الهاتف بعنف في الحائط المقابل له ليسقط أرضًا متهشمًا إلى قطع كبيرة متناثرة .
انكبت عينيها على الهاتف المتهشم الذي لم يكن سوى قلبها ، الهاتف بالنسبة لها هو المتنفس الوحيد عما يعتليها في هذا المنزل ، ليس مجرد آلة ترفيهية وإنما اتخذته بعد أولادها كمعالج نفسي يجعلها على تواصل بالآخرين برغم أنها لم تشتكِ يومًا ، هذا الهاتف الذي تحطم والذي يمكن بسهولة إصلاحه أو استبداله بآخر كان الجدار الفاصل بين صمتها وثورتها لذا التفتت تطالعه بعيون انفجرت بهما قنابل غضبها وبنبرة اندفاعية محطمة أردفت جاحظة :
- لـــــــــيه ؟ ليه كدة ؟ بتعمل ليــــــــــــه كدة ؟ بتعمل معايا ليــــــــــــــه كدة .
انتفضت من مكانها بعدما غزى الأدرينالين جسدها وباتت تردف بهستيرية نتجت عن كسر الهاتف وكسر خاطرها جعلته يطالعها بذهول :
- بتعمل معايا لـــــــيه كدة أنا عملتلك إيه ؟ أسأت لك في إيه ؟ قصرت معاك في إيه ؟ عايز تجنني صح ؟ إنت قاصد تحطمني ، قلت ساعتين ولسة ماكملتهمش ، خدمة وذل وإهانة وقهر ومعايرة وتكبر ومتحملة كل ده منك وساكتة ، فهمني بتعمل معايا كدة ليـــــــــــه ؟ بتدي لنفسك الحق تقل مني وتتحكم فيا زي المحكوم عليها حكم مؤبد ليـــــــه ؟ هو أنا مش مراتك ؟ أم أولادك ؟ شريكة حياتك ؟ أي مسمى من اللي بسمعه ليه دايمًا محسسني إني ولا حاجة ؟ ليـــــــــــــــه انطق .
صوتها ونبرتها وهيأتها ودموعها التي تآمرت عليها قيدوه عن الحديث ، حتى أن حماتها لم تعد تبكِ بعدما سمعت صراخها ، الهدوء عم المكان وكأن ضوضاء العالم كله لبت دعوتها داخلها في هذه اللحظة .
كان ينظر لها بصمتٍ وعجز عن قول شيء وكأن الخوف من اندفاعها قيده لينهض ينتزع قميصه من علاقة الملابس ويرتديه بعنف أظهره كي يحافظ على مكانته النرجسية ثم اندفع بعدها يغادر ويصفع الباب خلفه بقوة رجت الجدران ولم تهتز بها شعرة واحدة ، اعتادت على حدته ولم تعتد الجدران بعد .
ارتمت بعدها على الفراش تضع رأسها بين كفيها وتبكي وهي التي كانت قد حرمت البكاء على نفسها ولكنها كانت بحاجة لهذه الثورة وإلا ستتجلط الدماء في أوردتها وهذا ما باتت تلاحظه مؤخرًا حينما تغتسل ، تلك البقع المتجلطة توزعت على ساقيها بشكلٍ ملحوظ ومع ذلك صامدة تواجه الدنيا بضحكة يجزم من يراها أن هذه المرأة لم ترَ في حياتها شقاءً قط .
لا تعلم هل أصيب بالوهن أم أنها قوية لتتحمل كل هذا أم أنها منكسرة من تحطيمه المستمر لها أم أنها مذنبة في حق طفليها ونفسها ، لم تعد تعلم أي شيء سوى أنها مستنزفة .
❈-❈-❈
اندفع داخل محل والده يتجه إلى المكتب فلاحظه لذا أسرع ينهض ويتجه نحو العامل المساعد يستنجد به حينما هجم داغر عليه يقول بصوت جهوري :
- بترن على أمي ليــــــــــــــــــه ؟
حاول العامل تهدئة الأجواء بينما تحدث محسن بتوتر من هيئة ابنه :
- إنت بتعمل كدة ليه ؟ في حد يكلم أبوه كدة ؟
جن جنون داغر أكثر وتحدث وهو يحاول إبعاد العامل من أمام محسن الذي اختبأ خلفه :
- أيوة أنا ابن عاق ، أنا وأمي ناس مافيش فينا خير ، ابعد عننا بالتي هي أحسن واوعى مرة تانية تفكر بس مجرد تفكير ترن عليها ، إنت فــــــــــاهم ؟
لوح بيده يردف بعدما لاحظ تراجع داغر :
- خلاص ياخويا بالراحة على نفسك ، يا خسارة تعبي فيكوا .
قالها محسن وهو يطرق رأسه ويتجه لمكتبه بعدما تأكد من تراجع داغر ليطالعه الآخر بغضب وكره ويبصق الكلمات مسترسلًا :
- الظاهر كدة فلوسك حرام لا نفعت معانا ولا نافعة معاك دلوقتي ، بس ماتقلقش قريب أوي هييجي يوم وتشحت واوعدك مليم واحد مش هتاخده مننا يا محسن يا صابر .
