-->

رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 20 - 2 - السبت 11/1/2025

  

قراءة رواية بحر ثائر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية بحر ثائر

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل العشرون

2

تم النشر السبت

11/1/2025



في فرنسا 


جلست ديما في مكتبها تشعر بالملل بعض الشيء خاصةً وهي وحدها هنا ولم تتآلف مع من في الخارج  . 


لقد انتهت للتو من مقال دامت كتابته لأكثر من ساعتين لذا فردت ظهرها الذي آلمها ونظرت حولها تتنفس بعمق لتنهض بعد دقيقة تنوي الذهاب إلى الحمام  . 


اتجهت تفتح باب مكتبها وتحركت بين الجميع الذين يباغتونها بنظرات ثاقبة متفحصة ومترقبة  ،  بعضهم معجب كالرجال وبعضهم بسعر بالنفور كالنساء  . 


تجاهلتهم ودلفت الحمام لتقف أمام مرآة الحوض ثم فتحت الصنبور تلتقط حفنة من المياه وانحنت تغمر بها وجهها لتزيل أثار التعب والإرهاق ثم اعتدلت تنظر لملامحها المشرقة ومدت يدها تنتزع محرمتين من الجوار وتجفف وجهها لتقف أمام نفسها تفكر  ،  لمَ عليها أن تكون بين وسطٍ يفترض أن تشعر بالرهبة بينهم ولكن هذا لا يحدث معها  ،  بل أنها تشعر بالتميز  ،  تشعر بحدودٍ وضعها أحدهم لا يمكن لهؤلاء تسلقها وإلا سيتلقون عقابًا لاذعًا   . 


شعور الراحة الذي يتوغلها لا تستطيع تفسير كنهه ولكنه بالفعل يسكنها  .


زفرت بقوة وعدلت حجابها تبتسم لنفسها ابتسامة محفزة  ، هي قوية بكل ما مرت به حتى هذه اللحظة  ، هى متميزة ومحظوظة ويجب أن تفكر دومًا على هذا الأساس  .


 تحركت نحو الخارج لتعود ولكن في طريقها أوقفها نسيم يشير لها ويبتسم فتوقفت تطالعه متسائلة فأشار لها أن تتقدم ففعلت بحرج لتجده ينهض من مكتبه ويقف قبالتها متسائلًا بترقب وعينيه تفحصها  : 


- في حاجة مضيقاكي ولا إيه  ؟  شكلك زهقانة  ،  تحبي نطلع نتمشى شوية  ؟ 


تعجبت من وده الزائد معها ولكنها لم تعتد العبوس لذا ابتسمت بلطفٍ تجيبه  : 


-  شكرًا يا أستاذ نسيم على ذوقك بس حقيقي أنا ورايا شغل  . 


انزعجت ملامحه يردف بابتسامة واستنكار  : 


- أستاذ نسيم إيه بس  ؟  احنا هنا مصريين زي بعض قوليلي يا نسيم عادي  . 


التفتت تنظر للجميع ثم عادت تطالعه وتساءلت بتعجب متجاهله ودهُ  : 


- هو مافيش هنا عرب غيرنا  ؟  يعني أنا عرفت إن معانا عرب كتير بس مش شايفة ده هنا  ؟ 


أومأ يجيبها بالقليل من التعجب والكثير من التوضيح   : 


- بصي هو ده المقر الأساسي والمجلة ليها فروع كتير وكل فرع فيه شخص مسؤول عنه أستاذ ثائر هو اللي عينه ووزع الجنسيات العربية على الفروع التانية وكان صعب إن جنسية عربية تشتغل في الفرع هنا مع أستاذ ثائر بنفسه علشان كدة زي مانتِ شايفة كل اللي هنا فرنسيين لكن قبل ما تيجي بأسبوع لقيت أستاذ ثائر نقلني هنا ولحد دلوقتي ماعرفش ليه بس أكيد دي حاجة تفرح  . 


- بس شكلك هترجع الفرع اللي كنت فيه تاني  . 


