-->

الفصل الثالث - منزل الدُمى

 


الفصل الثالث: قلب أسود!


كانت تشعر و كأن الظلام و السوداوية تلتهمها، تحدق عميقاً في سقف غرفتها المظلم، تنتظر من أحد أن يأتي لينتشلها من هذه الحياة المريعة التي تعيشها منذ صغرها ..


هي تعلم أنها إن خرجت الآن، ستتلقى الكثير من السخرية فهي تعاني من التنمر منذ زمن، لكنها مرغمة على فعلها، كونها غير قادرة على الهروب من قدرها ..


نهضت بهدوء و برود من فوق سريرها، و سارت ناحية باب غرفتها بنظرات شاردة و ملامح تفتقد للمشاعر، ملامح باردة ..


لتخرج من الغرفة بتردد، كانت تلقي نظرات فاحصة على المكان قبل أن تكمل طريقها في ذاك الممر الطويل و المظلم، لتنزل من السلُّم و كل ما تريده هو السلم، و الأمان أن يحيط بها ليحميها منهم ..


لكنها فجأة سمعت أصوات همس تخترق مسامعها، و الكثير من الضحكات المرغمة على الإخفاء تسمعها، أرادت الالتفات لعلها تكون مجرد أوهام، لكنها فجأة تلقت دفعة من أحدهم جعلتها تسقط من أعلى السلم و حتى نهايته، حينها شعرت و كأن قلبها قد اخترقته مشاعر الاستسلام ..


بدأ الألم يسيطر على جسدها من كل جانب، و يعتصر قلبها المحارب، قلبها الذي حارب عنفهم و تنمرهم لها منذ وقتٍ طويل، بينما الضحكات بدأت تتعالى في الأرجاء من حولها و دموعها الهزيلة تتساقط بغزارة و تسيل ..


حاولت رفع يدها المتعبة المرتجفة، و توجيهها ناحية صدرها حيث يقع قلبها مباشرة، رفعت رأسها بنظرة سامة و حادة لتصرخ بصوتٍ عال فجأة، ثم ترفع يدها ممسكة بقلبها الاسود المظلم و تقهقه بطريقة مريبة، كانت قد أخرجته بكل عنف، و ملامحها قد تحولت إلى القوة بعد أن خالجها الضعف ..


بدأ السواد يخيم على المكان من حولها، و نهضت هي بينما الدماء تسيل من صدرها إلى أسفل قدمها، لتتفحصهم من حولها بنظرات سامة تطلق شرارة، وفي يدها اليمنى قلبها الأسود يسيل دماً ..


حدقت بهم جميعاً، كانوا مثلها أطفال لم يتعدوا عمر العاشرة، رفعت رأسها بجرأة بعد أن كانت خائفة منهم، لتقوم بالتصفيق و إذ بهم يقتلون فجأة من العدم ..


برصاصات تخترق صدرهم، بينما هي تطلق الضحكات بسعادة.


❈-❈-❈


فتحت عينيها و الشهقات تلازمها، كان العرق يحيط بجسدها من كل جانب، لتنهض من فوق سريرها و تقف أمام المرآة واضعة يدها مكان صدرها، لم يكن هناك دماء أو ألم كما شعرت لتوها، تنهدت بعمق و أنزلت رأسها بنظرة متألمة، ذاك الكابوس يلازمها منذ أكثر من عشرين عاماً، و مازالت تشعر بالألم بسببه و بالذل ..


لم تكن ملامحها ظاهرة، إذ أن وجهها قد غطته رسومات من ألوان كثيرة، مثلت وجه مهرج يبتسم ابتسامة منيرة، على الرغم من نظراتها الفاترة ..


سمعت صوت شهقات تأتي من جانب سريرها، فما كان منها إلا أن قطعت سلسلة شرودها تلك و همت لتذهب حيث تلك الأصوات المتواصلة، و عندما وصلت إلى هناك، اقتربت من قفص حديدي مفرغ، يستقر في داخله جسد شاب هزيل، يطلب النجدة بكل خوف، بدا عليه التعب و الألم حتى ظله المعكوس على الحائط بدا و كأنه ذليل ..


