رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 12 - 1 - السبت 14/12/2024
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الثاني عشر
1
تم النشر السبت
14/12/2024
شكرا لك...
فقلبي الضائع بقربك
وجدته وانا بعيدة
شكرا لك...
فعمري الضائع معك....
أنقذت ماتبقى منه
وانا لست معك...
شكرا لك...
فكلماتي صار لها صدى
واصبح لها صوت....
شكرا لك
فنرجسيتك اغتالت ضعفي
وعنجهيتك اغتالت خوفي
شكرا لك
فامرأة الصمت والسلام
قد اعلنت الحرب اخيرا
وقررت الكلام....
عن كل تلك الآلام.... آلامُها
عن كل تلك الآثام.... أثامُكَ...
( بقلم فيروزة)
❈-❈-❈
توقفت بسيارتها أمام بيته وترجلت وخطت نحو الباب ثم طرقته تنتظر أن يفتح لها .
طال انتظارها فتأفأفت بضيق وعادت تطرقه وتنادي باسمه وكادت أن تجن ولكنها وجدت الباب يُفتح فالتفتت لتطالعه فلم تجده أمامها بل وجدته منكبًا أرضًا يطالعها بملامح شاحبة تمامًا وهسّ من بين أنينه :
- مارتينا اطلبي الإسعاف .
صعقت وانحنت نحوه تطالعه بصدمة وتساءلت :
- ماذا حدث ثائر ؟
قالتها وهي تخرج هاتفها وتطلب الإسعاف على الفور فلم يجبها بل قرر أن يغلق عينيه.
❈-❈-❈
كالعادة كانا في سهرة رومانسية مميزة وفريدة من نوعها ، تعشق الحالة الدافئة التي يغمرها بها حتى في سطوة مشاعره .
تعشق حنانه ومراعاته لمشاعرها ، تعشق رائحته فلم تذكر مرةً منذ زواجهما أنه أتاها يومًا مهملًا بل تعهد أن يهتم بنفسه عند كل لقاء فبات عشقها له ممتلئًا ويزداد منسوبه كل مرة .
كان ينام ويعانقها بدفء وما زالا بين الاستيقاظ والغفوة لذا عاد يقبلها فابتسمت فتمتم بنبرة متحشرجة محبة :
- تصبحي على خير يا قلب دياب .
رفعت وجهها قليلًا وطبعت قبلة ناعمة على شفتيه مثله وأجابته بحبٍ بلغ مبلغه منها :
- وإنت من أهل الخير يا روحي .
ما إن غفيا حتى تفاجآ بجرس الباب يعلن عن وجود أحدهم لذا انتفضت بين يديه فأخذ يهدئها برغم تعجبه واعتدل يتساءل بتعجب :
- استر يارب ، مين ده اللي هييجي دلوقتي !
ترجل من فراشه يرتدي ملابس بيتية وترجلت ترتدي مئزرها وخطت معه نحو الصالة فاتجه نحو الباب ونظر من العين ليجدها تلك الجارة الجديدة لذا قطب جبينه والتفت ينظر إلى يسرا قائلًا :
- الجارة الجديدة .
فتح بعدها الباب وتقدمت يسرا ليجداها تترنح وتنحني متمسكة ببطنها وتقول مستنجدة بهما :
- الحقوني ، مش قادرة .
قالتها وسقطت أرضًا فلم تعد تحتمل الألم الذي ينهشها ليجحظ دياب وتسرع يسرا إليها تسندها مرددة بعفوية نبعت من صدمتها :
- الحقها يا دياب .
بالفعل ساعدها وحملها مع زوجته واتجه يضعها على الأريكة ثم اعتدل وظلت يسرا تحاول إفاقتها فاتجه عائدًا لغرفته ليحضر هاتفه وعاد إليهما يهاتف الطبيب علي الذي يقطن في العمارة المقابلة والذي أجابه بعد وقتٍ يتحدث بنعاس :
- ألو ؟
أجابه دياب بحرج :
- أيوا يا دكتور علي بعتذر على الإزعاج بس جارتنا وقعت من طولها وهي عندي في الشقة دلوقتي لو ممكن بس تيجي تشوفها !
تنهد الطبيب يجيبه بهدوء يخفي انزعاجه :
- تمام يا أستاذ دياب دقايق وهكون عندك .
