الفصل الثانى - منزل الدُمى
الفصل الثاني: جرم من علقم!
أخذت ظلال النور تختفي مع آخر شعاع قد خطته الشمس في الأفق، فتحت إيما عينيها، تحدق في المكان من حولها و تستنشق الهواء بعمق، لم تجد أي دليل يودي بها إلى بداية الخيط الذي قد يذكرها بما حدث بعد أن أغمي عليها ..
المكان أعتلاه سكون مريب، و كل من حولها نائمون و ليس هناك أي شيء قد يوحي بالفرج القريب، هي لا تعلم هل هي في كابوس؟ أم أنها قد وقعت في هاوية ليس لها نهاية، و بدايتها قد أزيلت من ذاكرتها بعناية ..
تلفتت حولها، لم تكن مقيدة بل كانت تجلس فقط على كرسي قد صنع من الخشب، ذو زخرفة جذابة و بناءه صلب، السكون في الأرجاء يصيبها بالقلق و التوتر، فهي لا تعرف أي من هؤلاء النائمين حولها، و حالتها قد باتت أقرب إلى الضجر ..
حينما نهضت و حاولت الاستدلال إلى باب الخروج من الغرفة ارتجفت فجأة و أصيبت مشاعرها بنوعٍ من الرهبة، فقد لمحت رسومات تجسد هيئة مهرج على الحائط توحي بمكانٍ غامض، و تلك الرسمة تبث في داخلها الضجة، قد استطاعت أن ترى تلك الرسومات بتفاصيلها على الرغم من خفوت الضوء، و صعوبتها في العثور على باب الغرفة ..
اقتربت من الحائط بهدوء و تردد، كانت دقات قلبها تعزف ألحان الخوف و تثير الفوضى في أعماقها، و العرق يتصبب من جبينها و الرعشة تسري في أطرافها، أرادت تفسير سبب وجودها هنا، لكنها لم تتمكن من الوصول إلى أي إجابة و مازالت محجوزة ها هنا ..
في اللحظة التي وصلت بها إلى الحائط، صدر صوت مخيف طرحها أرضاً، فقد خارت قواها و غطى التوتر عيناها، حتى أصبحت رؤيتها غير واضحة، و أنفاسها تتضارب بقوة كادحة ..
وصلت بها الحالة، إلى سقوط دموعها بغزارة، تردد صوت خطوات بطيئة تقترب منها، ثم دوى صوت قهقهات عالية بدا لها مألوف، إذ وقف شخص ما فجأة أمامها يرتدي حذاء من جلد، و حبات اللؤلؤ تغطيه على شكل صفوف ..
لم تتمكن من رفع رأسها فقد كانت منهارة، و دموعها تتساقط بغزارة، لكن ذاك الشخص قد أمسك بذقنها و رفعه بقوة و جدارة، إذ لم يلقي بالاً لخوفها و توترها، بل أراد أن يضفي نوع من الرهبة في كنفها ..
-هل أعجبتك اللعبة أيتها الشجاعة المغوارة؟
لم تفهم إيما ما الذي تقصده تلك المهرجة، لكنها قد أصيبت بالدهشة، إذ عادت بذاكرتها للوراء و تذكرت أن تلك المهرجة هي ذاتها التي تقدمت كمتبرعة لها، و بأسلوبها الماكر أقامت في نفسية الجمهور الضجة ..
حاولت إيما تفسير ما حدث، و علمت حينها أنها قد اختطفت و اعتقادها لم يكن حدس، بل كان واقعاً احتاجت في تفسيره إلى تشغيل حواسها الخمس ..
تركتها المهرجة و ابتعدت، ثم تمايلت بطريقة جذابة و صفقت، و إذ بشيء ما قد حمل إيما و رفعها للأعلى، شعرت إيما بالغثيان و كأنها تحلق حد وصولها للسماوات العلى ..
-ما هذا؟ أرجوكِ هل أنا في كابوس أم ماذا؟
قهقهت المهرجة و صفقت مرة أخرى، فوضعتها فوق كرسيها ذاته لكنها قد قيدتها هذه المرة، لم تلبث سوى عدة دقائق حتى صفقت المهرجة ثانيةً، فاشتغل صوت موسيقى صاخبة، لتستعد المهرجة من أجل إطلاق أحكامها الصارمة ..
لقد كان هناك ثلاث كراسي خشبية، قد جلست عليها إيما و شاب و في الكرسي الثالث العجوز، أما أمامهم فقد اصطف العديد من الأشخاص و كانت أعدادهم كثيرة ..
