-->

رواية جديدة أرهقته حر با لتوتا محمود - الفصل 22 - 1 - الأحد 9/2/2025

  

رواية أرهقته حربًا الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية أرهقته حر با الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة توتا محمود


الفصل الثاني والعشرون

1

تم النشر بتاريخ الأحد

9/2/2025


كيف لم أركِ وأنتِ بقربي؟

كيف نامت عيني، وكنتِ تسهري؟

يا لقلبي الأعمى، لم يحتوِ حزنكِ، ولم يدرِ.




خرج نوح من الغرفة بخطوات ثقيلة، عيناه لا تريان أمامه، وكأنه يسير في ممر من الضباب الكثيف.


 كان يشعر وكأن العالم كله قد تقلّص إلى تلك العلبة الصغيرة التي يمسكها في يده، المنوم الخاص بـ "نور".


وقف في منتصف الرواق، تجمد في مكانه للحظات، بينما أصابعه كانت تطبق على العلبة كأنه يحاول أن يسحقها، كأنها الشيء الوحيد الذي يمكنه السيطرة عليه وسط طوفان التساؤلات التي اجتاحت رأسه.


لم يصدق، لم يستوعب، أن «نور» تحتاج إلى المنوم كل ليلة؟؟ 


لما؟؟، لماذا تحتاجه؟؟


متى بدأت تأخذه؟؟ 


منذ متى وهي لا تعرف النوم إلا به؟؟ 


كيف لم يشعر بها طوال هذا الوقت؟ كيف عاش بجانبها كل ليلة ولم يدرك أنها كانت تحتاج إلى شيء ما لتغفو؟؟ 


منذ أن تزوجها، لم يكن هناك شيء يوحي بأنها كانت بحاجة إلى هذا العقار، لم يكن هناك ما يشير إلى أنها تخوض معركة صامتة كل ليلة مع الأرق، مع الأفكار، مع شيء ما كان يبقيها مستيقظة حتى تعجز عن الاحتمال  . 


والآن، يقف هنا، ممسكًا بهذه العلبة وكأنها تفتح أمامه بابًا لم يعرف أنه كان مغلقًا.


ـ ازاى ملحظتش؟؟ 


كان يفترض به أن يراها، أن يشعر بها، أن يفهم حتى صمتها، لكنه لم يفعل.


تنهد تنهيدة طويلة، حارة، وكأنها محاولة يائسة لإخراج الضيق الذي يملأ صـ ـدره، لكن الضيق لم يرحل، ظل جاثمًا هناك، ثقيلًا، كما لو أن الإجابات التي يبحث عنها قد أصبحت جزءًا منه، لا يمكن التخلص منها.


نظر إلى العلبة مرة أخرى، وكأنها تحمل سرًا لم يفهمه بعد، ثم قبض عليها بقوة، وأكمل سيره، لكن بداخله كان يعلم، هذه ليست نهاية الأسئلة، بل بدايتها.



خطواته بدت هادئة، لكنها لم تكن تعكس ما بداخله أبدًا. كل خطوة يخطوها نحو الأسفل، كانت كأنها تكبح إعصارًا من الغضب يتأجج في داخله. 


عيناه ساكنتان، لكن صدره كان يضج بالعاصفة، بجنون لم يستطع التعبير عنه سوى بالصمت.


كان على وشك المغادرة، يوشك على ترك هذا المكان خلفه، لكنه لم يتوقع أن يُستوقف في اللحظة الأخيرة، تمامًا كما لو أن القدر قرر ألا يمنحه فرصة للهروب بسهولة.


ـ رايح فين يا نوح؟


صوت "أيان" ارتفع من خلفه، يحمل في نبرته خليطًا من الاستفزاز والغرور. 


ـ كده متقوليش مبروك؟؟، اخص عليك يا راجل، أزعل منك كده. 


توقفت خطواته، ولم يكن بحاجة إلى الالتفات ليعرف أنه خلفه، يعرف أنه يقف هناك، بابتسامته المتعجرفة، ونظراته التي تحمل مزيجًا من السخرية و الانتصار الزائف.


التفت نوح ببطء، بعينين لا تحملان أي مشاعر، وكأنهما تجرده من أي رد فعل قد ينتظره أيان. 