وبالفعل بعد عدة دقائق دلف الطبيب بعدما ارتدت يسرا ملابس مناسبة واتجه يفحص رحمة التي باتت تئن وتتلوى وهو يفحصها تحت أنظار يسرا بينما وقف دياب يواليهم ظهره باحترام .
تنهد الطبيب ونهض يردف بنبرة عالية وعينيه منكبة على الفتاة التي تبكي من الألم وربما شيئًا آخر :
- المدام حامل ، واضح إن عندها سوء تغذية وده ماينفعش مع الحمل إطلاقًا .
فرغ فاه يسرا ونظرت لها بتعجب لتجهش الأخرى في بكاء حاد وقد التفت دياب يطالعهم بتعجب تارةً زوجته وتارةً الطبيب الذي وقف يدون وصفته الطبية لها ثم ناولها لدياب يردف :
- دي مكملات غذائية ومثبت للحمل ومسكن للمغص ، محتاجة رعاية طبعًا وابقى خليني أشوفها في العيادة بعد أسبوع .
التقطها منه وأومأ يجيبه بملامح متجهمة والأفكار تعصف به :
- تمام يا دكتور ، وآسف مرة تانية على الإزعاج .
غادر الطبيب واتجه دياب يقف بالقرب من يسرا التي تحاول التحدث إلى رحمة الباكية ، تكتف يطالعها بنظرات ثاقبة ثم تساءل بتريث حينما لمحها تبكي :
- إنتِ تعرفي إنك حامل ؟
رفعت أنظارها إليه تطالعه لثانية ثم هزت رأسها بلا وحاولت النهوض وهي تئن فساعدتها يسرا وأردفت بتروٍ :
- استني بس ماتتحركيش دلوقتي ، هعملك حاجة تشربيها .
هزت رأسها مجددًا مع انكماش ملامحها ونظرت لها تردف شاكرة وهي تعتصر بطنها وتحاول التحرك :
- لا شكرًا مش هشرب أي حاجة ، بس ساعديني أوصل شقتي .
لم تصدم من خبر حملها ، كانت تشك في ذلك وكانت تخشى أن تصدق حدسها ، يا ويلها مما هو آتٍ ، كيف ستواجه مجتمعها بطفلٍ لن يعترف به أباه وكيف ستخبرهم أنها وقعت في الخطيئة أو ربما تم استغلالها بشكلٍ مؤلم ، لذا يجب عليها التخلص من هذا الحمل .
لم يمنعها دياب بل وقف متكتفًا يطالع زوجته التي تسندها حتى أوصلتها شقتها وعادت إليه تردف بنبرة مشتتة :
- هنعمل إيه يا دياب ؟ هنسيبها كدة ؟
زفر وارتد على المقعد يطالعها بضيقٍ وتأرجح بين ضميرة وعقله واستنكاره لما يحدث لذا زفر وأردف بنبرة مستاءة :
- معلش يا يسرا اعمليلها حاجة تاكلها دلوقتي وبكرة هحاول أتواصل مع أخوها ، خلينا نخلي مسؤوليتنا من اللي حصل ده .
❈-❈-❈
بعد مرور ثلاثة أشهر
تم الخُلع
وأخيرًا انفصلت عنه بطريقة أقسمت ألا تريحه فيها حتى لو قدم لها ثقلها ذهبًا برغم أنه كان يسعى ليطلقها قبل حكم المحكمة ولكن شرطه كان أن تتنازل عن كل حقوقها ولكنها أبت .
رفعت رأسها عاليًا ووضعت شرطها أمامه إن أراد أن يطلقها فليدفع لها كامل حقوقها وحقوق طفليه ولكنه رفض بتحريض دائم من امرأته وآخر ما توصل إليه هو الاستسلام لقرار المحكمة بخلعه بطريقة مهينة له مجتمعيًا ولكنها ستحافظ على ثروته التي تريد ديما نهبها بعدما عانى ليكبرها .
طوال الثلاثة أشهر تمكث في منزل عائلتها هي وصغيريها ويتحمل داغر مسؤوليتها بشكلٍ كامل حيث رفض رفضًا قاطعًا أن تخرج للعمل خاصةً بعد ما أصابها وإن كانت تود العمل فلتكتب قصصها ولتنمي موهبتها وفعلت وبات هو المتكفل بالبيت خاصة وأنه كان على يقين أن الله فتح له باب رزقٍ جديد من أجل شقيقته وطفليها وهو العمل في المصنع والذي أتى في نفس التوقيت ولهذا أخذ بالأسباب .