اقتربت منه و قهقهت بسخرية، ثم امسكته من شعره و قربته إليها بعصبية، لتهمس له بكل هدوء ..


- ستعود لقاعة اللعب، فقد تذوقت العلقم بما فيه الكفاية، لكن كن حذراً ففي المرة المقبلة سأقوم باقتلاع قلبك بشكلٍ حقيقي و بعناية.


هز ألكسندر رأسه، و كانت عيناه توحي بمشاعر متألمة، إذ أنه يود النجاة من هذه المجرمة..


أخرجته من القفص مكبلاً بسلاسل، يسير خلفها غير قادر على رفع رأسه، و نظراته تصطدم بالأرضية بصمت ولا يجادل ..


في داخل قاعة اللعب، كان جميع اللاعبين يغطون في نومٍ عميق، إلا إيما التي كانت تستيقظ كل فترة على كابوس جديد و خوف يشتعل في داخلها كالحريق ..


عندما فتح باب القاعة، تردد صوت صرير الباب فأيقظهم بينما الساعة كانت تشير إلى التاسعة، نظر الجميع باستنفار ناحية الباب الكبير، و إذ بالمهرجة تدخل و خلفها ألكسندر بجسده الصغير، كان حجمهما صغيراً مقابل باب القاعة الضخم ..


حدقوا جميعهم به بدهشة و بعضهم قد أغمي عليه من الصدمة، بينما آخرون كانوا بالفعل قد خمنوا بأن ما حدث أمامهم كان مجرد خدعة، و أن ألكسندر مازال حياً يسعى ..


- هذا صديقكم، قد عاد للحياة مجدداً من أجلكم، فالاستراحة قد انتهت و اللعبة قد بدأت.


صفقت مرتين و إذ بالسلاسل المحيطة به تُزال، و يتقدم منه رجل آلي يبدو كدمية دموية مخيفة، ليقوم بدفعه بإهمال، حتى دفعه للجلوس فوق الكرسي الذي قد جلس عليه من قبل ..


كان كرسيه ملطخ بالكثير من الدماء، ليتردد إلى ذاكرته ذلك المشهد عندما اقتربت منه المهرجة بسيفها الذي تلوح به بالأرجاء، فظن أنه قد قتل، و إذ به يسقط فجأة في هاوية عميقة و لشدة خوفه قد أغمي عليه فلم يعد يشعر بأي شيء بعدها و أصابه الشلل ..


ثم انسابت أمامه تلك اللحظات المخيفة التي عاشها بعد ذلك، عندما تعرض للتعذيب من قبلها، و حبس في ذاك القفص الصلب بسببها ..


تغيرت ألوان الإضاءة في القاعة، و الموسيقى بدأت تعزف ألحان تقليدية تبدو مستوحاة من فيلم كوميدي تقليدي قديم، قد عزفها مبدعين و ببراعة ..


أمسكت المهرجة بثوبها الأحمر الطويل من الأعلى لتقوم بشده بسرعة مرة واحدة مع ابتسامة سارة، و إذ بها ملابسها تنقلب لفستان مزركش يبدو و كأنه خاص باحتفال قد أقيم من أجل الكثير من الألوان، كما و كأنه قد صُمم في بلاد الهند، التي تعشق الألوان و الرقص ..


أمسكت المهرجة بمكبر الصوت و علقته على أذنها ليمتد كالساق على فمها، ثم نبست بحماس و صوتٍ عال بينما الضجة السعيدة تغمرها ..


- لنبدأ لعبة جديدة، تدعى ' الراقص الغافي '


تلفتوا جميعهم بعدم فهم ما قصدته، لتقهقه و تردف بنبرة تتخللها سعادة عامرة، و ملامح السرور على وجهها غامرة ..


- لقد انتظرت أن أعيش هكذا منذ زمن، أنتم أيها الدمى اللاعبون حققتم لي أمنيتي و أزلتم حزني المزمن، لطالما حلمت بأن يكون لي دمى كثيرة، أحركها كيفما أشاء على منضدة كبيرة!


أنهت جملتها بضحكة عالية، كانت إيما تحدق بها بنظرة باردة على الرغم من صدمتها و عدم تمكنها من استيعاب أفعال تلك المهرجة الغير منطقية ..