رآه يقف، وفي يده كأس عصير برتقال، يرتشف منه ببطء، يبتسم باستفزاز، كأنما يتعمد إطالة اللحظة، وكأن فوزه أصبح واقعًا لا يمكن تغييره.


اقترب منه نوح، عيناه لا تزالان تحملان ذلك البرود القاتل، لكنه حين نطق، كانت ابتسامته هادئة، خطيرة، لا تبشر بالخير أبدًا.


ـ أعتقد إنك عارف إنك مش مُرحب بيك، لا في بيتي ولا في شركتي، فبلاش تاخد العشم ده إني أجي وأبارك لك. 


كلماته كانت كأنها صفعة خفية، لكنها لم تمحُ الابتسامة عن وجه أيان، بل زادتها اتساعًا. ضحك بسخرية، وكأن ما قاله نوح لم يكن سوى محاولة يائسة لإنكار ما أصبح حقيقة.


ـ لا لا، انت نسيت ولا إيه؟ 


 قال أيان بنبرة مليئة بالسخرية، وعيناه تراقب نوح باهتمام، تستمتع برد فعله المحسوب بعناية.  


ـ مبقاش بيتك لوحدك، بقى بيتي أنا كمان، والشركة دي مبقتش بتاعتك لوحدك، بقت بتاعتى أنا كمان."


أنهى جملته ببطء، وكأن كل كلمة كانت تُقال بحساب، ثم رفع كأس العصير إلى شفتيه، ارتشف منه ببرود، كأنه يختبر صبر نوح، ينتظر أي علامة تدل على أن كلماته تركت أثرًا.


لكن نوح لم يكن من يُستفَز بسهولة.


رفع حاجبه قليلاً، ثم ضحك بسخرية خافتة، وكأنه يسخر ليس فقط من أيان، بل من الوضع بأكمله.


ـ إياك تفكر إني ممكن أسيبك تتهنى بيهم  .


 قال نوح بصوت منخفض، لكنه كان يحمل من التهديد ما يكفي لجعل الجو من حوله يصبح أكثر ثقلاً. 


ـ لا لا، تبقى بتحلم، فوق تمام، انت بقيت في قلب قصر بيت النويري، ويا ويلك من عيلة النويري  . 


كلماته كانت أكثر من مجرد تهديد، كانت تحذيرًا، إعلانًا لحرب لم تبدأ بعد، لكنها قادمة بلا شك.


اقترب أكثر، حتى أصبحت المسافة بينهما لا شيء، حتى أصبح بإمكان أيان أن يشعر بثقل الكلمات التي ستأتي بعد ذلك.


ثم همس، بصوت ملئ بالقسوة لم يكن يحمل أي شفقة:



حاول تخلي بالك من نفسك، لأن الأيام دي، مش ضامن عيلتي ممكن تعمل فيك إيه.


كان التحذير واضحًا، لم يكن بحاجة إلى تفسير، لكن نوح لم يكن من يترك الأمور دون لمسة أخيرة.


بهدوء مستفز، مد يده إلى كأس العصير في يد أيان، سحبه من يده دون أي مقاومة، ثم ارتشف منه بنفس الطريقة التي فعلها أيان قبل قليل.


  لم يتوقع  «ايان» هذه الجرأة، اكتفى بالنظر إليه بحيرة، عقلُه يحاول فهم ما يدور في رأس نوح.


لكن نوح لم يمنحه فرصة للحديث ، فقط أكمل بصوت لا يحمل أي ندم، أي تردد، أي اهتمام :


ـ دي نصيحة من واحد غريب، ومينفعش أقول إنها نصيحة من قريبك، أو صاحبك، أو حتى أخوك، لأن الفكرة ذات نفسها، بقرف منها.


رفع الكأس مجددًا، ارتشف رشفة أخرى، ثم وضعه على الطاولة برفق، وكأنه لم يكن يحمل بين يديه سوى شيء بلا قيمة، ثم التفت وغادر، خطواته كانت بطيئة، لكنها كانت تحمل وزناً أكبر من أي كلمات قيلت.


أيان ظل يراقب مغادرته، عيناه تحملان شيئًا جديدًا، شيئًا لم يكن موجودًا قبل لحظات.


 الغضب، الاشتعال، لكنه لم يكن غضبًا عاديًا، بل شيء أعمق، أكثر خطورة.


