-->

رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 10 - 2 - السبت 7/12/2024

  

قراءة رواية بحر ثائر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية بحر ثائر

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل العاشر

2

تم النشر السبت

7/12/2024




في صباح اليوم التالي . 


دلفت منزل والدتها بمساعدة دينا وداغر الذي يسانداها حتى وصلا بها إلى الأريكة فأجلساها وأسرعت منال تعدل وضعيتها وتضع الوسادة خلف ظهرها ثم سألتها باهتمام وحزن : 


- مرتاحة كدة يا حبيبتي ؟ 


إلى الآن لم تستطع النطق ولكنها ابتسمت تومئ بملامح هادئة ليتجه داغر يستريح على الأريكة ويستند برأسه على كفه بشرود ، لم ينم منذ ما حدث وجُل ما به يتألم لأجلها ، طوال الليل جلس بالقرب منها بعدما نامت دينا جوارهما ، يسرد لها ما حدث معه ومع بسمة وهي تستمع له وتومئ كردة فعل ولكنها صامتة وهذا يشعل داخله براكين الغضب ، أخبره الطبيب أنها ستتجاوز صدمتها مع الوقت ولكن كيف له أن يرى شقيقته التي تعد هي مصدر الأمل والتفاؤل في حياته بهذا الحال ؟ 


لقد أصر ليلة أمس على عدم مجيئ منال إلى المشفى بعدما علمت أن ابنتها سقطت فاقدة الوعي بعد زواج كمال ، لم يرد أن تراها في هذه الحالة فأخبرها أن تظل هي تهتم بالصغيرين وهو سيتولى أمرها وقد رضخت للأمر بصعوبة بالغة نسبةً لوجود الصغيرين ولكن دينا لم ترضخ وذهبت متلهفة للاطمئنان على شقيقتها بعدما علمت من إحدى الجارات ما حدث معها . 


اتجهت دينا إلى الحمام تغتسل وجلست منال تبكي على حال ابنتها وكيف ستتحمل كل ما مر عليها وكيف ستتعامل مع صغيريها اللذان ينامان في الداخل ؟ 


ما الذي ينتظرها وهل ورثت حظها منها ؟ هل ستنفصل كما حدث معها  ؟ 


نظرت نحو ابنها وفي داخلها ألف سؤال ولكنها التزمت الصمت حتى لا تكسر خاطر ابنتها المتهشم أساسًا . 


رنين هاتف داغر  جعله يخرج من شروده لذا اعتدل يلتقطه ويجيب بإرهاق : 


- ألو ؟ 


- صباح الخير يا باش مهندس داغر ، أنا منتظراك في المصنع من ساعتين ، ماجتش ليه ؟ 


بالطبع لم يتذكر هذا الموعد لذا رفع نظره يتطلع على شقيقته التي طالعته بأسفٍ فأبعد عينيه ونهض يتجه نحو الشرفة ويسترسل موضحًا : 


- أنا آسف جدًا يا آنسة بسمة بس فعلًا حصل ظروف خارج إرادتي ، أنا طول الليل في المستشفى مع أختي ولسة راجعين البيت دلوقتي ومش هعرف أسيبها في الحالة دي . 


ولته اهتمامها وتساءلت بترقب : 


- أكيد طبعًا معاك حق ، طيب هي كويسة ؟ إيه اللي حصلها ؟ 


تنهيدة قوية خرجت من جوفه المأجج بالنيران ليجيبها باختصار : 


- شوية ضغوطات ، ادعيلها . 


تساءلت باهتمام وترقب : 


- هي دي أختك اللي كانت معاك يوم ما اتقابلنا في الإشارة ؟ 


- لاء دي أختي ديما ، الكبيرة .


أومأت بتفهم والتفت بالكرسي الذي تجلس عليه في مكتبها في المصنع ثم زفرت ولا تعلم لما أرادت أن تقترب منهم لذا تساءلت بتوتر :


- هو ينفع آجي أزورها ؟


تعجب من طلبها الغير متوقع وصمت لهنيهة ثم تحمحم يجيبها :


- أه طبعًا تنوري .


انشرحت بسعادة لا تعلم مصدرها وأردفت بنبرة متحمسة :


- تمام ، قدامي ساعة في المصنع وأنا مروحة هعدي عليك .


