-->

رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 26 - 1 - الثلاثاء 4/2/2025

  

قراءة رواية بحر ثائر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية بحر ثائر

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل السادس والعشرون

1

تم النشر الثلاثاء

4/2/2025




أتعلمين بم أشعر؟؟؟ 


عندما يهطل علي المطر 


و عندما يعصف بي القدر


تشتاق لتعانقك أنفاسي.. 


وتتوق للقياك جميع أقداري.. 


أتعلمين بم أشعر


عند النظر  إلى عينيك.. 


وعند النظر إلى شفتيك... 


أشتاق للغرق في تلك النظرة الحائرة 


منكِ إليِّ.... 


أتوق لأترك نفسي تهيم فيكِ... 


أتوق لتتركي نفسك تهيم فيَّا.... 


أحب كل ذكرى أماكن جمعتنا... 


وأشتاق للأماكن التي ستجمعنا... 


أحببتك قبل اللقاء... 


أما بعد اللقاء... 


أحببتك أكثر... 


لا نجاة لقلبك إلا معي... 


ولا حياة لقلبي إلا معك.....


( بقلم فيروزة) 


❈-❈-❈


تململت من بكاء الصغير الذي أنجبته لتزفر بضيق وتصيح بانزعاج وهي تلكز النائم بجوارها :


- قوم بقى يا أخي أنت إيه  ؟  طول الليل سهرانة قوم خده برا وسكته وسيبني أنـــــــــام  . 


انتفض بانزعاج بيّن والتفت لها وللصغير يطالعهما بضيق فهو منذ أمس لم يستطع النوم بارتياح لذا نفخ أوداجه ونطق بغيظ  : 


- ياستي أنا كمان ساعة وهنزل شغلي مالي أنا ومال تربية العيال  ،  قومي رضعيه الواد جعان ولا يمكن عايز يغير  . 


حدجته بنظرة عدوانية ونطقت  : 


- يبقى غيرله وحل عني هو مش ابني لوحدي  ،  يالا قوم وخدوا برا علشان دماغي هتنفجر  . 


زفر يستغفر واضطر للنهوض وحمل الصغير الذي لم يهدأ بكاؤه لذا عاد بذاكرته على الفور إلى ديما التي كانت تسرع لتهدئة صغيريها وانتشالهما من جواره حتى لا ينزعج ويستيقظ  . 


كانت مراعية كثيرًا لذا فهو يعلم أنها إن قررت الزواج ذات يوم سيقع الآخر في عشقها ولكنها من المؤكد لن تفعل  ،  لفظ نيران صدره المكبوتة بجملة لم يستطع كبتها فقال قبل أن يتحرك خارج الغرفة  : 


- يوم من أيامك يا ديما  . 


أسرع الخطى للخارج قبل أن تنهض وتصب حممها فوقه وهذا ما كان سيحدث حيث التفتت تطالع أثره بغضبٍ مكبوت جعلها تريد أن تنهض وتوبخه ولكنها قررت النوم وتركت أمر عقابه لابنها الذي لم ولن يتوقف عن البكاء  . 


❈-❈-❈


كلما قررت أن ترحل تمسكت بها منال أكثر  ،  برغم مكوث داغر عند صالح وهذا يزعج منال إلا أنها باتت لا تريد ابتعاد بسمة عنها  . 


هي مختلفة  ،  طباعها تنسجم مع الصغير قبل الكبير  ،  ذكية ولكنها حزينة لذا فقد تكفلت منال بامتصاص حزنها  . 


وقفتا في المطبخ تحضران الفطور فتحدثت منال بنبرة حنونة  : 


- يعني إنتِ فعلًا عايزة تروحي يا بسمة وزهقتي مننا ولا عاملة على داغر  ؟  


تنهيدة عميقة صدرت منها وأجابت دون النظر إليها  : 


- مستحيل أزهق منكوا يا خالتو منال بس أنا طولت أوي وماينفعش داغر يفضل عند صالح المدة دي كلها  .


زفرت منال واسترسلت بتأنٍ  :


- طيب بصي  ، إنتِ كدة كدة عارفة الموضوع إياه وأديكي قاعدة معانا كام يوم لحد ما اتكلم مع الست لطيفة صاحبة الشقة اللي فوق لو تقبل تأجرها وتاخديها يبقى خير وبركة وماتبعديش عننا تاني  .


