رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 26 - 2 - الثلاثاء 4/2/2025
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل السادس والعشرون
2
تم النشر الثلاثاء
4/2/2025
منذ أن علمت بإنقاذه لها وإفلاتها من محاولة القتل وهي تتلوى على صفيحٍ مشتعل ، بحثت عنهما ولم تعثر عليهما وهذا جعلها تجن كما لم يحدث من قبل ولكنها أيضًا تعلم أن فعلتها لن تمر مرور الكرام عليه ، من المؤكد يخطط لأمرٍ لا تدركه لذا يجب أن تنتبه عليه فهو وقع في الحب .
رطمت الكأس الذي تتجرع منه في الحائط المقابل حينما خطر على بالها استنتاج حبه لأخرى ، قلبها يُلاك بين فكي وحشٍ كاسر ، نيران الغيرة تلتهم جسدها ، لا تصدق أنه أحب غيرها والآن لم تحصد سوى كراهيته ولكنه أيضًا لن يكون لغيرها .
أو أنه كان ؟
لم تعد تحتمل لذا حملت زجاجة المشروب ورطمتها في الجدار ذاته الذي يعاني منها حتى كاد أن ينطق على عكس والدها الذي قرر أن يتركها تعيش حالة الجنون هذه علها تعي على نفسها وتعلم أن ثائر عدوٌ لدودٌ لهما وعليهما التخلص منه .
❈-❈-❈
بعد ساعات
وصلا إلى دبي واتجها مباشرةً إلى الفندق ليستريحا ويستعدا لمناظرة الغد .
كانت تخطو معه دون خوفٍ أو قلق ، تشعر بجواره بالأمان ولكن بقى سؤالًا يتردد على عقلها ، هل ستعود مصر بالفعل بعد انتهاء المناظرة ؟ هل سيفترقان كما أخبرها ؟
يفترض أن تسعد ولكنها ليست كذلك ، مشاعرها نحوه سلكت طريقًا آخر ممهدًا بالرغبة معه .
لا تدرك ما أصابها ولكنها أحبته بالفعل .
شهقت عندما اعترفت داخلها بذلك وكأن عقلها تفاجأ من اعتراف قلبها ليلتفت لها على أثر شهقتها ويطالعها بثقب كأنه اكتشف أمرها لذا أسرعت تحيد أنظارها عنه وتتحمحم بتوتر فابتسم عليها وتوقفا أمام غرفتها يشير لها قائلًا :
- دي أوضتك ، ودي أوضتي ، ادخلي استريحي وجهزي نفسك للمناظرة بكرة وللعشا بليل .
رفعت حاجبيها باستنكار من ثقته وأوامره ولكنها نظرت نحو الغرفتين الملتصقتين ببعضهما وتساءلت ببعض المرح برغم جدية ملامحها :
- فيه بينهم باب من جوة ؟ مهو إنت كل أفعالك مشكوك في أمرها .
لم يستطع إلا أن يبتسم ويجيبها بثقل ظاهري :
- قولتلك إني مش منحرف ، بس لو إنتِ مراتي الوضع هيختلف .
غمزها ومال يفتح لها باب غرفتها بالشفرة ثم ناولها إياها وأشار لها يسترسل بنبل :
- اتفضلي .
لم تستطع إلا أن تتحرك نحو غرفتها بعد تنهيدة قوية لتلتفت تقابله وهي تتمسك بالباب فتابع بهيمنته :
- حاولي تاخدي شاور وتنامي شوية علشان وقت المناظرة يبقى باين إنك مستريحة ، وبليل هجيلك علشان ننزل نتعشى في مكان ممتاز هتحبيه .
لم يمهلها الرد حيث مد يده يغلق الباب عليها واتجه يفتح باب غرفته ويدلف وعلى ضفاف قلبه تنبت زهور الراحة والطمأنينة خاصةً وقد رأى حبها بوضوح الآن وسمع شهقتها التي كانت خير دليل له .
❈-❈-❈
كالعادة تتلصص عليه وعلى تحركاته والآن من خلال الإعلان الذي انتشر علمت أنه في دبي لذا لن تترك الأمر يمر مرور الكرام .
جلست تعبث بالهاتف وتجمع معلومات عن مكان تواجده من خلال صفحة المنظمة المتكفلة بالمناظرة التي سيكون هو ضيفها أمام ديما الصابر .
تلك الكاتبة التي سمعت عنها ووضعتها في قائمة المغضوب عليهن قبل أن تراها .
يكفي أنها حصلت على فرصة السفر والعمل معه وتراها لا تستحق ذلك خاصة إن كان كل إنجازاتها في الحياة هو كتاب لعين يتحدث عن قوة المرأة العربية ، أي قوة هذه ؟!
