-->

رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 18 - 3 - السبت 4/1/2025

 

قراءة رواية بحر ثائر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية بحر ثائر

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل الثامن عشر

3

تم النشر السبت

4/1/2025


كانت تبكي في غرفتها  ،  لا تعلم لمَ باتت دموعها مؤخرًا تزورها باستمرار فهي ليست بالباكية سريعًا ولكن يبدو أن الأمر حينما يتعلق بالقلب يختلف  . 


لا تلومه على قراره ولكنها ظنت أنه سيتجاوز الكثير لأجلها والآن ترى الأمور بوضوح وتتساءل عن سبب هذا الظن  ؟ 


هو مجرد صديق وحتى لو كان أكثر من ذلك فليس مضطرًا لتحمل مشاكلها وعنجهية ماجد  . 


هي تبحث عن شخصٍ بصفات لم تعد منتشرة في الواقع  ،  زفرت بقوة وقررت أن تغادر غرفتها التي باتت تخنقها  . 


استلت كتاب ديما عله يذكرها به وترجلت تنزل إلى الحديقة لتشتم الهواء قليلًا علها ترتاح من صخب الأفكار التي تمارس ساديتها على عقلها  . 


اتجهت تجلس بالقرب من المسبح وفتحت الكتاب لتقرأه للمرة الثانية وخاصةً الجزء الذي ذكرته ديما فيه  ،  تقرأ كم هو أخٌ داعم وحنون  . 


غصة سكنت حلقها وهي تتذكره لتعاود عينيها تمتلئ بمخزون الدموع اشتياقًا له وتساءلت هل تفعلها وتهاتفه  ؟  هل هي قادرة على فعلها  ؟ 


دست يدها في جيب مئزرها السميك تستل هاتفها وتنظر في الوقت لتدرك أنه لم ينم بعد لذا ستحاول التحدث معه خاصة وأن الكتاب أعاد لها لهفة حديثه  . 


ولكن قبل أن تفعل ظهر ماجد من خلفها يضع على كتفيها شالًا واتجه يجلس قبالتها ويردف بخبث  : 


- بتعملي إيه يا بسمة في الجو ده  ؟ 


زفرت بضيق وهي تتمسك بطرفي الشال ثم أغلقت الهاتف تعيده لمئزرها ةأجابته بهدوء  : 


- أبدًا  ،  اتخنقت فوق شوية قلت أنزل اقعد هنا  . 


أومأ يدعي التفهم ثم أردف بمكرٍ ودهاء  : 


- أنا شوفتك من فوق وقلت أجي اتكلم معاكي في موضوع مهم  . 


تساءلت بشكٍ وانعدام ثقة يقفز من عينيها  : 


- خير يا ماجد  . 


زفر بقوة وتابع يحيد بنظره عنها حتى لا تفضحه نظراته  : 


- يعني بما إني همسك فرع اسكندرية وأسيب المصنع قلت أقولك تكلمي المهندس داغر يرجع شغله  ،  أنا كنت مخنوق منه شوية لإنه عصبي وقل أدبه عليا قدام العمال بس كلمة حق هو شايف شغله كويس أوي والعمال بيحبوه  ،  المهندس اللي بابا جايبه ده مش أمين وأنا خايف أسيب المصنع تحت إيده  . 


كادت ألا تصدق أذنيها مما تسمعه لذا اعتدلت تتكتف وتتساءل بانتباه  : 


-  معقول يا ماجد  ؟  إنت خايف على المصنع  ؟  وكمان عايزني أرجع داغر  ؟  أنا مش مصدقة  . 


ابتسم بثبات يجيبها بتمهل وثقل مصطنعان : 


- أنا نفسي مش مصدق اللي بقوله  ،  بس إنتِ كان معاكي حق  ،  كل مرة كنت ببوظ حاجة بتصلحيها ورايا  ،  الشركة واللي حصل فيها بسببي ولولا تدخلك  ،  أنا يمكن بعاند مع بابا في الشغل شوية لإني مش بحب الأوامر والتحفظ على رأيي  ،  بس بعد ما فكرت لقيت إن من مصلحتنا كلنا إننا نتفق  ،  وجه الوقت اللي اعترف فيه إن إدارتك للشركة والمصنع أحسن مني ومن بابا كمان  ،  علشان كدة بما إني ماشي خلال أسبوع اتكلمي معاه يرجع ده لو إنتِ حابة يعني . 