بدعمٍ مضاعف من عائلتها ويسرا وكذلك بسمة استطاعت أن تكتب قصتها الأولى التي سيتم نشرها رسميًا عما قريب .
ليالٍ قضتها وسهرت بها تتعلم وتنمي موهبتها بالقراءة والبحث ثم تذهب بعدها كي تسرد تفاصيل نبعت من أعماقها ، رسمت شخصيتها في بطلة الرواية التي عاشت معاناتها طبق الأصل ، لم تترك صغيرة إلا وذكرتها ، لم تترك مشاعر مكبوتة إلا ودونتها .
حتى أحلامها وآمالها نالت نصيبها من القصة كي توازن الحزن والسعادة ، ثلاثة أشهر لم يمروا على حياتها مرور الكرام بل كانت رحلة علاج تعافت بها من سنوات القهر والكتمان والحرمان .
زاد جمهورها على موقع الانستجرام خاصة وأنها اعتادت بشكلٍ يومي نشر تدوينات كانت كسفنٍ متآكلة تحمل على متنها التفاؤل ليتمنى القارئ أن تصل إلى مرساها بسلام .
لم تنكر أنها استفادت كثيرًا من كتب ثائر ذو الفقار خاصةً بحره الثائر ، استفادت من تناقضه بين أوراقه ومواقعه واستعملت ذات الأسلوب الذي أعجبها فباتت تدون عن شريك الحياة المميز حتى صدّق متابعيها أنها تحظى بقصة حبٍ فريدة وهذا ما أرادته تمامًا .
لن تعترف قط أنها صاحبة القصة ، لن تخضع للاستعطاف في رحلتها مهما كان ، ستبقى شامخة حتى لو كسروا داخلها ألف عود .
جلست في الغرفة تتحدث إلى المحامي الذي أبلغها بالحكم لتجيبه بنبرة ساكنة عرفت للراحة سبيلًا :
- الحمد لله ، متشكرة لحضرتك جدًا يا أستاذ وليد ، تعبتك معايا .
أجابها المحامي بنبرة بشوشة فرحة وهو يقود سيارته :
- لا طبعًا يا مدام ديما مافيش تعب ، أنا بفرح لما بقدر أرجع لأي حد اتظلم حقوقه ، علشان كدة آن الأوان بقى نرفع قضية نفقة للأولاد ، مهما كان هما ليهم حق عليه ولازم يدفعه غصبن عنه .
لو أنها تمتلك رأس مال أو عملًا ثابتًا حينها لن تقبل منه قرشًا ولكنها تعلم أن الحِمل يتضاعف فوق أكتاف شقيقها الغالي وهي مازالت في بداية طريقها بل أنها لم تخطُ بعد لذا زفرت بقوة وأجابته :
- تمام يا أستاذ وليد شوف اللازم واعمله ، بس المرة دي بلاش تقول لداغر ، خليها بينا وأتعابك كلها عندي أنا .
زفر ثم أردف يطمئنها بنبرة مبطنة :
- ماتشليش هم أي أتعاب يا مدام ديما ، المهم عندي نجيب حقوق الأولاد وبعد كدة بسيطة .
- شكرًا بجد ، بس أتعابك هي حقك مافيش جدال فيها ، وأنا في أقرب وقت هكلمك واجي لحضرتك المكتب وشوف المطلوب وأنا تحت أمرك .
تجلى السرور على محياه وأردف بنبرة ودودة :
- تنوري المكتب طبعًا .
- متشكرة جدًا .
أغلقت معه بعدها وجلست تتنفس الصعداء ، تحررت أخيرًا من آخر قيدٍ له ، خلعته كما يخلع المرء ثيابه البالية ويلقيها بعيدًا ، فعلت ما رغبت به ليكن هذا أقل أنواع الانتقام ولتترك العدالة الإلهية تسترد الحقوق لأصحابها .
نظرت لصغيريها اللذان ينامان على السرير المجاور لها والذي كانت تنام عليه دينا قبل أن يعطيها داغر غرفته ويشتري لنفسه سريرًا يضعه في غرفة الصالون ويتخذها مسكنه .