بالنسبة لها قوة المرأة تكمن في شراستها التي توظفها في الوقت المناسب لتحصل على ما تريده أما دون ذلك فهو عبث لذا فإنها معجبة بقوة مارتينا وتراها هي الوحيدة التي تليق بثائر .... بعدها .
نظرت إلى زوجها الذي يجلس يتصفح حاسوبه ويتابع أعماله لتبتسم بخبث ونهضت تتجه إليه ثم وقفت خلفه واحتضنته تميل برأسها نحوه وتقبل وجنته ثم ابتعدت تردف بتخابث ومكرٍ يرقص في عينيها :
- إيه رأيك لو طلعنا نتعشى برا النهاردة أنا وانت بس ؟!
تعجب مما تفعله وأدرك أن هناك مغزى لذا التفت ينظر لها وتساءل بشكٍ :
- عشا بريء ولا وراه حاجة ؟
ابتسمت تجيبه وتتغنج عليه :
- وراه ليلة رومانسية .
صمت لبرهة يطالعها ثم عاد لحاسوبه يردف بترقب ليرى ما خلف قناعها :
- أنا عندي شغل مهم النهاردة يا سها ، ممكن نأجلها لبكرة ونطلع نتغدا سوا كلنا .
كادت أن تحتد ولكنها أدركت شكه لذا سريعًا تحلت بابتسامة صفراء تجيبه بهدوء :
- تمام ، يبقى بكرة ، بس أنا وانت بس .
عادت تقبله على وجنته وتتحرك عائدة لفراشها وعقلها يحيك خطته لرؤية ثائر بأي طريقة ، من المؤكد سيتناول طعامه غدًا في مكانٍ ما وكل ما عليها هو معرفة المكان لذا عليها تتبع أثره ولهذا ...
ابتسمت وهي تعبث بهاتفها مجددًا وترسل رسالة إلى صديقتها وذراعها الأيمن ومنفذة المهام الصعبة .
ستراه هذه المرة بكل تأكيد فالمرة السابقة تفاجأت بحضوره مؤتمر الشارقة وتفاجأت أيضًا بسفره قبل أن تراه .
❈-❈-❈
في اليوم التالي
ذهبا سويًا حيث المكان الذي ستقام فيه المناظرة ، تجاوره بجسدٍ متوتر خاصة وأنها طلبت منه أن يتعامل معها بجدية ولا يتهاون كالسابق ، لا تعلم ما يحضره لها من أسئلة وبرغم يقينها وثقتها بأنه لن يعرضها للخجل والقيل والقال إلا أنها تريد أن تثبت صحة رؤيتها وهويتها ، تريد أن تؤكد للعالم أجمع أن العرب أساس الحضارة والاكتشافات وإن دوام الحال من المحال وربما هذه السنوات عجاف ومن بعدها ستأتي سنوات الخير على بلادها ، ستنتهي أسطورة الغرب ذات يومٍ وتنتهي صراعاته ويكشف الستار عن أكاذيبه ويتلاشى انبهار الكثيرين به خاصةً بعد حروبه التي يشعلها والفتن التي يقدمها والعقول التي يأسرها .
ستنتهي الحربُ يوماً ، ويعود الزيتُون فلسطينياً ، والياسمين دمشقياً ، والقهوة والعسلُ يمنياً ، والصوتُ عراقياً ، ويعودُ العزُ عربياً ، والنصرُ إسلامياً .
التفتت تطالعه ، ملامحه هادئة لا يشوبها ذرة توتر على عكسها ، لم تعد ترى داخله التعصب ضد المجتمع العربي خاصةً النساء ، كأنه شفافٌ أمام عينيها .
تستطيع أن ترى أعماق بحره الآن بوضوح ، يكمن داخله ألف حبٍ لبلده وليتها تعفو عنه وتحتضنه ، هي على يقين أنه يتمنى ذلك وعلى يقين أن حبه لفرنسا ما هو إلا قناع كأقنعة كثيرة لا يرتديها معها .
طالت التحديق به دون قصدٍ منها لذا ابتسم وأردف بثباتٍ ولم يحد ناظريه عن الطريق :
- بردو مش هتأثري عليا ، مش هتهاون معاكِ المرة دي زي المرة اللي فاتت .
نطقت بثقة لا تعلم كيف حصلت عليها ولكنها قررت أن تجابهه بنفس طريقته :
- لو عايزة أأثر عليك هعرف اعملها .
لم يتمالك نفسه من ألا يضحك ويلتفت يطالعها بثقب ويسترسل بحبٍ ومكرٍ :
- طب ماتوريني إزاي هتعمليها ؟
تفشت حمرة الخجل في ملامحها وجعلتها تحيد مقلتيها عنه ونطقت بتحمحم تداري خجلها من مقصده :
- بس مش أسلوبي .
رفع حاجبيه يشك في إجابتها لذا أجابها بالفرنسية :
- سنرى هذا في وقتٍ لاحق .
