رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 21 - 2 - الثلاثاء 14/1/2025
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الواحد والعشرون
2
تم النشر الثلاثاء
14/1/2025
عاد إلى منزله ودلف يتجه للأريكة ويرتد عليها لتسرع رؤية الصغيرة لاحتضانه وتهلل قائلة :
- داغل جه داغل جه .
عانقها وربت على خصلاتها بملامح متجهمة ينبعث الحزن منها ، الحزن الذي لاحظه مالك الذي يقف قبالته فأسرع إلى جدته التي تقف في المطبخ فناداها يهمس :
- تيتا تعالي شوفي خالو داغر ، شكله زعلان أوي .
تعجبت منال وتركت ما في يدها وتحركت نحو الخارج تنظر في وجه ابنها لتجده يطرق رأسه ويجلس يفكر لذا اتجهت تجلس جواره وتساءلت بقلقٍ وهي تلفه لها :
- مالك يا داغر ؟ حصل حاجة يا حبيبي ؟
التفت يحدق بها لهنيهة ثم أردف بابتسامة لم تصل لعينيه ، ابتسامة أجبر نفسه على صنعها ونطق ما قرره منذ قليل :
- سايبة ابنك كدة لحد دلوقتي من غير جواز ؟ اصحابي عمالين يكلموني ويعزموني على أفراحهم وأنا شكلي هموت من غير ما افرح .
- بعد الشر عنك ربنا يجعل يومي قبل يومك ويطول في عمرك .
اندفعت في قولها تنهره ليربت على ظهرها يقول بتريث :
- بعد الشر عنك يا ست الكل ، ربنا يباركلنا في عمرك ، بس بجد يا ماما شوفيلي كدة بنت حلال تكون طيبة وبطة كدة ملفوفة علشان خاطر ابنك يتلم بقى .
قالها بمزاح يخفي وراء ستار حزنٍ بالغٍ لمحته في عينيه فتساءلت بقلبٍ منفطر :
- فجأة كدة ؟ وبسمة ؟
التفت التفاتة مبالغ بها ونطق بحدة :
- بسمة إيه يا حاجة منال ؟ أنا مالي ومال بنت الأكابر دي بس ؟ هي صديقة لكن أنا عايز ارتبط بواحدة من توبي ، نفهم بعض وارجعلها آخر النهار ألاقيها مستنياني ، مش عارف إيه اللي طِلع في دماغك ناحية بسمة بس أنا تفكيري مختلف .
لم تصدق كلماته وهذا ما قرأه في عينيها لذا نهض يخفي ما ينهش في صدره ويتابع :
- زي ما قولتلك يا أمي دوريلي على بنت من منطقتنا كدة تكون إنسانة محترمة وكويسة ، آن الآوان بقى تزغرطي لابنك بدل ما انتِ عمالة تزغرطي للجيران كلها وسيباني .
نطقها وتحرك بعدها نحو الحمام وجلست تطالع أثره بتعجب وحيرة ، هل حقًا ما يقوله أم أن هناك أمرٌ قد حدث ؟
❈-❈-❈
في شوارع باريس
وداخل سيارته السوداء الفارهة والتي تشبه شخصيته كثيرًا ، مهيبة وغامضة .
تجلس ديما تتطلع من النافذة وتشعر بالتوتر والتقيد ، هي لا تفضل ركوب سيارة أثناء نزهتها بل تفضل التجول بنفسها سيرًا على قدميها لذا التفتت له وابتسمت تردف بترقب :
- كفاية كدة يا أستاذ ثائر ، وقفني على جنب لو سمحت .
- لاء .
أجابها بثباتٍ استفزازي وهو يقود في طريقه لتكظم غيظها وتتساءل بهدوء :
- يعني إيه لاء ؟
تنفس يجيبها بغرور دون النظر نحوها :
- عايزة تنزلي ليه ؟ لو تعرفي عدد البنات اللي نفسهم يكونوا مكانك مش هتفكري تنزلي .
تنفست تُهدئ من ثورتها فهي لا تحب الغرور لذا أردفت :
- بالضبط يبقى نزلني على جنب وركب أي واحدة من اللي نفسهم يركبوا جنبك .
أومأ وتوقف بسيارته يمينًا لتظنه اقتنع لذا حاولت فتح الباب ولكنه أوصده يلتفت لها فتعجبت وحدقت به تردف بضيق :
- ممكن تفتح الباب .