أغلقت بعدها ووقف متعجبًا من سبب زيارتها لهم ؟ ألم تصدقه ؟ أتظنه يخترع ذريعة ؟ أم أنها تسعى للاقتراب منه ؟


زفر بقوة ثم عاد للداخل يجلس بجوار ديما متسائلًا باهتمام :


- تحبي تدخلي تنامي ؟ 


هزت رأسها بلا فهي لا تريد أن تختلي بنفسها قط ، تحاول بالقدر المستطاع أن تتجنب البقاء مع نفسها وأفكارها وذكرياتها لذا هي تحاول أن تندمج معهم ليسترسل داغر بترقب :


- طيب الآنسة بسمة جاية تشوفك .


نظرة التعجب التي تجلت على ملامحها جعلته يتابع :


- أيوة أنا كمان مستغرب زيك كدة بس يمكن ماصدقتنيش لما قلتلها إنك تعبانة ومش هعرف أروح الشغل النهاردة .


ابتلعت لعابها وأومأت بتفهم لتأتي منال من المطبخ تحمل صينية الطعام وجلست على مقعد مقابل لديما تضع الصينية على ساقيها مردفة بحنين وقلبٍ منفطر  :


- يالا يا ديما علشان تاكلي وتدخلي ترتاحي جوة في أوضتي ، الولاد طول الليل بيسألوا عنك وبيعيطوا ولما قلتلهم إنك تعبانة زعلوا وفضلت طول الليل اتكلم معاهم علشان مايناموش زعلانين .


انتابها الحزن لأجل صغيريها ولكن هذا ليس مقصد والدتها التي تابعت توضح : 


- أنا بقولك كدة علشان أعرفك إن مافيش أي حاجة في الدنيا تستاهل زعلك غير ولادك ونفسك ، اوعي تبقي زيي ، أنا كنت ضعيفة وماليش حد يقف معايا ويسندني إنما احنا كلنا معاكِ وعارفين ومتأكدين إنك حاولتي تصلحي عيوبه وكل ما كان بيتكسر حتة من حياتكم إنتِ اللي كنتِ بتحاولي تلميها وتلزقيها ، بس خلاص يا بنتي مابقاش ينفع تتلزق ، فوقي كدة وشوفي نفسك وعيالك وارميه ورا ظهرك وسيبيه للي فضلها عليكِ ، الزمن كفيل يجيبلك حقك وتقفي تتفرجي على الحقوق وهي بتترد ، وماتزعليش على سنين عمرك وحاولي تطلعي من التجربة دي باللي يفيدك بعد كدة ، وبصي حواليكي هتلاقي الناس كلها بتحبك وعارفين إنك أحسن منه ، فوقي يا حبيبتي واصلبي طولك ولادك محتاجينك . 


نظر داغر نحو منال التي فاضت دموعها مع كلامتها كأنها تسرد هذا الكلام لنفسها فهذا ما كانت تود سماعه آنذاك ، ليمد يده يلتقط دمعتها ويردف بنبرة مرحة وهو يشير على صينية الطعام : 


- الله عليكي وعلى كلامك يا ست الكل ، أومال ماجبتليش فراخ ليه أنا كمان ؟ مانا كنت طول الليل في المستشفى وجاي جعان . 


بادلته نظرة حنونة ثم نهضت تناوله الصينية قائلة وهي تتحرك : 


- حاضر يا حبيبي حقك عليا قلت أأكل ديما الأول ، هروح أجبلك أكلك وإنت أكلها . 


لم يعترض فهو يتضور جوعًا وكذلك يريد أن يطعم شقيقته بنفسه ، يريد أن يدللها ويزيل فتات الحزن من قلبها حتى تعود كما هي ثم يقسم أنه سيطلقها منه ويساندها بكل ما أوتي من قوة . 


بدأ يطعمها ويدللها كطفلة بكلمات الغزل والابتسامة لتشعر بالامتنان والأمان في وجوده ولكن لم تمر كلمات والدتها على عقلها مرورًا لحظيًا بل احتفظت بهم لتتفحصهم كلمة تلو الأخرى بعد أن تأكل . 


❈-❈-❈


يتجولات سويًا في أحد المولات التجارية وكلٍ منهما شاردٌ في أفكاره  .


يتكتفان ويلتصقان ببعضهما ولكن أفكاره في أقصى الجنوب وأفكارها في أقصى الشمال . 


ليأتي من سيجمع أفكارهما وينادي على أحمد بحبورٍ  : 


- أحمد يا ذو الفقار  . 