تتمنى هذا كثيرًا  ، تعلم أن عمها لن يتقبل شيئًا كهذا ولكنه أيضًا لم يستطع الرفض فهل تخوض التجربة  ؟ هل ترفض عرض ماجد وتمكث هنا لترى ماذا سيحدث مع معذب قلبها الذي لا يبالي لها ؟ 


ازدردت ريقها ثم رفعت مقلتيها تنظر نحو منال مجيبة  :


- طيب يا خالتو ماشي كلميها وأنا هتكلم مع أونكل نبيل وأشوف رأيه مع إني متأكدة أنه هيرفض  .


أردفت منال بانزعاج واضح نسبةً للظلم الذي تتعرض له بسمة  :


- مش من حقه  ، إنتِ كبيرة ومسؤولة عن نفسك  ، يبعد بس هو وابنه ومراته عنك  .


ابتسمت بسمة وشعرت بأن منال تعطيها الحب والدعم  ، اتخذتها ابنة ثالثة لها لذا زفرت بقوة واستطردت كي تهوّن عليها  :


-  طب يالا نحضر الفطار علشان داغر زمانه على وصول وبعدها نبقى نشوف موضوع شقة الست لطيفة  . 


أومأت منال مؤيدة واندمجتا معًا في التحضيرات قبل مجيء داغر واستيقاظ دينا  ،  أما عن الصغيران فهما قد ذهبا إلى مدرستهما  . 


❈-❈-❈


لم تكُن تعلمان أن داغر يمكث منذ يومين في ورشته  ،  لم يقبل أن يظل في استضافة صالح بعد مجيء عمه محمود برغم إلحاح الآخر عليه  . 


التزم بالمبيت في ورشته دون علم أحد سوى صالح أحضر له أغراضًا تناسبه للنوم في هذه الورشة  . 


استيقظ ونهض يتماطأ حينما سمع صوت صالح يطرق الباب فنهض يتجه نحو الباب ويفتح القفل الداخلي ليرفع صالح باب الورشة المعدني ويطالعه بانزعاج مردفًا بقلة حيلة  : 


- راح ضل تنام هان يا داغر  ؟ هاي عيبة كبيرة  بحقي ياخو  . 


ربت على كتفه يقول بتروٍ  : 


- ولا عيبة ولا حاجة يا جدع ماتحبكهاش أوي  ،  لما عمك يسافر هرجع  . 


شهق صالح ونطق بتلقائية  : 


- لاااا  ،  هيك يعني محلك راح  ؟  الأنسة مش راجعة ع بيتا ولا شو  ؟ 


انزعج داغر ونطق معارضًا  : 


- اللا  ،  ماتسيبها قاعدة يا ابني هي قاعدة على قلبك  ؟  وبعدين ماتخافش أنا مش راجع بيتك أنا قاعد في ورشتي  . 


تقبل صالح مزاحه ونطق بمثل  : 


- لا هي قاعدة ع قلبك إنت  ،  ريح حالك وخليها تعرف مشاعرك واحسم قرارك بدل ما تضل نايم هان بين البراغي والمفاتيح  . 


تنهد بعمق يومئ بشرود ليسحبه صالح بعد ثوانٍ إلى سؤالٍ آخر  : 


- شو راح تعمل بموضوع أختك  ؟ 


شرد قليلًا يتذكر ما حدث وما يحدث ليجيبه بتأكيد  : 


- هسافر لها طبعًا  ،  أومال هسيبها  ؟ 


❈-❈-❈


ظهرًا 


لم تنم بعد  . 


استقبلها صاحب البيت وزوجته استقبالًا حافلًا وقد رأت المحبة في أعينهما كأنهما يعرفانها منذ أمد  ،  معرفتهما به وطيدة وبينهما ترابط ظهر في طريقة تعاملهما معه وهذا شيء أراحها قليلًا ولكنها لن تنسى ما حدث  . 


لن تنسى مراقبته لها من البداية  ،  لن تنسى الباب المتصل بمنزله  ،  لن تنسى هجومه الكاسح على مشاعرها المسالمة  ، وبالطبع لن تنسى محاولة قتلها للمرة الثانية . 


كيف سمح لنفسه أن يتجسس ويقتحم خصوصيتها  ؟  مهما كان يحبها كما يدعي هذا لن يبرر له ما فعله  ،  كيف ستتقبل ذلك  ؟ 


إن كانت سنواته في أوروبا جعلته يتصرف بطريقة غربية فهي لم ولن تسمح له بتعدي الحدود معها  . 


