رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 21 - 1 - الثلاثاء 14/1/2025
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الواحد والعشرون
1
تم النشر الثلاثاء
14/1/2025
طيف من الحب يداعب مخيلتي
وأنا معك...
شيئ من الحياة يسري داخلي
إذا لي تبسمتِ
وإذا اسمي ناديت..
وإذا لي تحديتِ
وانا معكِ...
كل جراحي تطفو على سطح وجهي
لا لتؤلمني أكثر...
لكن لتندمل بحبك...
وتذيب صقيع المشاعر بداخلي وأكثر
بقلم ( فيروزة)
❈-❈-❈
منذ أن غادرا سويًا وهي تلتزم الصمت المريب الذي جعله يتركها تعود للمنزل وحدها ومكث في محل عمله إلى الآن .
اقترب منتصف الليل وهو يفكر كيف يتجنب طوفانها ليجد أن أفضل الحلول هو مكوثه هنا حتى تنام أو تهدأ كي يقنعها بشيء هو غير مقتنع به .
يأبى الاعتراف بأنه يخشاها ، يقنع نفسه بأن طاعته لها ما هي إلا احتواء لغضبها العاصف خاصةً وأنها تشبع رغباته جيدًا .
تحرك مضطرًا إلى منزله بعدما غادر العمال ولم يبقَ سواه ، وصل إلى المنزل وكاد أن يدلف من بوابته ولكنه تفاجأ بصوتها يصدح من شرفة شقتها وهي تردف موبخة :
- استنى عندك إنت داخل فين ؟
توقف يرفع رأسه عاليًا يطالعها ليجدها تلقي حقيبة ملابسه من الأعلى والتي ارتطمت أرضًا فانكسرت لتتناثر منها القطع لذا تملكه الغضب وهو يرى ملابسه في الشارع وقد تجمع القليل من الناس من حوله ليروا ما يحدث معه لذا رفع رأسه مجددًا وتحدث بغضب :
- إنتِ اتجننتي يا زينة ؟ بتعملي إيه ؟
قالها وهو يشير على الملابس لتستطرد بنظرات حادة وصوت عالٍ :
- احمد ربنا إني بعمل كدة بس، وخد هدومك وروح نام في المحل علشان تفتكر أيام ماكنت بتنام هناك قفاك يأمر عيش وانت مع الحلوة اللي شوفت منها أيام حلوة ، يا كمولتها .
باغتها بنظرة متوعدة ثم نظر حوله إلى جيرانه ولم يجد سواهم ليصدّر لهم غضبه لذا نطق ملوحًا بيده :
- بتبص على إيه منك ليه يالا كل واحد على بيته .
نفض الجيران أيديهم ووجوههم منه وتحركوا يغادرون وهم يناجون نفوسهم بأن ما يحدث هذا ما هو إلا استرداد حقوق ديما التي سلبها من قبل .
رفع رأسه مجددًا ليجدها تصفع النافذة وتتركه يتحسر على أيامٍ كان يعيش فيها ملكًا .
انحنى يلتقط ملابسه ثم نهض يحملها وتحرك عائدًا إلى محل عمله وهو يفكر كيف يجعلها تندم وتأتي لتراضيه ، كيف سينام الليلة مُعاقبًا ، وكيف وصل به الحال إلى هنا .
لقد كان يمتلك زوجة هادئة لا يتذكر يومًا أنها رفعت صوتها أمامه أو أهانته أو قللت من شأنه ، نعم كانت مُقصرة معه ولكنه أخطأ في وزن أموره ، لقد باع تقصيرها في إشباعه بوابلٍ من الفضائح التي يخشى أن تقلل من مكانته ذات يوم .
لقد وزن الأمور بمكيالٍ غير عادل والآن هو وحده من يعاني فإحدى كفتيه تتنعم في فرنسا والأخرى تتنعم في شقته ولم يستطع إلا أن يقبل .
❈-❈-❈
في الصباح
وقف داغر مع صالح في ورشة عملهما ، يعملان بجدٍ وكفاءة عالية ، صوت القرآن الكريم يصدح من الورشة فيبعث في نفوسهما ونفوس المارة الطمأنينة .
توقفت سيارة أمام ورشته وترجل منها رجلًا يرتدي بدلة سوداء بملامح متجهمة تجهمًا يلازمها ، التفت الرجل ينظر إلى داغر الذي رفع رأسه يحدق به وقد عرفه جيدًا ، هذا هو نبيل الراوي عم بسمة .