توقف أحمد متعجبًا يلتفت نحو من يناديه بلهجة مصرية ليجده صديقه تامر الذي لم يرَه منذ سنواتٍ عدة لذا ابتسم وتجلى الاندهاش على ملامحه يجيب  : 


- تامر  ؟ 


تحركا سويًا في اتجاه بعضهما يعانقان بعض بودٍ تحت أنظار سها الزافرة بملل ولكنها تحركت نحوهما تطالع تامر بترقب ليبتعد عن زوجها ويطالعه بملامح منفرجة مسترسلًا  : 


- تعرف إني كان نفسي أشوفك جدًا وقلت يارب أقابله هنا  ،  الحمد لله إني شوفتك  . 


انتبه إلى سها ليطالعها مبتسمًا ويستطرد  : 


- أزيك يا مدام سها  . 


تعلمه جيدًا وتتذكره  ،  تتذكر أنه كان صديقًا مقربًا من زوجها و...  ثائر لذا ابتسمت بتكلف تجيبه بغرور : 


- أهلًا  . 


تجاوزها وعاد بوجهه إلى أحمد الذي أردف  : 


- وأنا كمان كان نفسي أشوفك  ،  عامل إيه يا تامر  ،  وبتعمل إيه هنا في دبي  ؟ 


أجابه تامر موضحًا  : 


- جاي في شغل بس راجع تاني خلال يومين  ،  إنت عارف مابقدرش أبعد عن مصر  . 


أومأ أحمد بتفهم وابتسامة ظاهرية تخفي حزنًا مكتومًا داخله ليتابع تامر بترقب وعفوية  : 


- المهم علشان ماعطلكش هات لي رقمك  . 


أومأ أحمد وأملاه رقمه الذي دونه تامر في هاتفه ليردف الأول  : 


- ماينفعش بقى تيجي دبي من غير ما أعزمك عندي  ،  بما إنك هنا ليومين خلينا نتغدا سوا بكرة  ،  قلت إيه  ؟ 


قلبت سها عينيها بضيق لاحظه تامر ليردف معتذرًا  : 


- لا مش هينفع يا أحمد اعذرني بس بجد يادوب أخلص اللي ورايا وارجع  ،  أوعدك لو جيت دبي تاني هتواصل معاك ونتقابل  . 


رفع أحمد كفه يربت على ذراع تامر ويبتسم بإيماءة متفهمة ثم أردف  : 


- ولا يهمك  . 


كاد أن يودعهما ولكنه تذكر شيئًا لذا أردف مستفيضًا  : 


- أيوة من حق  ،  هاتلي رقم ثائر هو كمان  ،  نفسي أكلمه وبعتله على الانستا بس مش بيرد  . 


ابتسم يكمل بمرحٍ ولم يلاحظ تبدل ملامح كلاهما  : 


- الباشا بيتكبر علينا مهو بقى مشهور  ،  بس بصراحة أخوك عامل قلق  ،  أنا قرأت له كتاب إيه يابني ده  !  جبار  . 


ابتسمت سها بمكر بينما شرد أحمد لثوانٍ وكاد أن يخبره أنه لا يملك له رقمًا لتسرع الأولى تجيب بدلًا عنه  : 


- معلش بس أحمد مش هيقدر يديك الرقم لإن ثائر موصيه إن الرقم ده خاص بعيلته بس  ،  لكن ممكن تتواصل معاه عن طريق الكومنتس  ،  اكتبله كومنت عرفه إنك تامر صاحبه وهو لو عايز يشوفه هيشوفه  . 


بدى الضيق على ملامح تامر وأومأ يردف معتذرًا  : 


- تمام معلش يا أحمد ماكنتش أعرف  ،  عن اذنكوا  . 


تحرك يغادر ولم يمنعه أحمد الذي شعر بالضيق الشديد لذا التفت يباغتها بنظرة حادة ويردف  : 


- إيه الأسلوب ده  ؟  وتتكلمي ليه نيابة عني  ؟  هو سألني سؤال إنت مالك بتردي ليه  ؟ 


رفعت حاحبيها ومالت بكتفيها تجيبه ببرود  : 


- الحق عليا اللي قلت ألحقك قبل ما تقوله إنك مش معاك رقم أخوك  ،  ولا عايزه يعرف اللي بينك وبينه  ؟ 


تحركت بعدها خطوة تكمل سيرها ليشعر أنه لم يعد يحتمل لذا زفر بقوة وقرر اللحاق بها  .


الصفحة التالية