-->

رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 24 - 1 - السبت 25/1/2025

  

قراءة رواية بحر ثائر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية بحر ثائر

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل الرابع والعشرون

1

تم النشر السبت

25/1/2025


أحتار... 


كيف إذا ابتسمتِ تكونين بهذا الجمال 


و كيف إذا عبستِ يصيب قلبي هذا الدمار


وكيف إذا نظرتِ صوّبت سهما، وأصاب ذاك السهم قلبي


وإذا خجلتِ اصطاد ذاك الخجل قلبي.. ووقع  قلبي 


أحتار  من أين لعينيك... 


تلك السلطة على قلبي.... 


لَعَلِّي أحبكِ... 


أَيا امرأة ثار لأجلها قلبي


وعليّ أنا تمردا.....


( بقلم فيروزة  ) 


❈-❈-❈


جالسة بين الصغيرين ومنال ودينا تشعر أنها تنتمي إليهم  ،  الحياة هنا بها كمًا فائضًا من السكينة التي تفتقدها  . 


الصغيران يلعبان ويركضان ومنال تحضر الطعام والمشروبات بين الفينة والأخرى ودينا تجلس تتحدث معها عن لوتشو ووالدته  . 


أجواء هي بحاجة إليها عوضًا عن الذهاب إلى معالجٍ نفسي يعالج اكتئابها ووحدتها  . 


مشاعرها التي رفضت خلودهم إلى النوم  ، شعرت بالضيق حينما أمرت منال الصغيران بالتوجه نحو غرفتهما والنوم بعد روتينهما اليومي المعتاد والذي يتميز بالجزء الديني حتى اعتادا عليه  .


نهضت دينا بعد ذلك تزفر بقوة فرأي بسمة يتعارض مع أحلامها  ، أخبرتها أن تختار بقلبها لذا نظرت لهما وأردف  :


- تصبحوا على خير  ، أنا هدخل أنام علشان هروح الشغل بدري  .


ودعاها فدلفت غرفتها مع الصغيرين واتجهت منال تجلس بجانب بسمة وتبتسم لها متسائلة باهتمام  :


- اعملك كوباية شاي وساندوتش  ؟


اتسعت حدقتا بسمة وأجابتها بملامح مصدومة واضعة راحتها على معدتها :


-  ساندوتش إيه يا خالتو  ،  مافيش أي مكان خلاص دانا أكلت أكل أسبوع قدام  . 


ابتسمت منال بتباهٍ وأجابها بنبرة ودودة  : 


- أهو الأكل ده البت دينا بتاكله في تلت دقايق ومش بيبان عليها  ،  بتحب الشوكولاتا أد عينيها ونقطة ضعفها الحلويات  . 


رفعت كفيها تلوح بهما قائلة برفضٍ قاطع  : 


- لالالا حلويات إيه  !  مش بحبها خالص  . 


تعجبت منال مما تسمعه وقالت بتهكم مبطن بالحنان  : 


- شكلك هتتعبيني وهكلم داغر هو اللي يجيلك يأكلك  . 


( نعم يا خالتو فلتناديه وسأتناول الشهد منه  ) هكذا تحدث لسان حالها لذا تحمحمت بتوتر وأجابتها بابتسامة هادئة  : 


- لاء بجد يا خالتو مش هقدر آكل فوق طاقتي  ،  وبعدين أنا مش رفيعة يعني للدرجادي  . 


قالتها بترقب لعل منال تحدثت عن داغر قليلًا لتبتسم الثانية وتجيبها  : 


- إنتِ كلك على بعضك بطاية  . 


- هو إيه حكاية بطاية دي يا خالتو  ؟ 


تساءلت بها حينما سنحت الفرصة التي خلقتها هي لتجيبها منال بزفرة قوية معربة عن جزء من مشاعر ابنها  : 


- دي كلمة داغر ابني  ،  كل ما كنا نقوله هتتجوز امتى يقول مش عايز  ،  طب يابني اخطب يقول لاء  ،  أصل من كتر تعلقه بديما كان نفسه ربنا يبعتله واحدة زيها  ،  طيبة وعاقلة وبتوزن الأمور صح وكان مطلع عليها الاسم ده علشان طول عمرها جميلة وعودها ملفوف كدة على عكس عود القصب اللي جوة  ،  المهم انه لحد دلوقتي مش راضي يخطب غير بنت تكون شبه ديما  . 


توترت نظرتها بعدما كانت تستمع مبتسمة وتساءلت بشكٍ  : 


- مش راضي  !  بس هو قالي إن فيه مشروع خطوبة فعلًا  . 