يعلم هويتها  ،  يعلم قناعتها  ،  يعلم التزامها وكان عليه احترام هذا لذا يجب أن يكون بينهما حديثًا آخر وتصدي من جهتها حتى لا يظن أن الأمر هينًا على الإطلاق  . 


طرقات على باب الغرفة التي تمكث بها لذا نهضت تتجه نحوه وفتحت حيث لم تتخلَ عن حجابها تحسبًا لأي شيء  . 


وجدت أمامها السيدة الجميلة زوجة صاحب المنزل  ،  تبتسم لها ببشاشة وتردف بنبرة ودودة  : 


- أعلم أنكِ لم تستطعي النوم جيدًا ولكننا أحضرنا فطورًا مميزًا ونريد أن تشاركينا إياه  ،  هلا أتيتِ معي من فضلك  ؟ 


بادلتها ديما الابتسامة الودودة وأجابتها بحبور  : 


- بالطبع من دواعي سروري  ،  انتظريني ثانية  . 


عادت إلى الداخل تستل هاتفها والمعطف الخاص بها ثم ارتدته وتحركت مع السيدة نحو الحديقة حيث تم تجهيز الفطور بها  .


لمحته يجلس مع صديقه وابنته الشقراء الرائعة  ، يدللها ويعاملها بلطفٍ بطريقة تناقض ما كان عليه أمس حينما هجم على اللص  ، كان شرسًا بشكلٍ تام  ، والآن لطيفًا جدًا  .


تقدمت وألقت السلام فالتفت يحدق بها وأفسح لها لتجلس على المقعد المجاور له ففعلت بتأنٍ بعدما رحب بها صديقه بنبل  .


تناولوا الفطور في أجواء لطيفة وهادئة ودار بينهم حوارًا بسيطًا عن أمورٍ عامة لينتهي سريعًا وقد ران لهم أنها تود الحديث لذا نهض الرجل يصطحب ابنته معه نحو اسطبل الخيول بينما نهضت الزوجة تجمع الأطباق نحو الداخل بعدما أجبرت ديما على الجلوس حيث كانت تريد مساعدتها  .


جلست متحفزة تشعر بالتوتر أمامه وجلس ينتظرها لتفضي ما بداخلها  ، يتأملها بدقة وتركيز وقد تجمعت أشعة الشمس الصافية على ملامحها فزادتها صفاءً ولمعانًا  ،  عينيها لؤلؤتين ود لو لم ينظران لغيره  ،  ملامحها النقية يشتهي أن ينهل منها حتى يرتوي  . 


كانت شاردة في الكلمات التي ستقولها ولم تلاحظ تحديقه إلا حينما رفعت مقلتيها تطالعه وتسأله بشكلٍ مباشر  : 


- ليه كنت بتراقبني  ؟ ليه تسمح لنفسك تتفرج عليا وانا مدية الأمان وقاعدة براحتي في مكان المفروض إنه بيتي  ؟  إزاي تتعامل معايا بالأسلوب ده وانت عارف إني ست محجبة وملتزمة ؟ 


وجدها ثائرة متوترة من نظراته ولكن ثورتها تغلبت على توترها ليزفر بقوة سامحًا لمشاعره أن تخمد حتى يجيبها معترفًا بذنبه أمامها  : 


- ده ذنب كبير عليا  ،  وأنا عارف إني غلطان جدًا وماليش أي عذر وماكنش ينفع أعمل كدة بس صدقيني ماحدش فينا خالي من الأخطاء  ،  غلطتي إن لأول مرة ماقدرتش اتحكم في مشاعري معاكِ  . 


عاد توترها يتقافز أمامه فابتسم بخبث وتابع بنبرة صادقة  : 


- بصي علشان أهون عليكي شوية موضوع المراقبة ده كان في محيط الصالة بس  ، واتمنى تثقي فيا بس أنا كنت أمين شوية في مراقبتي ليكي  ،  بمعنى إني كنت بحب أشوفك بتطبخي أو بتقرأي أو مثلًا بتتفرجي على التليفزيون إنما غير كدة لاء  ،  صدقيني كنت بتحكم في نفسي كويس  . 


وجدها متوردة خجلًا  ،  هي من الأساس تحاول تجاوز هذا الأمر ولكن مع شرحه لم تفلح لذا استرسل مهيمنًا بسعادة تنعش خمائل قلبه  : 


- وبعدين يا ديما حاولي تهدي  ،  يعني بما إننا هنتجوز ف الموضوع تحت السيطرة  . 


