رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 9 - 2 - الخميس 5/12/2024
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل التاسع
2
تم النشر الخميس
5/12/2024
عاد من عمله ودلف المنزل يلقي السلام فركض صغيرا شقيقته نحوه يصيحان :
- خالو جه ، خالو جه .
انحنى يستقبلهما في كنفه ويعانقهما سويًا ثم نهض يناولهما أكياس النقانق والشوكولاتة التي ابتاعها من أجلهما تحت أنظار منال وديما ودينا التي انتفضت تقف وتتساءل بملامح طفولية حانقة :
- وأنا فين ؟
ضحك عليها داغر واقترب يناولها أغراضها فعانقته تشكره فبادلها وابتعد يخرج قطعة أخرى من الشوكولاتة بالبندق ويلقيها نحو ديما قائلًا بمرح :
- كُل شوكولاتة بالبندق وانسى الهم .
التقطتها تبتسم ابتسامتها المشرقة وشكرته بهدوء دل على حزنها الذي تحاول إخفاؤه ولكنه واضحًا كالشمس .
اتجه يجلس جوارهن بعدما وضع الأكياس على الطاولة وناول منال قطعة شوكولاتة مماثلة يردف بحنان :
- ودي واحدة لست الكل ، ها عاملين إيه ؟ فيه جديد ؟
نظرت منال لابنتها الغالية بملامح حزينة كأنها تشتكي له بصمتٍ وفهم ذلك لذا التفت ينظر نحو ديما وتحمحم يردف بترقب :
- يالا افرحوا ، اخوكو هيتعين في مصنع الراوي للكيماويات .
التفتت له ديما تتساءل بنبرة متلفهة لا تخلو من حزنها :
- وافقت يا داغر ؟ وسألت عليهم ؟
أومأ له يجيب حينما انتبهن ثلاثتهن :
- سألت والمصنع كويس والبنت دي كويسة جدًا وعندها ضمير زي أبوها الله يرحمه ، أتاريها يتيمة وعايشة مع عمها ومراته ، أمها وأبوها ماتوا من سنتين تقريبًا ، الله يصلح حاله محمود زبوني هو اللي عرف يجيب لي كل المعلومات دي .
تساءلت منال بقلقٍ :
- المهم الشغل هناك أمان يا داغر ؟ يعني يابني لازم تأمن نفسك دي كيماويات .
ضحك عليها بينما وضحت دينا بسخرية من بين ضحكاتها المماثلة :
- ماتقلقيش يا ماما هما يعني بيجربوها في العمال !
باغتها داغر بنظرة لائمة ثم تنهد ونهض يردف بترقب :
- أنا هقوم استحما وبعدين هدخل أكلم الآنسة بسمة وأبلغها أني قبلت وارجع لكوا .
تحرك نحو الحمام وجلست منال تربت بحنان على يد ديما التي بادلتها بينما نهضت دينا تتخابث على صغيري شقيقتها كي تنتشل منهما بعض النقانق .
خرج داغر بعد دقائق وتحرك نحو غرفته فأوقفته دينا التي جلست أرضًا بين مالك ورؤية تردف بمغزى :
- ابقى سلملي على بسوم .
ألقى المنشفة في وجهها ودلف غرفته يغلق الباب خلفه فضحكت عليها منال والصغيران بينما عادت ديما لشرودها حينما نظرت للتلفاز ورأت مسلسل تليفزيوني يعرض زوجًا قاسيًا يشبه زوجها .
في الداخل رفع داغر هاتفه ينتظر إجابتها ولكنها لم تفعل بل انتظرت حتى انتهى الاتصال وعاودت الاتصال به ليبتسم ويغلق مكالمتها وأعاد اتصاله ففتحت تجيبه بمغزى :
- مش حذرتني مافتحش عليك ؟
تعجب من تسجيلها لرقمه ولكنه تجاوز يردف برصانة :
- مايصحش بردو يا آنسة بسمة دي عيبة في حقي ، وبعدين أنا كنت بهزر .
تحمحمت وأعجبها رده لذا تنهدت وتساءلت بترقب وهي تتجه نحو سريرها بعدما اعتنت ببشرتها :
- تمام ، قولي قررت ؟
أجابها بثبات :
- أيوا ، إن شاء الله هكون قدام المصنع بكرة الساعة سابعة .
فكرت قليلًا وتذكرت موعد ذهابها للمؤسسة الحكومية صباحًا لذا استطردت :
- طب خليها بعد بكرة يا داغر علشان أكون في استقبالك وأفهمك المطلوب ، تمام ؟
- تمام يا آنسة بسمة زي ما تحبي ، يبقى بعد بكرة إن شاء الله نتقابل .
- إن شاء الله .
أغلقا سويًا وكلٍ منهما سبح في فلك أفكاره يفكر في الآخر ليزفر داغر ويقرر الخروج إلى عائلته وتقرر بسمة الولوج إلى فراشها .
