رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 11 - 2 - الثلاثاء 10/12/2024
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الحادي عشر
2
تم النشر الثلاثاء
10/12/2024
بعد أن هدأ الصغيران بصعوبة بالغة واستطاعت دينا انتشالهما بدلالها ولعبها معهما اتجهت منال نحو ابنتها التي أدخلتها الغرفة لتستريح .
حملت لها كوبًا من العصير وخطت نحوها تناولها إياه علها استيقظت ولكنها ما زالت نائمة .
وقفت تُمعن النظر لها لثوانٍ قبل أن تلتفت وتعود أدراجها بحزنٍ بالغٍ عما أصابها واتجهت عائدة نحو المطبخ تردد داخلها الدعاء على طليقها والذي يعد سببًا رئيسيًا فيما حدث معها ، لا سلموا من أذيته وهو معهم ولا سلموا منه وهو بعيد ، إلى الآن يجنون حصاد أفعاله وبمنتهى الأسف الحصاد هذه المرة هو مرض ابنتها الغالية وصمتها وكأنها لم تعد تشتهي البوح أو الكلام .
ولكنها لم تنم كما ظنت منال ، هي مستيقظة وأوهمتها بذلك .
حزنها بالكامل ليس على زواجه من أخرى فهي الآن اعترفت كم هي تبغضه ولكن كل القهر بداخلها على ظلمها في حق نفسها ، كيف تحاملت على نفسها إلى حد أن يصل بها الأمر للاشتباه في جلطة ؟
لما لم تتخذ قرارًا منذ زمن ؟ ومتى أصبحت هشة هكذا ؟ هو لم يكن ذلك الزوج الذي يستحق تجاوزها عن أخطائه .
لن تتخذ طفليها حجة فهي رأت كم هما عانا معها ، رأت الخوف في أعينهما من هيأته وهو يحاول نزعهما منها ، رأت رغبتهما في رحيله من حياتهما .
كانت ترى كل هذا ولكنها غضت الطرف لسنوات معللة بأنه سيعتدل يومًا ، لقد أوهمت نفسها أن هناك احتمالًا أن يغير أسلوبه وعادته بعد موت والدته التي زرعت ما زرعته ورحلت ولكنها كانت مخطئة خطأً فادحًا ، كيف لنبتة خبيثة تغذت على الفساد حتى اشتد عودها أن تتبدل إلى زهرة عطرة لمجرد انقطاع الغذاء عنها ! على العكس تمامًا ستصبح متوحشة تقتص غذائها بشراسة ممن حولها ولم يكن حولها سوى زهرة متفتحة مقبلة على الحياة امتصت رحيقها وتركتها ذابلة على وشك السقوط .
رفعت يدها تجفف دموعها الغزيرة وتسعى للملمة ما تبقى منها قبل أن يسقطها خريفه لذا تحلت بملامح العزيمة وهي تؤكد لنفسها أنها ستتحرر منه مهما كانت النتائج ولن تكون منال جديدة بل ستضع نفسها في الحديقة التي تستحق أن تكون بها .
❈-❈-❈
في سيارتها يجلس صامتًا شاردًا حالته تستنكر ما يحدث ، آخر ما كان يتمناه أن تراه هكذا وتساعده في مسألته ، لا يفضل أبدًا أن يكون لأحدهم فضلًا عليه خاصةً هي .
زفر باختناق ورفع رأسه ينظر للأمام وتحدث بنبرة صلدة :
- المبلغ اللي اندفع هيتردلك كله يا آنسة بسمة ومتشكر على وقفتك معايا .
كانت تعلم الصراع الذي يعيشه وتدركه خاصةً مع شخصٍ مثله انفعل على ما أصاب شقيقته لذا حاولت تقبل نبرته وأردفت بتروٍ موضحة :
- هيترد أكيد من مرتبك يا باش مهندس بس ماكنش ينفع أسيبك أبدًا تتحبس بسبب شخص معدوم الضمير زي ده .
التفتت تطالعه سريعًا لتلاحظ ليونة ملامحه بعد الشيء دون النظر إليها لذا زفرت وعادت تتطلع نحو الطريق مسترسلة :
- على فكرة أنا معاك جدًا في اللي حصل وإنسان زي ده ندل وخاين بس لازم قبل ما تتهور تفكر مليون مرة في مامتك واخواتك ، هما ملهمش حد غيرك وفيه مليون طريقة تانية تلجأ ليها غير العنف .