تذكرت أمرًا ما لذا تساءلت بشيءٍ من القلق لا تعلم مصدره :
- هو أنا فعلًا هرجع مصر بعد المناظرة دي ؟
هكذا أخبرها وهي سعيدة لرؤية صغيريها وعائلتها وضمهما ولكن هل ستتركه ؟ حتى لو كانت فترة مؤقتة ؟
أجابها بسؤالٍ يلقي الكرة في ملعبها :
- إنتِ عايزة إيه ؟
حدقت به لثوانٍ ثم نطقت تراوغ وتخفي مشاعرها :
- عايزة أرجع طبعًا .
يعلم أنها تراوغ ، يكفي ما تقوله عينيها ولكنه أيضًا يشتهي العودة .
توقفت سيارته أمام المبنى لذا ترجلا سويًا يتجهان نحو الداخل معًا وكلٍ منهما يفكر في الآخر بطريقته
❈-❈-❈
رن هاتفها للمرة التي لم تعد تعلم عددها .
بات يضغط عليها وباتت تشعر بالضيق منه ، لم يكن كذلك في البداية ، منذ أن أخبرته بقرار رفضها وقد أصبح متسلطًا .
عاد رنين الهاتف يصدح لذا فتحت الخط تجيب بعبوس :
- ألو ؟
- أنا أسفل منزلك دينا ، يجب أن أراكِ وشقيقكِ هاتفه مغلق ، هل أصعد ؟
توسعت حدقتيها بصدمة ودارت حول نفسها بتوتر ثم أردفت بترجٍ :
- لوتشو لو سمحت ماينفعش كدة ، تطلع فين ؟ داغر مش هنا لو سمحت امشي وبكرة هرجع الشركة .
أجابها بثبات وتصميم جديدٍ عليها :
- أنا لن أتحرك من هنا دون رؤيتكِ ، إما أن تأتي أو أصعد إليكِ دينا .
زفرت بقوة وأغلقت الخط تفكر ثم قررت النزول له لذا اتجهت ترتدي ثوبًا مناسبًا وتحركت نحو الخارج تبحث عن والدتها التي كانت منشغلة مع الصغيرين لذا حثت الخطى نحو الباب دون أن ينتبه لها أحد وفتحته وغادرت .
نزلت إليه فوجدته يقف بسيارته أمام منزلها ، توترت وشعرت بالخجل من نظرات المارة نحوهما لذا تقدمت منه ونطقت بهدوء :
- لوتشو لو سمحت ماينفعش تقف هنا ، ياريت تمشي وهنتكلم في الموبايل .
حدق بها ولم يبالِ بحديثها بل نطق مبتسمًا :
- اشتقت لرؤيتكِ .
لم تشعر بأي مشاعر سوى الضيق والغضب الذي جعلها تنطق من بين أسنانها :
- لوتشو مايصحش كدة أبدًا ، قلتلك لو سمحت امشي دلوقتي ، إنت كدة بتضرني .
ظهر من خلفه صالح يربت على كتفه بصلابة ويتساءل بملامح منزعجة :
- خير يا أستاذ ؟ شو بدك ؟
كأن أنفاسها انفرجت بوجود صالح وشعرت بالقليل من الراحة بينما التفت لوتشو يحدق به وتحدث باستعلاء بمقلتين ثاقبتين نحوه :
- من أنت ، ما دخلك بي ؟
أجابه صالح الذي وقف حائلًا بينه وبين دينا يردف بثبات وثقل :
- ما إلي دخل فيك ، أنا بهمني الأنسة دينا ، ياريت تتفضل من هنا ولما داغر يكون موجود يبقى كلامك معاه ، دي مش أصول وإنت هنا لازم تحترم عاداتنا .
شعر بالضيق ولف أنظاره نحوها ليجدها صامتة برضا واقتناع بكلمات هذا الشاب الذي على ما يبدو مقربًا منها ، ربما يحبها ؟ وربما هي أيضًا بدأت تبادله ؟
تجهمت ملامحه وهو يطالعهما سويًا بنظرات نارية ثم أردف بنبرة صلدة موجهة نحو دينا :
- غدًا أراكِ في مكتبي دينا .
كان تهديدًا لا تعلم عواقبه حيث نزع نفسه بعدها يغادر من حيث أتى ووقف صالح يتتبعه حتى غادر حدود الحارة لذا التفت نحو دينا ونطق دون النظر إليها :
- اطلعي عالبيت يا أنسة دينا ولو صار هيك مرة تانية احكيني وأنا راح اتصرف وماتنزلي إنتِ .
تنفست بعمق توميء له وشكرته بامتنان قائلة :
- شكرًا يا صالح .
تحركت تعود للمنزل ووقف يتنفس الهواء الذي كان يحاوطها ثم قرر العودة إلى الورشة داعيًا أن يستريح قلبه الملكوم .