أسند ذراعه على طارة القيادة وطالعها ثم تحدث باستفاضة :
- بصي برغم إن فرنسا بلد حريات بس ده ماينمنعش إن فيها نسبة تطرف من ناحية حاجات معينة ، زي حجابك مثلًا وطريقة لبسك ، وعلشان ماتواجهيش مضايقات في شوارع إنتِ أصلًا ماتعرفيهاش خليني أعرفك على الشوارع اللي ممكن تتمشي فيها والشوارع اللي يفضل تبعدي عنها ، وعلى فكرة التطرف ده الدولة بتسعى إنها تقضي عليه .
قالها يبرر حينما لمح ابتسامة جمّلت ثغرها ولكنها لم تستطع منع نفسها من قول :
- مافيش داعي تبرر ، أنا فهمتك جدًا ، بس بردو هنزل وماتقلقش أنا مذاكرة كويس وعارفة كل اللي قولته ده ، وكمان عارفة الشوارع الكويسة اللي همشي فيها ، ممكن أنزل بقى ؟
لم يجد مبررًا للرفض لذا هز كتفيه باستسلام وفتح القفل ففتحت الباب وترجلت تلوح له بتحدٍ وتتحرك على الرصيف لتعبر الطريق ملتفتة يمينًا ويسارًا بينما هو انشغل بالتطلع عليها قبل أن يقرر صف سيارته وتتبعها ، ستتعبه في التعامل معها ولكن العجيب في الأمر أنه يعشق هذا النوع من التعب ، ترى كيف ستمر الأيام معها ؟ ومتى ستحين اللحظة المناسبة ؟
لقد وضع خططته وهو الآن يسير عليها ولكنها أحيانًا تغير مساره ليجد أنه هو من يتبعها وليس العكس كما ظن .
❈-❈-❈
بعد مرور شهر
تم نشر كتابها وحقق مبيعات عالية حيث تم الدعاية له على أنه الكتاب المعاكس لأراء ثائر ذو الفقار وعلى أساسه ستتم المناظرة بين الكاتبين .
استلمت أول راتب لها والذي تم تحويله لحسابها البنكي وقامت سريعًا بتحويل الجزء الأكبر منه لعائلتها وطفليها .
لا تصدق أن هذا الوقت مر على تواجدها هنا ، تفتقد طفليها بطريقة تجعلها تبكي دومًا برغم أنها تحدثهما باستمرار ولكن لا مر أشد مرارة من الغربة والبعد عن العائلة .
ربما الشيء الذي يهون عليها علقم الأيام هنا هو عملها الذي باتت تحبه كثيرًا ، أحبت كتابة المقالات عن قوة المرأة المسلمة ، مقالات هادئة نوعًا ما لا تثير الجدل مثل مقالاته .
الآن تجمع الأبحاث وتستعين بكتب عامة كي تبدأ في كتابها الثاني والذي سيتضمن حضارة بلدها والهوية المصرية التي تفتخر بها .
إن كان هو يعبر عن حبه وعشقه لفرنسا حسنًا ، وإن كان يتقبل الرأي الآخر فحسنًا ، وإن كان قرر أن يأتي بها لتتحداه فحسنًا ، لذا ستكتب وهو لن يعترض .
طوال شهر حاوت اكتشاف أي شيء عن شخصيته ولكنها لم تنجح ، غموضه يزداد حوله ، هادئ وقليل الكلام ولا يتحدث عبثًا ، كل كلمة تصدر من بين شفتيه لها معنى ومغزى ومبطنة بهدف معين لذا فإنها تمرر كلماته على جهاز فحص عقلها قبل أن تتلقاها أذنها .
ويبقى السؤال الفضولي يلازمها وليته يثق بها ويجيبها ، ما السبب الذي جعله يبتعد عن مصر كل هذه السنوات بل ويمنع من دخولها ، وهل يكره بلده ؟ أم يعتب عليها ؟ .
لقد رأت رصانته وحكمته وذكاءه في تصرفاته حتى لو كان ضدها فما هي أسبابه ؟
تنهدت ووضعت يدها في خصرها تميل وتئن من تقلصات ظهرها ، يبدو أن الجلوس على المقعد لوقتٍ طويل له ضريبة ، كانت تعاني من ألام الظهر في السابق ولكن هذا كان نادرًا أما الآن فبات الألم يزورها كل يومين على الأقل وهي لا تفضل المسكنات لذا تحاول استعمال كريمًا موضعيًا ولكن لم تفلح أن تصل للمنطقة المقصودة لذا ..
