رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 24 - 2 - السبت 25/1/2025
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الرابع والعشرون
1
تم النشر السبت
25/1/2025
بعد مرور أسبوعٍ
عاد من المطار بعدما أوصل ابنه معاذ الذي سافر إلى مصر ، شيئًا ما داخله يشعر بالراحة والطمأنينة ، الآن يمكنه التحرك بحرية أكبر ، الآن يمكنه تأمينها بشكلٍ أكبر .
طوال الأسبوع يتعامل معها بجدية لأنه يعلم هويتها جيدًا ، يدرك أنها رأت كثيرًا وعانت كثيرًا ، يدرك أنها آيلة للسقوط ولن تثق بسهولة ولن تقنعها التصرفات العاطفية .
هي تحتاج إلى ترميم يعيد لها الثقة ، تحتاج لوقتٍ وهو يعطيها ما تحتاجه بصبرٍ ظاهري ولكن قلبه يشتاق ، يشتاق لها بشكلٍ يعجز الاشتياق عن تفسيره .
ليست مجرد امرأة تركت أثرًا في حياته ، إنها تمثل له العودة ، الوطن ، السلام النفسي من أمورٍ شتى ، تمثل له الجائزة الكبرى في كل تحدياته على مدار سنوات ، من كل لحظة معاناة وألم عاشهما ولم يستطع إلا أن يتظاهر بالثبات ، إنها تمثل الدواء الذي بحث عنه ليعالج جراحه ، إنها حقًا امرأة السلام .
يريد احتضانها واحتواءها وأن تميل روحه عليها ، اثنان وأربعون عامًا يعاني من وحدة القلب الباردة والآن بات يشعر بدفئها يقترب منه ، يشعر أنها تنتمي إليه خاصة بعدما علم عنها كل شيء .
توقف بسيارته جانبًا ثم قرر مهاتفها ، أجابته بترقب فأردف بنبرة مشتاقة لم يعد يستيطع إخفاءها :
- ينفع أشوفك ؟ معاذ سافر حالًا ، إيه رأيك لو نتقابل بليل في مكاننا ؟
مكاننا ؟ أي مكان ؟ هل جُن هذا ؟ ألم يعاملها برسمية طوال أسبوع لدرجة أنها ظنت بأنه حينما اعترف بحبه كان يتعاطى شيئًا ما ؟ حقًا لم تعد تفهمه لذا أجابته بفتور :
- مكاننا ؟ أستاذ ثائر النهاردة يوم أجازتي وبحب أقضيه في البيت .
تساءل باهتمام :
- بتعملي إيه طول الوقت ده لوحدك ؟
يبدو أنه يريد التحدث لذا تحركت تباشر صناعة قالب الكيك وأردفت بهدوء :
- بكلم ولادي وبقرأ وبكتب وبطبخ ، وحاليًا بعمل كيكة بالتفاح .
هل سيحدث شيئًا إن ذهب إليها الآن ومكث معها ؟ إن وقف يعد معها كعكتها ويضمها ؟ إن احتضنها وقرأ لها بدلًا من أن تجهد عينيها في القراءة ؟ إن شاركها مكالمة طفليها وشاركته مكالمة طفله ؟
تنهيدة قوية معبأة بالأمنيات خرجت من صدره فتوغلت إليها فوترتها ليستطرد بهدوء ملغم بالحب والحنين :
- هتاكليها لوحدك ؟ أنا بحبها على فكرة .
إنه ماكر يبتزها عاطفيًا لذا أردفت تواري عاطفتها :
- بسيطة بكرة إن شاء الله هجبلك تدوق في المجلة .
زفر بإحباط ليصمت قليلًا وحينما طال صمتها قال بنبرة هادئة يتوغلها الإحباط :
- تمام يا ديما ، أشوفك بكرة .
انزعج ولكنه جليدي لذا تحرك يكمل قيادته نحو منزله وليتسلى بطرقه الخبيثة .