قالها ثائر الذي ظهر فجأة يقبض على كتف نسيم ويضغط بصلابة فتحمحم نسيم يطالعه بحرج وانتفضت ديما على أثر نبرته التي فاجأتها وطمأنتها في آنٍ لتطالعه حيث الهيبة تنبعث من حوله بل أنها انتشرت في المكان في حضوره لذا تنفست بعمق بينما أردف نسيم يوضح  : 


- ليه بس يا أستاذ ثائر أنا كنت بجاوب على سؤال ديما  . 


باغته بنظرة حادة وملامح جليدية ونطق محذرًا  : 


- أستاذة ديما  . 


ثم التفت لها وأكمل بنفس ملامحه مع اختلاف نظرة عينيه التي تبددت حدتهما  : 


- ياريت نخلي الأسئلة بعد الشغل  ،  ده غير إن نسيم ماعندوش الإجابة اللي إنتِ مستنياها  . 


أومأت بتفهم وتفاجأت بأنها لم تستطع التنفس لتوقن أنّ ظهوره حابسٌ للأنفاس لذا قالت مسرعة  : 


- تمام عن اذنكوا  . 


تحركت بعدها نحو مكتبها ودلفت تطلق العنان لأنفاسها ووقفت تستند على ظهر الباب وتفكر في أمر هذا الرجل لذا نفضت رأسها سريعًا وتحركت نحو مكتبها لتحاول إشغال وقتها في أي شيء   . 



❈-❈-❈


دلف منزله ينادي بحدة خاصة وأنه يعلم أن الصغيران ليسا هنا   : 


- ديــــــــــنا  ؟  إنتِ فين  ؟ 


كانت تلتزم غرفتها وتفكر بعبوس خاصةً وأن لوتشو أخبرها للتو بما قاله داغر  ،  ها هو التسلط الذي خافت منه لذا انتفضت حينما ناداها وترجلت تتجه إليه وما إن فتحت باب الغرفة حتى وجدته أمامها يطالعها بعمق ويستطرد بغضب  : 


- فهميني بقى كدة اللي حصل إيه  ؟  وإزاي مديرك الصيني ييجي يطلب إيدك مني  ؟ 


تكتفت ووقفت بثبات تجيبه بهدوء رسمي  : 


- مش هو ده الصح يا داغر  ؟  إنه يدخل البيت من بابه ويطلب إيدي منك  ؟  زعلان ليه بقى  ؟ 


لمح القبول في عينيها وسمعه في نبرتها لذا تهاوى قلبه لأجلها وتحدث بهدوء يخفي ضيقه وخوفه  : 


- عادي جدًا  ،  ما كمال دخل البيت من بابه وطلب أختي من أبوها  ،  هو كل اللي يدخل البيت من بابه يبقى راجل  ؟ 


توترت نظرتها وتحمحمت ثم التقطت نفسًا قويًا تجيبه  : 


- بص يا داغر أستاذ لوتشو إنسان كويس ومحترم وعمره ما اتعامل معايا بشكل سيء ولا أنا أصلًا هسمح له بس هو طلب إيدي على سنة الله ورسوله فيها إيه يعني  ؟ 


نطقتها بجدية جعلته يتعجب ويستنكر نسيانها لهويته وعالمه المختلف لذا نطق باندفاع  : 


- هو إيه اللي فيها إيه  ؟  إنتِ اتجننتي  ؟  سيبك من إن اسمه لوتشو  ،  هتتجوزي صيني  ؟  صيني يا دينا  ؟ 


برغم غضبه إلا أنها كادت أن تبتسم لتتمالك نفسها وتسأله مستفسرة  : 


- وإيه يعني صيني يا داغر إحنا في 2025 دلوقتي مافيش الكلام ده  . 


حدجها بنظرة غاضبة لا يصدق ما تقوله لذا دار حول نفسه يمسح على وجهه ويستغفر مرددًا  : 


- استغفر الله العظيم وأتوب ةاليه  ،  يا مثبت العقل والدين يارب  . 


