عدستك الخاصة
أنهض الآن..
أحمل عدستك الخاصة .. تعالى ومعي ولا تخف!!
سأخطفك في رحلة صغيرة الآن داخلك داخل اعماق اعماق ذاتك المنغلقة .. ليس لديك من الأمر شئ!! .. انت لستُ مخير في ذلك!!
احمل العدسة وتضبط زاويتها .. قربها أكثر من هذه الصورة المغمورة في الركن المنزوي هناك .. انظر الان جيدا .. سواء كنت منتبه لحديثي هذا أم لا، فأنت مثلك مثل أي إنسان ، تعيش كل يوم مارًا بحالة من الحديث الداخلي المتواصل، تتحدث مع نفسك عما يحدث وما يعنيه .. تربط احداث اليوم بصراعات الأمس واحتمالات الغد، تحدد شخصيتك وتقرر اي من الأدوار التي يتبعها مع الآخرين.
تحكم على بعض الأجزاء من تجاربك على أنها إيجابية والبعض الآخر غير مقبول، تقرر ما الذي عليك إصلاحه، وما الذي يجب أن تتركه وشأنه.
تعطي المعنى لكل حلم، لكل رغبة، كل ألم.
تقوم بصياغة أفكار حول ما يحدث داخل عقول الأخرين.
هذا دائمًا ما تلتقطه عدستك الخاصة بسهولة، لكن نادرًا ما تُحول زاويتها إلى داخلك، بالرغم من أنها العلاقة التي تحظى بها مع نفسك.
حسنا، لا تقلق .. هذا سيحدث الآن!!
حوّل عدستك الخاصة في هذا الاتجاه -داخلك- لنرى الواقع من خلالها، وبالتالي ستجد العالم الذي تعتقد انك تعيش فيه.
مكان قد يكون مختلف كليًا عن العالم الحقيقي.
طريقة رؤيتك لنفسك تقرر كيف تشعر حيال نفسك والاخرين، تؤثر على الخيارات التي تقوم بها فيما يتعلق بالأمور الكبيرة والصغيرة، تحدد الأفعال التي تعتبرها ضرورية وتلك التي تعتبرها خطرة، تحدد الرغبات التي تحركها وتلك التي تكبتها، الخطط التي تعدها للأيام المقبلة، والدروس التي تتعلمها من الأيام الماضية.
رؤيتك لداخلك تحدد نوعية كل لحظة في حياتك، وعلى الرغم من قيمة ذلك، كثيرًا منا يهملون رؤية النفس والحديث معها .. دائمًا ما نسعى لإيجاد اجابات لمشاكلنا خارج أنفسنا .. نقتنع بالفكرة المغرية أن ظروف حياة أفضل شوف تجلب لنا السعاده .. وكيف لنا ألا تقتنع؟، فبعد كل شئ، هذه هي الرسالة المطبوعة في سيناريوهات أفلامنا ومتغلغلة في رواياتنا.
نعلم جميعًا عن أشخاص يبدو أن لديهم كل شئ، ولكنهم ليسوا ممتنين لأي شئ .. ولكن على النقيض، لكل مصيبة يمكن تخيلها، يمكن أن نجد أمثلة لأشخاص يولودن من رحم المصائب .. أحد الأشخاص قد يفقد ذراعه ليسقط فريسة لإدمان الكحول والعار، واليأس .. على نقيضه ستجد شخصًا آخر يفقد ذراعه ويصبح لاعب باراليمبي عالمي مشهور.
هذا الفرق ليس شيئًا متأصلًا بداخل الأشخاص أو الوضع، إنما هو النتيجة الحتمية لكيف يرى الأشخاص أنفسهم وينظرون إليها .. كيف يترجم كل منا مصابه وما ألم به .. كيفية استجابتنا لأحداث الحياة تعتمد على إدراكنا لأنفسنا.
الغريب بالأمر أن نسعى دائمًا لتحقيق الإشباع في الأموال، والانجازات، والقبول من الأخرين ، والحالة الاجتماعية، نسعى للاشباع من خلال الآخرين .. فكرة واحدة سلبية يتم تناقلها على وجه الخصوص عبر تراثنا الثقافي، وهي أنك بحاجة دائماً إلى العثور على شخص ما ليحبك!!
تخيل لو صدقنا هذا عن أي حاجة أساسية أخرى مثل الغذاء، والماء ، الأكسجين .. تخيل إذا كنت بحاجة لشخص آخر لتزويدك بهذه الأشياء، فسوف يتم إعتبارك على انك عالة، حتى ولو لم تكن معاق!! .. وتخيل ماذا سيحدث إذا اختفى من حياتك هذا الشخص يومًا؟؟
ومع ذلك، فإننا نقوم عن طيب خاطر بوضع أنفسنا في هذه الحالة بكل حب!!
على سبيل المثال، إذا لاحظ شخصٍ آخر صفاتنا ومواهبنا التي تطفو مثل جزيرة مغمورة وسط البحر، نتوق بشدة إلى أن يكتشفنا، أن يعجب بنا، ويقوم باستعمارنا!!
ولكن لماذا يجب أن يكون شخص آخر؟!
لماذا لا يمكنك أن تبحر في تلك الرحلة أنت وتكتشف نفسك؟ .. لماذا لا تحاول أن تسلط عدستك الخاصة داخلك وتكتشف كنوزك بنفسك؟
ماذا تحتاج لتفعل ذلك؟
بعض الشجاعة؟
بعض المثابرة؟
تعلم كيفية تقبل عيوبك قبل مميزاتك؟
يمكن تحتاج لكل ذلك معّا، لكن الأكيد أنك لا تحتاج انتظار شخصٍ آخر ليلاحظ كنوزك .. لست بحاجة إلى قبول الأخرين لك حتى تشعر أنك مقبول!!
يمكنك أن تبدأ في أي لحظة في العمل على رؤيتك لذاتك، وملاحظتها، وتغذيتها، وقبول نفسك .. يمكنك بدأ الاستماع لنفسك مثلما ترغب من الأخرين فعل ذلك .. يمكنك أن تكون فضوليًا حيال مَن تكون .. يمكن الآن البدء في رؤية نفسك بعدستك الخاصة.
لا عدسة الأخرين!!
بقلم: غادة حازم