- مين قالك إننا هنتجوز  ؟ 


نطقتها بغيظ من تسلطه لتجد في عينيه نظرة ثاقبة لا تراجع فيها ولا استسلام وهو يجيبها  : 


- هنتجوز  ،  عاجلًا أم أجلًا هنتجوز يا ديما لإني بحبك  ،  وإنتِ كمان بتحبيني وده أنا شايفه واضح في عيونك  . 


ردع من نوعٍ خاص حطم كل دفاعاتها أمامه لذا وجدت أن الهرب هو الأمان لها فنهضت وتحركت تغادر من أمامه عائدة للغرفة  ،  تعيش  حالة فريدة  تجربة لم تخضها قط  ، حالة من السعادة المشبحة بالقلق والخوف والخجل والغيظ منه  . 


تنهد يتتبعها بنظراته وشرد يفكر في مارتينا لذا رفع هاتفه يجري اتصالًا عاجلًا لينهي هذا الأمر  . 


❈-❈-❈


مر اليومان في بيت صديقه وسط أجواء من الهدوء . 


ولكنها قضتهما تفكر فيه وفي أفعاله وأقواله وتصرفاته وغموضه والخبايا التي توقن أنه يخفيها عنها  . 


لم يحِد من خاطرها محاولة قتلها الأخيرة  ،  لم يغب عنها الباب المتصل بينهما   ،  هناك ألغاز لم تحل بعد  . 


غريب ومريب ولكنه احتواها بكلماته  ،  لمس بداخلها مشاعرًا تجبرها على اتباعه برغم كل تساؤلاتها حوله  . 


جعلها تغير قراراتها وقناعاتها وتفشل في الثبات على ألا تدخل رجلًا آخر حياتها  ،  بطريقة ما لا تعلم كيف فعلها ولكنه نجح في إبرام صفقة بينه وبين عقلها  . 


ها هما في طريقهما إلى المطار كي يسافرا إلى دبي ليؤديا المناظرة الثانية هناك  ،  تتساءل عن السبب مرارًا ولكنه لم يجبها بل يراوغ بأي وسيلة والآن ستعاود سؤاله ولم تسمح له بالهرب لذا أردفت دون مقدمات  : 


- ممكن بقى تفهمني ليه المناظرة هتتعمل في دبي  ؟  وخليك واضح معايا  . 


أومأ وهو يتطلع نحو الأمام ويوضح بدهاء  : 


- دبي مدينة عربية فعلًا بس أكتر من نص سكانها أجانب من مختلف الديانات ومعظمهم شايفين إنها وصلت للتطور ده بسببهم هما وإن المجتمع العربي ما هو إلا خزنة تمويلية بس التنفيذ والعقلية غربية الهوية  ،  هما شايفين إن العقل العربي مايقدرش يحقق ربع انجازات العقل الغربي خصوصًا المرأة  ،  علشان كدة مجموعة شباب عربية طلبوا مني عمل مناظرة هناك وطلبوكي بالاسم وقالوا إن التناقض المنسجم بينا عجبهم قوي  . 


التفتت تطالعه بتمعن ثم تساءلت  : 


- وانت شايف إيه  ؟ 


لف رأسه لها يبادلها النظرات وأردف بصدق  : 


- شايف إن المرأة العربية قوية ومثابرة وذكية وهي اللي قادرة تستحوذ على العقل والقلب  ،  وده بالنسبالي بيتمثل فيكي ،  أما وجهة نظري في نساء العرب هتفضل زي ماهي . 


حيرها في أمره  ،  أيراضيها أم يستفزها  ؟  أيميزها أم يذم صنفها  ؟  لذا زفرت ونطقت مستفهمة  : 


- علشان كدة بتتساهل معايا جوة المناظرة صح  ؟ 


تساءل باهتمام  : 


- إنتِ عايزة إيه  ؟ 


بتحدٍ يشع من مقلتيها ونبرتها قالت  : 


- عايزاك تتعامل كإنك في مناظرة مع أي ست عربية إلا أنا  . 


أجابها بثقة وإيماءة ماكرة  : 


- لكِ هذا  . 


توقف في الموقف التابع للمطار وترجلا سويا يتجهان نحو الداخل ليلحقا بطائرتهما  .


الصفحة التالية