عاد يطالعها ويردف مستنكرًا  : 


- يابت دول بياكلوا الصراصير وإنتِ ساعة ما بتشوفيها بلاقيكي ناطة على كتفي  ،  هتتجوزيه إزاي ده  ؟ 


تخيلت هيأتها حينما تلمح تلك الحشرة وتخيلت هيأة لوتشو وهو يلوكه بين أسنانه لذا ارتعشت وانكمشت ملامحها باشمئزاز وهزت رأسها تنطق باستنكار  : 


- لاء  ، أكيد لاء مش بياكلهم  ،  مستحيل  . 


تعلق بحجته واقترب منها يؤكد  : 


- لا بياكلهم طبعًا مش صيني  ؟  وبعدين ياريتها تيجي على أد الصراصير بس، ده كمان بيعملوا الضفادع شوربة  ،  ولا الخفافيش اللي أكلوها من هنا وبخوا ع العالم كورونا من هنا  ،  إنتِ يابنتي غاوية غُلب ؟ 


شردت قليلًا تفكر في كلماته  ،  بالفعل عليها أن تتحدث معه عن طباعه وطريقة حياته  ،  من المؤكد لا يأكل هذه الحشرات ولكن  ... 


لاحظ شرودها فزفر بقوة يسترسل بنبرة هادئة   : 


- يا دينا أنا مافيش في حياتي كلها أغلى منكوا  ،  ديما شافت كتير وكنت عاجز إني أخلصها من إيد اللي اسمه كمال ده لحد ما ربنا كرمها  ،  إنما إنتِ لاء  ،  مش هسمح إن حد ياخدك مني ويتعبك في حياتك أو يزعلك  ،  إنتِ بنتي مش أختي ولو إنتِ مش عارفة قيمة نفسك فأنا عارفها كويس  ،  اقفلي ع الموضوع ده بقى  . 


التفت ينوي التوجه إلى الأريكة وبالفعل جلس فاتجهت تجلس أمامه وتسترسل مستفيضة  : 


- ماينفعش أقفل الموضوع ده يا داغر  ،  دي حياتي ولازم يكون ليا رأي فيها  ،  أنا مقدرة خوفك عليا جدًا بس أنا مش شبه ديما ولا شبه ماما  ،  أنا عارفة كويس هتعامل مع شريك حياتي إزاي  ،  وبعدين أنا ولوتشو دماغنا عملية والشغل هو كل أولوياتنا  ،  وبالنسبة لطباعه وحياته أكيد هتكلم معاه فيها وماتقلقش هنكون متوافقين لإنه مسلم زيي  ،  ده غير إنه هيستقر هنا  ،  أنا شايفة إن مافيش أي سبب يخليك ترفض  . 


رفع سبابته يجيبها بنفاذ صبر  : 


- كل اللي قولتيه ده يخليني أرفض  ،  إنتِ فعلًا مش زي ماما ولا زي ديما  ،  إنتِ بتغرقي في شبر ميه ولا علشان اتعينتي في شركة صينية وبقى ليكي كاريرك مفكرة إنك ناصحة ؟ ،  وبعدين يعني إيه كل أولوياتكوا الشغل إنتوا مكن ولا بشر  ؟  اعقلي الكلام كويس  . 


زفرت بضيق ثم جابهته تستطرد  : 


-  لا طبعًا مش بغرق في شبر ميه وبعرف أتصرف كويس  ،  إنت بس اللي شايفني لسة صغيرة ومسؤولة منك بس أنا كبرت يا داغر  ،  وزي ماقلتلك أنا هتكلم معاه وهنلاقي حل وسط  ،  لو سمحت خليك إيجابي وحاول تتقبله علشان ماما هي كمان تتقبله  . 


نظر لها والتمع الحزن في عينيه لذا زفر ونطق بترقب  : 


- بس إنتِ مش هتتكلمي معاه يا دينا  ،  ومن النهاردة مافيش شغل عنده تاني   . 


اتسعت حدقتاها وفرغ فاهها لا تصدق أنه يمنعها من عملها لذا هزت رأسها ونهضت تجيبه بنبرة ثابتة  : 


- مش هيحصل يا داغر  ،  وإزاي أصلًا تقول كدة  ؟  إزاي تاخد قرار عني  ؟  أنا مستحيل هسيب شغلي  . 