زفر وتحرك يغادر ثم توقف حينما وجد زوجته تخطو للداخل وتتساءل وهي تطالع داغر بكرهٍ وغضب :
- فيه إيه وإيه اللي جايبك هنا ؟ رجلك دي ماتخطيش عتبة المحل انت فاهم ؟ يالا برا .
لم تبالِ بزوجها بل أنها استمدت التبجح والكره لهم منه لذا لم يحرك محسن ساكنًا بل أنه شعر بحقه يسترد عن طريقها لذا وقف يردف بتعالٍ يحتمي بها بعدما تقدمت منه :
- سمعت يالا ؟ برا يالا ورجلك ماتخطيش هنا تاني .
سكين صدأ غُرز مجددًا في قلبه وبرغم من أنه يدرك أن غضبه يعد نوعًا من أنواع العقوق إلا أنه أيضًا على قناعة بعقوق الأهل لأبناءهم .
برع في تمثيل اللا مبالاة لذا التفت يطالعهما بنظراتٍ استفزازية ونطق مجددًا بنبرة ذات مغزى خبيثة :
- وانت احسنلك ماترنش على أمي تاني وتكلمها .
اندفع بعدها يغادر وترك خلفه حربًا تندلع منها نحوه وهي تطالعه بجنون وتردف والنيران تندفع من نبرتها :
- نعم نعم نعم ؟ رنيت على مين سمعني كدة ؟
تلعثم محسن وانكمش جلده ليقول أمام العامل الذي هز رأسه برفضٍ لما يحدث :
- كنت عايزها تكلمه على ال ٥٠ ألف جنيه اللي محتاجينهم ، هو أنا يعني مكلمها احب فيها؟ اهدي يا فتحية ووحدي الله بس .
لم ولن تهدأ ولكنها أردفت بإيماءة متوعدة :
- حسابنا بعدين ، مش دلوقتي ، ابن عمي جاي دلوقتي وجايب الفلوس وبعد ما كان هيسلفك على ضمانتي أنا هخليه يمضيك على وصل أمانة علشان تبقى تكلم الهانم ، ولسة اصبر عليا يا محسن إن ما وريتك .
تجهمت ملامحه ومع ذلك لم يستطع الاعتراض بل بات يسب ابنه داغر بخفوت بعدما تسبب له في هذه الفوضى التي لم يحسب لها حسابًا حينما هاتف طليقته .
❈-❈-❈
نجح كعادته في انتشال غضبها ، يعلم أنها تهالكت من الحزن على فراق ولديها وخاصةً ثائر لذا فهو يتفهم جيدًا حالتها ويعلم أيضًا نوايا زوجة شقيقه .
يتمدد على الفراش ويحتويها ويفكر بشرود في الماضي والحاضر ، كيف يسعدها ؟ يده تجوب على كتفها يهدهدها كطفلة صغيرة بينما هي بدأت تغفو ورأسها على صدره .
تحبه حبًا جمًا ولولا وجوده معها لكانت أصيبت بالجنون منذ زمن بكل تأكيد ، دومًا معينًا يبسط لها الحياة برغم صعوبة العيش بدون الغوالي .
تحدث بترقب متسائلًا :
- نمتِ يا علياء ؟
تمتمت بخفوت وهي على وشك النوم ليتابع بحب وليونة :
- تحبي احكيلك قصة ؟
التوت شفتيها بابتسامة استطاع بها ترحيل العبوس عن وجهها وأجابته بنبرة هامسة :
- هترجعني طفلة تاني يا أمجد ؟
مال يقبل مقدمة رأسها وغزى بأصابعه خصلاتها يدلكها برفق ويسترسل بعاطفة :
- أي حاجة تبسطك وبايدي اعملهالك مش هتأخر ، إنتِ بس شاوري .
تنهدت بقوة وخطر على عقلها شيئًا واحدًا فقط وهو رؤية ثائر ولكنها تعلم جوابه جيدًا لذا باتت تتجنب الحديث عن هذا بعدما لاحظت صمته وتحول المناقشة إلى صراع ، أردفت بنبرة ناعسة وهي تحتضن خصره بذراعها :
- خليني انام في حضنك ، هو ده اللي هيبسطني حاليًا .
حاوطها واحتواها لتنام كما ترغب ولتشعر بالدفء الذي يحاول بثه فيها عل قلبها يستكين قليلًا .
❈-❈-❈
ليلًا .
أسوأ ما يمكن أن يفعله الرجل في زوجته هو الرحيل ، سواءً كان رحيلًا بالجسد أو بالمشاعر ، كلاهما مدمرًا لأي علاقة .
المرأة تريد الاحتواء ، حتى في خضم جنونها وانفعالاتها تكره أن تتركها ، حينما تخبرك بالابتعاد اعلم أنها تريد عناقًا ، وحينما تجبرك على الصمت اعلم أنها تريدك أن تتحدث بما يطمئنها ، هي هكذا تناقض نفسها لتصطاد حبًا متعطشة لتذوقه .