كلماته أقنعتها قليلًا أو ربما وجهه الجديد لائم قناعاتها لذا أومأت بتفهم فنهض بعدها يبتسم ويردف  : 


- تصبحي على خير  ،  ويالا اطلعي الدنيا برد عليكي  . 


تحرك يغادر وتركها حائرة في تغيير دفة اتجاهاته  ،  هل ينوي أمرًا أم أنه بالفعل بدأ يسلك المسار الصحيح  . 



❈-❈-❈


استيقظت صباحًا وودعت والدتها وشقيقتها  ،  تعمدت أن تغادر باكرًا وصغارها نيام  ،  لقد عانقتهما طوال ليلة حزينة باكية  ،  منذ أن غفيا وهي تودعهما ولم تذق طعم النوم وقررت أن تغادر قبل أن يستيقظا  . 


ارتدت حجابها وغادرت مع شقيقها متجهة إلى المطار  . 


داغر الذي اقتنع بعدما رأى القبول في عينيها  ،  بعدما رأى ما تعرضت له من مظالم وضغوطات  ،  داغر الذي قرر أن يضع صخرًا على قلبه ويتركها تسافر بلدًا  أوربيًا وتواجه الحياة هناك بمفردها أو بجيش من الكتب والأفكار وسلاحًا واحدًا تمتلكه  ..  وهو القلم  . 


وصلا إلى المطار وصف سيارته وترجل متعمدًا ألا ينظر في وجهها البتة  ،  ملامحه متجهمة حزينة ولكنه يؤدي دوره على أكمل وجه  . 


اتجه يلتفت ويفتح  صندوق السيارة ويستل حقيبتيها ويمسك بهما ثم قال وهو يسحبهما بعدما أغلق سيارته  : 


- يالا يا ديما علشان ماتتأخريش  . 


تحرك وتبعته تدرك أنه يتعمد عدم النظر لها حتى وصلت إلى بوابة المطار فناولها الحقائب لتعبر وقال بنبرة عجلة  : 


- يالا ادخلي إنتِ  ،  خدي بالك من نفسك  ،  وأول ما تنزلي كلمينا  . 


حديثه كان يوجهه لها وعينيه كانت تنظر لكل شيءٍ عداها هي بينما عينيها لا تنظر لسواه  . 


ازدرد ريقه وتنهد بعمق ثم أردف بجبين مقتطب: 


- يالا يا بنتي ادخلي بقى  . 


أومأت وأمسكت بحقيبتيها تسحبهما خلفها ودلفت تاركة خلفها أخًا سقطت دموعه ما إن عبرت  ،  أخًا نادرًا وتعلم أنه نادر وتعلم أنها أكثر النساء حظًا وفضلًا لامتلاكها داغر الصابر  . 


اتجهت تتمم الإجراءات وجلست تنتظر موعد طائرتها بعقلٍ يدور في فلكٍ ملغم بالأفكار  . 



بينما هو استقل سيارته يغادر متجهًا إلى وجهة غير معلومة ولكنه حزين  . 



❈-❈-❈


استيقظ ثائر يستعد لاستقبالها وما إن علم بصعودها على متن الطائرة القادمة إلى باريس حتى اتجه يستل هاتفه ويطلب رقم المحامي شاكر وهو يحمل فنجان قهوته في يده  . 


وقف في شرفة منزله يتطلع للأمام منتظرًا إجابته حتى سمعه يقول  : 


- أهلًا بثائر ذو الفقار  ،  إيه الأخبار طمني  . 


تحدث بنبرة هادئة تحمل بين طياتها الكثير من أمواج بحره  : 


- ركبت الطيارة  . 


أومأ المحامي وتساءل  : 


- طيب تحب أعمل إيه بعد كدة  ؟ 


زفر بقوة وارتشف من فنجانه رشفة ثم أجابه بعيون ثاقبة : 


- كمل طبعًا  ،  الكتاب لازم يتوقف نشره في مصر  ،  بس أنا عايزك في حاجة تانية  . 


لم يعد يفهم عليه ولكنه انتظر وتساءل  : 


- خير  ؟ 


صمت لهنيهة ثم بهيمنة قال 


- زي ما فيه إعلاميين اتكلموا عنها وهاجموها عايزك توظف ناس تدافع عنها  ،  عايز اسم ديما الصابر يتردد دايمًا  ،  بما إن الإعلام المصري حب يطلعها ترند يبقى لازم تاخد حقها  . 