- سأمرر كرة إليكم أيها الحكام، و عندما أقوم بالتصفيق على الشخص الذي ستقف عنده الكرة

Raghad Zkoor

أن يقوم بتحطيمها و إخراج الورقة التي في داخلها، و التي ستحتوي على رقم من تلك الأرقام!


تنهدت بعمق و أكملت ..


-الآن تبقى لدينا سبعة دمى، اختاروا بحذر و همة


عند العد حتى ثلاثة، سنبدأ

واحد .. اثنان .. ثلاثة، لنبدأ!


مررت الكرة الزجاجية أمام إيما و ألكسندر و ذاك العجوز، كانت نبضات قلبهما تخفق بشدة و توترهما يظهر على هيئتهما الخارجية، إذ إنهما لا يعلمان إن كان صاحب الرقم سيقتل كمن سبقوه، و من يخرج الرقم قد يكون السبب في قتله ..


عدا العجوز، الذي حافظ على هيئته الهادئة و نظراته الحادة اللامبالية، مما دفع إيما للشعور بالحقد تجاهه ..


تحركت الكرة ذهاباً و إياباً عدة مرات، ثم توقفت أخيراً أمام ألكسندر الذي بدأ يتنهد بضجر و قلة حيلة، حدق بالكرة لبعض الوقت ثم حملها و قام بإسقاطها بقوة على المنضدة أمامه مما سبب بتحطيمها إلى قطع صغيرة ..


حاول قدر الإمكان أن يحافظ على سلامة أصابعه و ألا يخدشها بقطع الزجاج المتناثرة، إذ كان مرغماً على إخراج الورقة من بين الزجاج المحطم، في النهاية تمكن من إخراج الورقة لكن أطراف أنامله قدر سالت منها الدماء بالفعل ..


أمسك بالورقة و نبس بنبرة مرتجفة غير قادرٍ على النظر في عيني أحد ..


- الرقم ... أربعة!


صفقت المهرجة و نهضت تتمايل برقة و هي تقترب من صاحب الرقم أربعة، كان رجلاُ يبدو في العقد الرابع من عمره، بينما هو كان ينظرها لها بنظرات مريعة ..


أمسكت بيده و دفعته أمامها ناحية المسرح الخاص بالقاعة ..


- لا تقلق، ستكون شخصاً جيداً فأنت ستساعد أصدقائك على الضحك من أعماق قلوبهم، و هذا أمر جيد لأجل نفوسهم! فهم متعبون و مرهقون، و لمساعدتك راغبون


غمزته و قامت بإخراج سلسلة معلق بنهايتها جوهرة تلمع بشدة ذات لونٍ أحمر جذاب، قربتها منه، أخبرته أن يتبع الجوهرة بعينيه حيث تذهب، و ما كان منه إلا أن يلبي أمرها مرغماً عليه ..


بعد ثلاث هزات، أوقفت الجوهرة بينما هو كان يقف بهدوء و صمت، ثم أخرجت صافرة من داخل قبعتها الكبيرة، و ضغطت بها بشفتيها فخرج صوت صفير عال ..


سبب ذاك الصوت بتحريك الرجل، فدفعه لأن يجلس القرفصاء و يمشي بطريقة مضحكة مخرجاً صوت دجاجة ..


علت أصوات الضحكات و القهقهات، و هو مازال يقوم بفعلته بلا وعي مصدراً الأصوات، لترفع الصافرة مجدداً و تضغط عليها بشفتيها مرة أخرى ..


و إذ به بنهض من مكانه و يبدأ بالرقص بشكلٍ بهلواني كوميدي، لتعلو أصوات الضحكات أكثر فأكثر ..


بدت المهرجة سعيدة بما يحدث مما دفعها لأن تصفر للمرة الثالثة، لكن هذه المرة قد أخرجت سيفاً كبيراً من قبعتها قبل أن تقوم بالتصفير، و عندما ضغطت على الصافرة أمسك الرجل بالسيف و قربه من عنقه لينحر نفسه و يسقط فجأة بلا حراك ..


