-->

رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 13 - 1 - الثلاثاء 17/12/2024


قراءة رواية بحر ثائر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية بحر ثائر

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل الثالث عشر

1

تم النشر الثلاثاء 

17/12/2024


قد لا أبدو كذلك!!! 


لكني يا سيدتي حزين.... 


لكني يا سيدتي سجين... 


لكني يا سيدتي غريق.... 


قد لا أبدو كذلك!!!! 


لكني في منفايا وحيد... 


فقدت الشعور 


وفقدت السرور


قد لا أبدو كذلك!!! 


لكني يا سيدتي قد تخلى عني كل من أحببت... 


قد لا أبدو كذلك 


لكني حقا قد تألمت.....


( بقلم فيروزة ) 


❈-❈-❈


يتمدد على فراشه يطالعها وهي تمشط خصلاتها المموجة وتدندن كلمات أغنية شعبية قبل أن تنهض وتتمايل أمامه وتشير له أن يأتي إليها فضحك ولبى طلبها وترجل يخطو ويتمايل معها فأطلقت ضحكة عالية على حركاته الغير متقنة وباتت يدها تلكزه وتقرصه في أماكن متفرقة فجحظ محذرًا إياها بعينيه لتعاود الضحك ثم تحركت تلقي بنفسها على الفراش وتسحبه معها ليعتيلها ويتفرص ملامحها مبتلعًا لعابه حيث لا تترك له مجالًا لهدنة يأخذها بين مشاعره وأنفاسه لذا مال يقبلها واستقبلته بجرأتها التي لم تعد تفاجئه . 


أبعدته عنها فتعجب يطالعها فاعتدلت تحدثه بخبث : 


- لا بقولك إيه ماتقفلنيش السهرة لسة في أولها ، وأنا مجهزة شيشة وتسالي وهنفتح التليفزيون ونقعد قعدة حلوة ، وبعدين أنا عايزاك في موضوع مهم . 


تأفأف ولكنه اعتدل يجاورها وتساءل بنزق لم يستطع الاعتراف به : 


- موضوع إيه يا زينة خير ؟ 


مدت يدها تتلاعب بكفه بأصابعها واسترسلت بتلاعب : 


- إيه رأيك لو جبنا أمي تسكن في الشقة اللي تحت ؟ واهي تبقى معايا وتونسني . 


حدجها بنظرة شمولية ولم يستوعب بعد لتحتد نظرتها من تعبيراته وتستطرد : 


- مالك وشك قلب كدة ليه ؟ مش الشقة فضيت خلاص ؟ وبعدين أنا كل ما بجيلك الوكالة بحس إنك زهقت مني وأنا ببقى زهقانة فقولت بدل كل شوية ما أروح لأمي تيجي هي تقعد معايا هنا ، وبعدين على فكرة أنا فيه حاجة شاكة فيها وماكنتش عايزة أقولك غير لما اتأكد ، بس من ملامحك كدة هقولك علشان تفهم قصدي . 


زفر وانتابه ضيقًا لا مثيل له ، كيف لوالدتها أن تأتي وتسكن معهما ؟ في شقته ؟ مكان ديما وأولاده ؟ 


لم يستطع هذه المرة إخفاء ضيقه فأسرعت تتناول كفه وتضعه على معدتها مردفة بنبرة حماسية : 


- أنا بايني حامل . 


ذهل مما سمعه فالتمعت عينيها تومئ وأسرعت ترفع كفها تحتضن صدغه وتتابع بنبرة لعوبة : 


- أيوة يا كمولتي ، العادة غيبة بقالها أسبوع أهو وحاسة بدوخة ونفسي غامة عليا ، بس كنت مستنية أتأكد وساعتها هيبقى ربنا عوضنا أنا وأنت بكمال صغير ييجي ينور حياتنا ويعوضك عن ولادك اللي أمهم قست قلبهم عليك . 


أطفال ؟ هل كان يريد منها أطفالًا ؟ لم يكن هذا مخططه على الإطلاق لذا ابتلع لعابه وأردف بملامح متجهمة : 


- حمل إيه بس يا زينة دلوقتي ؟ إحنا يا دوب بقالنا مع بعض 3 شهور . 


انزعجت فنهضت وأبدت ذلك في نبرتها وهي تصيح : 


- نعم نعم نعم ؟ يعني إيه حمل إيه ؟ داحنا اتأخرنا كمان ياعنيا ، دانا بدعي وبتمنى من أول يوم ربنا يرزقني بحتة عيل منك وانت جاي تقول لي حمل إيه دلوقتي ؟ هي دي فرحتك ؟ 


هدأها ومد يده يقبض على ذراعها ويعاود إجلاسها ثم زفر واستغفر وحاول تقبل الأمر خاصةً وأن هذا الوضع طبيعي لذا أجابها بهدوء نسبي : 


- يابت افهمي ، أنا قصدي كنا ندلع شوية وبعدين ييجي الحمل والخلفة ، مهو انتوا بتخلفوا من هنا وبتقلبوا جعفر من هنا . 