لم ترد إخباره ما حدث بعدما قبض عليه حتى لا يغضب ولكنها تنهدت تتابع حينما لاحظت استجابته لحديثها حتى لو لم يُبدِ ذلك :
- ابعد عن الشخص ده يا داغر وحاول ماتخليهوش يستفزك بأي شكل ، خلص اختك منه وابعد عنه تمامًا ، ولازم يكون الأهم عندك هي حالة أختك النفسية لإن اللي حصلها ده مش سهل أبدًا .
زفر بقوة والتفت يُمعن النظر فيها بعدما نالت كلماتها استحسانه لذا تساءل بما جال بخاطره من حيث رتابة كلاماتها ورشدها :
- هو إنتِ عندك كام سنة ؟
ابتسمت والتفتت تطالعه مردفة باستنكار :
- هو ماحدش قالك قبل كدة إن ماينفعش تسأل بنت السؤال ده ؟
استطاعت انتشاله من حالة الغضب التي كانت تلتهمه ليجيبها ساخرًا :
- نفسي أفهم السبب في كدة إيه ؟ هيصغروا عمرهم هيعيشوا أكتر مثلًا ؟
ابتسمت تردف بقناعة :
- لا بس مافيش أنثى تحب يتقال عنها أنها كبرت ، الأنثى عامةً بتحب دايمًا تعيش على ذكريات سن العشرينات والجامعة ، المرحلة دي بتكون أكتر مرحلة ممتعة بالنسبالها علشان كدة العقل بيحتفظ بيها ومش بيقبل يعترف بغيرها .
مط شفتيه يومئ شبه مقتنعًا ثم زفر وقرر ألا يسألها مجددًا لتسأله هي :
- طيب إنت عندك كام سنة ؟
أجابها على الفور :
- 28 سنة .
التفتت تباغته بنظرة مندهشة واستطردت باستنكار :
- نعم ؟ ده بجد ؟ شكلك أكبر من كدة ، دا أنا فكرتك أكبر مني .
أثارت انتباهه لذا نهشه الفضول وتراجع عن قراره يتساءل مجددًا :
- ليه هو إنتِ كام ؟
ابتسمت والتفتت تنظر أمامها وبرغم أنها شعرت بالضيق الذي لا تعلم سببه من كونها أكبر منه إلا أنها أجابت بوضوح :
- ٣١ سنة ، أكبر منك يابني .
لم يستطع تمالك نفسه من إطلاق ضحكة عالية وهو يطالعها مندهشًا ويستطرد :
- لا مستحيل ، دانا فكرتك أد دينا أختي ، مش باين عليكي خالص .
تنهد يتابع :
- بس أقولك إنتِ كان معاكِ حق ، ماتقوليش لحد على سنك .
- ليه ؟
تساءلت بها وهي تنعطف لتدخل الشارع المؤدي لمنزله ليردف موضحًا بنبرة لا يعلم كيف خرجت منه :
- لإن فعلًا ملامحك أصغر برغم إن عيونك فيها حكايات كتير بس فيه جواكي روح طفلة ظاهرة على ملامحك ، حافظي عليها .
توقفت بالقرب من منزله والتفتت تتمعن فيه ليسرع بالترجل من السيارة قبل أن يزداد الأمر شغفًا هو لن يستطيع عليه مقدرةً لذا التفت للجهة الأخرى ووقف عند نافذتها يردف بامتنان :
- متشكر على اللي عملتيه النهاردة ، من أول زيارتك لأختي لحد التوصيلة ، وديني هسده لأني مابحبش يبقى عليا حاجة لحد .
أمعنت النظر فيه ليتابع :
- واعملي حسابك دي أول وآخر مرة هتوصليني فيها ، إنتِ على راسي بس احترامًا لمكانتك مش هتتكرر ، أنا المرة دي ماحبتش أزعلك بعد اللي عملتيه معايا ، تمام ؟
سألها كي توضح له أنها لم تحزن لتجيبه بسؤالٍ آخر :
- هتيجي الشغل بكرة ؟
زفر ورفع نظره للأعلى ينظر نحو منزلهم لثانيتين ثم عاد إليها يردف بصدق :
- لو ديما بقت كويسة هاجي بإذن الله ، يالا اتكلي على الله ومعلش هنتعبك بس لما توصلي بالسلامة ابقي رني رنة صغيرة .
هكذا اعتاد أن يتعامل مع شقيقتيه ولا يعلم لما أهداها نفس المعاملة برغم أنها لا تنتمي له ولكنه يشعر بأنها تحتاج للحماية كشقيقتيه ... أو ربما أكثر .
ابتلعت لعابها تومئ له ثم تحركت تغادر وما إن ابتعدت حتى تحرك نحو منزله وصعد لتستقبله منال بالأحضان بعدما رأته من النافذة ودلف يبادلها ويطمئنها ويسألها عن ديما وعن الصغيرين لتطمئنه بأن كل الأمور تمام بعدما قررن ألا تخبره إحداهن بمجيء كمال .