توقفت أصوات الضحك و حدقوا جميعهم به بذهول، مما دفع المهرجة للاستياء منهم و شعرت عدم القبول، فصفقت مجدداً و إذ بها الأسقف من فوقهم تفتح ليخرج منها بندقيات قد استقرت فوق رأس كل واحد منهم، و همست المهرجة بتهديد ..


- إن لم تكتمل موجة الضحك هذه ستقتلون!


لم يكن منهم إلا أن يستمروا بالضحك بتصنع، فبعضهم كانت دموعه تسيل على الرغم من ضحكته العالية، و الآخر كان يضحك مع نظرات متوسعة و خائفة بالية ..


و مع كل صوت طلق ناري و سقوط شخص منهم كانوا يرتجفون و يحاولون التصنع بأكبر قدرٍ ممكن ..


رقصت المهرجة بسعادة على أصوات الضحكات، و أخذت تتمايل و تصفق لهم وهم يرفعون من أصوات ضحكاتهم أكثر محاولين بذلك بأن يحافظوا على أرواحهم من جنونها العنيف ..


بعد أكثر من دقيقة قفزت المهرجة بقوة فارتفعت البندقيات و اختبئت في داخل السقف مرة أخرى ..


ثم لوحت بعصاها السحرية لتسقط وجبات من البيتزا أمامهم جميعاً على منضداتهم، همت هي بالخروج و قبل أن تغلق باب القاعة خلفها نبست ..


-تناولوا طعامكم، بالهناء و الشفاء!


و أغلق باب القاعة عليهم، فانفكت قيودهم و تحرروا جميعاً من مقاعدهم، أنزلت إيما رأسها و حدقت بقطعة البيتزا أمامها، كانت مترددة في تناولها حتى وسط هذا الجو العنيف المقزز كانت تشعر بالجوع فهي لم تتناول أي شيء منذ ساعات امتدت ليوم و نصف ..


لكنها رغم ذلك، هي لا تثق بتلك المهرجة، ألقت نظرة على من حولها، لتجدهم جميعاً ينظرون إلى قطعهم بنظرة رغبة و تردد في ذات الوقت ..


تنهدت بقلة حيلة، و التفتت ناحية العجوز لتجده قد هم بالأكل بلا مبالاة، ثم تلاه شاب و آخر حتى تجشعوا جميعهم على تناول قطعهم ..


مما دفعها لأن تمسك بالبيتزا و تحاول تقريبها من فمها بيد مرتجفة، لكن قبل أن تلامس شفتيها انتفضت سريعاً و هرولت ناحية امرأة كادت تسقط بعد أن نهضت من فوق مقعدها ..


أسرعت إيما ناحيتها و همت بالإمساك بيدها لتهمس المرأة لها و هي تضع يدها على بطنها المنتفخ ..


- دعيني أجلس على الأرضية، أشعر بالدوار


ساعدتها إيما بالجلوس على الأرضية، و وضعت الصحن الخاص بها على حضنها ..


- هل أنتِ بخير؟


هزت المرأة رأسها، ثم أرجعت رأسها للخلف و أخذت تتنفس بصعوبة بالغة ..


- أنت حامل و تمكثين هنا!


كانت إيما مصدومة فهي لم تكن تعتقد أن دناءة المهرجة ستصل إلى هنا، لكنها شخصية مختلة و قد تفعل كل شيء بدافع متعتها الشخصية و أنانيتها ..


- و أنت فتاة شابة لطيفة، كيف أتيت إلى هنا؟


تنهدت إيما بعمق و نبست ..


- لقد ظننت أنها لعبة فحسب، و وثقت بها فدخلت صندوقها اللعين، انتظرتها طويلاً لتخرجني بلا جدوى، لكن بعد أن أغمي علي في داخل الصندوق بسبب ضيق التنفس، استيقظت و وجدت نفسي هنا!، مازلت إلى الآن غير قادرة على استيعاب ما يحدث!


أومأت المرأة لها و ربتت على يدها بحنان، بدت امرأة لطيفة و حنونة بالنسبة لإيما، و هي ترمقها فتبث في داخلها الاطمئنان، رق قلبها لحالها و لحال ذاك الطفل في احشاءها ..