حدقت إيما بهم بصدمة كبيرة، لم تجد تفسيراً منطقياً لما يحدث أمامها، إذ قطع شرودها صوت موسيقى صاخبة قد اخترقت مسامعها، و كل من حولها قد استيقظ بفزع و رهبة ..
تلفتوا جميعهم بعدم استيعاب ما يحدث حولهم، فقد كانت الأجواء غريبة و مريبة بالنسبة لهم، لكن صوت المهرجة أسرهم، إذ ظنوا أنهم مازالوا في المسرح يلهون و يمتعون أنفسهم ..
-لنكن صريحين يا أصدقاء، و أرجو منكم التفهم بعناء، أنتم هنا قد جئتم بأقدامكم، لنلعب لعبة لطيفة خفيفة، ممتعة و ظريفة، ستروقكم، و ستمتعكم، ألن تسمعوني صوتكم؟
لم تلبث أن تكمل كلامها، إلا و بشخص ما قد قاطعها بكلماتٍ قد وسعت عيناها ..
-لا تصدقوها، لقد احتجزتنا منذ مدة، و هي ستعذبكم بشدة!
قهقهت المهرجة على شدة انفعاله، و ما كان منها إلا أن صفقت ثلاث صفقات متتالية، فتدلى حبل طويل و اشتد حول عنقه القصير، ثم ضغط عليه بقوة، مما دفعه للصراخ ألماً و خوفاً من المصير ..
-هذا مصير كل من يتصرف بتمرد، فكن لطيفاً أيها الجميل و لا تدفعني للتجرد، للتجرد من قناعي هذا، و أريك قدرتي التي ستودي بحياتك دون تأنيب ضمير!
حدقوا جميعهم بها بذهول، و البعضهم منهم قد أعتراه الذبول، لكنها دفعتهم للانتفاض بوضعية دفاعية، حينما صرخت بقوة و الرهبة من قبلها طاغية..
-سنبدأ اللعبة الأولى تحت مسمى 'خمن الرقم و الخاسر سيتذوق العلقم '
لم يتمكنوا من فهم ما قالته، و إذ بها تكمل بنبرة ساخرة بكلماتها الساحرة ..
-لكن كن متأنيناً، فقد يموت أحدهم ظلماً و ستبقى متألماً، ربما تكون سبباً في قتله بسبب اختيار خاطئ، لم تكن تقصد فيها لغوتك تلك!
تغيرت ألوان الأضواء في الغرفة، و أنبعثت ألوان حمراء و زرقاء تسلب العقل بخفة، جميعهم خائفون ينتظرون التالي، إذ يبدو أن تلك الساحرة لا تبالي، ثم إن لا أحد منهم قد استوعب الأمر، بينما البعض منهم يشعر بالقلق ينبعث في داخله كالجمر ..
اقتربت المهرجة بمشية متباهية، و وضعت ثلاث ورقات متجارية، ثم نبست بخفوت و المكان يعم فيه السكوت ..
- فتاة، شاب، و عجوز، كل منكم، لديه اسم لكنكم هنا مجردون من هويتكم، و أنا من أحكمكم، فلتستمعون لي بآذانكم، و لتطيعيوني بأفعالكم!
التفتت إيما إلى العجوز فرق قلبها لحاله، تلك عديمة الرحمة لا تبالي بعمره و لا بآلامه..
-الآن، أمامكم هؤلاء، كل منهم رقم، من اثنان و حتى عشرة، و أنتم من عليكم تحديد مصير هؤلاء العشرة، أرجو منكم قتل كل حشرة، فأنا أود أن يبقى الأقوياء، كي لا تكونوا جميعكم سجناء
على كل واحد منكم تخمين العدد الموجود بأوراق اللعب هذه، و الرقم الحقيقي الموجود صاحبه سيقتل، أما من يكون تخمينه خاطئ سيهمل، و سيرى اللعب الحقيقي بالفعل!
عند إشارتي سيبدأ العد، و على كل منكم أن يخمن العدد بجد!
واحد .. اثنان .. ثلاثة .. ليبدأ اللعبة بشراسة!
انطفأت الأضواء جميعها، و اشتعل ضوء أحمر صاخب
Raghad Zkoor
الجميع يطغى عليه هدوء صامت، بينما المهرجة تتنظر منهم اللعب ..
بدأ الدور من عندي إيما، التي نبست دون تفكير و بخوف شديد، حينما شعرت بشيء يشبه الرجل الآلي قد قيد عنقها بسكين حادة ..