أمعن النظر فيها وازدرد ريقه  ،  ربما تسرع حقًا بعدم ذهابها للعمل ولكنه يخشى عليها لذا نطق يتساءل بترقب وحزن  : 


- هتكسري كلامي يعني  ؟ 


وضحت ما لديها مردفة  : 


- مش تكسير كلام بس إنت محتاج تفهم إن من حقي آخد قرارات حياتي بنفسي  ،  أنا مابقتش صغيرة يا داغر  . 


نهض يقف قبالتها ويواجهها بنظراته لبرهة من الزمن ثم أومأ يردف بهدوء حزين  : 


- تمام يا دينا  ،  اعملي اللي يريحك  . 


تحرك يغادر المنزل بضيق ووقفت تتلوى بين أنياب الذنب  ،  تدرك جيدًا أن جُل ما يفعله نابعًا من خوفه عليها ولكن خوفه غير مبرر  ،  لوتشو إنسان جيد فلمَ يخاف  ،  لن تتألم طالما هي تفكر بعقلٍ عملي  . 



❈-❈-❈


في المجمع التجاري 


جلست يسرا تقابلها منال في المقهى المقابل للملاهي تنظران إلى الصغيران اللذان اندمجا في الألعاب  . 


التفتت منال تقابل يسرا بابتسامة لطيفة وتقول  : 


- تعرفي لولا مكالمة ديما لينا أنا ماكنتش طلعت  ،  هي يا حبيبتي هونت علينا بدل ما احنا اللي نهون عليها  ،  بس لعله خير  . 


أومأت يسرا مؤيدة تجيبها  : 


- أكيد خير يا خالتو منال  ،  ديما دلوقتي محررة وكاتبة في مجلة فرنسية كبيرة وصدقيني الفرص اللي هتقابلها هتكون عوض عن اللي حصل معاها هنا  . 


أومأت مؤيدة ثم عادت تنظر للصغيرين لتجد رجلًا يظهر أمامها ويتحدث فجأة  : 


- أزيك يا منال  . 


التفتت تطالعه لتجده طليقها الذي لم ترهُ منذ زمن لتجمدها صدمة رؤيته لثوانٍ ثم أجابته على مضض وهي تحيد بنظراتها : 


- الحمد لله  . 


زفر ونظر للصغيرين يشير عليهما متسائلًا بابتسامة ممتعضة   : 


- دول ولاد ديما صح  !   ينفع كدة تسافر وتسيبهم  ؟  وأعرف من الناس الغريبة ولا كإن ليها أب  ؟ 


انزعجت من حديثه ونهضت تواجهه قائلة باستنكار  : 


- أب إيه  ؟  دانت مش عارف شكل عيالها يا محسن  ،  خليك في ولادك اللي معاك وماتشغلش بالك بينا خالص زي ماتعودت  . 


نظر إلى يسرا وسألها يشير نحو منال ويدعي المسكنة  : 


- يرضيكي اللي بتقوله ده  ؟ 


باغتته يسرا بنظرة غاضبة شملته بها لذا تحمحم وعاد ينظر إلى منال نظرات متفحصة ثم استرسل بنبرة خبيثة  : 


- ماهما ولادك اللي بيصدوني كل ما أحاول أقرب يا منال وانتِ مش بتحنني قلبهم عليا  .


حينما شعرت أن جزءًا ملعونًا منها سيتأثر بنظراته ونبرته التفتت تنظر لحفيديها وتصيح بغضب  :


- يالا يا مالك هات أختك وتعالى  .


انتشلت حقيبتها وأشارت إلى يسرا بأن يغادروا وبالفعل تركته يقف يطالع أثرها وهي تسحب الصغيران مع يسرا وتغادر المكان بأكمله ليزفر بضيق حيث أنها لم تعد تتأثر بوجوده وهذا لم يرُق له  ،  إنها تتعافى من حبه الملعون  .

الصفحة التالية