-->

رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 18 - 2 - السبت 4/1/2025

  

قراءة رواية بحر ثائر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية بحر ثائر

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل الثامن عشر

2

تم النشر السبت

4/1/2025



في مكتبه جلس يسرد إلى والده ما حدث عبر الهاتف والآخر يقابل الكلمات بابتسامة خبيثة ليجيبه  : 


- عارف لو اللي في دماغي حصل يبقى إنت حليتها يا ماجد  ،  مش هي موصياه على المصنع وهو سابه ومشي  ،  يا سلام بقى لو كرامته نقحت عليه وساب الشغل خالص  ،  ساعتها هي اللي هتبعد عنه  ، إنت عارف إن بسمة في موضوع الشغل مابتهزرش  . 


نفش نفسه على المقعد حينما أعجب والده بفعلته ليردف بتباهٍ  : 


- هيحصل يا بابا  ،  مش هيرجع بعد ما اتعلم عليه قدام العمال  . 


ضحكة ساخرة مرت على ملامح نبيل الذي يعلم أن ابنه هو من تلقى الضربات ولكنه أيضًا يعلم أن داغر لن يقبل الفتنة التي ألقاها ابنه والتي ستتسبب في أقوال متداولة عنه وعن بسمة لذا سيقرر الابتعاد  . 


زفر واسترسل  : 


- خد بالك إنت بس من المصنع وأوعى الشغل يتأثر  ،  رجع المهندس بتاعنا وحط عينك عليه كويس  ،  عايزينها تعرف إن غيابه مش فارق  . 


أردف الآخر بطاعة وعلى محياه ابتسامة شامتة  : 


- ماشي  ،  سلام  . 


❈-❈-❈


نزلت بسمة بعد زيارتها لمنزل منال وكادت أن تستقل سيارتها لتغادر ولكنها تفاجأت حينما رأت داغر يأتي من بعيد بملامح متجهمة  . 


وقفت أمام سيارتها تنتظره حتى وصل إليها وقد رآها فزفر بضيق وابتلع لعابه لتتساءل بقلقٍ وتوتر  : 


- مالك يا داغر  ؟  حصل حاجة  ؟ 


لا يعلم كيف يخبرها ولكنه تحدث يوضح دون مراوغة  : 


- أنا مش هشتغل في المصنع تاني يا بسمة  . 


اتسع بؤبؤيها وتساءلت بصدمة  : 


-  ليه  ؟  احكيلي  ؟ 


نظر حوله فوجد الأعين عليهما لذا نطق بضيق  : 


- تعالي اطلعي فوق ونتكلم  . 


هزت رأسها رفضًا وتحدثت وهي تفتح باب سيارتها  : 


- لا اركب وهنروح مكان نتكلم فيه  . 


أطاعها واتجه يستقل السيارة وبدأت تقود خارج المنطقة متجهة إلى مكانٍ هادئ ولكنه ما إن تخطى حدود الحارة حتى أردف  : 


- اقفي هنا  . 


توقفت على قارعة الطريق والتفتت تطالعه فزفر واستطرد بنبرة جادة  : 


- إنتِ يمكن تشوفي إني اصغر منك بس أنا مش شايف كدة  ،  أنا اللي كان مقعدني في المصنع مسؤوليتي ناحيتك  ،  لكن لو المسؤولية دي هتتفهم غلط والناس هتشوفني إني واحد استغلالي زي ما ابن عمك قال يبقى لازم أبعد  ،  كله إلا كرامتي يا آنسة بسمة  . 


قطبت جبينها متسائلة  : 


- ماجد اللي قال الكلام ده  ؟ 


أومأ يسترسل  : 


- أيوا قال  ،  وغيره هيقول ولو ماتقالتش في وشي هتتقال من ورا ضهري  ،  وأنا مش بتاع الكلام ده  ،  أنا واحد دوغري وكنت بشتغل في المصنع بما يرضي الله وسواء ده مصنعك أو مصنع أي حد هشتغل كدة بالضبط  ،  بس يمكن أنا اللي نسيت نفسي شوية معاكي ودي غلطة مني  ،  بس ملحوقة معلش  . 


تساءلت مستفهمة وقد وخزها قلبها خاصةً وهي تراه يعتذر عن مشاعر لم يعترف بها من الأساس  : 


- يعني إيه يا داغر  ؟  هتبعد  ؟  هتتخلى عني بعد كل اللي حكيتهولك عنهم  ؟  ما أنا عرفتك تصرفات ماجد ناحيتي  ،  وقلتلك إنه هيحاول يستفزك وإنت قلت أسيب الموضوع عليك  ،  هتتخلى عني إنت كمان  ؟ 


آلمه قلبه للدرجة التي لم يصل لها من قبل  ،  استوحش داخله شعورًا سيئًا وشعر أنه تحت ضغط بين مشاعره وكرامته التي أهدرها ماجد منذ قليل لذا أردف دون النظر لعينيها  : 


- يا بسمة أنا في الأول والآخر واحد غريب ووجودي في المصنع أو عدمه مش هيفرق كتير خصوصًا إن العمال الجداد بيشتغلوا أحسن مني وعندهم ضمير وبيحبوكي  ،  بلاها مني وخليني في ورشتي زي مانا  ،  وبعدين أنا تحت أمرك في أي حاجة تعوزيها في أي وقت إنما مصنع تاني بعد اللي حصل النهاردة ده لاء  . 