زفر شاكر يفكر ثم أردف  : 


- فهمتك ومن الناحية دي ماتقلقش  ،  أعرف ناس هتخدمنا كويس في الحتة دي  ،  بس على فكرة ممكن يحاولوا يتواصلوا مع طليقها ويطلع يتكلم  ،  علشان تبقى عارف  . 


ابتسم بجانب فمه يردف بغموض  : 


-  سيبه يطلع يتكلم  ،  وقتها هو بنفسه هيقدم لها دفاع من نوع خاص وهيغلط  ، واللي يغلط لازم يتحاسب  ، ولا إيه يا متر  ؟  


تعجب المحامي وتساءل بحيرة  : 


- نفسي أفهم بتعمل معاها كدة ليه  ؟ 


ارتشف من فنجان قهوته مجددًا وأردف بنبرة تحمل الكثير  : 


- عندها حاجة أنا عايزها  . 


أغلق معه بعدها وتحرك يضع فنجانه على الطاولة ثم استل معطفه وتحرك نحو الأسفل متجهًا لاستقبالها  . 


❈-❈-❈


بعد ساعات  . 


هبطت طائرتها في باريس  . 


توجهت مع المسافرين إلى المطار واتجهت تتمم إجراءات الوصول التي دامت حوالي ساعة  . 


كان ينتظرها في ساحة الاستقبال  ،  يجلس يدخن لفافة تبغه ويفكر بها  ،  سيراها الآن وسيرى هل فهمت رسالته وعملت بها أم أنها مازالت بحاجة لبعض التدريبات ؟  


انتهت من الإجراءات والتفتت تبحث بعينيها عنه بتوتر وقلبٍ منقبض  ،  تشعر أنها على وشك البكاء  . 


الزحام من حولها ولكن الوحدة هجمت على قلبها للتو  ،  دارت عينيها في المكان تتمنى رؤية أحدٍ تلجأ إليه فرأته يجلس بعيدًا في ركنٍ منفرد  ،  ما إن لمحته حتى تحركت نحوه تسحب حقيبتيها وتسرع للوصول إليه ربما هدأ شعور الوحدة والخوف هذا  . 


لمحها تأتي بخطواتٍ متمهلة وتبتسم له فتحدث عقله بما عجز لسانه عن قوله  


نعم انظري لي وحدي  .. اغمريني بدفء عينيكِ  

لنمحي الحزن من روايتنا ونسرد عشقًا يغزو الآفاقِ 

يا وطنًا بلا شعبٍ جئتِ إلى مغتربٍ بلا مأوى 

يا سكنًا موصودًا وفي القلب مفتاحه يأوى 

يا نسمات هلت ووطأت سهلًا

يا ديما رطبت الفؤاد بهطولها أهلًا  . 



نهض يلقي سيجارته في المكان المخصص ثم تقدم خطوتين وتقابلا  ،  وقف يتأملها وتحرك لسانه طواعية يردف  : 


- حمدالله على السلامة   . 


ابتسمت تتنفس بعمق علها تهدأ وأجابته بتريث ينافي صخب نبضاتها  : 


- الله يسلمك  . 


تأملها في الحجاب وابتسم ابتسامة جانبية ثابتة لا تعبر عما بداخله ليستطرد بنظرة رسم فيها التحدي  : 


-  اتحجبتي  !  


بشموخٍ رفعت رأسها وأجابته  : 


-  أيوا   . 


نظراته جعلتها تصدّر له الجدية وتحركت نحو باب الخروج تسحب حقائبها وتسبقه خطوة ليردف بالفرنسية التي يتقن الخبث بها : 


- ولكنه أخفى جزءًا من جمالك  . 


توقفت عن السير والتفتت برأسها تطالعه بتعجب  ،  هل يتغزل بها  ؟   


أردفت بثقة ولغة مماثلة وتحدٍ التمع في مقلتيها  : 


- وهذا هو المطلوب  . 


عادت تنظر أمامها وتكمل سيرها ووقف يحدق بها لثانية لا يخفي اندهاشه بها وعلى محياه ابتسامة خبيثة ثم قرر اللحاق بها وسحب الحقائب بدلًا عنها  . 


