رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 29 - 2 - السبت 15/2/2025
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل التاسع والعشرون
2
تم النشر السبت
15/2/2025
بعد ساعتين
عاد داغر إلى المنزل وطرق الباب ببعض الضيق الذي بات يراوده خاصةً بعدما فسر نظرات الجيران نحوه ، هذا ما كان يقلقه .
وهذا أحد عيوب المنطقة ، الأقاويل التي تولد من أفكارهم فقط دون معرفة حقيقة الأمور لذا عليه أن يسرع في تنفيذ قراره إذا قبلت وحينها لن يكون رحيمًا مع من يؤذيها ولو بكلمة .
فتحت له منال مبتسمة وعينيها تحدق به بخبث ليتأكد أن الأخرى شاركتها الأمر ، رفع رأسه عاليًا يتنهد فعلى ما يبدو أن منال ستتحول من أمٍ له إلى حماة لذا ابتسم وعاد يطالعها مستفهمًا باستنكار :
- مالك يا ماما بتبصيلي كدة ليه ؟
أفسحت له المجال فمر من جوارها فرفعت كفها تربت على ظهره وتردف بخفوت :
- اتفضل يا عريس اتفضل ، تخبي على امك ؟ اخص .
كاد أن يضحك ولكنه تحمحم وعبر بملامح جادة لا تقنعها :
- أخبي إيه بس يا ست الكل أنا قلت أسيبها تفكر .
أومأت مرارًا باستفهام كاذب وهي تباغته بنظرة معاتبة فدلف يتحمحم ليرى بسمة تجلس تنتظره في الشرفة ولم تسمع حديثهما لذا حك رأسه وأردف :
- طيب تعالي نتكلم معاها !
ربتت على كتفه واسترسلت بتفهم ومرح حينما لاحظت حرجه :
- روح يا داغر اتكلم مع البنت ومالكش دعوة بيا انا هعرف منها .
تحرك بيأس من حالتهما المتقدمة ودلف نحو الشرفة يردف دون سلام :
- احتليتي بيتنا واحتليتي أوضتي وقلت ومالو ، إنما كمان هتاخدي أمي ؟
ابتسمت بسعادة مستجدة وتساءلت بشكٍ :
- ودي حاجة مزعلاك ؟
جلس أمامها وتابع بمغزى :
- لاء ، بس محيراني ، عايز اكتشف السبب بنفسي .
توردت وجنتيها خجلًا وقررت أن تأخذ الحديث إلى عمقٍ جديد فتساءلت :
- ليه يا داغر ؟ ليه عايز تكتشف شخصيتي ؟ ليه عرضت عليا تتجوزني ؟ ليه بحس إنك بتتحر علشاني على عكس عيلتي ، شايل همي ومش بتحب حد يجيب سيرتي ولا يزعلني ، ليه بتعمل كل ده معايا ؟
بجرأة لم يعهدها أجابها وكأن الحواجز بينهما ترفع واحدة تلو الأخرى فوضح :
- مش عارف بس أنا بتحرك تبع إحساسي ، سميه مسؤولية سميه واجب سميه محبة بس الأكيد إني مش هتخلى عنك ولا هسيبك للعيلة الطماعة دي تاني .
التمعت عينيها بلمعة الحب والسعادة لتستطرد :
- إنت إزاي كدة ؟ معقول تقف في ظهري وأهلي يقفوا قصادي ؟ كانوا بيقنعوني إنك هتستغلني وهتضحك عليا علشان ثروتي ، بس الحقيقة إن برغم الثروة العظيمة اللي في ايدهم والرفاهية اللي ماجد عايشها والمميزات اللي بيتمتع بيها إلا إنهم هما اللي كانوا عايزين يستغلوني ، يأثروا عليا بأي وسيلة .
أومأ يشبك كفيه ويجيبها باقتناع :
- هي كدة الرفاهية مابتجبش رجالة .
نعم هو محق ، لا يجب أن توفر جميع سُبل الرفاهية والراحة لأولادك ، لا يجب أن ترضخ دومًا لطلباتهم في سبيل راحتهم ، بل يجب أن تقول لا أحيانًا كثيرًا ، يجب أن يمروا باختبارات عظيمة ليصبحوا من بعدها رجالًا يُعتمد عليهم .
نظرت في عينيه مباشرةً وأوضحت بثقة وتأكيد :
- طيب أنا موافقة على طلبك يا داغر ، ومش لأسباب حماية بس لكن علشان أنا ماحستش بالراحة والأمان غير وانا هنا ، علشان أنا محتاجة أثق في حد والحد ده هو إنت ، علشان أنا عايزة أواجههم ومش هقدر أعمل ده من غيرك لإني مش هتنازل عن حقوقي ، وعارفة إن اللي جاي صعب وهنواجه صعوبات كتير علشان كدة خليني اسألك ، إنت مستعد لكل ده ؟ مستعد تواجه معايا ؟
بيقين وإيمان فرد ظهره وأجابها بثبات ونبرة تأكيدية :
- رزقي ورزقك على الله يا بسوم ، اللي بيقول يارب مابيخسرش ، وأنا معاكِ لآخر نفس خلاص انتِ بقيتي مسؤولة مني .