سلطت أنظارها عليه لثوانٍ وبرغم صراع الأفكار التي تعاني منها داخل حلبة عقلها إلا أنها أومأت تدعي التفهم قائلة بنبرة تخفي بين طيات ثباتها الكثير من الاحتياج  : 


- تمام يا داغر زي ماتحب  . 


أومأ وأسرع يفتح باب السيارة ويترجل ثم أغلقه وارتكز على نافذتها بساعديه يطالعها مردفًا  : 


- خدي بالك من نفسك  . 


تحرك بعدها يعود لمنزله بضيقٍ يستحوذ عليه  ،  قراره لم يأتِ من أحداث اليوم فقط بل منذ أن أمسك ماجد الإدارة وبدأ يتعمد استفزازه  ،  لقد تحمل وصبر وانتظر ابتعاده عن المصنع فقط لأجلها لكن ضاق به الحال واليوم قُضي الأمر  . 



أما هي فرفعت يدها تنزع دمعة فرت من عينيها واستلت هاتفها تتحدث إلى ماجد الذي أجابها بترقب فقالت  : 


- إنت فين  ؟ 


أجابها وهو يغادر المصنع متعمدًا  : 


- أنا برا  ،  ومش عايز اتكلم دلوقتي  ،  كفاية أوي اللي حصلي بسبب المهندس اللي إنتِ عينتيه وخلتيه يتعامل معايا كإني بشتغل عنده  ،  سبيني لما اهدا يا بسمة ونبقى نتكلم  . 


أغلق قبل أن تجيبه وقد قرر أن يستعمل معها أسلوبًا جديدًا تعلمه من داغر على مدار أسابيع من مراقبته له  . 


❈-❈-❈


بعد أيام وبعد الجلسة الثانية التي لم تخرج منها جيدة خاصةً حينما قدم المدققين والنقاد أدلة تدين كتابها  ،  كيف وجدوا كل هذه الثغرات  ؟  لدرجة أنها باتت تصدقهم وتكذب نفسها  ،  لم تخطئ في حق أحد  ،  هي آخر النساء التي يمكنها اتهام قوانين بلادها وما حدث معها ظلمًا واضحًا خاصةً أن القاضي حكم بإيقاف نشر كتابها حقًا لحين صدور الحكم في قضيتها بعد أسبوع  . 


نصحها المحامي أن تسافر قبل ذلك وأنه سيتابع بنفسه وإن كان الحكم لصالحها سيرفع قضايا تعويض على كل من اتهمها وذمها  . 


جلست ليلًا تفرز المشتريات التي ابتاعتها مع يسرا من أجل السفر  ،  ملابس وأغراض شخصية وغيرها  . 


المال الذي عاد عليها من كتابها أنفقته في مصاريف هذه الرحلة وتدعو أن تكون رحلة مثمرة بالخير وألا تندم عليها  . 


الآن بدأت تفكر في العائد المادي الذي ستجنيه من هناك مقابل العمل  ، ستسعى لتضمن حياة صغيريها من صحة وتعليم ونشأة كريمة  ، ستحاول تلبية احتياجاتهما بالقدر المستطاع دون الاعتماد على أحدٍ  .


جلست تجهز حقيبتها ليرن هاتفها معلنًا عن اتصال من ثائر ذو الفقار  ، تعجبت من مكالمته لها في هذا الوقت ولكنها زفرت وقررت أن تجيب عله شيئًا هامًا  .


أجابت تردف بنبرة رسمية  :


- سلام عليكم   ، خير يا أستاذ ثائر  ؟


لا يعلم لما هاتفها ولكنه يعلم ما تمر به لذا أراد أن يتحدث إليها فقال  :


- وصلتي لفين  ؟ السفر قرب خالص  .


ارتدت على طرف الفراش ووضعت قطعة الملابس من يدها تتنفس بعمق وتجيبه  :


- أيوا  ، أنا دلوقتي بجهز الشنطة  . 


تنهد واستطرد بنبرة جادة  : 


- تمام  ، عندك حساب بنكي  ؟ فيه مبلغ مقدم من المجلة ليكي علشان ترتيبات السفر  .   . 