خرجا من المطار واتجه إلى سيارته يفتح صندوقها ويضع به الحقائب ثم فتح لها الباب وأردف  : 


- اتفضلي  . 


توترت قليلًا ولكنها استقلت مكانها واتجه للجهة الأخرى يستقلها ويقود  . 


تساءل وهو ينظر أمامه  : 


- الرحلة كانت كويسة  ؟ 


لم تكن كذلك  ،  كانت رحلة مجهدة فكريًا  ،  كانت باردة ولكنها رحلة كرحلاتها التي واجهتها في الحياة لذا زفرت وأجابته بإيماءة بسيطة  : 


- الحمد لله تمام  . 


صمتت ثم تساءلت بحرج  : 


- أنا محتاجة اكلم أهلي  ،  ممكن موبايلك  ؟ 


دس يده يخرج هاتفه ويناولها إياه قائلًا بترحاب  : 


- أكيد اتفضلي  . 


تناولته وطلبت رقم شقيقها الذي أجاب على الفور يردف بلهفة حينما وجده رقم ثائر  : 


- وصلت  ؟ 


أجابته بحنين  : 


- أيوة يا داغر أنا ديما  ، ماتقلقش يا حبيبي أنا وصلت ودلوقتي مع أستاذ ثائر رايحة على السكن  ،  أنا هشتري خط جديد وهكلمكوا فيديو كول أول ما أوصل  . 


أجابها بنبرة هادئة بعض الشيء خاصة حينما اطمئن لوصولها  : 


- تمام يا حبيبتي ارتاحي ونامي شوية ولما تصحي نتكلم  . 


هزت رأسها تردف بتأكيد وحنين جعل نبرتها متحشرجة :


- لاء هكلمكوا  ،  الولاد وحشوني جدًا  . 


- تمام  ،  خدي بالك من نفسك يا ديما  . 


أومأت وأغلقت معه ثم ناولت الهاتف إلى ثائر الذي التقطه منها وهو يقود لتشكره وتردف بترقب  : 


- شكرًا  ،  بس هو ممكن تقف نشتري خط اتصالات ؟ 


دس يده في جيبه يخرج ظرفًا ورقيًا ويناولها إياه قائلًا بثبات  : 


- اتفضلي  . 


التقطته منه متعجبة ورفعت نظرها تطالعه وتساءلت  : 


- ده من ضمن الشغل بردو ولا إيه  ؟ 


أومأ يجيبها بثقل  : 


- بالضبط  ،  ورقمك معايا  . 


اندهشت من سرعة بديهته ولكنها أومأت وأكملا طريقهما بصمتٍ اخترقته بعض الأسئلة السطحية  . 


وصل أمام بناية في شارع جانبي يؤدي إلى الشارع الرئيسي المؤدي إلى برج إيفل  ،  حتى أنها رأته وانبهرت به من قريب ولكن ما أثار انزعاجها هو القمامة المنتشرة في بعض الشوارع التي من المفترض أن تكون شوارع باريس الحالمة  . 


لحسن الحظ أن الشارع الذي ستقطن به نظيف ومشجر  . 


ترجل يتجه ليأخذ حقيبتيها وتحرك نحو البيت وناولها المفتاح مردفًا  : 


- اتفضلي  ،  ده البيت اللي هتقعدي فيه والمجلة قريبة جدًا من هنا  . 


نظر حوله يشير لها على البيوت المجاوره ويتابع  : 


- البيوت اللي حواليكي دي فيها عرب ومصريين  ،  الشارع هنا يعتبر كله عرب  . 


تنهيدة مريحة مرت على رئتيها لذا ابتسمت وأومأت فتابع يستطرد  : 


- في الشارع اللي بعد ده موجود بيتي  ،  بالضبط في ظهر بيتك بس الواجهة على الشارع التاني  . 


نظرت له بتمعن  ،  إذا مكانه في ظهرها مباشرةً  ؟  من المؤكد أنها مجرد صدفة ولكنها شعرت بالراحة الآن  . 


وجود مصريين وعربًا حولها جعلاها تطمئن ووجوده في ظهرها  ...  عفوًا أقصد وجود منزله في ظهر منزلها جعل قلبها يهدأ رويدًا رويدًا  .


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة آية العربي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة