-->

الجزأ الثاني _ علي جنب يا عجلة


الجزأ الثاني " فرحة لم تكتمل " 


من يومين لم تخرج من المنزل وجو من الهدوء يعتمر البيت مع حزنها حيث كانت حبيسة غرفتها حتي سمعت صوت الحجارة المتصادمة مع شباك غرفتها لتقف من سريرها بملل وتتجه ناحيتهُ .

فتحت الشباك ليصتدم نظرها فوراً بالعجلة الإرجوانية القابعة أسفل المنزل وبجوارها قصي الجالس أرضاً وتيم الذي تولي مهمة الحجر الصغير .. كايلا فوراً صرخت بسعادة وحماس وهي تتجه للأسفل غير عابئة لثيابها المنزليه .. كانت تقفز علي الدرج كالأطفال ووالدتها الجالسة تشاهد تيم وقصي من الشرفة الواسعه بالدور السفلي تضحك علي طفلتها التي تعدو لتخرج لهم مسرعه .

شهقت كايلا بخفوت واضعة كفيها علي فاهها بسرور غير مصدقة لما يحدث وفوراً إندفعت بنشاط نحو الدراجة لتتلمسها برفق وكأنها عقد ماسي ثمين ثم صرخت بحماس متسائلة : هي العجلة إلي ..

أومأ تيم لتلتقط خوذتها الأرجوانية مُرتدية إياها والتي تناسقت مع شعرها الأشقر الذي تدلي من أسفل خوذتها ثم إستقلت الدراجة وراحت تجوب بها في دائرة أمام المنزل حيث الشارع الواسع بمنطقية معقولة .. وحين مرت بجوار تيم وقصي إستمعت لنبرة تيم المرحة : العفو يا حبيبة خيك .

عضت شفتيها بحرج وهي تعود أدراجها ملتفه بعجلتها حيث مكانهم لتنزل من علي عجلتها وتنقض عليهِ محتضنة إياه بحماس وفرحة عارمة تحتويها ليقبل هو وجنتها وهو يمسد علي ظهرها برفق أخوي ومن ثم إبتعدت عنهُ منقضة علي قصي أيضاً شاكرة إياهم ثم تركتهم وأخذت تتجول بعجلتها الجديدة بسرور وحماس وكم كانت سعيدة .

قررت الذهاب لعملها وقد احتلها النشاط مجدداً ،، فغيرت ثيابها المنزلية واستقلت دراجتها ورحلت بها وفي طريقها وجدت إحدى جاراتهم العجوز تحمل أكياس السوق بتعب فوقفت جوارها ونزلت تأخذها منهم قائلة بحزن : يا الله يا خالتى ليش لتتعبي حالك مو أنا بجيبلك اللي بدك ياه لحد للبيت .

اخبرتها السيدة وهي تنظر للدراجة بانبهار : ما عرفنا إنو دراجتك خربت لهيك نزلت لجيب إغراض للبيت .

قلبت كايلا عينيها قائلة : وإذا دراجتي خربت ما بيعود في كايلا يعني بضلني ( أظل ) ساعدكن .

ثم تابعت بحماس : وبعدين قصي وتيم جابولى دراجة جديدة شوفي شو جميلة .

قالت السيدة بدعاء : تتهني بيها ،، الله يريح بالك يا كايلا يا بنتي .

ابتسمت كايلا ووضعت الأغراض بسلة الدراجة ثم ركبت دراجتها قائلة : هيا يا خالتى اركبي خلفي .

شهقت السيدة ضاحكة : شو شو بدك ياني اركب الدراجة ضحكتيني والله بقع منها وبيصيرو الأطفال يتمسخرو علينا بيرضيكي .

ولم تكن كايلا لتوافق رفض طلبها وهي تجبرها : ليش لتقعي بالله ،، أصلاً ليكو بيتك بأخر الشارع إنتِ بس اتمسكي فيني منيح .

وركبت المرأة خلفها متمسكة بها بشدة فضحكت كايلا ورفرف قلبها كالعصفور وهي تتحرك بدراجتها مسافة ليست بكبيرة لم تستغرق عدة ثوان حتي توفقت وساعدت خالتها بحمل الأغراض حتي مطبخها ثم قالت بحماس : بساعدك بشئ تاني يا حلو إنتَ .

