رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 22 - 2 - السبت 18/1/2025
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الثاني والعشرون
2
تم النشر السبت
18/1/2025
ما إن دلفت الشركة ورآها حتى أسرع إليها يناديها :
- دينا .
التفتت تقابله بتعجب ثم نظرت حولها بحرج من نظرات الموظفين ولكنها تجاوزتهم سريعًا واتجهت تقف قبالته وتساءلت بخفوت :
- فيه إيه يا لوتشو ؟
تحمحم يشير لها أن تتبعه ففعلت حتى خرجا من الشركة ووقفا بالقرب من ملحق السيارات فسألته بعينيها فأردف بتوتر :
- أمي ستأتي الأسبوع المقبل ، لقد أخبرها والدي عن أمرنا وقررت أن تأتي وتراكي بنفسها .
قطبت جبينها وتساءلت :
- طيب وفيها إيه ؟ ومالك متوتر ليه كدة ؟
زفر بقوة وحاول أن يشرح لها بشكلٍ سريع فقال :
- انظري دينا ، أمي لها طريقة خاصة بها ، دعيني أخبركِ عن كيفية التعامل معها ، ساعديني كي يمر الأمر بسلام .
شعرت بالضيق بعدما نقل لها توتره وتساءلت بتوجس :
- هو إنت خايف ؟ مش المفروض إنك زي ما فهمتني ليك رأي مستقل ؟
أومأ يؤكد بجدية :
- نعم بالطبع أنا كذلك ، ولكنني لا أريد أن أختلف معها ، أنا أريدها أن تتقبلك وتبارك زواجنا لذا أرجوكي ساعديني ، الأمر بسيط فقط دعيني أخبركِ عن كيفية التصرف معها ولكن لننتظر بعد العمل ، ما رأيكِ ؟
تنفست بعمقٍ وتكتفت تنظر حولها ، لقد اختارته ليهون عليها صعاب الحياة وتبتعد عن الأخطاء التي وقعت فيها والدتها وديما ولكن يبدو أنها ستواجه حماة متسلطة ستلقنها درسًا جديدًا في الحياة .
أومأت بعد تفكير دام لثوانٍ تجيبه :
- تمام ، خلينا دلوقتي نخلص شغلنا ونتكلم ، وماتنساش إنك لازم تتكلم مع داغر تاني زي ما قولت .
انفرجت أساريره وأومأ مرارًا يردف بحماس وسعادة :
- حسنًا حسنًا لا تقلقي ، هيا لندخل .
❈-❈-❈
في العاشرة تململت في نومها حينما رن هاتفها لذا التقطته تنظر لشاشته بنصف عين لتجده اتصالًا من شقيقها فأجابت بنعاس :
- صباح الخير يا حبيبي .
تعجب من صوتها وتساءل :
- ديما إنتِ لسة نايمة ؟ ماروحتيش الشغل النهاردة ولا إيه ؟
انقشع نعاسها ونهضت تسأله وهي تنظر لساعتها :
- هي الساعة كام ؟ يا نهار أبيض دي عشرة ، أنا راحت عليا نومة .
قام بتهدئتها بنبرته الحنونة يسترسل :
- طيب معلش حصل خير ، اهدي كدة وقومي افطري وبعدين روحي .
كانت بالفعل قد وصلت إلى الحمام تجيبه :
- ماشي يا حبيبي هخلص واكلمك تاني ، قول لماما إني هكلم الولاد في المكتب علشان اتأخرت .
أغلقت معه وأسرعت تغتسل وتتوضأ ثم خرجت تؤدي روتينها بشكلٍ سريع لتتجه إلى المكتب .
❈-❈-❈
تعمد أن يذهب اليوم باكرًا إلى عمله بالرغم أن هذا ليس من طباعه ولكن من المؤكد أن اليوم مختلفًا عن غيره .
لقد تم إطلاق سراح مارتينا ويجب عليه أن يستعد جيدًا ، الأيام القادمة لن تكون هادئة على الإطلاق .
لم يكن يتوقع أن يتنازل توماس عن دعوته القضائية ضدها ، ما توقعه هو محاولات والدها لإخراجها لذا فكان أمامه متسعًا من الوقت ولكنهم حاصروه الآن .
نظر في ساعة يده ليجدها الحادية عشرة إلا عشر دقائق لذا عبث بهاتفه يتابع شيئًا ليبتسم ويتنفس باطمئنان حينما وجدها تدلف المكتب توزع ابتسامتها على الجميع وتسرع خطاها نحو مكتبها ليتساءل بضيق ... لمَ أعينهم تتغزل بابتسامتها ؟
مال فمه بابتسامة هادئة يسخر بها من نفسه ، بات يشعر بالغيرة كثيرًا ، ثائر ذو الفقار الجبل الجليدي يغار .