نزعت يده عنها وصاحت باستنكار : 


- لاء يا عنيا صوابعك مش زي بعضها وحسك عينك مرة تانية تشبهني بحد يا كمال وآخر مرة هقول ، أنا يا حبيبي طول مانت كويس معايا وبتنفذ لي طلباتي هتشوف مني الدلع كله حتى لو معايا بدل العيل عشرة ، فاهم ؟ 


طريقتها في التوبيخ تثيره أكثر من هدوءها ، تشعله أكثر من دلالها لذا لكزها يسترسل بتريث بعدما انقشعت غيمة غضبه : 


- خلاص اهدي اللا ! فتحتي ع السابع مرة واحدة ، أنا كل اللي عايزه إن نفضل كدة حلوين مع بعض ومتفاهمين . 


زفرت بقوة ثم قلبت عينيها للجهة الأخرى وتكتفت تبدي حزنها وتبدأ عقابها لذا صمت لثوانٍ يفكر . 


لا يريد أن يعيش حالة الهجر التي تتركه فيها دون اي اهتمام ، حتى أنها لا تشبه ديما التي كانت تراعيه حتى في هجره بل أنها تتجاهله بشكلٍ تام وهو لم يعتد التجاهل لذا يسعى لمراضاتها ولكن إلى متى فيبدو أنها علمت نقاط ضعفه . 


زفر بقوة ثم التفت لها يردف مشجبًا : 


- هتقلبي وشك بقى وتقفشي ؟ 


لم تجبه لذا أسرع يلبي لها ما تريده : 


- خلاص يا زينة اعملي اختبار ولو طلعتي حامل أنا موافق أمك تيجي تعيش تحت ، علشان تعرفي أنا بحبك إزاي وفرحان بالحمل . 


أبدت فرحتها حينما التفتت تقابله وتحدق به فتابع : 


- ده ابني ولازم أفرح وهربيه زي مانا عايز ، بس كل ما في الأمر إن انتِ فاجئتيني ، خلاص بقى ماتزعليش . 


أسرعت تلقي بنفسها داخل حضنه وتنتشل منه دفئًا لا يمتلكه ثم ابتعدت تطالعه بعيون منتصرة فرحة ونهضت تجيبه بميوعة : 


- هروح بقى أجهز السهرة وأجيلك . 


❈-❈-❈


السعادة التي تغمرها حينما تقرأ تدوينة أو تعليقًا يمدحها سعادة من نوعٍ خاص ، لا تحب المدح بقدر حبها لإيصال مشاعرها إلى الناس . 


لا تحب التفخيم بل تحب نعمة الله عليها التي تتمثل في محبة أناس لا تعرفهم ولا يعرفونها وبينهم حدودًا وبلاد ومع ذلك يحبوها لأنها عبرت عن شيءٍ لمسهم . 


أخذت نصيبًا جيدًا من التواضع الذي يؤهلها للفوز بالقلوب . 


عبثت على لوحة المفاتيح ترسل ردًا على هذه الرسالة الرائعة وتعبر عن امتنانها وحبها للمرسلة وختمت رسالتها بوردة وقبلة . 


ابتلعت لعابها وابتسمت تشكر ربها على النعم التي انهالت عليها بعدما تحررت من قيود سجانها وكأن الله يكافئها على هذا التحرير ، نعم لم تكن تظن أنها ستراها خاصةً هذا التوفيق والسرعة في درب مستقبلها الأدبي . 


في الغرفة المجاورة يتمدد داغر مستيقظًا شابكًا كفيه أسفل رأسه وعقله يسبح فيها ، يفكر في حديثها ، مخاوفها ، حزنها على فراق والديها الذي لم يقل ولم ينتزعه أحدٌ بعد ، وحدتها وشعورها بالغربة والخوف في منزل عمها . 


لقد أخبرته بكل هذا ، ثلاثة أشهر اقتربت منه برغبتها وفتحت أمامه كتابها دون خوف أو قيد ، بل أنها شعرت معه بالأمان والراحة اللذان تفتقدهما . 


ولكنه أحبها ، ربنا الأمر بالنسبة لها صداقة أو ارتياح أما بالنسبة له تحول لحبٍ ومسؤولية ، هو لا يعترف بأي صداقة بين رجلٍ وامرأة ولكن معها وقع في الخطيئة والآن يتقلب على صفيح الحب الساخن بل أنه يحترق فقصتهما مستحيلة من جميع الجهات أولهما عدم مبادلتها لمشاعره وآخرهما مستواها المادي . 


لم يكن يريد أن يقع في العشق ، يعلم أن العشق يضعف صاحبه لذا أراد أن يختار شريكة حياة مميزة حسب عقله ، لتكن من نفس مستواه ولكن ... كان لقلبه رأيًا آخر . 


