-->

رواية جديدة حارة الدخاخني مكتملة لأسماء المصري - الفصل 16 - 2 الأثنين 9/12/2024

  قراءة رواية حارة الدخاخني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

 




رواية حارة الدخاخني

للكاتبة أسماء المصري


قراءة رواية حارة الدخاخني

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة أسماء المصري



الفصل السادس عشر

2

تم النشر يوم الأثنين

9/12/2024

همست لها بعد أن وجدت وجهها شاحبا بشكل مقلق:

-يا بنتي اومي نروحو المستشفى أنتي شكلك بتتصفي.


رقمتها بنظرة محذرة أن يفتضح أمرها من ثرثرتها وعادت تنظر بحقد لملك الواقفة تتراقص ببسمة رقيقة مع صديقتيها حتى استمعن جميعا لصوت والدة ورد تشير لمنسقة الأغاني أن توقف الموسيقى وبعدها نبهت بصوت مرتفع:

-أخو ملك طالع يا بنات ظبطوا حالكم.


بدأت الفتيات منهن من خلعت حجابها بارتداؤه أو من كانت ترتدي ملابس عارية أن تحتشم حتى صعد هو دالفا بوجه متجهم، ولكنه ابتسم فور أن وقعت عينيه على أخته فاقترب منها واحتضنتها مقبلا رأسها وكوب وجهها براحتيه وتحدث بصوت مسموع للجميع:

-هتوحشيني بجد.


ذرفت الدمع رغما عنها وهو يكمل:

-أوعي تنسي إن أخوكي في ظهرك ومستحيل اسمح لحد يزعلك، انا هفضل موجود في وقت تحتاجيني فيه.


احتضنته بقوة حتى تجعدت ملابسه ولم تبتعد عن حضنه إلا عندما استمعت لصوت رشوان من خلفه:

-مش كفايه أحضان كده ولا ايه يا عروسة.


ارتبكت وابتعدت عن أخيها تحاول تحاشي النظر له ولكنه اقترب غير عابي بتوترها ولا بهمهمات السيدات ورفع وجهها بسبابته ونظر لعينيها مبتسما وهمس بصوت رقيق وكأنه شاب بالعشرينات من عمره:

-مش يلا عشان نلحقو نرتاحو قبل الطيارة الصبح؟


أومأت فأمسك راحتها مخللا أصابعه بخاصتها وتحرك لخارج المنزل فهرعت والدتها تناديها:

-ملك.


التفتت لها المعنية تحاول كتم عبارتها فهتفت الأخيرة:

-خدي بالك من نفسك يا بنتي.


هزت رأسها وتحركت تنزل الدرج وسط الزغاريد التي أطلقتها نساء المنطقة، وفتح لها سيارته فتعجبت ونظرت تسأله:

-أنت اللي هتسوق؟


أومأ متلهفا:

-عايز اروح بسرعة البرق ومش طالبة بقى زفة عربيات ولا ناس تيجي معانا ونفضلو في الموال ده للصبح.


هزت رأسها وقد شعرت أنها على مشارف فقدان حياتها ولكن ليس بيدها حيلة فالتف رشوان للجهة الأخرى وركب سيارته وقادها وهو يطلق نفيرها بصوت عال هللل على إثرة سكان المنطقة بأكملها.


قاد مسرعا فور أن خرج من الحارة الضيقة ومسح راحتيه معا وعاد ممسكا بمقود السيارة وهو يتمتم:

-يا رب التساهيل والطريق ميكونش زحمة، أنا تعبان أوي.


ببرائتها المناسبة تماما لعمرها الصغير ظنت ما ظنته وردت على أساسه:

-معلش تلاقيك عملت مجهود كبير، أول ما نوصل إن شاء الله خدلك حمام كده ومسكن وإن شاء الله تبقى كويس.


ضحك على برائتها ونظر لها بلمحة سريعة وعاد ينظر للطريق بسبب سرعته بالقيادة:

-مش تعبان من الفرح يا ملك، تعبان من بعدك عني.


وكأنها فهمت فغصت مبتلعة ريقها بوجل:

-أنت قصدك...


صمتت خجلاً وأطرقت رأسها تنظر لراحتيها اللتان لم تكف عن فركهما بعضهما البعض فأجاب مؤكدا:

-ايوه الله ينور عليكي، هو ده بالظبط اللي تاعبني فاحنا أول ما نروحو بقى عايزك ترمي كل حاجه ورا ضهرك وتسيبي الكسوف بره باب البيت، اتفقنا؟


لم تجبه ونهجت بأنفاسها بصوت مسموع وكاد أن يتحدث معها ولكنه وأخيرا وصل لباب فيلته فأخرج من جيب جلبابه جهاز التحكم ببوابته وضغط عليه ففُتح على مصراعيه ودلف يصف سيارته بجانب الحديقة المزدهرة ونزل يفتح بابها ليساعدها على الترجل، وقبل أن تلمس قدميها الأرض قام بحملها واضعا إحدى ساعديه أسفل ركبتيها والأخر خلف ظهرها وتوجه للباب الحديدي العالي وأشار لها غامزا:

-مدي ايدك جوه السديري هتلاقي المفتاح.


جاهدت لتتخلى عن خجلها ونفورها مما سيحدث تاليا ومدت راحتها لتسحب مفتاح المنزل ودسته بمكانه وقامت بفتحه فدلف وهو يحملها وأنزلها بجوار الباب ليغلقه هو بالمفتاح وعاد ليضعه بداخل جيبه المجاور لقلبه واقترب منها وهي واقفة مطرقة رأسها تفكر بحالها وهمس بأذنها بصوت خفيف يكاد يسمع:

-ملك.