قاطع حديثهما دخول دينا بملامحها المتحفزة تطالع شقيقها بمقلتين خائفتين وتردف :
- داغر ينفع اتكلم معاك ؟
حينما لمح الخوف في مقلتيها نهض مسرعًا يسألها بتلهف وهو يقترب منها :
- فيه إيه ؟
نظرت نحو بسمة التي تومئ لها لتعود إليه مجيبة بتوتر وهي تفرك كفيها :
- أنا بلغت لوتشو برفضي وقدمت استقالتي ، بس هو رفضها ، أنا قلقانة منه يا داغر وحسيت إنه اتحول لواحد تاني ، هو بيرن عليا كتير بس أنا مابقتش ارد ، وجه الحارة وصالح وقفله وانت مسافر وحاولت افهمه بالعقل إني مش هشتغل تاني بس بردو رافض وبيهددني بالشرط الجزائي اللي في العقد .
كعادته تحتد ملامحه وتبرز عروقه من شدة الغضب وكاد أن يهرول لولا يد بسمة التي قبضت على معصمه تمنعه من التهور قائلة :
- أيوا اجري بقى روحله واضربه ونروح نجيبك من القسم زي كل مرة .
وقف مقيدًا بنظراتها وقبضتها وحاول أن يتروى ولكن عبثًا حينما يتعلق الأمر بشقيقتيه أو والدته أو بسمة ، لا يعلم ما الذي يصيبه ويشعل براكين الغضب داخله ، تنفس بقوة ونظر نحو دينا يردف بصرامة :
- روحي هاتي تليفونك .
أومأت وتحركت تحضره فتابع وهي تخطو :
-لو كلمة داغر بتتسمع ماكُناش علقنا مع اللي كلهم شبه بعض .
حذرته بسمة ألا يلومها ولكنه تابع بغيظ وحنق :
- أصل أنا قلت بلاش صيني قالتلي ده مختلف يا داغر .
قالها بنبرة ساخرة يقلدها فأردفت بسمة بتروٍ :
- يا داغر ماتزعلهاش بقى مادام جت وحكتلك ، براحة عليها دينا لسة صغيرة .
- لا مش صغيرة يا بسمة ، لازم تتعلم وتعرف تختار صح علشان ماتندمش بعد كدة .
جاءت تناوله الهاتف بمقلتين باكيتين من الندم والعجز عن مجابهته فهو محق لذا زفر بضيق حينما وجدها تبكي والتقط منها الهاتف يعبث به وقد قام بحظر رقمه ثم ناولها إياه يردف بنبرة جادة تحمل على متنها الحنان :
- أنا بلكته من على تليفونك ولو رقم غريب رن ماترديش ويبقى يوريني هيعمل إيه بالشرط الجزائي ومن هنا ورايح مافيش نزول من البيت غير معايا ، لما أشوف أخرتها معاه .
اعترضت بطبيعتها تجابهه بنبرة مستنكرة وعيون لامعة :
- يعني إيه الكلام ده يا داغر ؟ هتحبسني هنا مثلًا ؟ أنا لازم أدور على شغل تاني ، أنا مش هعرف أقعد في البيت .
تكتف يجيبها بهيمنة :
- لاء هتقعدي ، قدامك أهي عندها شركة كبيرة وقاعدة وبتابع الشغل من هنا وزي الفل ، كفاية عِند واصبري وأنا هجبلك شغلانة زي الفل .
تكتفت مثله تتساءل بملامح منزعجة بعدما حاولت تجفيف دموعها :
- شغل إيه إن شاء الله ؟ لتكون هتشغلني معاك في الورشة ؟
قالتها بسخرية فحل وثاق ذراعه ولكمها على مؤخرة رأسها يستطرد بحدة :
- لسانك طوِل ، اللي قلت عليه يتعمل يا دينا بدل ما اقلب ع الوش التاني ، خروج الأيام دي مافيش واللي اسمه لوتشو ده سيبيهولي .
تعلم بسمة أنه محق حتى لو يعبر عن ذلك بشكلٍ عفوي وتعلم دينا ذلك أيضًا ولكنها تجادله بطبيعة شخصيتها لذا دبت الأرض بقدميها وتحركت نحو غرفتها فأردفت بسمة بتريث :
- داغر لو سمحت اهدى ، إنت كمان بتغلط على فكرة ، وبعدين هتشوف لها شغل فين ؟ أنا ممكن أ ــــــــــــ .
قاطعها يستطرد بنبرة رصينة :
- أنا وصالح هنفتح المصنع يا بسمة ، واختي لازم تبقى تحت عيني ، أنا هبيع العربية وابيع الورشة واشاركه ، هو عرض عليا أشاركه بالمجهود بس أنا لو هشارك يبقى براس مالي حتى لو قليل ، وربك هيدبرها وهتحلو .