- لكنني أحاول أن أجد طريقة للهرب، و لإنقاذ نفسي و إنقاذكم جميعاً، إلا أنني لم أتمكن من فعلها بعد!


أحتاج إلى أن آخذ بشهادتكم جميعاً و أن نتكاتف معاً لنتمكن من الهرب، قبل أن نهلك جميعنا هنا، هل يمكنك إجابتي على بعض من الاسئلة؟


نظرت المرأة إليها بهدوء و اهتمام، مما دفع إيما لأن تنبس بنبرة منخفضة ..

Raghad Zkoor

- إيما، صحفية ذات الرابعة و العشرين من عمرها، فتاة قوية يمكنك الاعتماد عليها


مدت يدها لتصافح المرأة و إذ بالأخرى تبادلها المصافحة و تردف ..


- سيرينا، معلمة رياضيات، و مشروع أم جديد بعد عدة أسابيع إن بقيت حية!


جملت سيرينا الأخيرة أصابت إيما بسهم في قلبها، سبب في نزيف ألمها للخارج حتى ظهرت علامات اليأس على وجهها، تنهدت إيما بعمق مجدداً و نبست ..


- كيف أتيت إلى هنا؟ منذ متى وأنت هنا؟


- تم اختطافي، بعد يوم عمل طويل و شاق في التعليم و التعامل مع التلاميذ المراهقين و كثرة الضجيج في نهار مليئ بالعمل بلا كلل أو ملل، عدت إلى المنزل و كنت متعبة جداً لكني تفاجأت ببطاقة دعوة قد وضعت في بريدي، كانت دعوة عيد ميلاد لابنة صديقة المقربة ..


لم تكن من عادتها أن تقوم بدعوتي لأي مناسبة بتلك الطريقة، فظننت أنها أرادت مفاجأتي فحسب، و كنت حينها مرهقة فلم أتصل بها لاستفسر بل وضعت البطاقة جانباً و غصت في نومٍ عميق عندما استيقظت نسيت أمر الدعوة تماماً لهذا لم أتصل بها ..


حتى أنني ذهبت إلى مكان الحفل دون أن أطلب منها إيصالي، عندما وصلت إلى الحديقة لم أجد أحد، و لم تكن هناك آثار توحي بالاحتفال، بحثت عنهم بل جدوى فظننتها تفتعل معي بعض مقالبها المعتادة، لكن في اللحظة التي قررت فيها الاتصال بها، تلقيت ضربة قوية على رأسي أفقدتني وعي ..


و وجدت نفسي هنا عندما استيقظت، إلى جانب خمسة عشر شخصاً آخرين، غرباء عني كانوا جميعهم غير مستوعبين لما حدث ..


هل يمكنني الإكمال؟ 


هزت إيما رأسها و رمقتها بنظرة اهتمام شديد لتكمل هي و دموعها قد تجمعت في عينيها، بدت و كأنها كانت تنتظر تلك الفرصة، لتفرغ كل ما بداخلها و تشعر بالارتياح في لحظة ..


- مرت الأيام و هي تقدم لنا وجبات طعامٍ قليل، و بدا كالسجن بالنسبة لي، كانت كل يوم تقوم بأخذ شخص من هنا و نبقى الليل بأكمله نسمع صراخه و طلباته للنجدة ..


حتى مرت خمسة أيام كاملة، واجهت فيها صعوبة بالغة من الألم و الخوف و التعب، لكنني و بصفتي أرملة، كنت متشبثة بطفلي لأقصى حدٍ لدي، لهذا أرغمت نفسي على التحلي بالقوة ريثما أخرج من هنا بسلام ..


فطفلي هو كل ما تبقى لي من زوجي المتوفي ..


لم تستطع سيرينا إكمال كلامها، و بدأت تبكي بحرقة لكن بصمت شديد فلم ينتبه لها أحد، نبست في الأخير بنبرة مرتجفة..


- بعد ذلك، أتيتم أنتم لهنا، و ها هي القصة تكتمل لديك


أومأت لها إيما بتفهم، و اقتربت منها تحتضنها بكل عطف، كانت إيما تنظر للأعلى لعلها تقاوم دموعها التي كادت أن تسقط، قطع تلك اللحظة صوت فتاة صغيرة تربت على كتف إيما ..