تنفس داغر بعمق وهو يرى الآخر يقترب منه حتى توقف أمامه يردف من أسفل نظراته التي لم تُخفِ الكره في عينيه :
- أزيك يا باشمهندس ، قلت أجيلك بنفسي يمكن أقنعك .
عمت التساؤلات فوق ملامح داغر لذا نطق وهو يرفع رأسه ويتكتف :
- هتقنعني بإيه يا أستاذ نبيل ؟
نظر نبيل نحو صالح الذي لم يعطِه أي اهتمام برغم أنه يوليهما السمع حيث يستعد ليواجهه إذا تعرض لداغر بكلمات مؤذية .
ليعود إلى داغر ويردف :
- ممكن نقعد ونتكلم !
نطقها من طرف لسانه فهو يتمنى لو استطاع حل الأمر بشكلٍ آخر ولكنه لن يخسر ابنة أخيه ولن يخسر أمام هذا الفقير لذا تمهل وتصرف بدهاء وأتى .
أشار له داغر نحو المقعد داخل الورشة واتجها يجلسان وتأهبت حواس الأول لينزع الثاني نظارته ويحدق فيه بنظرات ثاقبة قائلًا :
- أنا عايزك ترجع المصنع ، خلينا نتكلم بصراحة ، أنا واحد مسؤول عن منظومة كبيرة زي منظومة الراوي ، تحت إيدي ناس كتير وهما كمان تحت إيدهم ناس أكثر ولازم أشوف المصلحة العامة فين ، وانت شغلك في المصنع مشهود له بالكفاءة العالية ، علشان كدة قلت أجيلك بنفسي واقنعك ترجع .
تعجب داغر ولم يقتنع بحديثه لذا تساءل بشكٍ مبطن بالسخرية :
- يعني حضرتك جاي تكلمني بنفسك وسايب المنظومة الكبيرة علشان تقنعني أرجع المصنع ؟ معقول ده يا أستاذ نبيل ؟
ابتسم نبيل ابتسامة خافتة ثم أومأ يجيبه :
- بالضبط ، وياريت تقبل علشان أقولك على النص التاني من الحوار .
- اللي هو إيه ؟
فطنة داغر جعلته يدرك أن وراء كلماته هذه كلمات أخرى أشد خبثًا لذا تأهب يستعد لسماعها فمال نبيل عليه يهس بنظرات مظلمة :
- هترجع المصنع تشوف شغلك وبس ، مالكش دعوة ببسمة ، حاول تتجنبها تمامًا لإن مش نافع بأي شكل ، صدقني لو ينفع هفرح بس مش نافع ، بص إنت فين وهي فين ، الحب ده كلام عيال طايشة مابتفكرش إنما إنتوا واعيين كويس للفروق اللي بينكوا علشان كدة محدش منكم هيصارح التاني بس أنا فاهم .
تهاوى قلب داغر داخل جسدٍ متصلبٍ وملامح متجمدة بمقلتين قاتمين واتقدت داخله رغبة في لكمه ولكنه تمالك ليسترسل نبيل بذات النبرة الخافتة :
- أنا مش بقلل منك ، أنا بحطك قدام مراية الحقيقة ، أنا عارف إنك مش طماع وجدع وشهم ووقفت مع بسمة كتير بس فكر كدة لو حبكم ده اتعرف نظرة الناس عليك هتكون شكلها إيه ، هتتحمل يتقال عنك جوز الهانم ؟ هتتحمل يشفوك دايمًا أقل منها ؟ طيب هتتحمل إنها في يوم من الأيام وبدون قصد ممكن تقولك كلمة كدة ولا كدة ؟ مهو ده الواقع يا داغر وانا بفكرك باللي نسيته ، أنا يهمني مصلحة بنت أخويا علشان كدة لازم احطك قدام الواقع .
طعن قلبه بسكينٍ صدِئ لذا انتقم سريعًا لكرامته حيث أردف بشموخٍ استعصى على حالته :
- معلش لحظة علشان انت فاهم غلط ، هو مين قالك أصلًا إني بحب بسمة ؟ بسمة صديقة مش أكتر وأنا بتصرف معاها بأخوة ، كلامك ده كله مالوش أي لازمة .
