رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل 47 - 1 - الإثنين 13/1/2025
قراءة رواية حان الوصال كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حان الوصال
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الفصل السابع والأربعون
1
تم النشر يوم الإثنين
13/1/2025
"في هذه الحياة، نحن أسرى لاختياراتنا، نحيا ما صنعته قراراتنا بأيدينا، ندفع الثمن بابتسامة حينًا وبزفرات عميقة حينًا آخر. وبينما تمضي الأقدار بنا، تبقى لحظات الفرح البسيطة كرقصة عفوية أو أغنية تنبض بالحب، ملاذًا يخفف وطأة الأيام. هناك من يهرب إلى ضحكة جماعية، وهناك من يختلي بذاته حائرًا بين العقل والقلب. وفي كل منعطف، يظل القدر هو سيد الحكايات، يربط خيوط الماضي بالحاضر، يفتح أبوابًا ويغلق أخرى، ليتركنا نتساءل: هل كان الاختيار حقًا لنا أم أنها لعبة الزمن التي تقودنا؟"
اهداء الجميلة «سنا الفردوس»
هل تلك نغمات تطن في أسماعها؟ أم هي سحب وردية تسحبها معه إلى عالمهما الجميل؟ خطوة مع خطوة، الكف تحتضن الكف، ذراعه تحاوطها، ويدها مستندة على كتفه. يميل، فتميل معه. يبتسم، فتبادله ابتسامته. يدندن معها، ليست تلك كلمات، بل هو ما استوطن بقلبيهما وأتى اليوم ليخرج ويُعلن أمام الملأ.
غير منتبهين لأحد، وكأن العالم قد خلا عليهما. أميرة؟ بل هي سندريلا، ولكن في نهاية القصة، بعد أن عثر عليها أميرها ليتحدى بها العالم. والآن، وقت رقصتهما في الحفل المكتمل. لن تهرب هذه المرة خوفًا من افتضاح حقيقتها، ولن يدور هو بحثًا عنها. لقد انتهت رحلة العذاب والآن بدأت رحلة الاستقرار. لقد حان الوصال.
حكايتنا كملت كلمات
حكايتنا كملت
وكان في وعد نفذته
وشيلتك في عنيا
اسمك واسمي جنب بعض
ولآخر عمري شريك فيا.
أجواء الحفل الأسطوري كانت تضم عددًا لا بأس به من وجهاء المجتمع، رجال أعمال وسيدات من أفراد العائلة العريقة من أهل العريس، وأهل العروس من الطبقة المتوسطة والعادية. كان أبناء عمها حاضرين بدعوة وُجهت إليهم كالغرباء، كما وُجهت أيضًا لعدد من أبناء الحارة التي كانت تسكن بها "بهجة"، كوالد طلال وطلال الذي حضر مع خطيبته ووالدتها. أتى بهما بإصرار وتحدٍّ، حتى إن رأى منها تمردًا، أجهضه بالقوة،
فجلس بهما على طاولة تخصهما وحدهما. كان يراقب رد فعلها هي ووالدتها، التي كادت عيناها تخرجان من فرط انبهارها بكل شيء حولها، عكس ابنتها التي غمرتها الحسرة. جسدها ترجم ما بداخلها بلغة يفهمها هذا المتربص جيدًا:
مالك يا سامية؟ حاسك مش على بعضك ليه؟
مش على بعضي إزاي يعني؟ ما أنا كويسة أهو، كويسة خالص كمان، ولا فيَّ حاجة مش مظبوطة مثلاً؟
أطالت في الكلام لتزيده يقينًا بتشتتها، بإنفعال مكتوم عقب محذرًا لها ولوالدتها:
طيب خلي بالك يا "كويسة"، عشان البص في كل حتة لافت نظر الناس عليكم، والناس اللي هنا غير اللي متعودين عليهم في الحارة.
إلى هنا، لم تقوَ على كبح غضبها:
أفندم بقى، ليكون هما من طينة وإحنا من طينة تانية؟ لا يا حبيبي، البنت اللي فوق دي هي وأخواتها مكانوش لاقيين...