احتلت عقله أمس بمناظرتها له ولولا مسألة مارتينا لكانت هي بطلة أحلامه .
التفت يجلس على مكتبه ويباشر عمله وعادت مارتينا تحتل أفكاره ، يجب عليه أن ينتبه جيدًا وإلا حدث مالم يحمد عقباه وهذا ما لن يسمح به .
ما إن فتحت مكتبها ودلفت حتى تفاجأت بمقعد جديد يشبه الأريكة ، تعجبت واتجهت تتحسسه ولسان حالها يردد :
- من جاء به ولماذا ؟
تنهدت وجلست عليه لتشعر براحة تحيط بجسدها ، مريحًا بشكلٍ جعلها تغمض عينيها وتبتسم وتتنفس بعمقٍ حيث فردت ظهرها عليه بأريحية تستمتع باحتوائه لجسدها .
عادت تبصر وتتساءل مجددًا هل علموا أن مقعدها السابق كان غير مريح ؟ وهل تم تغيير مقاعد المكاتب جميعها ؟
لم تلاحظ ذلك أثناء دخولها لذا نهضت تتجه نحو النافذة المطلة على المكاتب لترى المقاعد كما هي ، لم يتغير شيئًا على الإطلاق لذا زادت حيرتها ولكن عقلها انشغل بشيءٍ آخر ، امرأة تدلف المكتب وتخطو بتغنج يثير التعجب ، ملابس غربية بحتة وزينة صارخة وعطرًا فرنسيًا يفوح في المكان كله .
قطبت جبينها وهي تراها تتحرك نحو مكتب ثائر ذو الفقار وفتحته دون استئذان لتشهق ديما وتهمس لنفسها :
- يا خبر ؟ هو هنا ؟
رفعت ساعتها تنظر فيها لتجدها تمام الحادية عشر لذا قطبت جبينها فهي لم ترهُ أتى للتو ، هل أتى باكرًا على غير عادة ؟ ومن هذه ؟ هل هي ... طليقته ؟
شردت تتذكر ملامح المرأة التي رأتها معه من قبل في إحدى الصور لتومئ لنفسها قائلة :
- أيوا هي .
التفتت تعود لمكتبها وتباشر عملها معنفة نفسها على فضولها النسبي والذي يزيد حينما يتعلق الأمر به لا تدرك لماذا لذا فتحت الحاسوب الخاص بها كي تبدأ وتندمج في العمل .
❈-❈-❈
لقد ظنت مارتينا أنها ستقتحم مكتبه ويستقبلها بحفاوة خاصةً بعدما نالت حريتها ، لم تتوقع أن يرفع نظره ويطالعها بهذا الكم من البرود واللا مبالاة .
تعجبت وهي تقترب منه فحذرها بعينيه قائلًا :
- اجلسي مارتينا .
توقفت عن سيرها نحوه وزفرت بإحباط واتجهت تجلس كما قال لتضع ساقًا فوق الأخرى وتجيبه :
- لم أكن أتوقع هذا الاستقبال منك ثائر ، ظننتك اشتقت لي ، ولكن يبدو أن هناك أمرًا جديدًا قد طرأ على حياتك .
فهم مغزى حديثها ليجيبها بنظرات رسمية مباشرة :
- كيف اشتاق لأم ابني التي سُجنت بتهمة القتل لرجلٍ كانت على علاقة به لعدة أشهر ؟!
تجهمت ملامحها ونطقت باندفاع وهي تقرب وجهها المنكمش منه :
- إن لم أقتله كان سيقتلني ، لقد كنت أدافع عن نفسي أم هل كنت تريد موتي ؟
باغتها بنظرة جردتها وتابع من بين أسنانه بهدوءٍ عاصف :
- أنتِ أقمتِ علاقة معه مارتينا .
صمتت تطالعه بتوتر وهرب اندفاعها فتابع بذات الحالة :
- حينما تزوجنا أخبرتك أنني منفتح ولكنني لستُ ساذجًا ، لي هويتي التي تعرفينها جيدًا وبرغم ذلك فعلتِ كل ما هو مخالف ، تريدنني أن أتقبل أفعالك ؟ حسنًا ماذا عن ابني ؟ ألن تخجلي منه وهو يراكِ امرأة قتلت عشيقها ؟
- ليس عشيقي ولن يكون .
نطقتها بغضب لحظي فتابع :
- إذا ماذا كنتِ تفعلين في سريره ؟
نهضت تنحني على المكتب وتطرق بكفيها بقوة وهي تباغته بنظرة تملك واستطردت بتجهم :
- فعلت ذلك من أجلك ، كل ما فعلته كان كي أنتقم منه على ما فعله بك ، حاولت قتله من أجلك أنت أيها الغبي .