ضحكت المرأة وهي تخرج معجنات طازجة من الأكياس لتلمع عينين كايلا بطمع والأخرى تحشر إحداهما بفمها قائلة : بالهنا يا صغيرتي هلا اشتريتهم طازة .

تناولت كايلا القطعة بتلذذ وهي تحيي المرأة وتغادر وقبل أن تركب دراجتها رن هاتفها برقم والدها قائلاً : حبيبة البابا اليوم لا تتأخرى بتخلصي شغلك وتيجي فوراً عالبيت .

مطت كايلا شفتيها بضيق فهي تحب أن تأخذ طريق البحر الطويل وهي عائدة لعملها بدلاً من أخر صغير ومختصر : ليش شو في يا بابا .

أخبرها : اليوم جايينا ضيوف وبدي إياكي تكوني موجودة ،، راح يجي الوزير اللي حكيتلك عنه .. هداك صاحبي القديم .

لمعت عيني كايلا متذكرة حديث والدها عن رفيق دربه القديم والذي ما زال وزيراً ولم يتقاعد بعد مثل والدها فهتفت طاعة : حاضر راح أجي بكير  ( أتي مبكراً ) .

وعلي مشارف المساء خرجت من المطعم بعد انتهاء دوامها وقد عذرها المدير علي تغيبها ليومان دون سبب فهي محبوبة من قبل الجميع بعفويتها ومرحها والبهجة التي تنثرها حولها بكل مكان ،، لقد استأذنت أيضاً بنصف ساعة مبكرة حتي تسلك طريق البحر معاندة الظروف التي تمنعها من الاستمتاع ،، وقفت مقابل البحر تماماً منتظرة خلو الطريق كي تعبر وعبرت ولكن ما إن جائت تدير الدراجة لتكون موازية لطريق المشاة علي البحر حتي صدمتها سيارة من الخلف قبل أن تتوقف فوقعت هي من علي العجلة واصطدمت رأسها بمعدن السيارة المتوقفة ووقعت العجلة عليها واستمر جنزيرها بالتفافه السريع محتكاً بقدمها لتصرخ بألم قبل أن تجد من يرفع قدمها من عليه ويجذب العجلة بعيداً عنها .

كان صاحب السيارة الذي صدمها والذى نزل منها بفزع ،، لقد كان خطأه بالكامل لقد كان يحدث والده علي الهاتف غير منتبهاً لها حينما اصطدم بها دون قصد ،، كان ابيه مازال علي الهاتف ينادى عليه بقلق فحدثه بسرعة : أبي صدمت فتاة بالسيارة سأحدثك بعد قليل .

وضع هاتفه بجيبه ونزل لمستواها منزلاً قدميها بحزر علي الأرض متسائلاً : هل أنتِ بخير .

كانت تغطي وجهها بكفها الصغير ببكاء كالأطفال فإضطر لرفع كفها عنه يريد الإطمئنان وعرفها علي الفور هي نفسها تلك المشاكسة التي كان سيصدمها منذ يومين ولكن اليوم هذا خطأه هو .. ولكن ملامحها بهذا القرب تختلف كثيراً .. كم كانت طفلة يافعة بملامح تثير وتحفز الخلايا بجسده .. جميلة وشهية بكرزيتاها الصغيرين وردية اللون بجسدها المستقر بانتفاض أسفله فوجد دقاته تتعالى في وقت ليس وقته .. كانت تنظر له ببكاء .. لم تتعرف عليه فهي لم تحفظ ملامحه كما فعل هو وللحظة صمت أذنيه بصراخها وهي تنظر للبحر محل دراحتها التي تقع : لا لا دراجتي .

نظر خلفه وكانت الدراحة تقع بالفعل .. فهو حين رفعها عنها ألقاها بعيداً غير منتبه للبحر أساساً فوقفت الدراجة علي حافته منتظرة إنقاذ لتدحرجها الذى تم بالفعل ولم يستطع هو إمساكها لينظر لها بصدمة وقد تعالي بكائها كالأطفال ،، فأغمض عينيه بغضب قائلا : حسناً هذا يكفي .

توجه لها مجدداً متسائلاً بضيق : هل أنتِ بخير ،، أعطيني يديكِ هيا قفي .

الأن فقط عرفته من نبرته ،، إنها نفس النبرة ونفس اللغة .. نعم هو من لاحقها وحطم عجلتها هي متأكدة ،، احتدت نظراتها شراسة فرفع حاجبيه بانكار وهي تهتف بحدة : انتَ .. انتَ مرة أخرى .. انت الحقير اللي حطمت دراجتي وهلا غرقت دراجتي الجديدة .

لم يتوقف بكائها وهي تقف لتصرخ ما إن وضعت قدميها أرضاً فقد تأذت قدمها اليمني من هذا الجنزير الذى احتك بجلدها ،، كادت تقع فأسندها قائلاً بهدوء : هل تتوقفي عن تلك الدراما وأخذكِ للمشفي .

نظرت له بصدمة وبراءة والكلمة جرحت احساسها المرهف فأبعدته مستندة علي سيارته رغماً عنها قائلة ببكاء : بعد عني ما بدى شى منك .

لقد ألمه قلبه حقاً من كثرة بكائها هذا ولكن لا يعرف ما سبب نظرة الالم بعينيها هل من أجل دراجتها أم من أجل ألم قدميها فاقترب منها بهدوء : حسناً أنا أسف اهدئى وأرجوكي تعالي معي سأخذكي للمشفي أقسم لأطمئن عليكِ .

صرخت بهِ أنها لا تحتاجه بشئ فصرخ بها هو الأخر : حسناً أنا المخطئ فلتحترقي وما دخلى ابتعدى عن طريقي لأغادر .

لاحظت استنادها علي باب سيارته وهي رافعة قدميها التي تؤلمها عن الأرض فعضت شفتيها ببكاء من صراخه هكذا بها ولم يفعلها أحداً يوماً وأن صرخ عليها بعنف هكذا .. وضعت قدمها علي الأرض حتي تستند عليها وتبتعد عن سيارته وأغمضت عينيها بألم فظيع وهي تحاول فقط أن توازن نفسها .. لقد كانت مثيرة للشفقة نعم ولكنها آبت بكبريائها أن تطلب مساعدةً منه .. امتعضت ملامحه بألم كما حال قلبه من رؤية ملامحها المتألمة بوضوح وهي فقط تحاول أن تبتعد عن طريقه ليحملها بسرعة فاتحاً باب سيارته الخلفي مسنداً إياها علي ظهر الباب من الجهة الأخرى رافعاً قدميها .. متجاهلاً تذمرها ورفضها ركب هو الأخر واتجه لأقرب مشفي في طريقه .. لا يصدق أنها ما زالت تعاند وهي تحدثه بحدة : نزلني ما بدى مساعدتك .

بالفعل لم تكن تريد مساعدته فهي كانت ستجلس في أى مكان وتتصل بتيم او قصي ليأتي لها الأقرب ويسعفها .. انتفضت وهو يزعق بها قائلاً بلهجته المصرية : كفاية عناد بقي .

بالكاد فهمته ملتقطة كلمة عناد من حديثه فعرفها أنه يصيح بها كي تكف عن إصرارها معاندة لتصمت ولكنها لم تكن كايلا وهي تترك الصمت يحتلها وهي تتسائل بفضول : أنتَ مصرى .

نظر لها من المرآة بطرف عينيه مجيباً : مش باين ولا ايه .

قطبت حاجبيها قائلة : مو فهمانة عليك .

أغمض عينيه بضيق غير مستوعباً أنها حقاً لم تفهمه لقد كان يحدثها بعربية فصحي حتي لا يقع بهذا الموقف ولكنه ملَّ واعتدل لسانه للهجته مرة أخرى : مش واضح يعني من اللغة .

ضحكت قائلة مترجمة كلنة مش بعقلها بشئ أخر ليستعجب هو من تغير مزاجها هكذا وهي تسأله : شو يعني ' مش ' .

تأفف بحنق قائلاً : نعم أنا مصرى فلتصمتي .

صمتت بحنق من اسلوبه وراحت تسأله بتوجس : لما طال الطريق هكذا .

نظر لعينيها مستشعراً خوفها قبل أن يرن هاتفه فطئنها قبل أن يجيب : قربنا نوصل متخافيش هاخدك للمستشفي .

ثم أجاب هاتفه وترجمت هي كلماته بحنق حتي استوعبت تقارب كلمة مشفي ومستشفي ليرتاح بالها وهي تسمع محادثته المصرية البحتة بانبهار رغم عدم فهمها لشئ مما يقوله .

#يتبع