زفرت واتجهت تتمدد على الأريكة في الصالة الخاصة بها .
شردت مجددًا في موعد اليوم حيث ستقام المناظرة بينهما ، ربما للتوتر نسبة كبيرة في ألم ظهرها وتقلصات معدتها ، ليس خوفًا من مواجهته ولكن ترقبًا لثقته الكبيرة وغموضه .
مدت يدها تلتقط هاتفها وتفتحه لتظهر صورة طفليها لذا ابتسمت وقربته تقبلهما ثم عبثت به تعيد تشغيل المقاطع التي جمعتها عن حقوق المرأة في فرنسا كأنها تراجع قبل ليلة امتحان .
كانت تتابع بتركيز قبل أن يعلن هاتفها عن اتصال منه ، قطبت جبينها فهو نادرًا ما يهاتفها لذا أجابت بترقب :
- السلام عليكم !
أجابها بنبرة رسمية :
- وعليكم السلام ، جاهزة ؟ هعدي عليكِ قبل المعاد نروح سوا .
تنهدت بعمق وعقلها يصور لها الحدث ، جميع الحضور يؤيدونه في رأيه وهي بينهم بمفردها مثلها كمثل السفينة التي أبحرت في رحلة عبر محيطٍ عاصف بالأمواج .
أجابته بهدوء يخفي توترها :
- تمام .
لم يخفَ عنه توترها لذا أردف مشاكسًا بالفرنسية تحت غطاءٍ من الجمود :
- سيكون من الأفضل لكِ أن تذهبي معي .
ابتسمت ساخرة تجيبه :
- قمة الديمقراطية والتواضع سيد ثائر ذو الفقار .
لوى فمه بابتسامة تقسم أنها لمحتها وقال قبل أن يغلق :
- سنرى يا امرأة السلام .
أغلق وزفرت على جملته ، هل يسخر منها ؟ سترى أيها الغامض من هي امرأة السلام إذًا .
❈-❈-❈
حياتهما روتينية كثيرًا ، ليس هناك شيئًا جديدًا يضاف عليها لذا زفر بعدما انتهى من طعامه وطالعها بحبٍ يتساءل :
- إيه رأيك يا يسرا لو نسافر كام يوم لأي مكان ، عايز أفصل شوية من الشغل ، عايز أكون معاكي في مكان جديد نغير جو سوا .
بادلته النظرات والحماس ولكنها تذكرت طفلا صديقتها ، كيف ستبتعد عنهما لأيام ؟ لقد تعلقت بهما أكثر من السابق ولم يمر يومًا منذ أن سافرت ديما إلا وهي معهما لذا نطقت بتردد :
- هي فكرة ممتازة جدًا بس ...
مال برأسه يستفهم فتابعت باستعطاف :
- إنت عارف إن مالك ورؤية اتعودوا إني أروحلهم كل يوم ، هينفع أسافر واسيبهم ؟
لم يعجبه ردها ولكنه تفهم قلقها لذا زفر وأومأ يوضح :
- أيوة يا يسرا عادي ، روحي النهاردة شوفيهم وعرفيهم اننا هنسافر كام يوم أنا وانتِ ، الموضوع بسيط ومامتهم نفسها مسافرة .
شردت قليلًا وانفطر قلبها عليهما لذا أومأت بهدوء برره بأنه عدم اقتناع لذا استرسل :
- يسرا هترجعي لنفس الموال تاني ؟ هتعلقي نفسك بحاجة مش ليكي تاني ؟
رفعت نظرها له ثم مرت غيمة على عينيها جعلته يدرك أنها تتألم لا إراديًا وتخشى أن تبوح بما يعتري داخلها لذا زفر يستغفر وسعى يبحث عن السلام لينطق بعدها بنبرة لينة :
- يا حبيبة قلبي بتعملي في نفسك ليه كدة ، ليه مُصرة إنك تعذبي نفسك بحاجة ربنا عز وجل بيختبرنا فيها بالصبر والرضا .