نجح نبيل في رسم خطته وجني حصادها ، ها هو داغر ينتقم لكرامته مثلما توقع ولن يقترب مجددًا من بسمة لذا نهض يردف :
- ممكن فعلًا أكون فسرت عدم رجوعك المصنع إنه بسبب كدة ، بس بما إنك بتعتبر بسمة صديقة يبقى ارجع وواصل شغلك ، هستنى أشوفك قريب هناك ، واطمن بسمة في الأول والآخر بنت أخويا وماحدش هيخاف عليها أكتر مني .
غادر بعدها وترك خلفه بركانًا ثائرًا على وشك الاندلاع ليتحرك صالح نحوه ويردف معاتبًا :
- إنت ليش حكيتله اللي جاي يسمعه ؟ معقولة يا داغر ما لاحظتش خباثته ؟
بجسدٍ مشتعلٍ أجابه :
- يسمع بقى ولا مايسمعش هي دي الحقيقة يا صالح ، نقطع عرق ونسيح دمه علشان نخلص ، الموضوع ده مستحيل يحصل وسيبك بقى من الزفت القلب ، ملعون أبوه .
اندفع بعدها يغادر الورشة ، يغادر الشارع ، يغادر المنطقة بأكملها ، جُل ما يريده الآن هو إطفاء نيرانه المشتعلة داخل صدره .
قلبه يؤنبه على بسمة التي سيتركها في طريقٍ وعر وكرامته تأبى العودة وعقله يقنعه بكلمات نبيل المسمومة ، إنها في نهاية المطاف ابنة أخيه .
❈-❈-❈
جلست دينا في كافتيريا الشركة يقابلها لوتشو الذي أراد أن يتحدث معها ، لم تعد تبالي بنظرات زملائها فهم في كل الأحوال يغتابونها لذا نادته لتتحدث معه أثناء استراحة الغداء .
جلس ينتظر حديثها فتحمحمت وبدأت تلقي أسئلتها :
- أنا حابة أتعرف عليك أكتر ، أعرف طباعك ، عاداتك ، عيلتك .
انفرجت أساريره فما سؤالها إلا شبه تأكيد له على أنها تتقبله لذا ابتسم وتحدث بنبرته :
- بالطبع يجب أن أخبركِ عني الكثير ، مثلًا عائلتي التي تعيش في بكين ، لدي أمًا رائعة ووالدي وشقيقاي هم من يديرون الشركة الأُم هناك ، لدي شقيقة متزوجة من سيو المدير التنفيذي للشركة هنا كما تعلمين .
أومأت فهي تعلم أن مدير الشركة هو زوج شقيقته لذا تنفس بعمق يتابع :
- أنا لستُ حاد الطباع ، حتى أن عائلتي أحيانًا تنزعج من طريقتي ولكنني أحب أن أكون لينًا في تعاملي ، والدتي صارمة قليلًا وهي أيضًا تدير الشركة الأم مع والدي ولكنها تحبني كثيرًا لذا تتقبل اختياراتي ، وأما عاداتي فاسألي وأنا أجيبكِ .
انتابها القلق من والدته قليلًا ولكنها أقنعت نفسها بأنها بعيدةً عنها ، وحتى إن كانت صارمة في عملها فهذا أمرٌ جيدٌ لذا تساءلت :
- هو إنت فعلًا هتستقر هنا ؟ وهل عيلتك هتوافق على ارتباطك بيا ؟
شبك كفيه وأجابها بصدق :
- انظري أنا تحدثت مع زوج شقيقتي وهو رحب باختياري وبالنسبة لوالدي أعلم أنه سيرحب أيضًا ، تبقى المُعضلة في والدتي فهي سترغب في رؤيتكِ أولًا والتعرف عليكِ قبل موافقتها .
ضيقت عينيها متعجبة فهل سيكون نصيبها مع حماة متسلطة حتى لو صينية؟
زفرت بقوة ثم أومأت وتساءلت بتوترٍ وحرجٍ حيث أن ملامحها انكمشت باشمئزاز حينما نطقت :
- طيب هو انتوا من الجزء اللي بياكل حشرات معينة زي ما هو متعارف عليه في العادات الصينية ؟
ترقبت إجابته لتجده يبتسم بل يضحك ويجيب بمزاح :
- أتقصدين الجراد ؟ أم الصرصور ؟
أخفت وجهها بكفيها حينما شعرت بالغثيان فتحمحم معتذرًا واستطرد سريعًا :
- حسنًا اهدئي أنا لا أتناول تلك الأشياء ، أنا أتناول الأطعمة المتعارف عليها لا تقلقي ، ولكن والدتي تتناولها .