ورحلت بسمة عائدة إلى بيتها بعقلٍ شاردٍ فيه وفي أصله الطيب وشخصيته الفريدة نوعًا ما خاصةً في هذا الزمان .
❈-❈-❈
اخترق صوتًا ما عقلها الذي يجاهد ليستعيد وعيه لذا أسبلت أهدابها ببطء لتحاول استكشاف المكان وحينما تذكرت ما حدث انتفضت لتجد نفسها تجلس على أريكة في غرفة بيضاء وأمامها رجلان .
ثبتت مقلتيها عليهما ثم ابتلعت لعابها ونظرت حولها تتساءل :
- أنا فين ؟
أجابها دياب بتمهل :
- ماتقلقيش يا آنسة إنتِ لسة في المطار .
نظرت حولها مجددًا ثم استرسلت بقلقٍ بالغ وهي على وشك البكاء :
- إيه اللي حصل ، لقوا حاجة في شنطتي ؟!
تحرك الآخر خطوة واستل حقيبتها يناولها إياها قائلًا بهدوء :
- اتفضلي كله تمام وتقريبا ده كان بلاغ كيدي ضدك .
شردت لثوانٍ تفكر هل توماس فعلها أم شخصًا آخر لذا تنهدت بعمق ثم نظرت لهما وأومأت وحاولت النهوض فترنحت فتحمحم دياب يردف بطباعه النبيلة :
- لو فيه حد تكلميه ييجي ياخدك أفضل .
أمسكت رأسها بكلتا يديها لتقاوم الدوار الذي يحيطها ثم أردفت بخفوت :
- لاء مافيش ، بس لو ممكن معلش تساعدني لحد ما أركب تاكسي .
أومأ وتحرك يسحب حقيبتها الكبيرة وخطا وهي تتبعه وخرجا من الغرفة باتجاه البوابة الرئيسة لتستقل سيارة أجرة .
في طريقه نظر لها بقلقٍ حيث كانت تتحرك بترنح كأنها ستسقط مجددًا لذا تساءل :
- مكانك بعيد ؟
هزت رأسها بهدوء وأردفت بوهن :
- لاء ، البيت في **** .
تعجب وقطب جبينه فهذه منطقته لذا تساءل :
- فين بالضبط ؟
لا تتذكر تحديدًا لذا دست يدها في حقيبتها تخرج محفظتها وتستل منها ورقة كتب فيها العنوان لذا ناولته إياه تردف :
- هو ده .
أخذها منها يقرأها ليرفع حاجبيه اندهاشًا وأردف :
- ده في نفس العمارة اللي أنا ساكن فيها ، ونفس الدور كمان ، إنتِ بنت فاروق الهواري الله يرحمه ؟
رفعت نظرها تحدق به لثوانٍ ثم أومأت تجيبه :
- أيوة بنته ، إنت كنت تعرف بابا ؟
أومأ ومازال الاندهاش باديًا على وجهه يجيب :
- الله يرحمه كان صديق والدي بس الكلام ده من سنين طويلة ، تقريبا كنتِ لسة صغيرة .
أومأت بتفهم وانتابها الحنين لرؤية شقيقها فعاد يردف بتريث :
- طيب لو كدة أنا خلصت شغل وممكن أوصلك لو تحبي بم إننا طلعنا ساكنين في مكان واحد .
نظرت له وعم الامتنان ملامحها فهي كانت تخشى ركوب سيارة أجرة وهي في تلك الحالة ولكنها قالت بحرجٍ :
- مش عايزة أزعجك ، هاخد تاكسي وخلاص .
ابتسم يخفض مقلتيه ثم استطرد يوجهها :
- مافيش إزعاج طبعًا ، اتفضلي .
تحركت معه نحو سيارته واستقلتها ليضع حقيبتها في الخلف ويتجه يستقل مكانه وينطلق ليجدها تستند برأسها على الجهة اليمين فتركها لتستريح وقاد إلى وجهته متعجبًا من هذا التصادف ، ابنة فاروق الهواري الذي اشترى شقة في نفس عمارته كما فعل والده له وإلى الآن هي خالية حتى ابنه لم يزرها منذ وفاة والديه ، أعادت هذه الابنة لتقطن بها بعد كل هذه السنوات ؟ حتى أنه لم يتذكر ملامحها .
نهشته الأفكار الفضولية ولسان حاله يتساءل :
أين كانت ؟ وماذا حدث معها ؟