-رقم خمسة!
انتقل ذلك الآلي على الفور ناحية الشاب، الذي قد أخذ يرتجف و ينظر ناحية الباب، بينما العد التنازلي قد بدأ، كان هو يجول ببصره في الغرفة و التوتر يطغى عليه ..
بعد برهة من الزمن، حاول مجدداً أن يخمن، لقد كانت لعبة حظ و ضمير، لكنه لم يكن ألكسندر بقادر على التفكير، بينما يقلب عيناه بين اللاعبين، استقرت عيناه عند الرقم اثنان، كانت فتاة صغيرة لطيفة، لم يستطع تخيلها تُقتل فانتقل بدوره ناحية الرقم ثلاثة، و الذي قد حمله شاب أشقر تطغى عليه ملامح حادة و شراسة ..
- رقم ثلاثة!
صرخ بقوة قبل أن يصرخ الرجل الآلي بالرقم صفر، مشيراً إلى نهاية العد التنازلي المستمر، عندما ابتعد الرجل الآلي و ظهر الرقم ثلاثة على الشاشة، تنهد ألكسندر بعمق و أغمض عينيه بارتياح ..
حينما حان دور العجوز، لم يستغرق الأمر سوى دقائق، إذ أنه ظن أن بسرعته يفوز ..
-ستة!
عبست المهرجة و رمقته بنظرة حادة ..
-يبدو أنكم قد تسرعتم!
رددت المهرجة كلماتها بنبرة جادة، في تلك اللحظة شعرت إيما و كأنما أداة حادة، قد غرزت في منتصف قلبها، إن كانت إجابتها خاطئة ستكون السبب في قتل أحدهم و هي مرغمة على ذلك ..
تغيرت الأجواء من حولهم، و إذ بجميع الأرقام أمامهم قد حُمل أشخاصها من قدميهم و أنقلبت أجسادهم، بدأ الجميع بالارتجاف، و قبل أن يصدر أي صوت من كل شخص يخاف، همست المهرجة بمكر، بنبرة ساخرة و كأنها في حالة سكر ..
-كل من يصدر صوت سيقتل قبل أن ينهار، و إن لم يكن الرقم المختار!
ضغطت المهرجة على إحدى الأزرار في الجدار، و إذ بالأرض تحتهم انفتحت على شكل مربعات، انتابتهم الرعشات، لتصرخ امرأة تحمل الرقم تسعة بكل قوتها ..
-أرجوكِ دعيني و شأني
قلبت المهرجة عينيها بملل، لتقوم بالتلويح بعصاها السحرية عدة مرات بلا كلل، و ما دفع من توسلات المرأة سوى جعل المهرجة تقتلها بإهمال، إذ أن الحبل قد قطع فجأة و سقطت المرأة في الحفرة تحتها ثم اختفى صوت صراخها بالتدريج، و كأنها سقطت في هاوية ..
لم يتمكنوا من الصراخ بسبب شدة خوفهم، سارت المهرجة بخطوات متزنة مبتعدة عنهم، ثم اقتربت من الطاولة أمام إيما و ألكسندر الجالسان بجانب العجوز، لتقلب ورقة إيما بهدوء ..
كانت إيما تنظر إليها بترقب و خوف، فهي تعلم إن اخطأت لن يكون مصيرها أفضل من مصير صاحبة رقم تسعة، كان جبينها يتصبب عرقاً و نظراتها تزداد سعة ..
-الرقم الصحيح هو رقم ..
صمتت المهرجة و نظرت إلى إيما بطريقة مريبة، ثم رفعت ورقة اللعب و قهقهت بصوت عال بطريقة غريبة ..
-رقم خمسة!
صفقت المهرجة و تمايلت بسعادة، بينما إيما قد شعرت بالارتياح يسري في جسدها بريادة، لكن قلبها بدأ يعتصر ألماً، و الندم يقيد مشاعرها فهي ستقتل صاحب الرقم البريئ ..
رفعت بصرها تنظر ناحية صاحب الرقم، و إذ بها امرأة كبيرة ترتجف بخوف، حاولت أن تنهض إيما من فوق كرسيها بمقاومة تلك السلاسل، لعلها تنقذ المرأة و تقاتل، أرادت أن تقاتل تلك المهرجة فهي تقوم بأشياء غير قانونية، لعلها تحد من أفعالها الغبية ..