أفشت سره حينما هتفت  : 


- كداب  ،  ولا مشروع خطوبة ولا حاجة هو كان جه عليه يومين فضل يقول هخطب هخطب وتحسيه عايز يهرب من حاجة وانا واخواته وصالح فضلنا نكلمه ونحاول نفهم منه اللي حصل وهو مافيش  ،  عيبه إنه مش بيحكي أبدًا  ،  دايما مايحبش يشيل حد همومه  . 


لا تعلم هل تقبل منال أم تعانقها ولكنها تستطيع أن تفتح قفصها الصدري لنسمات الهواء  ،  تنهيدة ارتياح عبرت إلى فؤادها فانتعش لذا ابتسمت واسترسلت وهي تتثاءب  : 


- طيب يا خالتو أنا هقوم أنام بقى معلش والصبح نكمل كلامنا  . 


أومأت منال ونطقت وهي تشير لها نحو غرفة داغر  : 


- قومي يا حبيبتي أنا جهزتلك سرير داغر وغيرتلك الملايات ،  نامي وارتاحي والصبح نتكلم  . 


( هل سأنام على سريره أيضًا  ؟  هل تتعمدين فعل هذه الحركات يا خالتي  ؟)  


حدثت نفسها بهذه الكلمات مجددًا قبل أن تومئ بهدوء وتنطق شاكرةً بحرجٍ  : 


- شكرًا يا خالتو تعبتك معايا  . 


تحركت بعدها نحو غرفته ودلفت تغلق الباب خلفها وللحظة تخيلت أنها زوجته وأنه أمامها لذا ابتسمت كأنه يراها  . 


نظرت حولها ثم اتجهت للفراش وجلست تتحسسه بكفها ومرت على عقلها كلمات منال  ،  ما السبب الذي جعله يتخذ قرارًا كهذا  ؟  هل حدث ما تتوقعه  ؟  يجب أن تعلم ولكن كيف  ؟ 


مهما بلغت جسارتها لن تبادر بالاعتراف بمشاعرها مطلقًا

 ،  لن تتخذ خطوةً كهذه إلا حينما يعترف هو أولًا  . 


نظرت حول رفٍ يضع عليه أغراضه الشخصية فنهضت تتجه إليه والتقطت الفرشاة الخاصة به ونظرت لها بحبٍ يسكن أضلعها بعدما فاض به القلب  ،  لا تعلم متى اجتمع داخلها هذا القدر من الحب له ولكنها تعلم أنه يستحق  ،  برغم أنه يصغرها إلا أن صفاته الرجولية جعلته كعملة نادرة وسط عملات يتم تداولها بسهولة  . 


وضعت الفرشاة وامتدت يدها نحو عبوة كريم الشعر وفتحتها ترفعها إلى أنفها  ،  هي نفس الرائحة التي تشمها حينما يميل ويتحدث إليها  ،  حتى خصلاته مميزة مثله  . 


أغلقتها ووضعتها مكانها ثم انتشلت زجاجة عطره ورفعتها تشمها وتزفر بقوة قبل أن تقرر الابتعاد  ،  لا تعلم هل هي تبتعد عن شخصيتها العملية أم أنها تقترب من شخصيتها الحقيقية دون أن تدري  . 


تعجبت حينما تذكرت بأنه لم يأخذ أغراضه معه  !  ماذا سيفعل من دونهم  ؟ 


هزت رأسها على أفكارها المراهقة ثم قررت التسطح والنوم متنعمة بدفء الفراش كأنه لم يتركه  . 



❈-❈-❈


وصلت إلى منزلها ودلفت تغلقه واتجهت ترتد على الأريكة وتنظر للأمام وتعيد تشغيل حفلة كلماته في ساحة عقلها . 


لم تتذوق طعم الحب ، لم تتعرف على كنهه ولكن ربما هناك أوقاتًا شعرت فيها بالراحة والطمأنينة والاحتواء كأن أحدهم يعانقها كمثل وقتها حينما كانت تقرأ كتبه .


نهرت نفسها سريعًا على تذكرها لهذا ، لقد أتت إلى هنا لهدفٍ مُعين لا يمكنها تغييره وإلا فيجب عليها العودة ، نعم العودة هو القرار السليم فهو خطط ودبر لكل هذا . 


أي عودة ؟ ماذا عن الحكم القضائي ضد كتابها ؟ ماذا عن فرصة العمل التي لن تجدها في بلدها ؟ ماذا عن المقابل المادي الذي تجنيه كل شهر وترسل منه الجزء الأكبر لطفليها ؟ 


صراعات جعلت الدوار يزورها لذا وضعت كفيها تحيط عقلها وتناجي ربها مرددة بهمس : 


- ‏يارب افتح عليَّ فتحًا يُذهلني اتساعه، وأنر بصيرتي باﻷسباب والحكمة ما يملؤني قناعة، وارضَ عني رِضًا لا أشقى بعده أبدًا، وامنُن عليّ بِقرَّة عينٍ غير منقطعة، وبقلبٍ سليم وفكرٍ رحيم وكامل التسليم لكل أقدارك .