رزقها الله بعائلة سندتها حينما سقطت والتفت حولها كالحصن حينما حاربها ، كانت لها صديقة آنست أيامها وهونت عليها أعباء القلوب .
كان لها كتبًا شيدت من حطامها حصنًا جديدًا جَسورًا لا يهاب السقوط .
أما الليل ؟ فياويلها منه ، تأتيها الأفكار التي تسكتها بقراءة بعض آيات القرآن والكتابة ، مازالت تسعى للالتزام .
طبيعتها التي خلقها الله عليها كأنثى تجعلها تحن لشخصٍ تدرك أن ليس له وجود ، ما ترسمه في خيالها تعلم أنها لن تجده على أرض الواقع ولا حتى في عالم الروايات .
لقد قرأت روايات عدة وجميع أبطالها كانوا أناسًا عاديين ، بصفات بشرية طبيعية لا مبالغة فيها مهما بلغ حنانهم ولطفهم لذلك هي لا تهيم عشقًا بأي بطل بل تحلم برجلٍ لا وجود له سوى في عقلها فقط .
ذلك الرجل الذي يأتي فيكون لها كهذا الفراش الذي تتمدد عليه الآن
إن مرضت تسكنه ، وإن تعبت تغمره ، وإن بردت يحتويها ، وإن ضاقت واختنقت يسعها ، وإن فرحت وقفزت يهلل لها ويشاركها ، وإن شردت وسافرت بعقلها يكن لها ركنًا آمنًا لا تخشى السقوط من سطحه قط .
ضحكت ضحكة عالية وانحنت تقبل فراشها وتربت عليه واعتدلت تحدثه قائلة بهمس حتى لا يتهموها بالجنون :
- ماتقلقش مافيش ولا هلاقي زيك أبدًا .
زفرت بقوة وتركت هاتفها وتحركت تتمعن في صغيريها ثم نادت توقظهما بتروٍ :
- مالك ؟ رؤية ؟ يالا يا ماما فوقوا ، يالا علشان تفطروا وننزل الحضانة .
استيقظ مالك يتثاءب ونهض يتعثر فأمسكت به تحتضنه وتقبله قائلة :
- صباح الخير يا قلب ماما .
ابتسم الصغير وبادلها العناق يردف :
- صباح الخير يا قلب مالك .
ضحكت تعانقه بقوة أكبر واسترسلت بترقب :
- حبيبي إنت ، بنقول إيه أول ما نصحى ؟
- أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .
- برافو أشطر مالك في دنيتي ، يالا روح صبح على تيتا وأنا هصحي رؤية وجاية .
حررته من عناقها أرضًا فركض نحو الخارج واتجهت توقظ الصغيرة التي تنام بعمق لذا حملتها تقبلها وتهمس بحنان :
- مش يالا بقى يا رؤية هانم ؟ الساعة بقت ٩ ؟
تمتمت الصغيرة وهي تعانقها :
- صحيني الساعة ستة يا ماما .
قضمتها بخفة في ذراعها تستطرد :
- ستة إيه بقولك تسعة يا كسولة يالا .
اعتدلت الصغيرة تحدق بها ثم ابتسمت وقالت :
- صباح الخير يا ماما .
وكما فعلت مع مالك فعلت مع صغيرتها وهي تتحرك نحو الخارج وتلقي الصباح على والدتها ثم تركت الصغيرة أرضًا واتجهت نحو المطبخ تلتصق بمنال وتسترسل بخفوت حتى لا يسمعها الصغيران وفرحة زينت ملامحها الزينة :
- ماما الحمد لله خلِصت ، أستاذ وليد كلمني وقال إن الحكم صدر ، أنا دلوقتي حرة .
اتسعت عينا منال بسعادة وأسرعت تعانقها مرددة :
- الحمد لله يارب ، ربنا يعوضك خير يا حبيبتي .
ابتسمت وابتعدت عن والدتها واتجهت تساعدها في تحضير الفطور لهم بحالةٍ تشبه الطائر الذي تحرر لتوه واستعد ليفرد جناحيه ويحلق عاليًا بينما داغر ودينا قد تناولا فطورهما وغادرا منذ ساعتين .