همس بصوت بالكاد يسمع، لكن كل حرف فيه كان مليئًا بالحدة :


متُحسش بقرف من الفكرة، يا حفيد النويري، لأن الفكرة جايز تكون حقيقة  . 


❈-❈-❈


جلستْ «حميدة» تراقبُ ضوءَ القمرِ الحزين، وفي قلبِها ألفُ وجعٍ دفين، بيتٌ تهدّم، صوتٌ تلاشى، وأحفادُها في الطريقِ سجين.


حملتْ الوعدَ على كتفيها، حاولتْ أن تجمعَ شملَ السنين، لكن عدوًا تسلل بينهم، فرقهمُ  ، وهو عنهم قريب.


كيف ابتعدَ وهو في دارِهم؟، كيف صارَ الغريبُ الأليف،

فقد صارَ بيتُها حلمًا ضعيف.


فتحت عينيها، والصمتُ يحاصرها، تبحثُ في الليلِ عن سرِّ الغضب، نظرتْ لأسفل، فرأتْ سيارة «نوح»،تغادرُ القصرَ كريحِ الشغب.


كان يمضي، وكان الغضبُ يحكي، في عينيه عاصفةٌ لا تهدأ،

عقدتْ حاجبيها، ولم تفهم، أي نارٍ تلك التي تحرقه؟


أهو الحزنُ الذي لم ينطفئ؟، أم خيبةٌ أثقلَتْ خطاه؟، كانت تراهُ، لكنه بعيد، رغم أنه من لحمِها ومُناه.



رفعت عينيها إلى السماء مجددًا، تلك السماء التي لطالما حملت أسرار قلبها، وشهدت على همسات دعواتها في الليالي الطويلة.


 كانت النجوم تتلألأ بصمت، وكأنها تنصت إليها، تستمع لرجائها الذي خرج من أعماق روحها.


تنهدت ببطء، وكأنها تحاول أن تفرغ جزءًا من الحزن العالق في صدرها. 


كم من مرة نظرت إلى هذه السماء، تبحث عن إجابة، عن علامة تخبرها أن الأمور ستعود كما كانت، أن العائلة التي كانت يومًا مترابطة، متماسكة كالبنيان، لن تظل ممزقة للأبد.


لكن الخوف كان يسكنها، خوفٌ يتسلل إلى قلبها كلما تذكرت أن "أيان" أصبح جزءًا من هذه العائلة. 


لم تستطع تقبل ذلك، لم تستطع محو الفكرة من عقلها، كأنها شوكة علقت في روحها، تؤلمها كلما حاولت نسيانها.


كيف أصبح واحدًا منهم؟ كيف تسلل إلى هذه العائلة التي أفنت حياتها لحمايتها؟ أيان لم يكن شخصًا تثق به، لم يكن رجلًا ترى فيه الأمان، بل كان ظلًا غريبًا تسلل بينهم دون أن يشعروا، والآن أصبح جزءًا لا ينفصل عنهم، كأنه سرطان ينخر في الجسد ببطء.


أغمضت عينيها للحظة، ثم فتحتها مجددًا، عاقدة العزم على شيء واحد وهو الدعاء.


من أعماق قلبها، رفعت صوت روحها إلى السماء، ترجت أن تستجيب لها الأقدار، أن تُعاد الأمور إلى نصابها الصحيح، أن تتلاشى كل المخاوف التي تحيط بها، أن يختفي أيان من حياة عائلتها كما جاء، دون أن يترك أثرًا في نسيج العائلة الذي تحاول جاهدة أن تبقيه متماسكًا.


شعرت بنسمة باردة تمر على وجهها، وكأن الليل نفسه يطمئنها، لكن قلبها كان يعلم أن المعركة لم تنتهِ بعد، والطريق أمامها ما زال طويلًا ومليئًا بالمفاجآت.



رفعت عينيها للسماء من جديد،

وبقلبٍ منكسر دعت بالرجاء،

يا رب، عائلتي كانت وطنًا،

فلا تجعلها سرابًا في الهواء.


أيا ليل، خذ خوفي بعيدًا،

أيا نجوم، احملوا لي الأمان،

لا أريد أن يكون "أيان" منهم،

لا أريد أن يكون جزءًا من المكان.


أعيدوا الأيام كما كانت،

بيتًا يجمعنا بلا رياء،

قبل أن يسرق الغريب منا،

قبل أن يملأ البيت بالجفاء.