❈-❈-❈
في الثانية صباحًا وفي إحدى الغرف الفندقية
جلس توماس يتخبط على الفراش ويتمايل على مارتينا التي تجاوره وتتغنج عليه وفي يدها كأس المشروب تناوله له وكلما تجرعه تصب غيره من جوارها .
بدلالٍ وهمس جريئ وحركات وقحة استطاعت إغراقه في دوامة من اللا وعي وباتت تلقي طُعم معلومات عن ثائر لا أهمية لها لتستقطبه في الحديث فيلقي بأوراقه .
وبرغم مكره ودهائه إلا أن غريزته الذكورية ومتطلباته جعلته يسقط في وكرها ويخبرها ببعض الأسرار عنه ، أسرارًا أدهشتها لدرجة أنها شردت فاستباح لنفسه أن يتمادى لذا أسرعت تصب له كأسًا آخر بانزعاج فكان يجب أن يفقد الوعي بعد كمية المشروب التي تناولها ولكنه ما زال يريد نيلها .
❈-❈-❈
في اليوم التالي ظهرًا قررت بعدما غادر شقيقها إلى ورشته وشقيقتها إلى العمل .
جلست تجاور منال وأرادت أن تتحدث إليها عن قرار ستتخذه خاصةً وأن الصغار نيام .
أردفت بعدما تنفست بعمقٍ وحرارة :
- أنا عارفة إن كلمة مطلقة صعبة وإنك اتوجعتي منها قبلي ، بس أنا مبقاش عندي طاقة أكمل ، مابقتش متحملة بجد ولازم أوصل معاه لحل من غير محاكم أو دوشة علشان خاطر ولادي ، يطلقني بما يرضي الله ويروح يعمل اللي هو عايزه مابقاش فارق معايا أي حاجة .
قلبها يحترق وكأن قصتها تمر أمامها لذا تساءلت بتوجس :
- هو عمل حاجة غلط يا ديما ؟ أوعي تقولي خاين ؟
اعتصرت عينيها فرأته وهو يجفف دموع أخرى وسمعته وهو يحدثها لذا عادت تبصر وتتنهد مسترسلة :
- صدقيني يا ماما أنا غيرك ، إنتِ خيانة بابا وجعتك لإنك كنتِ بتحبيه إنما أنا حتى لو كمال خان مش هتوجع حب بس أنا عارفة إني مستاهلش كدة ، عارفة إن طاقتي كلها نفذت معاه هو ، عارفة إني ماعرفش يعني إيه حب ولا جربته قبل كدة بس لقيت الإنسان ده هو جوزي فأخدت عهد على نفسي أني أكون مخلصة ليه طول عمري ، زعلانة على نفسي أوي يا ماما وعلى سكوتي ، زعلانة على خوفي منه ومن صوته العالي ومن مامته اللي كانت قاسية أوي ، زعلانة علشان هيتقالي بيضربك هقول لاء وهيتقالي مش بيصرف هقول لاء ومحدش هيفهم الكارثة اللي أنا واقعة فيها ، الكارثة إنه بيصرف كويس جدًا ومش بيضرب أبدًا بس قدر يخليني أكرهه وقدر يخليني قربت أكره نفسي وعجزي .
سقطت دموع منال على كلمات ابنتها التي كانت شاردة كأنها فتحت كتابها المغلق لسنوات ، تسرد لنفسها ولوالدتها ما عاشته .
ازدردت ريقها وغصتها المتحجرة وتابعت :
- أنا لازم اتكلم معاه ولوحدي ، يطلقني ومش عايزة منه حاجة وأنا هشتغل وهصرف على ولادي .
أردفت منال وهي تحاوط كفيها :
- طب ما تحكي مع داغر يا ديما وتسبيه هو اللي يكلمه ؟
تعلم منال أنها مخطئة فإن أطلقت ديما سراح داغر عليه ستكون العواقب وخيمة وسيحدث ما تخشاه لذا هزت رأسها تستطرد :
- مش هيتكلم ، كمال مش بتاع تفاهم خصوصًا مع داغر وأنا مش هتحمل أخويا يتئذي بسببي ، اللي لازم يتكلم معاه هي أنا ، لازم أوصل معاه لحل من غير فضايح .
صمتت لهنيهة ثم نهضت تنظر في عيني والدتها وأردفت بتوتر :
- ماما أنا هروح أكلمه ، هجيب بقيت حاجاتي أنا والولاد وأعرفه قراري وأشوف هوصل معاه لإيه .
تحركت لتبدل ثيابها قبل أن يستيقظ الصغيران فأوقفتها منال تتساءل بقلق :
- طب آجي معاكِ ؟
ابتلعت لعابها بتوتر ولكنها التفتت تطالعها وتسترسل مطمئنة :
- ماتقلقيش يا ماما مش هتأخر ، خليكي علشان الولاد .