❈-❈-❈
هي من قالت أنها لن تترك الشركة وهي الآن التي اتخدت قرار الاستقالة .
طوال الأسبوع وهي تفكر في كلام ميتاي الذي اخترق هدوءها وأعاد رشدها إلى صوابه ، كانت ستظلم نفسها وتظلم معها لوتشو الذي أحبها وترى ذلك في تصرفاته .
كانت ستقحم نفسها في زيجة وبين عائلة لا تعلم عنها شيئًا ومن الواضح لها أنه يتبع قرارات تلك العائلة لذا قررت أن ترفض عرضه وتقدم استقالتها .
حزينة جدًا لأنها تحب عملها هنا ولكن هذا هو الحل المناسب بعد أيام من التفكير ، ستقبل بعرض بسمة وتعمل معها .
طرقت الباب فسمح لها لذا تحركت للداخل بملامحها الهادئة وعينيها الحزينة التي لم تصل إليها ابتسامتها ، رآها فانفرجت أساريره وأردف بترحاب :
- مرحبًا أيتها الجميلة ، هل جئتِ لتريني ؟
ازدردت ريقها وتابعت حتى وقفت أمامه ثم مدت يدها تناوله ورقةً تعجب وهو يلتقطها منها وتساءل :
- ما هذه ؟
- استقالتي .
نطقتها مباشرةً بنبرة عملية اعتادت عليها فتجمد يحدق بها فتركت له الورقة وأسدلت ذراعيها جوارها تنتظر أن تنتهي صدمته ولكنها لم تنتهِ بل تساءل بقلبٍ منقبض :
- السبب ؟
توترت ففركت أصابعها وهي تجيبه بعيون متأرجحة بينه وبين الأرض :
- كدة أفضل يا لوتشو ، أنا فهمت إننا مختلفين تمامًا عن بعض ، والدتك كان معاها حق ، أنا مش هعرف اتأقلم مع عاداتكوا ، سامحني .
لا لن يسامحها ، ليس بعدما استهدفت قلبه ، ليس بعدما تعلق بها ، ليس بعدما أقنعته بتفهم لم يستشعره ولكنه أرغم نفسه على تصديقه .
هز رأسه رافضًا يجيبها :
- لن أقبلها دينا ، سأعتبر أن مقابلة والدتي هي السبب في هذا القرار المتسرع وسأتفهم خوفكِ ولكن دعيني أخبركِ أنني صاحب القرار الأول والأخير في حياتي ، فكري جيدًا دينا ولا داعي للتسرع .
وقفت أمامه عاجزة متأرجحة بين رفضٍ وخوف ، يقيدها بنظراته التي لم ترَ التصميم بهما مثلما هو الآن .
رفع الورقة أمامها ثم قام بشقها إلى نصفين ثم أربع ووضعها على مكتبه يسترسل بثباتٍ جعله يبدو مهيمنًا على غير عادة :
- أنا لن أترككِ دينا ، أنا أحبك ووالدتي تعلم ذلك جيدًا وستتفهم .
تجمدت من نبرته وحدقت به لثوانٍ لتجده ينهض ويتجه نحوها ليقف أمامها ويستطرد وهو يتكتف وعلى محياه ابتسامة هادئة :
- اذهبي إلى المنزل واستريحي اليوم وغدًا خذي لي موعدًا مع شقيقك ، سآتي أنا ووالدتي لنطلب يدكِ بشكلٍ رسمي .
تساءلت تتعلق بذريعتها فنطقت بتوترٍ بالغ :
- داغر مش موافق .
- سأقنعه لا تقلقي ، في النهاية ستكونين لي .
نطقها بتأكيد واتسعت ابتسامته فتهاوى قلبها بشكلٍ لا تدركه لذا حاولت أن تغادر فترجت قدميها أن تتحركا وبالفعل تحركت تردف :
- عن إذنك .