قطعت كلامها منتفضة برعب حينما زجرها بنظرة مخيفة ارتعدت لها أوصالها، وأضاف بلهجة تهديدية:
لمّي لسانك يا سامية، لمّي لسانك واعملي لنفسك مقام، بدل ما أعرّفك أنا بطريقتي المقام اللي تستحقيه.
تجمعت الدموع في عينيها وهي تنظر نحو والدتها تطلب منها الدعم، فحاولت درية التدخل قائلة:
يا طلال يا بني، هي مش قصدها تشتمها، هي بس يعني...
قاطعها بحدة:
اسكتي بقى يا حماتي، بلا قصدها بلا ما قصدهاش. أنا غلطان أصلاً إني جيبتها. كان حقي أحرمها ما تعتبش الفرح ده أساسًا.
بحنق شديد، غفلت عن الكلمات التي تسقط من فمها وقالت:
ليه بقى إن شاء الله؟ ده فرح بنت عمي، على فكرة، مش واحدة غريبة عني.
استدار لينظر إليها ويحدجها بنظرة كاشفة، ثم تمتم بما ألجمها:
بنت عمك؟ مش دي اللي من شوية كنتِ بتقولي إنها وأخواتها مكانوش لاقيين الأكل... ولا إيه يا حماتي؟
أصابها الخرس، حينما وجه اللوم الصريح نحوها، فأشاحت ببصرها عنه تهرب من مواجهته. وقعت عيناها على ولديها؛ سامر، الذي تجاوزها وأصبح يتصرف بطبيعية وقد وجد ضالته في شيء آخر، وسمير، الذي رغم وجود زوجته بجواره وابنه في حضنه، كان الحزن والحسرة مرسومين بوضوح على وجهه.
❈-❈-❈
وفي ناحية أخرى، وتحديدًا في وسط القاعة، وبعد إصراره على أن تراقصه على أنغام الموسيقى الرومانسية، رضخت لرغبته بعد إلحاح منه. لتجد نفسها الآن محاطة بذراعيه، وكفه التي تحط أحيانًا على خصرها أو ظهرها، في وضع لا يريحها:
هشام، ابعد شوية، مينفعش كده.
سمع منها، ليقرب وجهه أكثر:
أبعد إزاي يعني؟ عايزني أبان زي التمثال وأنا برقص معاكي؟ دا حتى الناس يضحكوا علينا، يا أستاذة.
زمجرت داخلها برفضٍ عبّرت عنه:
محدش قالك تبقى زي التمثال، بس ابعد وشك شوية، ولا إيدك دي كمان، بتحركها ليه ع الفستان؟
فستان؟
تمتم بها بخبث، مردفًا:
وماله لما إيدي تيجي ع الفستان يا صفية؟ مش أنا كاتب كتابي عليكي وشرعًا فستانك بقى من حقي، يعني إيدي تيجي كده ولا كده، دا يعتبر شيء عادي.
قال الأخيرة وهو يدفعها من الخلف لتصطدم بصدره، ووجهها لا يفصل عن وجهه سوى سنتيمترات. شهقت مجفلة لفعله، لتدفعه بدورها وتبتعد عنه، فهرولت تاركة إياه في وسط صالة الرقص دون أن تلتفت إليه أو ترى رد فعله. توجهت نحو الطاولة التي كانت تجلس عليها، وعادت إلى مقعدها، فتبعها هو، ليواجهها بغضب:
دا برضو كلام يا أستاذة يا محترمة؟ تسيبيني في نص القاعة قبل الرقصة ما تخلص؟ الناس تقول علينا إيه دلوقتي؟
طالعته بحدة، تصيح به، كاظمة غيظها المكتوم، وبصوت تجاهد ألا يصل للآخرين:
أيوة يصح، ويصح أوي كمان. والناس يقولوا ولا يغلطوا حتى. عامل حسابهم أوي؟ يبقى تحترم نفسك، وبلاها قلة أدب وتحرش!