لكنها لم تتمكن من النهوض، فهي مقيدة بقوة بواسطة القيود، و عظمها لن تصل مقاومته إلى قوة ذاك الحديد المربوط، و الذي كان معهوداً حولها بشد و قسوة ..
لم تفهم تلك المرأة مالذي يجري حولها، إلا أن صراخها الشديد من الخوف عندما قطع الحبل الذي يحملها أصاب إيما بنوبة بكاء حادة، و بدأت تصرخ من مكانها بكل قوتها ..
سقطت المرأة كالتي سبقتها، و بقيت إيما تحدق بمكانها الفارغ، بينما الألم يعتصر قلبها ..
-و الآن لننتقل إلى صاحبا الرقمين النهائيين
و مجدداً رفعت بطاقة ألكسندر لتهمس بنبرة خائبة ..
-اختيارك خاطئ أيها الوسيم، الرقم ثمانية و ليس ستة!
بلع ألكسندر ريقه بصعوبة، هو لا يعلم مالذي ينتظره الآن، من قبل تلك المهرجة الصارمة، توجه ببصره ناحيتها و رمقها بنظرة قلقة و ملامح غُضَّة ..
لتقترب هي منه ممسكة بيدها سيف طويل ذو ذيل قد صنع من قماشٍ حرير، أما المقبض فقد رصع بالمجوهرات، و كلما كانت تتقدم أكثر ناحيته كان شعوره بالأمان يتحول إلى فتات ..
حملته آلات حديدية مرغمة إياه على النهوض، كانت أفكاره السلبية تغرز في قلبه كشظية، حدق به الجميع بذهول بينما المهرجة أمسكت بالسيف المسلول و حاولت بحركة خادعة أن تغرزه في صدره بينما تردد ضحكاتها اللاذعة ..
و وسط ذهول الجميع و شعورهم بعدم القبول، أخرجت من صدره قطعة من لحمٍ مبلول بدماء حمراء لزجة، أما المهرجة فمازالت تضحك و تصنع الضجة ..
لم يعد جسده بقادر على الحركة، و هي تمسك بقلبه و تقلبه بحركات متفاخرة و ترمقه بلذة، بدأ الصراخ حولها يتردد و الجميع في حالة خوف و تردد ..
حملت قلب ذاك المسكين و رفعته لتريهم إياه بشكلٍ مهين، ثم ربتت على كتفه بلطف و رددت بنبرة سخف ..
-أترون، لقد تذوق طعم العلقم!
قهقهت بصوت عال و الموسيقى يرتفع صوتها و يتعالى، تمايلت بسعادة و بهجة، و أمسكته من ظهره لتحاول إعادة قلبه إلى صدره كما أخرجته منذ مدة..
انطفأت الأضواء و تجمد الجميع في أماكنهم، فقد انخفضت درجة الحرارة فجأة و كأنها تحاول قتلهم، مضى زمن طويل و جميهم ينتظرون بصمت و صدمة كبيرة ..
مازالت تلك المهرجة تصيبهم بالصدمة و الرعشة، و تدفعهم للندم في وثوقهم بها من العدم، لقد كان مصيرهم أن يجتمعوا بقاتلة مجنونة، و أرواحهم عندها مرهونة، ذات عقلية عنيفة مظلمة ..
-صديقكم الوسيم مازال يتناول العلقم، اخلدوا إلى نوم قبل أن تلقون مصيركم، اللعبة لم تنتهي بعد لكن للاستراحة حق و اللعبة تحتاج إلى الجد.
شعرت إيما بالارتياح ناحية العجوز، فقد يكون نجي من جنونها على الرغم من عدم تمكنه من الفوز، لكن بالها مازال مشغولاً بألكسندر الشاب المذلول، و مازالت تتساءل بفضول، ما حدث للتوه مجرد خدعة أم حقيقة و ألكسندر قد تحول لجثة؟
على الرغم من أن المكان قد عمه الهدوء، لكن إيما لم تتمكن من النوم
Raghad Zkoor
و مازالت تقاوم بعناد فهي من عليها أن تكشف حقيقة هذا الجرم، و كونها صحفية جريئة فهي مصابة بمرض الفضول المحض، الذي يدفعها لتحليل كل شيء و كشف الحقائق فهذا سبب وجودها على هذه الأرض ..
إلا أن سماعها لصراخ أحدهم بقوة، يخالطه صوت يشبه اصطدام الحديد ببعضه البعض، قد دفعها لأن تغمض عينيها بخوف و ألا تحلل أي شيء بعد ..
يتبع..