تنفست بعمقٍ وقررت أن تهاتف طفليها فهي في أمس الحاجة لرؤيتهما والتحدث إليهما الآن . 


❈-❈-❈


تمدد على الفراش في منزل صالح سابحًا في أفكاره  ،  هو ليس ساذجًا وبرغم عدم إنكار سعادته لوجودها في منزله إلا أنه يتساءل عن السبب  . 


عهدها ليست متطفلة وليست اندفاعية  ،  عهدها حكيمة في قراراتها ولكنه لم يستوعب سبب هجومها الكاسح عليه اليوم بسطوتها وطلتها وملامحها التي اشتاق إليها  . 


وبرغم قناعاته الداخلية بأنها تبادله المشاعر إلا أن أصوات الأرق تلقي أفكارها على عقله فتخبره أنها تعتبره صديقًا وتستريح مع عائلته  ،  مشاعر الراحة فقط وليس إلا  . 


زفر بقوة ونظر للجهة المقابلة حيث ينام صالح بعمق لذا همس داخله بخفوت  : 


- يابختك يا عم صالح  ،  بلا حب بلا وجع قلب  . 


قالها وابتسم على حاله ثم التفت يرفع الغطاء عليه وينام بعدما قرر إقصاء فكرة الخطبة التي كان ينويها  ،  لن يفعلها وسينتظر لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا  . 


غفا وهو يظن أن صالح لم تلمسه شرارة الحب ولا يعلم أنه يعيش حلمًا مع خاطفة فؤاده  ،  حلمًا نسجه عقله الباطن ليسعد قليلًا ويتمنى أن يتحقق يومًا  . 



❈-❈-❈


في الصباح


تتسطح على الفراش وعقلها يدور حول كلماته ، منذ أن استيقظت وهي هكذا لا تفعل شيء ، حتى أنها تفكر ألا تذهب للعمل اليوم ، فكيف ستذهب وتنظر في عينيه بعد اعترافه هذا ! 


تحتاج لقوة هي لا تمتلكها ، دومًا نقطة ضعفها هي عاطفتها ، مشاعرها التي تنتمي إلى الحنان والليونة وكأنه اكتشف هذه النقطة وتآمر عليها . 


ليس من السهل عليها الوقوع في الحب حتى وإن طالبها قلبها بذلك بل يجب عليها بعد تجربتها أن تُحكّم العقل ولا شيئًا سواه  ، والعقل هنا يحذرها بألا تفعل . 


تنهيدة حارة صدرت منها وتقلبت للجهة اليمنى تتذكر محاولات قتلها ، هل سيحاولون مجددًا ؟ هل هذه هي حرية الرأي التي تتكفل بها البلاد الغربية للجميع ؟ 


مازال صراع عقلها قائمًا لذا همست بتضرع : 


- ربي وكلتك أمري وأنت خير وكيل ، اللهم دبره كما تشاء فإني لا أحسن التدبير . 


جاءها اتصالًا منه فالتقطت هاتفها تنظر له ولم تجب سريعًا بل ظلت تحدق في اسمه ، كلما دعت بدعاءٍ أو فكرت فيه يهاتفها ! 


أجابت بنبرة جادة يغتالها التوتر : 


- صباح الخير يا أستاذ ثائر . 


ظنت أن نبرته ستختلف ولكنه نطق برسمية مفرطة : 


- ماجتيش المجلة ليه يا أستاذة ديما ؟ 


تعجبت قليلًا من رسميته في السؤال لتجيبه مبررة : 


- معلش يمكن ماقدرش آجي النهاردة ، تعبانة شوية . 


أجابها دون نقاش : 


- للأسف ماينفعش ، لازم تيجي ، فيه مقالات مهمة لازم تنزليها ، ساعة بالكتير وتكوني في المجلة . 


انزعجت من نبرته واعتدلت تجلس لتجيبه بنزق : 


- عادي أنا ممكن أنزل المقالات وأنا هنا . 


أجابها ساخرًا بغلاف جاد : 


- مهو بردو ممكن تنزليها وأنتِ في مصر بس للأسف الأوبشن ده مش متاح عندنا . 


استفزها بكلامه لتجيبه بتساؤل : 


- هو ممكن فعلًا أنزّل وأنا في مصر ؟ 


أدرك أنها تفكر جديًا في الهرب منه لذا أجابها قاطعًا آمالها : 


- راجعي العقد بتاعك يا أستاذة ديما ، لازم تستمري في المجلة 6 شهور على أقل تقدير علشان نقدر نثق في أدائك وبعدها ممكن تباشري العمل من أي مكان . 