- سيدتي، مازلت جائعة، هل يمكنني أخذ القليل من قطعة البيتزا الخاصة بك؟


ابتعدت إيما عن سيرينا و نظرت إلى الفتاة بأعين متوسعة، ثم ابتسمت لها و قدمت صحنها لولا أن سرينا دفعته برفق و أعادته إليها ثم قدمت صحنها للفتاة بكل رعاية ..


- أنا لست من محبي البيتزا، بل إن طعمها يدفعني للتقيؤ، يمكنك تناولها عني


في البداية أرادت إيما الاعتراض، فسيرينا حامل و يجب أن تأكل لتبقى قوية فالمكان هنا غير آمن، لكنها فضلت ألا تتدخل في الأمر و أن تلفتت لتلك الفتاة بفضول و تحدثها ..


- أنت أيتها الطفلة الشقية، ما الذي جاء بك إلى هنا؟ 


قهقهت الطفلة و نظرت إلى إيما بامعتاض ..


- و ما شأنك أنت!


- إنني أسأل ذلك رغبة في مساعدتك، لكن مهل اللحظة؟ تحدثي باحترام أيتها الشقية!


تناولت الطفلة قضمة أخرى و مضغتها باستمتاع شديد ثم أجابت ببرود ..


- تساعديني؟! من ماذا؟، إنني أشعر بالسعادة و المتعة هنا، فالمهرجة تضحكنا و تقوم باللعب معنا بكل اهتمام!


رفعت إيما حاجبيها متفاجأة و سألت الفتاة بفضول أكبر من ذي قبل ..


- ما اسمك أنت؟ و كيف أتيت إلى هنا؟


- اسمي ماريا، أما مجيئي إلى هنا فالقصة طويلة سأخبرك بها لاحقاً، الآن وقت تناول الطعام و الاستمتاع


قلبت إيما عينيها في المكان من حولها، كان رد الفتاة يدفعها للصدمة، فحاولت أن تجد أحد آخر بالغ بالفعل لكي تجمع شهادات أخرى غير شهادة سيرينا ..


حدقت في الزاوية كان ألكسندر يجلس هناك و يقوم بتنظيف نظارته الطبية بطرف قميصه، بينما وجبته مازالت على حالها منذ أن قدمت له، لم يقترب منها، بدت عليه ملامح كئيبة و هدوء مريب..


على الرغم من أن الجميع كانوا كذلك، لكنه كان أكثر كآبة و غموض..


لن تتمكن من سؤاله فهي تشعر بعدم الثقة به الآن، كون ما حدث في اللعبة الأولى جعلها تشعر بأنه متعاون مع المهرجة لأجل خداعهم و بالإضافة إلى أن مظهره غير مريح و نظراته حادة و غامضة ..


التفتت إلى العجوز لتجده قد انتهى من تناول قطعته و انتقل لسرقة قطعة ألكسندر، مما دفعها لأن تقلب نظرها بامتعاض شديد ..


- يا لهؤلاء البشر، كل ما حدث أمامهم و مازل لديهم شهية لتناول الطعام باستمتاع و كأن شيئاً لم يكن!


أرادت النهوض و التحدث إلى ألكسندر بعد تردد شديد، لكنها قبل أن تفعل انطفأت الأضواء فجأة و عم الظلام في المكان، ليأتيهم صوت من المكبر الصوتي يهددهم بشكلٍ مباشر..


- لا تتحركوا، ابقوا في مكانكم، و من يخالف القوانين سيقتل!


حينها اخترق مسامعهم صوت صراخ امرأة تتذمر ..


- أنت أيتها المهرجة، دعينا و شأننا، أيتها المختلة


تسلل لمسامعهم صوت حذاء نسائي يطرق في الأرض و تلاه صوت طرقة نارية، و بعدها أتت صوت طلقتين أخريتين، مما دفع الصمت لأن يعم في المكان و الهدوء التام بلا حراك..


مجدداً الخوف و الارتجاف يخترق قلوبهم، و الألم و الاكتئاب يطغى على نفوسهم!



يتبع ..