تحدث بعفوية لتشعر أنه بحاجة للدعم لذا تساءلت :
- طيب يا داغر لو ممكن أساعد يعني و ـــــــــــــ .
بعينين ثاقبتين حذرها يردف بجدية مطلقة :
- لو بتحبيني ماتتكلميش بالطريقة دي تاني ، ماشي ؟
أومأت تطيعه والتمعت عينيها بالفخر وابتسمت تردف :
- حاضر .
❈-❈-❈
مساءً
وقفت في مطبخها تعد حلوى اشتهاها وطلبها منها حينما كانت تسرد له عن طفليها وما يحبانه ، أمامها هاتفها تتحدث من خلاله مع والدتها وطفليها اللذان يتساءلان عما تفعل لذا انفطر قلبها وأردفت بترجٍ :
- ماما ممكن لو سمحتِ تعملي لهم كنافة مبرومة بالمكسرات .
أومأت والدتها تردف بمحبة وهي تقبلهما أمام عينيها المشتاقة :
- عنيا حاضر هعملهم ، أنا كمان نفسي فيها .
ابتسمت وتمنت لو باستطاعتها إرسال طبقٍ لهما لذا تنفست بعمق واندمجت مع لف رول الكنافة وهي تتحدث إلى منال .
جاء من خلفها بعدما أخذ حمامًا منعشًا يرتدي شورتًا وتيشيرتًا رياضيًا ثم وضع يده اليسرى حول خصرها وباليمنى لوح بها إلى منال والصغيران أردف بودٍ وابتسامة :
- ست الكل عاملة ايه ؟ والحلوين بتوعي عاملين إيه ؟
ابتسمت له منال والتمعت عينيها بالسعادة حينما لمحت في عيني ديما الحب والخجل في آنٍ لتزيله عنها قائلة بحبور :
- الحمد لله يا ثائر كلنا بخير ، إنت عامل إيه ؟
أجابها واندفعت الصغيرة بتلقائية ترحب به ولكن توقف مالك يطالعه عبر الهاتف ببعض التساؤلات ، احتواؤه لديما أثار انتباهه فهو لم يرَ والده ذات مرة يتعامل مع والدته بهذه الطريقة لذا لم يفُته قرب ثائر من ديما ولم تفته نظرة والدته التي تطلعت بها على ثائر لذا حينما لاحظ ثائر صمته سأله :
- إيه يا مالك عامل إيه يا بطل ؟ عايزك تتمرن كويس علشان البطولة قربت .
استطاع بسؤاله تغيير دفة أفكاره فتحمس مالك وأخبره ببعض الهدوء :
- أنا وخالو داغر بنتمرن كويس وهكسب البطولة وهاخد ميدالية وهبقى اوريهالك .
أشار له بيديه بعلامة القوة والتشجيع وأردف قائلاً :
- أيوا يا بطل برافو وريني حماسك .
انشغلت ديما بوضع رولات الكنافة في الصينية و السعادة تغمرها بسبب علاقة ثائر بطفليها واستكمل ثائر حديثه مع رؤية التي ظلت تسأله لتردف منال بحرجٍ :
- يالا هسيبكم دلوقتي وهقوم أعمل أنا كمان كنافة للولاد .
هلل الصغيران وابتسمت ديما لهما بعدما وضعت الصينية في الفرن ولوح ثائر يودعهم ويغلق المكالمة ولم يمهل ديما التقاط نفسٍ بل سحبها إليه يهجم على رقبتها يفترسها فمالت تضحك وما تمايلها إلا سماحَا له بأن يتعمق أكثر في غرز أنياب العشق في عنقها ففعل ويديه تحاوطها كي لا تقع حيث دغدغ مشاعرها بشفتيه التي تمتص ما هو له .
باتت في حالة سكرٍ والخمر هنا هو حبه واحتواءه فتناست أمرها وأطراف أصابعها المنقوشة بفتات الكنافة والتي رفعتهم تحاوط بهم رقبته ليحرر رقبتها ويطالعها برغبة ملحة ووتيرة أنفاس تخبرها أنه يريدها بكل ما لديه من رغبة ولكنها قابلت رغبته بعبوسٍ حينما ترك رقبتها ، لقد كانت تتنعم بفراشات ترفرف بأجنحتها حول معدتها بشعورٍ لا مثيل له يعلم جيدًا كيف يجعلها تعيشه لذا تجرأت تحت سطوة عشقه واقتربت تبادر بتقبيله قبلة تعلمتها منه فاستقبلها بترحابٍ حافل وسحب شفتيها داخل منزله الكريم يقدم لها نوعًا جديدًا من الضيافة ويشرح لها بلمساته طريقة التحضير على نيران اتقدت من متعتهما .
وكالعادة وجدت نفسها بين يديه ولم تشعر سوى وهو يمددها على فراشها ويحيطها بعشقه لتبادله بنعومتها التي كانت له مخدرًا ناريًا أخمد أفكاره التي تلازمه وأشعل حواسه بشيءٍ من السعادة .