رفعت وجهها تنظر له فرأى عبراتها المكتومة فابتسم ومد راحته يداعب وجهها:

-أنا مش عايزك لا تخافي مني ولا تكرهيني، ممكن؟


هزت رأسها عدة مرات دلالة على موافقتها وهو يستطرد حديثه:

-أنا عمرى ما دورت على راحة وسعادة حد غير نفسي، طول عمري بفكر في نفسي، لما اتجوزت مرة واتنين وثلاثة كان عشان نفسي وأول مرة افكر في حد غير نفسي لما فكرت فيكي.


مد يده الخشنه وسحب راحتيها ممسكا بهما بقوة وهمس مجددا:

-حتى لما خلفت محستش أني ممكن احط طلبات ولادي على حساب احتياجاتي، اي حد هيبص عليا من بعيد هيقول عني معدوم الإحساس بس اللي قدامك ده كان مستني اللي تيجي وتحرك أحاسيسي ومشاعري عشانها هي وبس.


انحنى مقبلا راحتيها كلٍ على حدا ورفع وجهه يكمل حديثه:

-عشان كده انا عندي استعداد اعمل اي حاجه وكل حاجه بس تقبليني وتحبيني، عايزك تعيشي معايا وانتي عيزاني لأني مش هقدر احضنك وأنام معاكي وأنا حاسس منك بالرفض.


شعرت ببصيص أمل أنه ربما لن يفعل ما لا تريده وتتقبله ولكنه فاجئها بقوله:

-عشان كده عايزك تحاولي تقبليني انهاردة لحد ما أخلص الدخله ووعد مني بعدها عمري ما هقرب منك إلا لو حسيتك فعلا عيزاني وبتحبيني

❈-❈-❈

ظل مكانه يريح جسده على الأريكة الموضوعة بنصف البهو بشكل عشوائي يدخن سيجارته ناظرا للسقف يتخيل كيف ستمر حياته بدونها.


هو يعلم تماما أنه لم يحارب من أجلها بل تركها بأقرب محطة وغادر ولم ينظر وراؤه حتى وهو يوهمهما أنه لا زال يكترث ولكن حقيقة الأمر أنه تخلى عنها وﻷجل من؟ نعم ﻷجل من تعلقت به ووهبته كل شيئ تمناه بيوم من الأيام بدءا من مشاعر المراهقة وحتى نضوج عمره وعمرها معا لتمنحة كامل جسدها فقط ﻷجله.


وحتى الآن وهبته رحمها ليزرع به نطفته التي ستولد لتحمل اسمه هو، فماذا يريد من أي فتاة أكثر من هذا؟ فتاة لم تحيد بمشاعرها قيد أنملة منذ أن كانت بالرابعة عشر من عمرها وحتى الآن.


زفر زفرة طويلة يهذي لنفسه فلا يوجد مستمعين حوله:

-سهر هي اللي تستاهلك يا حسن، مراتك وحلالك وأي مشاعر تانيه أنت حاسسها تبقى خيانه لسهر، وعشان حبها ليك وتضحيتها لكل حاجه عشانك متستحقش منك إنك تبقى قاعد بتفكر في غيرها خصوصا وهي حاسه بالمشاعر دي.


اعتدل بجسده جالسا ونظر لشاشة هاتفه وقد قرر المغادرة والعودة لحارته وربما الوقوف والرقص بزفاف تلك الصغيرة فقط ليثبت لزوجته أنه قد تخطاها تماما.


نزل الدرج مشيرا لإحدى سيارات الأجرة وأبلغه بوجهته وجلس يفكر بحديث أهل الحارة عنه عندما يفعل ما ينتوي فعله، والكل يعلم رفضه لزيجتها القسرية، ولكنه حقا لا يهتم الآن فقد أوهم نفسه أنه تخطاها وانتهى.


قبيل أن يصل الحارة استقبل مكالمة من اخيه فأجابه:

-أنا داخل عليكم خلاص.


رد مستحسنا:

-طيب أدخل من آخر الشارع عشان أنا واقفلك بعد بيتنا بشوية.


أومأ موافقا:

-آه تلاقي الشادر سادد الحارة.


نفى موضحا:

-لا يا حسن، أنا واقف مع سالي عشان عيزاك في حكاية كده.


زم شفتيه بعد أن أخبر السائق أن يغير وجهته ليدخل الحارة من الشارع المجاور:

-هي مش لسه قيلالي أنها شالت اديها من الموضوع، عايزه ايه تاني؟


سحبت الهاتف من يد حسين لتهتف بحدة:

-سهر بتنزف من ساعة ما رجعت من عندك، ومش عارفه آخدها واروح المستشفى عشان الحارة كلها شافتها وهي غرقانه في دمها ومحتاسه حوسه ما يعلم بيها إلا ربنا.


ترجل فور أن وصل الحارة وهرع صوبهما فسألها ولا زال الهاتف على أذنه غير منتبها لحالته:

-ايه اللي بتقوليه ده؟ الحمل جراله حاجه؟


هزت كتفيها:

-معرفش، وخايفه ابويا ولا امي يحسو بحاجه وفي نفس الوقت خايفه عليها أوي عشان كده أنا صممت على أمي أخدها عندي تبات معايا بحجة إن جوزي مسافر، وهو ولا مسافر ولا حاجه ودبيت معاه خناقه عشان يروح لأمه.


أشار لها أن تتحرك أمامه مسرعة:

-قدامي بسرعة خليني ألحقها.


تبعه حسين وصعدا منزلها ففتحت الباب بمفتاحها ليجدها تريح جسدها على الأريكة بوجه شاحب فارتمى بجوارها صارخا بوجل:

-سهر.

الصفحة التالية