رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 16 - 3 الجمعة 7/2/2025
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
الفصل السادس عشر
3
تم النشر الجمعة
7/2/2025
همست يلديز وهي ترفع غطاء رأسها الحريري عنها، دافعة به لأنس مؤكدة: اطعمي الطفل، لعله ينام حتى نعلم ما هذا الخراب الذي حل بنا!.. توبة .. توبة.. وكأن القيامة قامت بالخارج!..
هزت أنس رأسها في طاعة، يشملها الاضطراب، حتى أن نازك بدأت تبكي في هيسترية، هامسة في تيه: لا أرغب فالموت، لا أريد أن أموت.. أنا ما زلت شابة وصغيرة، ليتنا ما عدنا من المحروسة!..
همس الباشا في صرامة، وقد جلس بالقرب مترقبا ما يحدث بالخارج، مرهفا السمع لأي حركة: لن يموت أحد.. إلتزمن الصمت، وضبط النفس..
كتمت نازك أنات بكائها، وضمت أنس الوجود فضل ولدها لصدرها وقد بدأ يخطو نحو النعاس، بينما يلديز تتمتم ببعض آيات من القرآن الكريم، والأدعية التي تحفظ، في انتظار معرفة ذاك الهجوم المجهول الذي لا يعلم أحدهم، حقيقة أمره..
❈-❈-❈
القاهرة ١٩١٩.. قصر رستم باشا..
هبط رستم باشا الدرج في هوادة، متوجها صوب حجرة المكتب، فقد أبلغه الخادم أن سعد بيه رسلان في انتظاره، دخل رستم الغرفة ملقيا التحية في محبة، متسائلا: أخبار نجع رسلان ايه على حسك سعد بيه!
أكد سعد في تأدب: بخير يا باشا، كل الأمور عال.. لكن اللي بيحصل فالبلد ده يوچع الجلب، كام شاب راحوا وچه لأهاليهم چثامينهم، النچع كان ميتم كبير يا باشا، هو اللي بيچرا ده ملوش آخر!..
أكد رستم في حزن: نتعشم إن المفاوضات تخلص على خير، ونسمع خبر كويس عن قريب سعد بيه..
هتف سعد متسائلا في تردد: وأني مش هسمع خبر يريح جلبي عن اللي راحوا وجالوا عدوا لي دول يا رستم باشا!..
ابتسم رستم مؤكدا: عارف إن هم وحشوك، بس والله أنا لو أعرف أي خبر ع...
قاطعت طرقات الباب استطراد رستم في حديثه، ليؤكد على الطارق الإذن بالدخول، كان أحد الشمشرجية يحمل طبقا، به بعض الاظرف، هاتفا في نبرة مسكينة: البوسطى وصلت يا باشا.. و..
انتفض رستم على غير عادته، وكذا سعد الذي وقف منتصبا ينتظر البشرى، جذب رستم المظاريف في لهفة مشيرا للخادم بالانصراف، وما أن تطلع لظهر الظرف حتى هتف في سعادة: خطابين من أنس الوجود سعد بيه..
احتفظ رستم بأحدهما، وناول سعد الآخر، والذي تطلع نحوه في وجل ولم يجرؤ على فتحه، متطلعا نحو رستم الذي فض الخطاب في سرعة، هاتفا في سعادة: لقد عفى عنها كاظم باشا، لا.. ده عني وعنها.. وفي انتظارنا عشان نروح كلنا إسطنبول.. وبيتطلع لمقابلتك سعد بيه.. وفي انتظار رؤية طفلي .. أخبار عال أوي سعد بيه..
ابتسم سعد مؤكدا: الحمد لله إنها بخير هي وفضل، وإن الباشا عفى عنها وعنك.. تقوم لنا ألفت هانم بالسلامة، ونروح كلنا على هناك.. ونتشرف بالباشا ومجابلته..
تطلع رستم لسعد في خبث: طب مفتحتش جوابك ليه سعد بيه! ..
لم يجب سعد لبرهة، لكن قهقهات رستم كانت تؤكد أنه يعلم الإجابة، فهتف باسما: على راحتك سعد بيه!.. سأنهض أنا لتفقد حال ألفت هانم، وتبليغها بالأخبار السعيدة، واسيبك تقرا خطاب أنس الوجود في هدوء..
لكن سعد نهض من موضعه، وابتسم في حرج لرستم باشا هاتفا: اعفيني النهاردة من الكلام ف الأشغال يا باشا، هستأذن واچيلك بكرة ..