غادرت بعدها وتركته يقف يتتبع أثرها ، سيفعل المستحيل ليحصل عليها ولن يجعل والدته تتدخل في شؤونه هذه المرة ، ليس بعدما وجدها .
❈-❈-❈
أنهت ترتيب الطابق الأرضي لمنزلها فهي منذ أن وطأت قدماها البيت لم تكتشف ولم تصعد إلى الطابق العلوى أبدًا كأنها تخشاه ، اتجهت تقطع الكيك بعد أن تركته يبرد ثم وضعت نصفه في علبة بلاستيكية ثم أحضرت كيسًا ورقيًا ووضعته به واتجهت نحو غرفتها ترتدي معطفها وحجابها لتقرر الذهاب إليه وإعطائه الكيك ليتناوله طازجًا أفضل .
خرجت من المنزل وخطت في شارعها ثم انعطفت من شارع جانبي لتصل إلى شارعه .
دقيقة أو اثنتين حتى وقفت أمام منزله ، أخبرها أنه يقطن خلفها مباشرةً فهل هذا هو ؟
تنفست حتى تضخمت رئتيها ثم تحركت نحو الباب تطرقه بتوترٍ وحذر خشية من ظهور شخصٍ آخر .
حينما فتح الباب وظهر أمامها ناقضت نفسها وتمنت لو أنها رأت شخصًا غيره فقد كان يقف قبالتها يرتدي سروالًا وتي شيرت رياضي أظهر عضلاته عن قرب ، رأته وهو يمارس الملاكمة ولكنه الآن قريبًا جدًا ، وشمه ظاهرًا أمام عينيها بوضوح لذا تسلطت عليه تحاول استكشاف ماهيته لتتفاجأ به يقترب منها كأنه يسمح لها باستكشافه فتوترت ورفعت عينيها تطالعه بحذرٍ ألا يقترب أكثر ثم أردفت وهي تناوله الكيس :
- اتفضل ، قلت تاكلها طازة أفضل .
التقطه منها يبتسم ثم أجابها :
- تعرفي إني كنت جعان فعلًا ، اتفضلي نشرب قهوة !
باغتته بنظرة محذرة وهزت رأسها تجيبه بجدية :
- شكراً ، عن اذنك .
التفتت تغادر ولكن فضولها أجبرها على العودة إليه لذا نظرت في عينيه وتساءلت :
- هو ممكن أسألك سؤال ؟
تكتف فاتسعا كتفيه وأجابها مرحبًا :
- أكيد .
عادت عينيها تنظر لوشمه ثم ارتفعت إلى عينيه سريعًا وتساءلت :
- الوشم ده لبنت مغطية شعرها بحجاب ؟ مصرية صح ؟
مالت عينيه ينظر لوشمه ثم عاد يتمعن فيها ونطق بجدية لا تتناسب مع نظرته :
- تقريبًا انتِ .
قطبت جبينها بعدم فهم وعينيها تسأله عن مقصده ليجيبها مسترسًلا وهو يتقدم منها خطوة أخرى :
- لما رسمته كنت بشرح للي بيعمله البنت اللي في خيالي وطلعت دي ، بس دلوقتي بشوفها إنتِ .
توترت من قربه ومن نظراته لذا ابتعدت تجيبه بثباتٍ زائف :
- بس أكيد وقتها كنت عارف إن الوشوم حرام يا أستاذ ثائر ذو الفقار .
ضغطت على كلماتها والتفتت تغادر مسرعة هربًا منه قبل أن تفضحها نبضات قلبها المتسارعة ، هربت وندمت على مجيئها له فيبدو أنه لن يكف عن أفعاله ، ولكن هل حقًا هي المرأة التي كان يبحث عنها ؟ كيف ذلك وهو لم يرَها قط ؟
ابتسم بخفة عليها حينما وجدها تخطو بسرعة شبه مهرولة هربًا مما يفعله ، اتجه يعود لمنزله ليتناول كعكتها اللذيذة والتي يشم رائحتها قبل أن تحضرها .