أشار بسبابته نحو صدره وكأنها وجهت له إهانة:
أنا قليل أدب؟ لا، ما اسمحلكيش. المرحلة دي لسه موصلنهاش أساسًا. أما بقى عن التانية، فدي اسمها لمسات بريئة، يا أستاذة. نسميها تحرش بقى إمتى؟
توقف وهو يشير بيده نحو عدة مناطق في الجسد، متابعًا بخبث:
لما إيدي تيجي هنا، أو هنا... أو هنا.
بااااااس!
"صرخت بها لتوقف استرساله، مطالبةً إياه بالكف عن عبثه المتعمد. قليل الأدب الوقح، كما كانت تسبه الآن في داخلها، فتنهاه بقهر:
مية مرة أقولك يا هشام بلاش أسلوبك ده معايا! أنا متعودتش على الجرأة مع أي حد، وأنت كل مرة تزود. مش عايزة أرفع صوتي، بس أنا محبش حد يتعامل معايا كده.
تركها تنهي كلماتها، ثم ربع ذراعيه فوق صدره بملامح عابسة. وتحدث بهدوء:
بس أنا أحب كده. عشان أنا جوزك على الورق دلوقتي وشرعًا أمام ربنا. يعني حقي أتجرأ، وإنتِ واجب عليكي تعودي نفسك. مدام قبلتي بيا كزوج، يبقى أكيد في حتة في قلبك على الأقل عايزاني... ولا أنا غلطان يا صفية؟
مهما أخفت أو أنكرت، سيأتي عليك الوقت الذي لن تجد فيه الفرصة للكذب. وذلك إن حوصرت بالسؤال المباشر، كما يحدث الآن. وقد بدا على ملامحها بوضوح أمام مواجهته، لتجيب بمراوغة:
والله، أنا لو كارهاك أو مش طايقاك، مفيش قوة في الدنيا كانت هتجبرني أوافق على خطوبتي منك أو كتب الكتاب.
تبسم بثقة، قائلاً:
طب حلو أوي يا أستاذة، طمنتِ قلبي يا شيخة.
وكالعادة، خجلت من مواجهة عينيه. تلك المرأة المحاربة في الدفاع عن حقوق النساء أمام المحاكم والقضاء، تصبح كالقطة الوديعة حين يغلبها الحياء.
رفعت رأسها فجأة، منتبهة لصوت الصفير الذي علا في قلب القاعة من بعض الحضور، تشجيعًا وتحية لحمل العريس لعروسه. دار بها لعدة لحظات قبل أن يتوقف، لتضع قدميها على الأرض.
مشهدهم الجميل ارتد بأثره على تلك المتزمتة دائمًا، التي تتخذ الجمود وسيلة لفرض احترامها على الجميع. غزت الابتسامة ثغرها وهي تتابع فرحة العروسين. جذب ذلك انتباه الجالس أمامها، الذي كان يتابعها بتمعن لكل خلجة وكل همسة منها. فعلق قائلاً:
عجبك شكلهم يا صفية؟ يبقى انتظري يوم فرحنا. وليكي عليا ما خلي رجلك تلمس الأرض لساعة كاملة وأنا بلف بيكي.
استدركت حالتها، لتعي علي كلماته. فتبسمت ضاحكة بعدم استيعاب:
إيه اللي بتقوله ده؟ ساعة!
وأكملت ضاحكة لترتشف من عبوة المياه الغازية، تخفي توترها المكشوف أمامه:
بقولك اللي هيحصل يا صفية... وبكرة تشوفي.
❈-❈-❈
عادت العروس، والتي كانت كالملكة، تعانق مليكها وتراقصه على أنغام الموسيقي الرومانسية. ثم جلست متربعة على عرشها بجواره، تتلقى التهاني والمباركات بمقام يليق بها، رافعة رأسها بعزة.
"كانت هذه هي النهاية الأفضل لقصة معاناتها؛ ما أجمل الجبر بعد الصبر! فقد تحقق لها ما كانت تطمح إليه، وأصبح قلبها الذي عانى طويلاً ينبض بالأمل من جديد