تنهدت تومئ فاتجهت ديما لغرفتها تبدل ثيابها سريعًا ثم خرجت تنظر إلى منال الشاردة وتحركت نحو الباب وفتحته وغادرت وهاجزًا يخبرها بألا تذهب ولكنها لم تطعه .
❈-❈-❈
استيقظ كمال من نومه على نداء زينة المتكرر ففتح عينيه يطالعها بنعاس ويحدق بها كأنه لم يتذكرها ولكنها أردفت بنبرة لعوبة وهي تتحسس صدره العاري :
- قوم بقى يا كمولتي أنا مُت من الجوع وانت امبارح ياخويا هجمت عليا من غير ما اتعشينا ، هو البيت ده مافيهوش أكل ولا إيه ؟
استعاد ذاكرته وتذكر ليلتهما سويًا لذا ابتسم ومد يده يزيح خصلاتها الطويلة للخلف ويردف وعينيه تتمعنها :
- صباح العسل يا عسل .
تدللت وتمايلت تجيبه وتبعد يدها عنه :
- ولا صباح ولا مسا ولا كلمة كويسة ، ينفع عمايلك دي ؟ والبيت مافيهوش لقمة ؟
ضرب جبينه يردف متذكرًا :
- شوفتي أهو أنا نسيت اجيب أكل امبارح ، معلش انشغلت بكذا حاجة .
أجابته بحنق ماكر وهي تتكتف :
- طب انا اعمل ايه دلوقتى ؟
زفر يفكر ولكنها فكرت قبله تتساءل بخبث :
- أكيد في أكل تحت مش كدة ؟
أومأ لها فتابعت :
- طب قوم يالا هاتلنا أي حاجة من تحت ناكلها .
نهض يطيعها ويتحمحم قائلًا وهو يشير نحو بنطاله :
- طيب ناوليني البنطلون ده علشان اقوم .
نظرت له باستنكار وتمددت بأريحية على الفراش تردف بنبرة قوية :
- لا ياخويا ناول نفسك وقوم يالا معدتي وجعتني من قلة الأكل .
أطاعها يومئ برضا ونهض يلتقط بنطاله ويرتديه ثم قميصه ثم نظر لها يردف :
- هنزل اجيب وراجعلك .
تحرك خطوة فأوقفته وهي تنهض قائلة بعلو :
- استنى .
التفت يطالعها فاسترسلت بخبث :
- خدني معاك أنا بخاف .
تحركت معه بقميصها القصير واتجه ينزع مفتاح شقة ديما من مكانه ثم تحركا سويًا نحو الخارج ونزلا الدرج حتى وصلا أمام شقة ديما فمد يده يفتحها ودلف يضيء الإنارة فدلفت تتفحص المكان ليمتلئ مخزون الحقد في قلبها إلى أعلى منسوب حينما رأت المنزل وأثاثه ورونقه وطريقة تنظيمه ونظافته والرائحة التي تنبعث منه .
اتقدت النيران داخلها وحدثها فلم تسمعه لذا تركها وتحرك نحو المطبخ فاتجهت تستكشف المكان بإحتراق لا يتسع له صدرها .
وصلت ديما إلى المنزل ودلفت تصعد الدرج بخطواتٍ ودت لو تتولى عنها القرار وتعود ولكنها واصلت الصعود حتى وصلت إلى شقتها للتفاجأ ببابها مفتوح فظنته هو فهي على يقين بأنه ما زال في المنزل لذا تقدمت تناديه بنبرة مهتزة مستشعرة شيئًا سيئًا :
- كمال ؟
ما إن وطأت قدماها عتبة الباب حتى تسمرت وهي ترى المرأة نفسها تقف على أعتاب غرفتها وترتدي قميص نومٍ وتطالعها بصدمة دامت لثوانٍ قبل أن تتحول لانتصار وشماتة حينما انعقد لسان ديما وشعرت بعقلها يتجمد ليأتي كمال على ندائها ويطالعها بملامح متجهمة ثم متوترة وصمتٍ صادم من كلاهما دام لثوانٍ ثم قطعه وهو يحاول الثبات المزيف ليردف بنبرة صلدة :
- إيه اللي جابك دلوقتي ؟
وقفت كأنها تشاهد عرضًا سينمائيًا لا يمت للواقع بصلة وحالها كحال جمهور ارتفع الأدرينالين لديهم فتسمروا يحدقون بالعرض وأفواههم مفرغة مترقبين المشهد التالي .
خشت أن تنطق أو أن يتحرك لسانها فيتحول المشهد من خيال إلى واقع تكره أن تعيشه ولكن زينة لم ترحم صدمتها بل تعلقت في ذراع كمال الذي كان ينتظر أي كلمةٍ منها لتقول بنبرة شامتة :
- يالا يا كمال نطلع شقتنا واضح إن المدام رجعت بيتها .
سلطت أنظارها عليه وبصعوبة استطاعت تحريك لسانها الذي ظنته لن يتحرك مجددًا وتساءلت :
- إنت اتجوزتها ؟