حدق بها ولمح الجحيم في عينيها فزفر واسترسل بهدوء يزيدها جنونًا :
- اجلسي لنتحدث ، يجب على معاذ أن يذهب إلى مصر هذه الفترة ، هو متعب نفسيًا بعد كل تلك الأحداث ، دعينا نحل هذا الأمر .
صمتت لهنيهة تطالعه وجلست تزفر لتهدأ ثم أردفت باستفهام :
- ولمَ مصر ؟
بهدوء افترش تقاسيم وجهه أجابها :
- أمي تتلهف لرؤيته ، تريد أن تأتي هي إلى هنا كي تراني وتراه وأنا لا أريدها أن تأتي لذا فليسافر هو لها ويقضي معها بعض الوقت .
أقنعها بذلك فهي لا تريد رؤية وجه والدته التي تكرهها ولكنها امرأة الاستغلال لذا استطردت بترقب :
- وما المقابل ثائر ؟
ابتسم بسخرية وأجابها :
- المقابل أنكِ ستحاولين إصلاح ما أفسدتيه .
- موافقة .
نطقتها ونهضت تتحرك نحوه فكاد أن يمنعها ولكن ما منعها طرقات على مكتبه وتبعها دخول إحدى المحررات تبتسم بحرجٍ وتردف :
- سيد ثائر هذا المقال يحتاج موافقتك للنشر .
أومأ لها وأشار لها بيده لتناوله الجهاز اللوحي الخاص بها ففعلت وزفر يتحدث معها وترك مارتينا تطالعه بضيق ثم اتجهت تنظر إلى الخارج من نافذته وتتفحص المكاتب لترى هل هذه المرأة هنا بينهم أم لا .
دارت بعينيها على الجميع ولم تلاحظها لذا ابتسمت ولكن لم تفلح أن تصل ابتسامتها لعينيها حيث وجدتها تظهر من مكتبٍ خاص وتتجه نحو آلة الطباعة الموجودة في ركنٍ ما .
تفشت الصدمة ملامحها لتتبخر ويظهر بعدها الغضب والحقد امتزجا فحولا ملامحها إلى لوحة شرٍ لا تليق إلا بها واتقد داخلها نيرانًا سعرة أشعلتها ديما بهيأتها .
التفتت تطالعه وتساءلت وهي تتتبع المحررة حتى غادرت الغرفة :
- هل تصالحت مع المحجبات ؟
رفع نظره إليها وعلم أنها رأتها ومن خلال نظرتها أدرك المخاطر التي ستحيط ديما لذا كان عليه أن يجيبها بذكاء حيث قال :
- إن كان الصلح الذي تعنيه سيجعلها ترفع راية الاستسلام وتعود لوطنها خالية الوفاض بعدما أحطم أفكارها واحدة تلو الأخرى ، فنعم .
- ماذا تقصد ؟
تساءلت بشكٍ ليبتسم ثم نهض يتجه إليها ويقف قبالتها وينظر معها نحو ديما التي تنشغل بطباعة الأوراق ليردف بنبرة واثقة ونظرة برع في تزييفها :
- لم تتحداني امرأة عربية من قبل لذا فأنا أحببت كثيرًا هذه اللعبة ، سأجعلها تشعر أنها تنتصر إلى أن تظنني استسلمت ثم ... ستصبح أضحوكة لتعود من حيث أتت وتندثر هي وأفكارها المتعفنة .
نظرت في عينيه لتستشف الحقيقة من الكذب فلم تستطع حيث صدّر لها غشاءً من البرود لذا تساءلت بتأرجح :
- ولمَ تفعل هذا ؟
هو على يقين بأنها لم تقتنع ولكنه سيسعى ليفعل أي شيء يجعلها آمنة لذا نطق يرفع حاجبيه :
- ربما تسلية .
حدقت فيه لهنيهة ثم تلاعبت بابتسامة متصنعة خبيثة تجيبه :
- لنتسلى إذًا .
قالتها وتحركت تستل حقيبتها وتغادر ملوحةً له ليقف يدس كفيه في جيبيه ويتابعها من خلف النافذة وهي تخطو نحو ديما حتى توقفت أمامها فلاحظتها ديما التي التفتت تبتسم لها .
ابتسامتان أتيتا من عالمين مختلفين ، إحداهما يسكنها الموت وأخرى تهب الحياة ، إحداهما خلفها الجحيم وأخرى عفوية جعلت الأولى تنطق بترحيب زائف :
- أهلًا بكِ في فرنسا .
تعجبت ديما من نظرتها التي لم ترِحها على الإطلاق ولكنها نطقت بهدوء :
- شكرًا لكِ .
انخلعت من المكان تغادر وداخلها تعهد ، حتى وإن كان صادقًا لن تسمح لأي مشاعر أن تولد بينهما .
وهذا ما علمه جيدًا لذا زفر بقوة وضيق وتحرك يتجه لمكتبه ويفكر في عدة حلول .