تنهيدة مأججة خرجت من جوفه والحيرة باتت لا تفارقه ، يريد أن يبتعد ولكن كيف وأسعد أوقاته باتت في قربها ، كيف يبتعد وهو يشعر أنها مسؤوليته كأنها من ضمن أسرته . 


لذا فهو يكره ماجد ، برغم أنها حاولت استنكار أفعاله معها ولكنه لم يفعل ، يعلم نواياه جيدًا ولكنه عاجزٌ عن ردعه . 


عاد يزفر وهمس بترجٍ : 


- يارب حلها من عندك يارب . 


دعا ربه وحاول أن ينام . 


❈-❈-❈


وحاولت هي أيضًا حيث تنام على جانبها الأيمن وتفكر فيه ، وقعت في حبه ، الهالة المحيطة به وهيبته مع العمال وشخصيته التي تفرض نفسها على الجميع جعلتها تعشقه ولكنها بارعة في عدم إظهار مشاعرها .


فالموانع كثيرة لقصتهما وأولها غدر عمها وآخرهما فارق السن بينهما .


لمَ ليست الحياة هينة ؟ لمَ لم تجد مواصفاته في غيره ؟ لمَ هو مميزٌ إلى ذلك الحد الذي يجعلها تتألم في صمت ولأول مرة تكون عاجزة عن اتخاذ قرار يريحها .


تنهيدة حارة صدرت عنها تعبر عما تشعر قبل أن تلاحظ محاولة فتح بابها بهدوء شديد من خلال لف مقبضه ببطء .


جحظت عينيها برعب وابتلعت لعابها وغزى الأدرينالين جسدها ولكن لحسن حظنها أنها توصد الباب لذا عاد المتطفل خالي الوفاض وتركها تودع النوم الذي قرر الرحيل عنها . 


❈-❈-❈


تهديد توماس له بسيرة زوجة شقيقه جعله يريه وجهًا لم يظهره منذ جاء إلى فرنسا ، ملامح قاتمة تلبستها شياطينه وهو يكشر ويقترب منه حد الالتصاق مردفًا بتوعد سافر : 


- إياك ونطق اسم فرد من أفراد عائلتي أيها القذر ولا تختبر صبري ، إذا كنت تمتلك معلومة أو اثنتين عني فأنا أمتلك السكين التي ستنحر رقبتك ، كن حذرًا ودعنا نعمل في صمت ، هل فهمت ؟ 


تشبحت ملامح توماس بالصدمة ، هذا يعني أن مارتينا خانته وأفشت أسراره ، نعم هذه الثقة التي يتحدث بها ثائر ليست من فراغ لذا ... عض على شفتيه ثم ابتسم يردف بتركيز : 


- حسنًا ، لنعمل في صمت إذًا ، كلانا لا يفضل أن تكشف أسرار الآخر ، أليس كذلك ؟ 


تجلت ابتسامة خبيثة على ملامح ثائر وهو يومئ له ثم تحرك يغادر من أمامه تركه يتوعد لمارتينا الخائنة . 


❈-❈-❈


في اليوم التالي 


ترجلت دينا تخطو في شارع حارتها لتصل الى الطريق العام وتستقل الحافلة التي ستقلها إلى الشركة . 


توقفت حينما رأت صالح يفتح ورشة شقيقها فابتسمت ترحب به قائلة بلطفٍ عفوي : 


- صباح الخير يا باش مهندس صالح . 


رفع صالح الباب المعدني والتفت يطالعها باحترام ثم ابتسم يجيبها : 


- صباح الخير يا آنسة دينا ، كيفك ؟ 


أجابته بودٍ : 


- أنا كويسة الحمد لله ، فاتح بدري النهاردة ! 


أومأ لها يوضح وهو يسعى ليتجنب عينيها : 


- ااه ، صحيت بكير قلت آجي افتح الورشة عبال ما الولاد ييجوا . 


أومأت بتفهم ثم أردفت مودعة : 


- تمام ربنا معاك ، عن اذنك . 


غادرت وتركته يقف شاردًا في أمرها ، من المؤكد أنها تفعل ما تفعله بطريقة عفوية ولكن معاملتها هذه أسرته رغمًا عنه ، لا يريدها أن تبتسم له ، لا يريدها أن ترحب أو تسلم أو تتطلع عليه ، لا يريد لعقله أن يفكر بها فهو ليس لديه الحق في عيش أي مشاعر الآن سوى الحزن على مصابه ولكن منذ متى وعلى القلب سلطان ؟! 


لولا توصية داغر له بمتابعة الورشة لكان قد تركها وابتعد ولكن كيف يرد الجميل بفعلته التي سيفسرها داغر على أنها غادرة ؟ 


ليتها تكف عنه ، ليتها تنجو من حطام أحزانه فهي لا تشبهه قط ، مفعمة بالحياة تستحق شابًا مثلها وأكثر بينما هو نال من الحياة ما يجعله في رجاءٍ دائم لمقابلة من ذهبوا .

الصفحة التالية