جلست على فراشها تهاجمها الأفكار من كل حدبٍ وصوب ، انتهت من مهامها كالعادة ولم يشفع حزنها للمهام أن تنتظر ، نام صغارها ونامت حماتها وجلست تناجي سكون الليل ووحشته .
تنظر للجهة المجاورة من الفراش وتبتسم بألم ، هل كثيرًا عليها أن تحظى برجلٍ ينام هنا ويحتويها بين ذراعيه ؟ أكثيرًا عليها أن تجد نفسًا دافئًا يلفح جسدها الذي غلفه الصقيع بقسوته ، أليس من حقها أن تسمع كلمة شكرًا على كوب قهوة تقدمه ؟
ابتسمت وكأنها ترى هذا الرجل الذي تتخيله ، تراه يحدثها عن عمله ويتحدث معها عن طفليهما ، أغمضت عينيها بعمق لتستشعر لمسة من يده على جسدها وهو يربت عليها بحنان ، مالت برأسها وهى تتخيله يطرب أذنيها بكلمة امتنان ... ثم ... أبصرت على سراب ووحدة ، سكونًا مرعبًِا يتبعه وحشًا خبيثًا يتوغل عقلها ولكنها دومًا تنتصر عليه .
لذا تبدلت أفكارها سريعًا تتذكر الكتاب الذي اقتنته من المكتبة لذا نهضت من الفراش تتجه نحو حقيبتها وتنتشل منها الكتاب ثم عادت أدراجها تتمدد على الفراش ومدت يدها تخفض الإضاءة ثم تنهدت بقوة تستعد لقراءته وليكن هذا أنيسها هذه الليلة .
بعد المقدمة التي رأتها ذكية لتجعلها تبحر في هذا البحر الثائر ولترى ما بداخله .
❈-❈-❈
جرعة السعادة التي ارتشفتها من لقائها بديما وصغيريها جعلتها متحمسة لرؤية حبيبها ، بل أنها استعدت لاستقباله بأبهى صورة يمكن أن يراها عليها .
فبرغم أن كمال كسر عود استمتاعهما إلا أنها قررت أن تفرح حبيبها دياب ، فاليوم موعد تبديل دوريته وسيعود بعد قليل فلتكن بانتظاره .
جهزت طاولة عشاء رائعة المظهر ومنمقة الترتيب ، بشموعٍ ارستقراطية ذات روائح منعشة زينت الأجواء وجلست تنتظره .
يستحق أن تهديه سعادة فهو لم يهدها سواها ، تعلم أنها أحيانًا تظهر حزنها وعدم تقبلها للحقيقة الواقعة في حياتهما وهذا الشيء خارج عن إرادتها ومع ذلك هو لا يكل ولا يمل من احتوائها أبدًا بل يحول حزنه إلى مراضاة لها .
انتبهت على صوته حينما فتح باب الشقة ودلف ينادي باسمها بنبرة مميزة :
- يسرا ؟
نادته من غرفتهما تجيب بنبرة تحمل الحب على متنها :
- أنا هنا يا حبيبي .
تحرك نحو الغرفة وهو يستنشق الرائحة التي جعلت نبضاته تعلو وتعلو حتى باتت تعزف لحنًا من السعادة حينما رآها تطالعه بابتسامة لونت ليلته مردفة :
- حمدالله على السلامة ، إيه رأيك ؟
ألقى حقيبته ونزع سترته يلقيها جانبًا وفك ربطة عنقه وهو يتقدم منها حتى توقف أمامها ينظر لها فقط ويداه ارتفعت تحاوط خصرها ويسترسل بحشرجة وحماس :
- رأيي في إيه ولا في إيه ؟ عيونك ولا ضحكتك ولا رقتك ولا ريحتك ولا جمالك ؟ كل حاجة منهم محتاجة حكاية لوحدها .
ابتسمت وتوردت بسعادة من وقع كلماته ورفعت كفيها تضعهما على كتفه متسائلة بدلال :
- بجد ولا بتجاملني ؟
- بصي في عنيا وانتِ تعرفي .
قالها بثقة وصدق لتحدق فيه قليلًا ثم أطرقت رأسها تضعها على صدره قائلة وهي تتعلق به :
- عارفة طبعًا ، وحشتني أوي يا دياب ، قلت أجهزلك سهرة حلوة النهاردة .
احتواها بسكينة وحزمة من المشاعر الجياشة تفشت داخله وهو يردف :
- أحلى سهرة في الدنيا ، كفاية إنها معاكِ .
قبلته على صدغه ثم ابتعدت عنه قائلة بنبرة مدللة :
- طب يالا أدخل اغسل ايديك علشان تدوق الأكل اللي عملته .
- حالًا .
قالها وتحرك مسرعًا نحو الحمام ليعود سريعًا ووقفت تتطلع على أثره براحة ، ممتنة كثيرًا لصديقتها ديما وطفليها ، تلك الصديقة القادرة على تبديل حزنها دون أن تدري ، وصغيريها اللذان يضخان ألوان الربيع في قلبها المشبح بالحزن دون أن ينتبها ، تدعو الله أن يرزق ديما سعادة مضاعفة تفوق تلك السعادة التي توزعها على الجميع ولم تترك لها نصيبًا منها .