تحمحمت تجيبه بهدوء  : 


- ممكن تخليه معاك لما أوصل  ،  أنا خلاص تقريبًا مش ناقصني حاجة  . 


يعيد نبرتها على عقله ليستكشف ما بها ولكنها كانت ثابتة وجادة وصامتة تنتظر حديثه فتساءل بترقب  : 


- مسألة اللغة  ،  حلتيها  ؟ 


أردفت توضح بتروٍ  : 


- زي ما قولت لحضرتك قبل كدة أنا بتكلم فرنسي كويس والفترة اللي فاتت كنت بدرب على كدة  ،  يعني اطمن من ناحية الموضوع ده مش هتعبك  . 


عن أي المتاعب تتحدثين أيتها الديما  ؟  أفْشلتِ أولى خططي في إعطائكِ دروسًا خاصة.. بالفرنسية   . 


لاحظت صمته واستشفت أنه يفكر في أمرٍ لم تدركه نواياها لذا قالت  : 


- طيب تصبح على خير  .


- وانتِ من أهل الخير يا ديما  .


هكذا كانت إجابته وتعمد نطق اسمها وتعمد الضغط على نبرته قبل أن يغلق وتغلق هي منشغلة بأفكارها البعيدة تمامًا عن أفكاره  . 


دلف عليها شقيقها بعدما سمعها تتحدث مع أحدهم لذا تساءل بترقب  : 


- بتتكلمي مع مين دلوقتي  ؟ 


التفتت تبتسم له وأجابته بصدق  : 


- ده أستاذ ثائر  ،  بيقول إن فيه مبلغ من المجلة ليا بس بلغته إني خلصت كل حاجة  . 


أومأ بتفهم مبطن بالإحباط وجلس على طرف الفراش ينظر للحقيبة ليستطرد بحزنٍ يكتم صوته بابتسامة ونبرة مرحة  : 


- أيوا بقى ديما الصابر هتبقى اد الدنيا ومحدش هيعرف يكلمها  ،  عقبالنا يارب  . 


قالها وهو يرفع كفيه للأعلى لتجاوره تُمعن النظر في مقلتيه حيث لمحت ما يخفيه لذا نطقت  : 


- مش ناوي ترجع المصنع تاني يا داغر  ؟  علشان خاطر بسمة  ،  هي كلمتني وقالت ان ابن عمها هيستلم فرع شركة اسكندرية بعد اسبوع  ،  هي عايزاك ترجع بس مش هتقولها  . 


لف وجهه عنها فلم يكن يريد أن يفتح هذا الصندوق معها فاسترسلت بليونة  : 


- داغر أنا فهماك كويس  ،  وعارفة إنك مش هتتحمل حد يفكر إنك بتستغلها  ،  بس يكفي إنها واثقة في ده  ،  هي عارفة كويس إنك لا يمكن تستغلها  ،  بالعكس إنت كنت بتحافظ عليها وعلى مصنعها علشان كدة وصتك إنت عليه وعندها ثقة فيك  ،  كان قرار غلط منك إنك تبعد  . 


التفت يقابلها بتعجب واستنكار وقد استطاعت جذبه  لحديثها لذا قال  : 


- لا يا ديما مش تصرف غلط  ، أنا قلتلك هو قال إيه وعمل إيه قدام العمال وإنتِ عارفة أخوكي كويس  . 


أومأت مرارًا تجيبه بمغزى  : 


- أيوة عارفاه كويس وعلطول كدة أعصابه فايرة  ،  مهو مش كل الأمور اللي تتحل بالخناق يا داغر فيه حاجات عايزة السياسة خصوصًا لو اللي قدامك ده قاصد يستفزك  . 


لوح بيده يجيبها وينهي النقاش  : 


- أهو اللي حصل بقى يا ديما وقفلي ع السيرة دي علشان خاطري  ،  البني آدم ده أنا اصلًا جايب أخرى منه  . 


زفر بقوة يسترسل بنبرة أقل حدة  : 


- المهم إنتِ عرفتي هتروحي على فين  ؟  فيه عنوان معاكي ولا لسة ماتعرفيش  ؟ 


هزت كتفيها تجيبه بشرود  : 


- لاء مش عارفة بس أستاذ ثائر هيبعتلي حد في المطار أكيد  ،  اللي أعرفه إن المكان اللي هسكن فيه قريب من المجلة والمنطقة فيها عرب كتير  . 


أومأ بتفهم يجيبها  : 


- أيوة هو قالي كدة  ،  ربنا يوفقك وتكون سفرية خير عليكي وتحققي كل اللي نفسك فيه  . 


اتجهت بجذعها نحوه تعانقه فاحتواها يربت على ظهرها بحنانٍ وتنفس بعمق يفكر في سفرها وبسمة  .


الصفحة التالية