أسرعت ترفع كفها وتلتقط دمعتها قبل أن تسقط منها وأردفت بنبرة متحشرجة :
- أنا راضية جدًا يا دياب ومؤمنة بقضاء الله بس إحساسي ده غصب عني ، مهو أنا لو ماتعلقتش بمالك ورؤية وقت غيابك بحس إني هتجنن ، عايزة أشغل عقلي طول الوقت مع حد ، أنا عارفة إنك لو ينفع مش هتسبني أبدًا بس دي طبيعة الحياة ، ده شغلك ولازم هتبعد لكن صدقني الوقت اللي بتبعد عني فيه بحس بوحدة رهيبة بتاكل من عقلي وتفكيري .
كعادته دومًا رجلًا متفهمًا يبحث عن حلٍ يجبر به خاطرها لذا نهض يتجه نحوها ويمسك برسغها ويتحرك معها نحو الأريكة ليجلسان عليها براحة فاحتضن كفيها بين راحتيه واستطرد وعينيه تسافر عبر ملامحها :
- طيب خلينا نسافر كام يوم زي ما قلتلك وهنكون مع بعض طول الوقت ، ولما نرجع أوعدك أني بنفسي هدورلك على شغل مناسب ، إيه رأيك ؟
شردت في ملامحه ، سيبحث لها عن عملٍ ؟ لقد كان يرفض هذا المبدأ من باب غيرته عليها والآن سيحاول كي يريحها لذا ابتسمت له وبمقلتين يفيض منهما الحب ونبرة متأثرة بما يفعله هذا الرجل قالت :
- أحيانًا بحس إن إنت كتير عليا ، معقول أنا استاهل الحب ده كله ؟
أسرع يدخلها بين ضلوعه ليثبت لها أنها لا تستحق سوى الحب لذا بادلته العناق فبات يملس على ظهرها باحتواء ويردف :
- أنا اللي ربنا بيحبني إن معايا أجمل ست في الدنيا ، ماتقوليش كدة تاني .
أومأت وهي داخله ولم ترد أن تبتعد حتى أنها قبضت على قميصه ترفض ابتعاده ليفصل بينهما رنين هاتفه لذا زفر بضيق واضطر أن يبتعد ويلتقطه ليجد أن المتصل هو شقيق رحمة لذا بدى الانزعاج على وجهه وأردف :
- ده أخو رحمة ، جارة الهنا .
نطقها ساخرًا فابتسمت وقالت تشجعه :
- رد شوفه عايز إيه ؟
أومأ وفتح الخط يجيبه بترقب :
- أيوا سلام عليكم ؟
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أزيك يا أستاذ دياب عامل إيه ؟
- بخير الحمد لله ، اتفضل سامعك ؟
أردف الآخر بترقب :
- طيب أنا حولت مبلغ على حسابك اللي أخدته قبل كدة ، ياريت لو سمحت تسحبه وتوصله لرحمة لإني مش حابب اتواصل معاها بنفسي ، يعني زي مانت فاهم .
تنهيدة قوية تدل على ضيقه صدرت منه لتومئ له زوجته كدعمٍ لذا نطق :
- تمام ماشي ، بس ياريت بعد كدة تبلغني قبل ما تحول .
شعر الآخر بانزعاجه لذا أردف معتذرًا :
- معلش اعذرني يا أستاذ دياب وأنا آسف بس صعب أني اتواصل معاها وفي نفس الوقت مش هكون مرتاح إلا لو بعتلها مبلغ هي وابنها .
- تمام .
هكذا أجابه دياب مختصرًا قبل أن يغلق ويزفر بضيق فهو قد تجنبها منذ آخر حدثٍ بينهما وخاصةً بعدما لاحظ محاولاتها في التودد إليه لذا نطقت يسرا تخفف من وطأة ضيقه :
- عادي يا دياب ماضايقش نفسك ، اسحب المبلغ وانا هوصلهولها وانتهى الموضوع .
أومأ لها بتنهيدة ثم نهض فنهضت تقابله فانحنى يقبل ثغرها قبلة خاطفة ويردف بحب :
- تمام خليني أخلص شغلي واشوف هعمل إيه .
أومأت تربت على صدره وودعته حتى باب المنزل فغادر وأغلقت الباب واتجهت تلملم الأغراض وتستعد لتذهب الى منزل منال .
وكعادتها جارتها تقف في شرفة منزلها تتطلع على دياب وهو يغادر إلى عمله ومازالت الفكرة قائمة في عقلها .