ابتسم رستم موافقا: تمام، ميعادنا بكرة سعد بيه.. اتفضل..
خرج سعد من غرفة المكتب تابعا لرستم، الذي نهض أحد اصدقائه الذي كان بانتظاره في بهو القصر، هاتفا في نبرة حارة: شفت اللي حصل رستم بيه!. افرجوا عن سعد بيه، وراجع المحروسة قريبا..
هتف رستم في سعادة: الاخبار الحلوة لا تأتي فرادى، شكلنا كده هنسافر أزمير لكاظم باشا عن قريب سعد بيه..
هتف الرجل في تعجب: أنت مسمعتش اللي حصل كاظم بيه! الجيش اليوناني نزل أزمير واحتلها بحجة حماية الرعايا اليونانيين هناك.. وطبعا بمباركة من انجلترا وفرنسا..
صرخ رستم في ذعر: يعني ايه الكلام ده!.. لا طبعا مش معقول، مين بلغك الخبر المشؤوم ده!..
هتف الرجل حين لاحظ الاضطراب البادي على كل من رستم وسعد، الذي أصبح وجهه يحاكي الموتى: الأخبار جات من إسطنبول من الصبح، واضح إن انجلترا وفرنسا بدأوا يقسموا الكعكة على الحبايب اللي حالفوهم في الحرب..
هتف سعد أخيرا، ما أن استطاع الحصول على صوته، موجها حديثه لرستم: يعني كده مرتي وولدي راحوا يا باشا!.. يعني لا هعرف اروح لهم، ولا هيجدروا ياچوا!.. رد يا رستم باشا.. مرتي وولدي كده راحوا!..
ربت رستم على كتف سعد مهدئا، يحاول أن يبث الطمأنينة بقلب سعد المكلوم: لا يا سعد بيه متقلش كده!.. إن شاء الله يكونوا بخير.. أنا خارج دلوقت أشوف ايه اللي بيحصل، وبإذن الله نقدر نتصرف، على الأقل نطمن إنهم كلهم بخير.. الصبر يا سعد بيه.. الصبر..
لم يلق سعد التحية، بل نزع نفسه من أمام رستم باشا وضيفه، يسحب قدمه سحبا في تثاقل، لا يصدق أن تلك الأيام التي كان يعدها حتى يأتي اليوم الذي يستلم فيه خطابا منها يحوي بعض كلمات تطمئن روحه على شقيقة الروح، هو نفسه ذات اليوم الذي يأتيه فيه خبر فقدها وولده في هذه البلاد البعيدة، لا يعلم هل لهما من عودة، أم أنه فقدهما للأبد!..
هبط درج القصر في خطوات مهزوزة، وأرجل مرتعشة، حاملا خطابها بكفه، يضم عليه أصابعه بقوة، رافعا إياه نحو صدره، فهذا كل ما بقى من أخبارها وولده، هذا آخر ما لامس أناملها، وحمل بطياته شذى عطرها، آخر أثر لها..
❈-❈-❈
الرسلانية ١٩٩٠..
كان يعلم أنهما بأعلى السراي، رأها ومنيرة تطل من سور السطح وهو قادم من البعد، وحين دخل السراي أيقن أنها تتابعه بنظراتها حتى تأكد لها أنه سيجلس موضعه تحت تعريشته المحببة، حيث موضع عزلته الذي يتمنى لو يجد فيه بعض العزلة بحق، عن كل مشاكل الدنيا ونوائبها التي تلاحقه..
جلس في انتظار قدومها، وهو موقن أنها جاءت لتؤكد عليه الرغبة في الجلوس وتصفية الحسابات التي تأجلت عدة مرات بسبب الظروف التي تطرأ بغتة دون تدخل من مخلوق، تلك الأمور القدرية التي تسوقها الأحداث وما من أحد له يد في تسسيرها، وهو يعلم أنه محقة في طلبها الذي تأخر أكثر من المفترض، وهو جاهز وقتما شاءت، لكنه يماطل.. نعم .. أعترف أنه يماطل في اعطائها ذاك الحق الذي سعت لأجل الحصول عليه منذ وطأت قدمها أرض نجع رسلان، لكنه لا يماطل رغبة في سلب ذاك الحق، أو إنكاره عليها، بل .. بل لأنه يرغب في بقائها هنا بالنجع أطول فترة ممكنة، وكأنه يدرك في قرارة نفسه أنه إذا ما جلسا وانتهى الأمر ونالت من سعت لأجله وحصلت على مبتغاها، فسوف تذهب بلا عودة..