هل عليه أن يكون صريحًا إلى هذا الحد بشأن والدته التي وضعتها في القائمة السوداء من الآن ، الآن فهمت لما هي متسلطة فمن ذا الذي يتناول وجبة عبارة عن حشرات ولا يصاب بالتسلط والتقشف .
حاولت التقاط نفسًا قويًا ثم طالعته بتمعن وأردفت بهدوء :
- طيب خلينا نبعد عن السيرة دي ونتكلم عنك أكتر .
أومأ وبدأ يسرد عليها مقتطفات عنه وعن طباعه وتصرفاته وهي تستمع له بتركيز .
❈-❈-❈
ظهرًا في فرنسا
انتهت من عملها وكتابة المقالات ولم تعد تعلم ماذا عليها أن تفعل ، رفعت يدها تنظر في ساعتها لتجدها مازالت الثانية .
مازال هناك ساعتان على العودة للمنزل وقد بدأت تشعر بالضجر خاصةً وأنها داخل المكتب وحدها .
نهضت من مقعدها تتجه نحو النافذة الداخلية وتنظر منها عمن في الخارج ، الجميع يعمل ومنشغلون في حواسبهم ، إنهم يمتازون بالنشاط ، وكذلك يتسامرون مع بعضهم البعض .
تنهيدة حارة خرجت من جوفها لذا قررت أن تتجه إليه وتطلب منه أن تغادر وتستغل الوقت المتبقي في التنزه في شوارع باريس .
اتجهت تستل حقيبتها ومعطفها وتحركت تفتح الباب وتتجه نحو مكتبه ، في قرارة نفسها هناك شعور لا تعلم مهيته ولكنه يشبه صوتًا داخليًا يناديها ويطلب منها رؤيته ، باتت تحب وجوده ، تحب النظر إلى وجهه البارد ، تحب نظرة عينيه الثاقبة التي يحدق بها نحو الجميع ، ولكن لا تسألها عن السبب فهي لا تعلمه .
طرقت باب مكتبه تحت أنظار الموظفات الفرنسيات ليسمح لها بالدخول لذا تنفست بقوة ولفت المقبض تفتح الباب ودلفت ولم تنظر له مباشرةً وكأنها ستصاب بصاعقةٍ مثلًا لذا ازدردت ريقها ورفعت مقلتيها تطالعه بهدوء فوجدت عينيه منكبة عليها فأسرعت تنظر في ساعتها وتردف بنبرة جاهدت لتبدو طبيعية :
- أستاذ ثائر ياريت تسمحلي أطلع دلوقتي ، أنا خلصت شغلي .
- وراكي حاجة مهمة ؟
سألها بنبرة باردة يسكنها دفئٌ خاصٌ بها لتهز رأسها وتوضح :
- لاء بس هتمشى شوية ، من وقت ما جيت وأنا نفسي اتمشى في شوارع باريس .
نهض يلتقط أغراضه وتحدث بالفرنسية بنبرة خبيثة مستفزة وهو يرتدي معطفه :
- تلك المدينة الأوربية التي لا تفضلينها ، أحيانًا أحب تناقضكِ .
شعرت بالغيظ ولكنها ابتسمت وأجابته بشموخٍ ورأسٍ مرفوع :
- اتعلمته منك .
وقف أمامها وحدق فيها يردف بشبح ابتسامة لم تلاحظه :
- جيد ، يبدو أن هناك أمل لتتراجعي عن أفكاركِ .
لم تخفِ ابتسامتها بل أنها لا إراديًا ضحكت فانهارت جبال جليده وعم الدفء قلبه وهي تنطق بثقة :
- أمل امرأة عربية أصيلة .
عبرت من أمامه تنوي المغادرة ولكنها لاحظت حركته فالتفتت تتساءل بجبين مقتطب :
- هو حضرتك رايح فين ؟
تحدث بثقل ظاهري وهو يدس كفيه في جيبي معطفه ويحدق بها بخبث :
- هعرفك على شوارع باريس ، الموضوع مش سهل حتى لو بتتكلمي فرنسي كويس ، وبلاش تعترضي علشان أنا فعلًا كنت همشي .
زفرت بهدوء ظاهري لتُسّكت ضجيج عقلها واضطرت للتحرك معه بخجلٍ ، هل تتصرف بشكلٍ صحيح ؟ بالطبع لا ولكنها إن رفضت ستبدو في موقفٍ ضعيفٍ لا تفضله لذا صمتت .