زفرت بإحباط فهي تتذكر هذا الشرط وهو بقاؤها هنا لمدة ستة أشهر ، استرسل بصرامة مبطنة بحنانٍ لم تدركه بعد : 


- الساعة بتقل ، مستنيكي وخدي بالك كويس وإنتِ جاية . 


أغلق وتركها في حيرتها لتقرر بعدها النهوض والذهاب إلى العمل ، حسنًا رفع من على عاتقها حمل مقابلته خاصةً بعد نبرته الجادة التي تحدث بها ، يبدو أنه يعاني من انفصام  . 


لا يهم  ،  ما يهمها الآن هو التعامل بهذه الرسمية 



❈-❈-❈


طرق الباب وانتظر لتفتح له إحداهن ولم يفتح بمفتاحه احترامًا لوجودها  . 


ولكنه لم يكن يتوقع أن تفتح له بنفسها لذا توقف متصنمًا يطالعها لثوانٍ ولسان حاله يردد  : 


( عقبال ما تفتحي لي باب شقتنا  ) 


توترت من نظراته ولكنها تجاوزت توترها وأفسحت له المجال قائلة  : 


- اتفضل  . 


- يزيد فضلك يا بنت الأكابر  . 


دلف يتحمحم لتسرع إليه رؤية وتعانق ساقه كعادتها فبادلها وربت على كتفها فتساءلت بتلقائية  :


- داغل إنت كنت فين  ؟ وليه خالتو بسمة نامت في أوضتك  ؟


نظر لها ولم يجب حينما قابلته منال مبتسمة وهي تحمل أطباق الطعام قاصدة المائدة مردفة  : 


- حماتك بتحبك يا داغر  ،  يالا علشان تفطر  . 


- الله يرحمها يا ماما  . 


نطقها داغر بتلقائية كأن قلبه بات مسؤولًا عن تحريك لسانه منذ أن رآها لذا التفتت تطالعه بعينين متسائلتين فتهرب منها بعينيه واتجه مع الصغيرة يجلس على المائدة وتساءل باهتمام  : 


- أومال دينا فين ومالك  ؟ 


أجابته بسمة وهي تقف أمامه على الجهة الأخرى  : 


- دينا لسة نايمة ومالك بيغير هدومه جوة  . 


أحب اندماجها مع عائلته بهذه السرعة  ،  أحب استقبالها وإجابتها على أسئلته كأنها منهن وهذا ما يريده  ،  ليت هذا الثراء لم يكن له وجود لكانت الآن زوجته فلم يعد فارق السن عائقًا بينهما  ،  حتى أنه يراها تصغره بأعوام  ،  يرى أنه المسؤول عنها ولكن  ...  تبقى ثروتها هي العائق بينهما  . 


أومأ وأجابها وعلى ثغره ابتسامة ملفتة  : 


- ده العادي بتاع دينا  ،  خلوها نايمة أنا أصلًا مابقتش عايزها تروح الشركة دي  . 


جلست مقابله تردف بترقب  : 


- أنا كنت بفكر اعرض على دينا تشتغل معايا في الشركة  ،  إيه رأيك ؟ 


انكمشت ملامحه بضيق مصدره عائلتها وتساءل  : 


- تشتغل معاكي  ؟  هتشتغل معاكي إيه وهي تخصص صيني  ؟  


هزت كتفيها حينما لاحظت انزعاجه تجيبه  : 


- وإيه يعني ما الشركة كبيرة وأكيد لينا تعاملات كتير مع الصين  . 


زفر يومئ وأنب نفسه على انزعاجه أمامها ولكنه لا يريد لشقيقته أن تعمل عند تلك العائلة التي لا تفكر سوى بالمال فقط  . 


خرجت دينا من غرفتها تتساءل بملامح ناعسة بعدما استمعت لحديثهما  : 


- أنا مش هسيب الشركة أصلًا  ،  صباح الخير  . 


هز داغر رأسه من عنادها بينما أجابتها بسمة بهدوء قررت الالتزام به  : 


- صباح النور  . 


دقائق والتفوا جميعهم حول المائدة يتناولون الفطور ولأول مرة يشعر داغر بأنه يريد تناول كل شيء برغم إحساسه بالشبع  ،  شعورًا متناقضًا ولكنه ممتع في حضرتها  ،  ليتها تظل هنا إلى الأبد  ،  ليت عائلتها تتركها له وتأخذ كل شيء  . 


ليت هذا الأسبوع لا ينتهي أبدًا  .


الصفحة التالية